المقالات

الحرب الناعمة وإشكالية الممانعة د.محمد ياغي

 
                      الحرب الناعمة وإشكالية الممانعة  
 
 
 
      د. محمد ياغي *
 
 
شهد مفهوم  " الحرب الناعمة " (Soft War  ) ، أو " القوة الناعمة " ( Soft Force ) ، تألقا" في نهاية القرن الفائت ، وأصبح موضع اهتمام أكاديميين ودوائر سياسية وأمنية وعسكرية وإستراتيجية عدة ، وبصورة خاصة في الولايات المتحدة الأميركية التي أنتج مفكروها فلسفة المفهوم بأبعاده المختلفة . ومفهوم الحرب الناعمة لم يدخل حيز التداول في البلدان العربية والإسلامية إلا مؤخرا" ، وبمستوى من الفهم الخجول ، المختصر على بعض النخب التي تهتم بالدراسات الإستراتيجية ، أو لدى جهات إقليمية تدرك مدى خطورة أنشطة وبرامج الحرب الناعمة التي تظهر تجلياتها على الشبكة الإلكترونية ، وفي فهارس محتويات المحرك الدولي للمعلومات ( Google ) ، بأثواب مختلفة ، تتيح تلمس المظاهر الأولية لأوجه صراع خفي تستخدم فيه أدوات وآليات غير مألوفة في المواجهات الحربية المباشرة ، أو في الحروب الصلبة الظاهرة للعيان . فمن يتصفح بدقة صفحات الشبكة المتعلقة بالموضوع المعالج ، يمكنه ومن منحى نقدي – مقارن ، أن يلاحظ مشاهد عدة ، أبرزها : مشهد الغياب الصريح للاستعدادات والإرشادات التوعوية العربية الرسمية في مواجهة تداعيات ومخاطر الحرب المقصودة على مستقبل تحولات الصراع العربي - الإسرائيلي . إضافة إلى بروز مشهد آخر لافت يظهر كيفية ظهور الحضور الإسرائيلي من خلال جملة مواقع ، منها ما يروج  أن فكرة الحرب الناعمة من ناحية المفهوم ، إنما تعود إلى المجتمعات العربية والإسلامية التي تكن العداء البالغ لدولة إسرائيل . وفي مواقع الكترونية عدة ، تشير " البروباغاندا " الإسرائيلية إلى تورط بعض البلدان الأوروبية أيضا" بتشويه سمعة إسرائيل دوليا" ، تحت عنوان معاداة السامية ، وقد وثق ذلك في تقرير " مؤتمر هرزليا العاشر " ، الذي عقد في العام 2010 ، والذي أطلق توصيات أمل أن تتبناها الدولة العبرية على المستويات : التنظيمية والقضائية والسياسية والإعلامية . بالمقابل ، و بمواجهة الحملة الإسرائيلية المنظمة ، تظهر صورة الصراع الإقليمي - الناعم  ، الدائر في الشرق الأوسط من خلال  الحضور الإلكتروني المكثف للجمهورية الإسلامية ، والذي يحدد مدى خطورة الحرب الناعمة وما يعد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أعمال عدائية ، ترمي إلى تغيير القيم والهوية الثقافية الإسلامية . إذ يبدي الإيرانيون قلقهم البالغ ،
 
 
ويدعون إلى التنبه لمواجهة ما يعد للأمة الإسلامية من مؤامرات تستهدف ممانعة الشعوب التي تطمح إلى التفلت من قبضة أميركا ، والعمل على الحد من الآثار السلبية للعولمة الثقافية التي تمارس غزوا" ثقافيا" منظما" على الشعوب المستضعفة . 
     إن المشاهد المختلفة التي عرض لها ، تفتح باب السجال في محافل " الإنتليجنسيا " العربية والإسلامية حول آليات الممانعة . ففي قواميس بعض المثقفين العرب لا يوحى مستوى التعامل مع الممانعة كمفهوم ، إلا بردة فعل تصادمية لا قيمة كبرى لها ، والممانعة بنظر بعضهم ليست سوى أداء سلبي قاطع مع العصر ، ومعيق للتقدم على كافة المستويات . بينما ينظر البعض الآخر إلى الممانعة كثقافة متكاملة  ومتفاعلة مع إيجابيات العولمة ، متخذة من الحداثة ما يتناسب مع مصالح الأمة ، و منسجمة مع أصالتها  لجهة مقاومة الأهداف الاستعمارية التي تطمح إلى استغلال الشعوب المستضعفة وتحويلها إلى صيغة مستهلك لكل ما هو منتج غربي . وبما أن الحرب الناعمة تستهدف بصورة أولية صيغ الممانعة القائمة ، وانطلاقا" من أنها منهج صراع غير مباشر تستخدم فيه شتى سبل السيطرة المعنوية لقهر الشعوب المستضعفة  ، لا بد من استنهاض أسئلة أبرزها : ما هي حقيقة الحرب الناعمة ؟ وما هي انعكاساتها على البلدان العربية والإسلامية ؟ كيف تتجلى تأثيراتها ؟ وما هي أهمية بناء مجتمع ممانع للحروب الخفية التي تشن بالوكالة الداخلية على البلدان العربية والإسلامية ؟ 
 
القوة الناعمة ( تأصيل نظري – تاريخي ) 
 
   قبل أن نعرض لظروف نشأة مفهوم الحرب الناعمة ، لا بد لنا من تبني تعريف علمي ما ، يندرج في جملة تعريفات رائجة في حقل البحوث الإستراتيجية العسكرية والسياسية . " فالقوة الناعمة مصطلح يستخدم في نطاق نظرية العلاقات الدولية ، ليشير إلى توظيف ما أمكن من الطاقة السياسية ، بهدف السيطرة على سلوك واهتمامات القوى السياسية الأخرى المستهدفة من خلال وسائل ثقافية وأيديولوجية . " (1) . 
   لدى مطالعة التعريف المدرج ، يمكننا من ناحية أولية استنتاج مغزى القوة الناعمة وما تشمل من أعمال مخططة ومنظمة ، الغاية منها ، تثمير الطاقة السياسية ، بهدف الهيمنة على القدرات والمقومات السياسية لدى الآخر المستهدف . بمعنى غزوه ثقافيا" وأيديولوجيا" ، وتحويله إلى بلد مسيطر عليه من دون أن تظهر هوية الفاعل الحقيقي . والمقصود بالفاعل الحقيقي بشكل أساس ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الناظم المولّد لنظرية القوة الناعمة ، والأمين على مشروعيتها وإعطائها بعدا" 
 
أكاديميا" إستراتيجيا" دونما وازع ، وتحت عنوان زائف ، يزعم تعزيز الخير العام لشعوب الأرض وحماية الديمقراطية من خلال منطق الفهم الأمريكي . إن حرص الولايات المتحدة على السلام العالمي ومسيرة الديمقراطية المزعومة يفترض تمايز عناصر القوة لديها ، ولعل أفضل من عبر عن أماني الولايات المتحدة وضرورة تمايز قوتها هو " روبرت غايتس " ( Robert M. Gates ) ، وزير الدفاع الأمريكي الحالي . ففي مؤتمر حول قضايا الدفاع قال  " غايتس " : " إن رسالتي اليوم ليست حول موازنة الدفاع أو القوة العسكرية ، رسالتي تتعلق بكيفية مواجهة أمريكا للتحديات الدولية القادمة في العقود المقبلة ، وافترض أن على أمريكا أن تبتكر مظاهر أخرى لقوتها القومية بهدف مواجهة التحديات الخارجية . ووفقا" لخبرتي التي خدمت من خلالها سبعة رؤساء ، وكمدير سابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية ( CIA ) ، ووزير دفاع حاليا" ، أقول لكم بأنني أتيت إلى هنا لأعزز فكرة استخدام القوة الناعمة لكي تصبح قوة ردف فاعلة للقوة الصلبة . " (1) . 
 

_____________________________________  

* باحث وأستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية . 

 (1) U.C. Manal , Dictionary of Public Administration , Sarup & Sons –
p.(491).   
 
 
لقراءة المقال كاملا" اضغط PDF

أضيف بتاريخ: 09/07/2015