مقالات عامة

نحو حياة زوجيّة طيّبة

باسمه تعالى

نحو حياة زوجيّة طيّبة

د.احمد علي الشامي([1])

يلحظ من يتابع حركة المجتمعات في الشرق، سيما، ذات الثقافة الإسلامية، بروز معطيات لا يمكن تجاوزها- وإن اختلفت تقديراتها- تتحدث عن تغيّرات لافتة تتصل بمسائل الأسرة، في المكانة والدور والروابط بين أفرادها، على الرغم ممّا توليه هذه الثقافة من اهتمام بالغ بالتزويج، نذكر منها على سبيل المثال، حديث يروى عن الرسول الأكرم(ص) يقول فيه: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من التزويج"([2]).

وحين محاولة تفسير هذا المنحى السلوكي، يبدو جلياً، أن المسألة تتجاوز كونها مجرّد أزمة في الثقافة، لأن الأدبيات ذات الصلة، لا تزال تنساب- وإن بنسب مختلفة- ضمن المجتمعات الإسلامية. فما إن تبلغ الفتاة والشاب عمرًا معينًا حتى تصبح التساؤلات الأكثر تداولًا: متى سنفرح بكم؟ متى ستكملون دينكم؟

وحين التوسع بالتحليل، يلاحظ الحضور الفاعل لمقولة، أن الزواج لم يعد مصدرًا للسعادة، حيث يستدل على ذلك بتنامي معدلات الطلاق وحجم البرودة في العلاقات الأسرية. مع إنّ الموضوعية تقتضي عدم تحميل الزواج وأهميته تبعات ما يشهده من تجارب فاشلة على الرغم من تنامي معدلاتها، بالإضافة إلى جانب وجود معطيات ذات دلالة تشير إلى مدى إسهام الزواج في إحداث السعادة لدى شرائح اجتماعية واسعة.

وهنا، نتوقف أمام معطيات لدراسة أجريت في " كلّية فانكوفر" البريطانية([3])، بين عامي 1991 و2009، اشترك فيها حوالى 30 ألف شخص، حيث كشفت بأن المتزوجين منهم يشعرون بالسعادة والارتياح بالحياة أكثر من العازبين، وقال، أحد المشاركين فى إعداد الدراسة "البروفيسور جون هليويل"، أنّه مع مرور سنوات على الزواج لا يزالون أكثر ارتياحًا. ولكن أهم ما خلصت إليه الدراسة من استنتاجات: إنّ أولى دوافع عدم انخفاض السعادة فى الزواج مع مرور الوقت، هو الاختيار الصحيح للشريك.

في الواقع، يجدر التسليم بأن التحديات والعوائق ليست هي السبب الأساس لتعكير صفو الحياة الزوجية، إذ ليس من عصر قد خلا من هذه المنغّصات، ومع ذلك، بقيت الحياة الزوجية تنتج عبر الأسرة أفرادًا، منهم الأسوياء الذين يدفعون مجتمعهم نحو التقدم، ومنهم المشوّهون الذين يدفعونه نحو التخلّف.

ماذا يعني ذلك؟ يعني بوضوح أنّه على الرغم من ضرورة عدم تجاوز هذه العوامل، هناك من هو أفعل في عملية بناء الأسرة، يأتي في المقدمة، مستوى الالتزام بالمعايير الصحيحة في اختيار شريك الحياة الزوجية. فأي قراءة تؤسس لعلاقة زوجية ناجحة كنتيجة، يجدر بها تبيان تلك المعايير بوصفها مقدّمات أساسيّة. ونستحضر في هذا المجال، ثلاث من المعايير التي أكّد عليها الإسلام، هي:

أولًا- معيار الدين: صحيح أنّ الدين لا يزال في الشرق عامة، وفي المجتمعات الإسلامية خاصة، معيار أساسيّ في اختيار الشريك، إنّما يلاحظ وجود اختلالان في مقاربة هذا المعيار. الأول، حين يقال بأنّ هذا المعيار يخصّ المرأة دون الرجل، وهذا مغاير للحقيقة. فمن جهة الزوجة، لقد أكد الرسول الأكرم محمد(ص) على المعيار الأساس بقوله: "عليك بذات الدين"([4])، أمّا لجهة الزوج، فقد أشار الإمام الحسن(ع) بقوله: "زوّج ابنتك من رجل تقيّ، إن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها"([5]).

والاختلال الثاني، عندما يشار إلى الدين أكثر ممّا يشار إلى التديّن، فصحيح أن الأول يصلح لحلّية أصل الزواج، ولكن ليس وحده كافيًا لاختيار الزوج المناسب. فكثير من الشباب يركزون على طائفة ومذهب الشريك أكثر ما يركزون على حقيقة تديّنه، وشتّان بين من يكتفي بحمل إسم الدين وبين من يعمل به. فالتدين هو الصفة الملازمة للإنسان الذي يؤمن بأنّ الله يراه في كل نواياه وأفعاله، لذلك، يحرص على عدم المعصية؛ فعندما يكون الدين هو الحب، يغدو الظلم مظهرًا للمعصية. وقد روي عن الرسول الأكرم في هذا المجال قوله: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه([6]).
 
ثانيًا- معيار الجمال: دعونا نسلّم بأن الاختيار بالإكراه أو بالواسطة قد انحصر كثيرًا، ما يعني، إن أغلب حالات الاختيار باتت تتم بالإرادة، وأنّ معيار الجمال- النسبي- حاضر بقوة في عملية الاختيار. ومع ذلك، يقف من يجري معاملات الطلاق مندهشًا، عندما يسمع من أحدهم أنّه ما عاد يطيق النظر إلى الطرف الآخر والعيش معه، على الرغم، من امتلاك هذا الآخر مواصفات خارجيّة تخالف هذا الشعور. وفي ذلك إشارة إلى اختلال في مقاربة هذا المعيار، حين يجري التركيز على الجمال الخارجي وإهمال الداخل، وهو الأساس. نستعين في توضيح المقصد بما حدده الرسول الأكرم محمد(ص) في التعامل مع معيار الجمال في اختيار الزوجة، حيث قال بما معناه: "إيّاكم المرأة الحسناء في منبت السوء"([7]). ومن جهة اختيار الزوج، فقد جاء عن أبي الحسن(ع) قوله: "لا تزوّج سيّئ الخلق"([8]).
 
ثالثًا- معيار التكامل: لم يعد من المبالغة القول، إنّ تسلل فكرة المساواة الكليّة بين الذكر والأنثى باتت تقف خلف كثير من الخلافات الزوجية، فهذه الفكرة التي تتعارض مع الفطرة الإنسانية ومع الدين الإسلامي، ترى بأن الأنثى كالذكر، لها ما له وعليها ما عليه، ولذلك، حين ينتفي الاختلاف يسقط التكامل، فتكون النديّة هي الحاكمة بين الشريكين. وهي بذلك، تتعارض مع حقيقة تكوينية أشار إليها خالق الخلق، في قوله تعالى: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا([9])، أي في تسخير القدرات المتفاوتة ليعين كلّ منهما الآخر- التفاوت بينهما في الاستعدادات الجسمية والنفسية- من دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو الكمال؛ فالحياة الاجتماعية حتى تعمر، إنّما تحتاج إلى هذا التكامل. لذلك، فإن واحدة من عوامل اهتزاز الحياة الزوجية، عدم الاتفاق المسبق على هذه المسألة الجوهرية قبل الإقدام على الزواج، فهي إحدى ركائز العلاقة بين الشريكين، في إدارة المنزل والحياة الأسرية عامة.
 
لقد بات من الموضوعية الإقرار، بأن ما تشهده المجتمعات من نمو لظواهر سلبية في الحياة الأسرية، يعود بجانب أساسي لمنحى الابتعاد عن المعايير الصحيحة في اختيار الشريك، إذ بات التعامل مع هذه المعايير بوصفها ثانوية، حتى إن البعض يضعها في منزلة الموروثات الاجتماعية البالية. بينما بالمقابل يتزايد الاهتمام بالمعايير الوافدة رغم ثبوت إسهامها في جعل الحياة الاجتماعية أكثر تعقيداً، والتعامل معها بوصفها أساسيّة لبناء حياة عصرية. علّ الوعي لهذه الحقيقة يسهم في تدعيم بناء حياة زوجيّة طيّبة.


([1]) مرفق لمحة موجزة عن سيرة الكاتب.
([2]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص 14.
([3]) أنظر: دراسة بريطانية: الزواج يجعلك أكثر سعادة، موقع اليوم السابع الألكتروني، بتاريخ 19 ديسمبر،2017.
([4]) الكافي، ج5، ح1، ص332.
([5]) مكارم الأخلاق، ص204.
([6]) الكافي، ج5، ص347.
([7]) الكافي، ج 5، ص 332.
([8]) بحار الأنوار، ج 100، ص 235.
([9]) القرآن الكريم، سورة الزخرف، الآية:32.

أضيف بتاريخ: 27/08/2020