مقالات مختارة

سلسلة كيف تشوه هوليوود أمة -3-

سلسلة كيف تشوه هوليوود أمة -3-
تنميط العرب في أفلام هوليوود


قبل ما يقارب 15 عامًا، سألت زميلًا بريطانيا كان يعمل معي في جامعة لندن عن تصوره للعرب فرد تلقائيًا: (الصورة التي تشعُّ في ذهني عندما أفكر بالعرب هي صورة الجنود اللّيبيين القذرين، الذين اغتالوا البروفيسور في فيلم «العودة للمستقبل»). جوابه صدمني لأنه كان شابًا مثقفًا حاصلًا على شهادة ماجستير في علوم الفيزياء وماجستير أخرى في السينما. وعندما سألته اذا كان يتخيلني بهذه الصورة، رد بصرامة «طبعًا لا! أنت تختلف عنهم». فقلت له: «أنا متأكد أنك كنت سوف تتصورني قذرًا مثلهم لو لم تكن تعرفني، لأنني واحد منهم».

تلك التجربة لم تكن الوحيدة من نوعها. فمنذ أن انتقلت إلى هوليوود قبل 7 سنوات، وُجِّهَت إليَّ اتهاماتٌ عِدة، كانت كلها مستلهمة من الصفات التي اتسمت بها الشخصيات العربية والمسلمة في أفلام هوليوود على غرار الإرهاب، والقسوة وتجارة النساء، والتطرف الديني، والعنف، والتخلف الحضاري والشذوذ الجنسي.
المرعب هو أن الكثير من الناس صدّقوا هذه الإتهامات، وكأنها بديهية إذ أن بعض الزملاء طلبوا مني أن اثبت أنني لا أملك تلك الصفات.
وعندما استنكرت ما كتبته صحافية من افتراء عني في صحيفتها، ردت قائلة: «أنتم العرب تتصرفون مثل ذلك». والأكثر قلقًا هو أن هذه الفكرة السلبية مغروسة في أذهان الملايين من البشر، بغض النظر عن جنسيتهم، ثقافتهم أو عقيدتهم.
كثيرًا ما يعبّر لي بعض الناس عن استغرابهم بعد تعرفهم عليَّ وأسفهم على ظنهم السيئ تجاه العرب.والكثير من المعلقين يلوم هوليوود على نشر الصورة النمطية الزائفة عن العرب من خلال أفلامها التي تصل إلى أقطار العالم كله، والتي تقدم العرب همجًا ومتوحشين وإرهابيين وأغبياء ومتطرفين وأعداء الإنسانية. ولكن السؤال هو لماذا تبنت هوليوود موقفًا معاديًا للعرب وجعلت منهم الأشرار في أفلامها العالمية؟

هذا الموضوع يتناوله الفيلم الوثائقي «أشباح فالانتينو» من انتاج وإخراج مايكل سينج، أمريكي من أصل هندي،
وقد قال لي مايكل في مقابلة تلفزيونية أجريتها معه في مكتبه في لوس أنجليس: «لاحظت أن زملائي الليبراليين كانوا يتحولون إلى محافظين عندما نذكر موضوع العرب. وكما أنني لاحظت وجود توعية ضد تنميط السود والصينيين واليابانيين في أفلام هوليوود، ولكن لا أحد يجرؤ على الدفاع عن العرب، فقررت أن أقوم بذلك». «شبح فالانتينو» يستخدم صورًا من الأرشيف ومقاطع من أفلام هوليوودية معروفة ويستند على مقابلات مع خبراء وأكاديميين لكي يؤرخ علاقة هوليوود مع العرب منذ تأسيسها في بداية القرن العشرين.

حسب هذا الفيلم كانت نظرة هوليوود تجاه العرب في عشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن العشرين حميمة ورومانسية، تجسدت في أفلام على غرار «الشيخ». ولكن سرعان ما تحول العرب من أبطال إلى همج في الأفلام الغربية عندما بدأوا يقاومون الإستعمار الأوروبي في ديارهم، فرغم أنهم كانوا يناضلون من أجل الحرية والاستقلال، إلا أن هوليوود قدمتهم كمتخلفين وإرهابيين يقاتلون الأوروبي الأبيض المتحضر.
عداء هوليوود والإعلام الأمريكي للعرب تعزز بعد قيام دولة إسرائيل (على حد تعبيره)، التي صارت تجسد قوة الخير ضد قوى الشر العربية. أفلام على غرار «ايكسودوس»، كانت بمثابة دعاية ترويج لاسرائيل وتزوير حقائق الصراع العربي – الاسرائيلي لصالحها.
وعندما احتلت إسرائيل القدس إبان حرب الأيام الستة عام 1967، أعلنت وكالات الإعلام في أمريكا أن القدس تحررت من أيدي العرب.

وإذا ما حاول فيلم أن يطرح نصًا يختلف عن النص الصهيوني يتم سحقه قبل أن يصل الى صالات السينما، كما كان مصير فيلم ميرال (2009) الذي يطرح الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني من منظور فاعلة خير فلسطينية وفيلم المخرج المعروف أوليفر ستون «شخص غير مرحب به»، الذي مُنع عرضه، لأنه قدم مقابلات مع الفلسطينيين موازية للمقابلات مع الإسرائيليين.

«عندما تكلمت النجمة البريطانية فانيسا ريدغريف ضد احتلال اسرائيل لفلسطين، وضعوها على اللائحة السوداء»، يقول سينج ثم يتابع: «ما يجري هنا هو أن مجموعة سامية قوية النفوذ وهي اليهود تقوم بحط شأن مجموعة سامية أخرى وهي العرب. إذا تفوهت ضد اليهود فيكون مصيرك الهلاك، ولكن إذا أهنت العرب لا أحد يتعرض لك».

طبعا أزمات الشرق الأوسط اللاحقة، مثل أزمة البترول عام 1973، وأزمة رهائن السفارة الأمريكية في إيران عام 1979 ومن ثم أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 ساهمت أيضًا في تشويه صورة العرب والمسلمين ووصفهم بأعداء البشرية في الإعلام والأفلام الأمريكية.

من الواضح إذًا أن أفلام هوليوود تعكس سياسة الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط وتروج لها: «العديد من صانعي الأفلام في هوليوود غير واعين بأنهم جزء من جهاز الترويج الأمريكي، ولكن بعضهم يدركون ذلك مثل كاثرين بيغولو (مخرجة زيرو دارك ثيرتي) كانت تدرك أنها كانت تخدم مصلحة وزارة الخارجية الأمريكية وتعاونت مع «سي أي إيه» في سرد قصة الفيلم»، يقول سينج.

الأفلام تؤثر على بلورة أفكار مشاهديها بشكل لا واعٍ من خلال الدراما التي تثــــير مشاعــرهم وتتغلغل في أذهانهم العاطفية. فعلى سبيل المثال، عرض قتل فلسطيني بصاروخ بصورة ساخرة في فيلم «أكاذيب حقيقية» (1994)، يلهم المرء بعدم الإكتراث أو بالرد ساخرًا عندما يعلَن عن مقتل فلسطيني في الأخبار. وتقديم طفلة يمنية في فيلم «رولز أوف انغيجيمنت» (2000) كإرهابية تستحق القتل، يوحي للمشاهد بعدم التعاطف مع الأطفال العرب.

هذه الصور الدرامية السلبية تخلق مشاعر مناهضة للعرب في قلوب الناس بدون أن يدركوا لماذا. وهذا ما أكدته منتجة «شبح فالانتينو» الأمريكية وهي كاثرين جوردان، التي بدأت تشك في سرد الإعلام الأمريكي، الذي اتهم المسلمين بعد احداث 11 أيلول2001 بكراهية الأمريكيين لأنهم يكرهون الحرية، وشرعت في البحث عن الحقيقة في وسائل الإعلام الأجنبية.
تقول كاثرين: «أنا لم أدرك أن الصور التي كانت تعرضها أفلام هوليوود كانت تؤثر على طريقة تفكيري تجاه العرب، أنا استمتعت بمشاهدة تلك الأفلام. ولم أشعر أنني كنت أكره العرب، ولكن لاحقا أدركت أن تلك الصور كان لها تأثير قوي على شعوري تجاه العرب بدون أن أكون واعية بذلك. فالصورة الوحيدة التي كانت تخطر على بالي عند ذكر عربي كانت شيخ نفط مسرفٍ أو إرهابيًا فلسطينيًا يفجر نفسه»، كاثرين لا تثق الآن بالإعلام الأمريكي وتقرأ الأفلام بطريقة مختلفة وبحذر وتلجأ إلى وسائل الإعلام الأجنبية لاستسقاء الأخبار.
تتابع كاثرين:
«أنا أدرك الآن عندما أشاهد فيلمًا أن صنّاعه لا يفقهون الحضارة العربية ولا يعرفون أهلها. للأسف العرب والمسلمون سيبقون الأشرار في الأفلام حتى تجد هوليوود أشرارا جددًا».

فعلا فإن صنّاع الأفلام في هوليوود ينكرون أن صورة العرب النمطية التي يعرضونها في أفلامهم لا تنبع من كراهيتهم للعرب، وإنما من عدم معرفتهم لهم. وهذا ما أكده لي رئيس شركة «ديزني» السابق جيفري كاتسنبورغ، الذي كان وراء فيلم الصورالمتحركة «علاء الدين» (1992)، الذي قدّم العرب كهمج ومجرمين.
أنا لم أدرك أن الفيلم كان مهينا للعرب، ولكن عندما أدركت ذلك صرت أتعظ بعرب ومسلمين عند صنع فيلم يتعلق بحضارتهم»، قال كاتسينبرغ، الذي فعلًا تشاور مع علماء مسلمين لاحقا خلال صنع فيلم «أمير مصر» (1998).

المشكلة هي أن مخرجي هوليوود يتأثرون من صور العرب النمطية، التي يشاهدونها وبالتالي يقومون بتخليدها في أفلامهم. فمعظم صناع الأفلام، حتى الليبراليين منهم، يتصورون العرب بصورة معينة لا يمكنهم أن يغيروها، لأنها مغروسة في أذهانهم اللاواعية أو العاطفية.
ورغم فشلهم في محاولاتهم لتحسين هذه الصورة، إلا أنهم يتوهمون بأنهم نجحوا بذلك، كما حدث للمخرج بيتر بيرغ، الذي دأب على دراسة تنميط العرب في أفلام هوليوود، لكي يتفادها في فيلمه «المملكة» (2008)، ولكن النتيجة كانت لا تقل مرارة عن غيرها، إذ أن العرب كانوا الإرهابيين الذين فجروا أنفسهم في مراكز سكن الأمريكيين الأبرياء. رغم ذلك، بيرغ كان فخورًا بما حققه من تحسين صورة العربي في فيلمه، حسب رأيه.
كلينت إيستوود أيضًا أكد أنه حاول تفادي تنميط العراقيين في فيلم «قناص أمريكي» 2014، ولكن في الواقع، الفيلم أشعل شعور الكراهية ضد العرب في أمريكا». كما حاول صانعو برامج التلفزيون «24» و
«وطن» تفادي تنميط العرب من خلال مشاورة خبراء عرب ومسلمين، ولكنهم تجاهلوا عظة هؤلاء الخبراء أو أنهم أخذوا ما توافق مع منظورهم، لأنهم كانوا يخشون عرض صورة عن العرب تختلف كليًا عما تعوّد عليها المشاهد الأمريكي، الذي يستصعب تقبلها او تصديقها.

إذًا خطورة هذه الصورة النمطية السلبية هي أن أفلام هوليوود، التي تأسر الألباب وتسحر العقول، تصل إلى مئات الملايين من البشر داخل وخارج أمريكا، وتؤثر ليس فقط على المشاهدين، وإنما على صناع الأفلام في أنحاء العالم. وتنتقل من دور العرض إلى محلات الفيديو، ومن ثم إلى شاشات التلفزيون لتتسلل إلى كل منزل.

بقلم: حسام عاصي- بتصرف.
المصدر: جريدة القدس العربي.


للإطلاع على:
سلسلة كيف تشوه هوليوود أمة -1- إضغط

سلسلة كيف تشوه هوليوود أمة -2- إضغط

أضيف بتاريخ: 27/10/2016