المقالات

قراءة في الأمن الثقافي ـ السياسي

 
 
قراءة في الأمن الثقافي ـ السياسي
 
محمد تولايى
 
مقدمة
شعر الإنسان بحاجته الى الأمن منذ أن قرر الخروج من الكهوف والغابات ليعيش على شكل تجمعات وجماعات. ومع ظهور تلك التجمعات والقبائل المختلفة برز النقاش حول السبل الآيلة الى تحقيق الأمن القومي الذي يعد من الأهداف والمصالح والقيم الأساسية والثابتة للمجتمعات، مما حدا بالحكومات الوطنية للتفكير دائماً في استقرار أمنها القومي لحفظ أنظمتها وتطورها، لأنه في ظل انعدام الأمن لا يمكن تنفيذ أي برامج من شأنها رفع المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي داخل البلاد. وهنا تبرز الحاجة الى المعرفة والتعامل بالطرق الملائمة لدفع التهديدات التي تطال ذلك الأمن، وهو أمر عسير ما لم يترافق مع القوة. وعلى هذا الأساس فإن دور القوة في الميادين السياسية للدول وعلى وجه التحديد العلاقات الدولية هو دور حساس ورئيس الى الحد الذي ذهب فيه بعض المفكرين الى اعتبار ذلك الدور في الميادين السياسية مشابهاً لدور المال في الأسواق التجارية. 
سمح امتزاج الثقافة والأمن ودورهما الحيوي في الهيكليات والتشكيلات، والاستراتيجيات، والتهديدات السياسية والأمنية والاقتصادية وكذلك التحولات الثقافية وانعكاساتها على وضع السياسات والإنتاج وسائر الميادين الحياتية الاجتماعية للبشر، بتقديم رؤية جديدة للبحث في الموضوعات التي تتنأول أمن الدول. بيد أن الأمن الثقافي ـ السياسي من أبرز وجوه الأمن القومي لأي بلد ومن أهم طبقاته الداخلية غير المرئية التي يتشكل منها، على الرغم من وجود مكونات وعناصر أخرى لذلك الأمن القومي.
ينشأ الأمن الثقافي ـ السياسي من شعور الحاجة الفردية والاجتماعية، والحاجة الى الاطمئنان لدوام الهوية الثقافية والظروف والمسارات الثقافية ـ الاجتماعية في تلك البيئة. ومن وجهة نظر أمنية منهجية، تُفسر الثقافة على انها مكون من مكونات القوة الوطنية أو أنها نظام فرعي داخل النظام الأساسي. وبناء عليه، يأتي الأمن الثقافي بمعنى أمن جزء من مجموع بناء الكل. بيد أنه من وجهة نظر كلية، تتنأول مجالات الأبحاث الثقافية الموضوعات التالية:
أولاً: بناء الأمة (الشعب)، ثانياً: بناء الثقافة، وثالثاً: بناء الدولة. وتشتمل الثقافة في هذا البحث على دور واسع، وعمل خاص، أشمل بكثير من نطاق كونها مكوناً من مكونات القوة.
يواجه تجذير قيم الثورة الإسلامية اليوم، ونشر ثقافتها، والحفاظ على انجازاتها وحفظ نظام الجمهورية الإسلامية، منحى من التهديدات الثقافية ـ السياسية أطلق عليها الإمام الخامنئي قائد الثورة الإسلامية مد ظله العالي عنوان الاستحالة (أي التحول  الكلي) السياسية ـ الثقافية.
نُظِمتْ هذه المقالة في ثلاثة أقسام. فقد شُرِحَ في القسم الأول موضوع الأمن الثقافي ـ السياسي، وتنأول القسم الثاني التهديدات الثقافية ـ السياسية، واختص القسم الثالث بالحديث عن القوة الثقافية ـ السياسية. ولكن مع الأسف لا توجد مصادر ومراجع ملائمة باللغة الفارسية في هذا المضمار مع أن موضوع الأمن الثقافي ـ السياسي من أعقد وأهم مستويات الأمن القومي للبلد وعلى وجه التحديد الجمهورية الإسلامية في إيران. وأما المصادر اللاتينية فقد تنأولته في ثبات الفكر الليبرالي وأسسه الفكرية على نحو محدود آخذة بعين الاعتبار أسس الفكر الإنساني الموجود على وجه دائم في العلوم الإنسانية الغربية، وهو ما يبدو أنه نموذج غير ملائم للمجتمع الإسلامي في إيران. ومن هذا المنطلق، يمكن لهذه المقالة مع كل نواقصها أن تكون مدخلاً أو مقدمة للتفكير في هذا المجال .
 
 
القسم الأول
 
الأمن الثقافي ـ السياسي
الأمن الثقافي:
إن التهديدات الثقافية لأي بلد من أعقد وأصعب أشكال التهديد التي تطال الأمن القومي للبلاد. والأمن الثقافي هو من أكثر الأبعاد غير الملموسة للأمن. ومن الصعوبة بمكان مساءلة القادة بسبب أقوالهم وشعاراتهم في هذا المجال. يأتي البحث في الأمن الثقافي في آخر الموضوع الذي يتنأول الأمن القومي للدول، ويعد من مكوناته الأساسية. وكذلك يتلاءم التأكيد على العناصر "الثقافية" و"القيمية" للأمن القومي للدول مع التعاريف الجديدة المقدمة حوله. " يمكن اعتبار الأمن الثقافي على انه بيئة تستطيع من خلالها أمة ما أن تجتاز مسيرتها التكاملية بالتزامن مع حفظ هويتها الثقافية وبدون التصادم مع الموانع البشرية".
لدى كل من الحضارة والثقافة الدينية والإسلامية واستراتيجيات ضمان الأمن الثقافي خصائص ومكونات متعددة. ويحتاج تطور الحضارة والثقافة المرتبطة بالدين، والإبداع في العلم والفن، الى الثبات والاستقرار الاجتماعي الأمني والهدوء أكثر من أي شيء آخر. ومنشأ ومولد الحضارة والثقافة هو في المجتمع النامي والآمن. ومن جهة أخرى فإن تطور وترقي الحضارة والثقافة كفيل بالحفاظ على الأمن وثباته، وإشاعته تساهم في إزالة التوتر والتشنج على الصعيدين المحلي والدولي.
يتضح جلياً اليوم لجميع الباحثين دور الثقافة وحضور القيم الثقافية في صلب التحولات التي تطال المجتمع. ومن هنا يلاحظ، مع تبدل النظرة الى مفهوم الأمن، طرح آراء ثقافية جديدة تتحدث عن أولوية وتأثير الثقافة في الأمن القومي للدول. بمعنى أن الأمن القومي لبلد ما لا يتلخص في زيادة عديد القوات النظامية، ولا في زيادة التسلح النوعي، ولا في خوض الحروب العنيفة فحسب، بل يبدو أن أهم ركن من أركان الأمن القومي هو وجود أشخاص مثقفين. 
يعتقد المثقفون أن نظام المعاني الذي يعبِّر عنه بالثقافة سيكون له وجود مستقل بمجرد تشكله على رغم كونه وليد سلوك العوامل الاجتماعية.
تصمد الثقافة إزاء التجدد والحداثة ولكنها ستتأقلم مع التغيير تدريجياً بسبب إمكانية تحولها. ويمكن للأفراد الذين يضعون ويصوغون معاني بأنفسهم ان يضيفوا عليها أو يعيدوا تركيبها أو حتى صياغتها من جديد.
النقطة الجديرة بالاهتمام، هي أن الأفراد بإمكانهم أن يكونوا من طالبي نظام معين جديد، وعندما يحصلون عليه يصبح بإمكانهم مواجهة الثقافة القائمة. وهذا الأمر يمكن أن يحدث في حالة عدم استطاعة العوامل الاجتماعية تقبل الثقافة القائمة خلال مسار عملية التحول الاجتماعي. إذاً الثقافة لديها إمكانية للإنتاج ولإعادة الصياغة والطلب.
وعلى ضوء ذلك، وبالالتفات الى التعريف الذي تم عرضه في البداية عن الأمن الثقافي بان عدم استطاعة أي نظام سياسي الإجابة على وجه لائق عن الاحتياجات الثقافية للناس بحسب الظروف الزمانية والمكانية، وكذلك التبليغ والترويج على نحو صحيح للأسس الثقافية والوطنية والدينية في المجتمع، فإنه يمهد الطريق بذلك لإرساء الثقافة الأجنبية المخالفة لنظام القيم، وبالتالي سيجازف بأمنه القومي، وباستقراره وبقاء نظامه السياسي.
 
 
لتحميل كامل المقال اضغط PDF

أضيف بتاريخ: 10/07/2015