المقالات

حرب ناعمة وحرب صلبة على لبنان: النتائج د. محمد طي

حرب ناعمة وحرب صلبة على لبنان:
النتائج
 د. محمد طي
 
تتعرض بلادنا وامتنا لمحاولات قديمة جديدة من أجل صياغتها وإدراجها في مشاريع القوى الاستكبارية التي ترسمها للمنطقة وحتى للعالم، ولا تدخر هذه القوى وسيلة من الوسائل إلا وتستخدمها من أجل تحقيق أهدافها.
ولبنان بالذات، وبسبب من تكوينه الخاص وظرفه المتميز, يحظى بالاهتمام غير العادي من قبل تلك القوى، التي تمارس في مواجهته كافة الأساليب الممكنة، مستخدمة وسائلها المختلفة بالأشكال التي تعتقد أنها الأكثر ملاءمة.
فهي تستخدم القوة بمعناها، الأشمل، وهي القدرة الموظفة لتحقيق الأغراض الخاصة بها، والتي يعرّفها جوزيف ناي بأنها: "القدرة على الحصول على النتائج التي يريدها المرء.. (و) هي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج التي يتوخاها..."1.وهذا التعريف ينطبق على القوة الغالبة الموجهة إلى طرف معين، وليس على مجرد القوة، وهي ما يعنينا في بحثنا هذا.
وهذه القوة لا تتخذ شكلاً واحداً، بل تتعدد أشكالها في مواجهة الآخرين بقصد جعلهم يستجيبون لإرادة مستعمل القوة، فقد يستخدم هذا القوة المسلحة أو الإغراء بالمال، أو الإقناع. إذاً هناك طرق "عديدة للتأثير على سلوك الآخرين، كأن تستطيع إرغامهم بالتهديدات، أو تستطيع إغراءهم بدفع المال، أو تستطيع أن تجتذبهم وتقنعهم بأن يريدوا ما تريد"2.
والقوة الصلبة هي التي تقوم على التهديد أو الإكراه أو على الرشوة للحصول على ما يراد. فهي "تتركز على المغريات (الجزرات) أو على التهديدات (العصيّ)"3.
لكن هذه ليست كل أشكال القدرات فقد يحصل المرء على النتائج التي يريدها "دون أي تهديدات ملموسة أو رشاوى مباشرة. أما الطريقة غير المباشرة للحصول على ما نريد فتسمى أحياناً "الوجه الثاني للقوة. فقد يتمكن بلد ما من الحصول على النتائج التي يريدها في السياسة العالمية، لأن هناك بلداناً أخرى معجبة بمُثله وتحذو حذوه وتتطلع إلى مستواه، تريد أن تتبعه. وبهذا المعنى، فإن من المهم أيضاً وضع جدول الأعمال (أي وضع البرنامج للآخرين) واجتذاب الآخرين في السياسة العالمية, وليس فقط إرغامهم على التغيير بتهديدهم بالقوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية. فهذه (هي) القوة الناعمة- جعل الآخرين يريدون ما نريد، نختار للناس بدلاً من ارغامهم"1.
أما ما تتوسله القوة الناعمة فهو الجاذبية الشخصية والمثل السياسية, التي تؤسس لمشروعية التصرفات في نظر المستهدفين من هذه القوة، مما يؤدي إلى انجذابهم إلى القيم المطروحة، وبالتالي إلى مسايرة الأغراض المرجوة, "دون حدوث أي تهديد.. (فعندما) يتقرر سلوكي من خلال جاذبية يمكن ملاحظتها ولكنها غير ملموسة، فإن القوة الناعمة تكون شغالة"2، ومن هنا يمكننا أن نعرّف القوة الناعمة من الناحية العملية: "بأنها امتلاك القدرات أو الموارد التي يمكنها أن تؤثر على النتائج. وبناء على ذلك (يمكن) اعتبار بلد ما قوياً، إذا كان لديه عدد سكان وإقليم جغرافي كبيران نسبياً وموارد طبيعية واسعة وقوة اقتصادية وقوة عسكرية واستقرار اجتماعي"3.
 
والقوة الناعمة هذه ضرورية للدول "الديمقراطية" المضطرة إلى الإقناع بدلاً من القسر. فهي لهذا عنصر ثابت في السياسة الديمقراطية... (التي تعتمد مثلاً) الشخصية الجذابة، الثقافة، المؤسسات والقيم السياسية، السياسات التي يراها الآخرون مشروعة أو ذات سلطة معنوية أو أخلاقية.. (وهي) أكثر من مجرد الإقناع أو القدرة على استمالة الناس بالحجة، هي أيضاً القدرة على الجذب، والجذب كثيراً ما يؤدي إلى الإذعان".4
وحتى تستطيع القوة الناعمة تحقيق أغراضها، لا بد لها من قبول المتلقي، وقبول المتلقي يرتبط بأن يطرح له ما يرغب به. "فعندها نقيس القوة بمعايير تغيير سلوك الآخرين، فإن علينا أن نعرف أولاً ما هي الأشياء التي يفضلونها، وإلا فسنكون مخطئين في معرفة قوتنا".
لكن إذا تعارض ما يرغب به المتلقي مع ما يريده المرسل (صاحب القوة) فما الحل؟ إن الحل هو بالتأثير لتغيير القناعات والمطالب وما يفضَّل. من هنا كانت ضرورة استخدام الأدوات المؤثرة، وهذه الأدوات يمكن أن تكون وسائل الإعلام، أو الشركات التي تقدم برامج معينة، أو إقامة العلاقات الشخصية مع أفراد وجماعات أساسيين، أو الوسائل المخابراتية، أو التمويل السري للحفاظ على السيطرة....
 
فالمؤسسات الإذاعية والتلفزيونية التي يستخدمها الأميركيون لنشر الأخبار بلغة المتلقي، والموسيقى الشعبية المحببة، واستخدام الوسائل الإعلامية التي ينشئها الآخرون هي خطوة في الاتجاه الصحيح"1. وكذلك فإن إنشاء مكاتب الدعاية، لا سيما عندما يستطيع المرسلون الهام أحلام الآخرين ورغباتهم بفضل إتقانهم للصور العالمية, عن طريق الأفلام والتلفزيون2هي من الأشياء الأساسية.
على أنه لا يمكن استبعاد نشر الأخبار الكاذبة ودفع الآخرين إلى نشرها، كما كان يفعل مكتب التأثير الاستراتيجي التابع للبنتاغون، الذي كان يقدم مواد إخبارية "قد تشمل أخباراً مزوّرة إلى منظمات إعلامية أجنبية في محاولة للتأثير على البلدان الصديقة وغير الصديقة على حد سواء". وكذلك فإن الشركات يمكن أن تؤدي دوراً قيادياً في رعاية مشاريع محددة للدبلوماسية العامة، كشركة تكنولوجيا تعمل مع ورشات عمل (مثل) افتح يا سمسم... أو في إنتاج مشترك لبرامج الأطفال....
كما تلعب البعثات الدراسية في الاتجاهين بين المتلقي والمرسل، وكذلك تدريب الضباط
والعلاقات طويلة الأمد مع شخصيات. وهو أسلوب استخدمته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث "اشترك سبعماية ألف شخص في المبادلات الثقافية والأكاديمية الأميركية، وهي مبادلات ساعدت على تثقيف قادة عالميين مثل أنور السادات وهيلموت شميدت ومارغريت تاتشر... (لقد) شارك في المبادلات المذكورة أكثر من مائتين من رؤساء الدول الحاليين والسابقين، وأن نصف زعماء الائتلاف ضد الإرهاب اليوم كانوا ذات مرة (أعضاء) في تلك المبادلات"3.
كما أن "تبادل معلومات المخابرات مصدر مهم من مصادر القوة الناعمة... إن تقاسم المعلومات السرية قد يكون له تأثير مباشر وقوي على السياسة، فالمعلومات... يمكنها في بعض الأحيان أن تغير سياسة حكومة ما"5، والى هذا فإن التمويل، عندما يتخذ طابعاً سرياً، فيمكنه أن يتلاعب بالمثل وبالمدافعين عنها، كما فعلت المخابرات الأميركية في المرحلة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية"5.
على أنه إذا خلقت الوسائل المختلفة أشخاصاً يحملونها ويروجون للأهداف المبتغاة، فسيكون التأثير أمضى، ذلك "أن أكثر الناطقين باسم أميركا فاعلية وتأثيراً ليسوا هم الأميركيين، بل وكلاؤهم المحليين من أهل البلاد الأصليين, الذين يفهمون فضائل أميركا وعيوبها..."1.
إلا أن ما يعيق القوة الناعمة هو اكتشاف كذب ما تطرحه من مثل أو قيم، وهذا ما تعاني منه أميركا في توجهها إلى شرائح واسعة جداً في العالم العربي والإسلامي. فقد روى أ. كروكر، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في عدة بلدان إسلامية، أنه:"بينما كنا نتحدث عن حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والديمقراطية وحكم القانون، لم تكن سياساتنا ولا توزيعنا للموارد يتمشيان مع خطبنا الرنانة، فلم نقم بتحدي الحكومات في المنطقة من أجل التغيير, ولا قدمنا حوافز لهذا الغرض.
بل على العكس، وكما تقول دانييل بليكا من "معهد المشروع الأميركي" :"إننا نظهر للعيان باعتبارنا ندعم هذه الحكومات (حكومات الاعتدال العربي) الحقيرة الخسيسة"2
على أن النتائج المتوخاة من استخدام القوة الناعمة يجب إلا تكون بالضرورة نتائج عاجلة، بل ربما يستحسن أن تعطي ثمارها على المدى البعيد.
وإذا كانت تلك هي القوة الناعمة، فما هي الحرب الناعمة؟.
 
لقراءة باقي المقال اضغط PDF
 

أضيف بتاريخ: 10/07/2015