مقالات مختارة

الغارديان- كيف تجعلنا عروض تليفزيون الواقع أقل إنسانية؟



الغارديان-  كيف تجعلنا عروض تليفزيون الواقع أقل إنسانية؟

29-01-2017 
ترجمة وتحرير زياد محمد - الخليج الجديد

هل أنهى «سيمون كاول»، محكّم المواهب الإنجليزي المشهور بصرامته وقسوته، الحضارة الغربية كما نعرفها؟ حسناً، علينا في البداية أن نقدم بعض التوضيحات لهذا السؤال الذي يبدو غريباً، أولها، هو إن الحضارة الغربية لم تنته بعد بشكل كامل، والدليل أنك تقرأ هذا المقال المترجم عن صحيفة الغارديان، لأنه إذا انهارت الحضارة، فسوف «تكون هذه المدونات السيريالية في صحيفة الغارديان هي أول ما يختفي»، بحسب رأي كاتب المقال، لكن الحضارة تبدو في ذات الوقت، مهزوزة أكثر من أي وقت مضى، لذلك، من يدري كيف سيكون الأمر في نهاية المطاف؟

الأمر الثاني، هذا ليس استهدافاً لشخصية «سيمون كاول»، والكاتب لا يعتقد أنه طاغية شرير أتى ليدمر حياتنا أو أي شئ من هذا القبيل، وهو ليس سيئاً كشخص، فبالتأكيد لديه جانب عطوف وخيري، والكاتب يؤكد أنه لا يعرفه بشكل شخصي، لكنه يشكك في كونه مجرد رجل أعمال متحمس وجد قالباً ما في التعامل حظي بشعبية فحافظ عليه، ولكن هذا القالب ربما يكون قد أدى إلى «نهاية العالم الذي نعرفه».

في هذا المقال المترجم بتصرف بسيط عن صحيفة الغارديان، يقوم «دين بورنيت»، طبيب الأعصاب، بتحليل أثر محكّم المواهب الشهير «سايمون كاول»، ويدرسه كحالة مثيرة للاهتمام، تم استنساخها في برامج المواهب الأخرى.

«كاول».. حالة تم استنساخها
كان برنامج «إكس فاكتور» ناجحاً بامتياز عالمياً لما يزيد على عشرة أعوام حتى الآن، و«سيمون كاول» هو من أكثر الأشخاص المرتبطين به في ذهن الناس، خاصة بتعليقاته الساخرة التي تحول بعضها إلى علامة خاصة به، وطرده لأصحاب الأداء المعيب. والحقيقة إن كل نسخة من هذا البرنامج في أنحاء العالم، استنسخت محكّماً يملأ دور «كاول»، بحيث يكون متحفظاً ومستخفاً، وقاسيا صلبا في كثير من الأحيان بلا داعٍ تجاه تجارب الأداء الميؤوس منها.
هذا فقط يوضح كيف أصبح كاول «حالة» عالمية في كل الثقافات في جميع أنحاء العالم، ومع إن بعض هذه البرامج اشتهرت، إلا إن برنامج «كاول» بقي بانتظام أكبر العروض على التلفاز، جاذباً لجمهور مكون من ملايين الناس، وهذا لو تحدثنا عن المملكة المتحدة وحدها.
وحتى لو كنت مثلي، تجد الفكرة كلها محبطة وفجة، فإنك لن تستطيع أن تتفادى أحد هذه العروض وهي تقتحم كل جانب من جوانب الإعلام الأخرى، لديك مجلات القيل والقال، وبرامج الأخبار، وبرامج طرح الأفكار، والرسوم البيانية. وعندما بدأت ثورة وسائل التواصل الاجتماعية، أصبح الأمر أسوأ.

نجاح تصرف «سيمون» غير القابل للتشكك فيه، مع القوالب المستنسخة عنه، جعل الأمر طبيعيا. الرجل نجح، فما هي المشكلة في ذلك؟ حسناً، الأمر يعتمد على ما يجري تطبيعه أو جعله عادياً.

تطبيع التصرفات السيئة
البشر ماهرون بشكل لا يمكن إنكاره، على الأقل من حيث الطبيعة كما إننا أيضاً نوع ودود للغاية، بالرغم مما تسمعه في شاشات الأخبار. هذا دفعنا لأن نصبح أذكياء جداً بالمقام الأول، لكن هذا له سلبيات، فالبشر أذكياء كفاية كي يتعلموا بالملاحظة، إذ إننا لا نحتاج إلى لمس الفرن لنعرف أنه ساخن، إذا رأينا شخصاً آخر يلمسه ويصرخ؛ فإننا نفهم الفكرة بسرعة.
إنها عملية معقدة تتضمن العديد من المراحل والمتغيرات، ولكن النقطة هنا هي؛ البشر جاهزون للتأثر بما يراقبونه، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان على مستوى اللا وعي، فالأشياء التي تكافأ، أو الأشياء التي تؤدي إلى نتائج إيجابية مع الأشياء التي تدعم وجهات نظر مسبقة لدينا، كل هذه تميل للفت انتباهك أكثر من غيرها، ولهذا إذا نظرنا لعواقب حالة «سيمون كاول»، فماذا نرى؟

الناس يحصلون على الثناء بسبب كونهم قساة.
الناس يتم تشجيعهم على السخرية والضحك من الآخرين بسبب فشلهم.
الأشخاص اليائسون يشعرون بالامتنان العميق لأقل مدح من الأغنياء والناجحين.
التركيز على الصدى العاطفي بدل المهارات الفعلية والقدرات.
الظروف المأساوية وأحداث الحياة التي تفطر القلب تستخدم كوسائل ترفيه عابرة.
السخرية والطرد لأشخاص نالوا الثناء من قبل.
قد تجد هذه الانتقادات مفرطة، وفد تكون، لكن الفكرة إنها حقيقية، فكل هذه الأشياء كانت عوامل حيوية في برامج «إكس فاكتور» و«غوت تالينت»، كما إنها أثرت على طريقة الناس في التصويت.

العالم يتحول لتلفزيون واقع كبير
كم مرة سمعت شخصاً يقول «إن البرنامج يصبح مملاً بمجرد أن يتخلصوا من كل الأشخاص المثيرين للسخرية فيه»؟، تطلع الجمهور للإذلال العلني وتوقهم لمشاهدة تحطيم أشخاص غرباء تماما، والذين لم تكن جريمتهم إلا إنه كانوا واثقين بشكل مفرط في أنفسهم، أو لم يقيّموا مواهبهم بشكل صحيح، هو مؤشر على الذكاء المنخفض.

إن المرء ليأمل أن يكون هذا التصرف مقصوراً على الأشخاص المريضين بعداء المجتمع، لكن لا، الفكرة أنك تسمع هذا الكلام من الناس العاديين المحيطين بك، والذين قد يكون منهم أفراد عائلتك.

الناس لديهم ميل لرفض الآخرين الذين لا يشعرون برابطة معهم، وبمجرد أن يتم شرعنة هذا أمام العامة، لا يعود لديهم أسباب كافية لمقاومة هذا الشعور، و«سيمون كاول»، قام بهذه الشرعنة.

بمجرد أن أصبح هذا السلوك هو «الطبيعي»، حتى بدأنا نراه بشكل أكثر كثاف، فكر كم نراه في العالم السياسي الآن؟ رفض من يحتاجون إلينا، الاعتماد على الحجج وردود الفعل العاطفية على حساب المهارات الفعلية أو القدرة على أداء العمل، الفرحة في مهاجمة الأفراد أو المنافسين، بدلاً من محاولة العمل على حل مفيد، إعطاء الأقوياء تلميحاً بفعل ما يحلو لهم، طالما يقولون شيئاً نتفق معه، كل هذه الأشياء تسمم الخطاب السياسي في العالم حالياً، وتجعل حياة كل فرد أسوأ كنتيجة لذلك.
الكثير من الأشخاص علّقوا بأن السياسة الحديثة غدت تلفزيون واقع سوداوي، هناك سبب وجيه لذلك.

مرة أخرى، «سيمون كاول» ليس الرجل الشرير الذي سيدمر العالم، وهو ليس الوحيد الذي يقف خلف هذا، بل إن الحيل الرخيصة التي ذكرتها منتشرة في جميع برامج تلفزيون الواقع، لكن «كاول» هو النموذج الأكثر وضوحاً وتجسيداً لذلك، بغض النظر عما إن كانت هذه نيته الحقيقية أم لا، ربما يكون قد قصد نية جيدة بأعماله هذه، لكن علينا ألا ننسى «الطريق إلى الجحيم مفروش بالورود».. وهكذا.

المصدر | الغارديان

أضيف بتاريخ: 31/01/2017