المقالات

الوكيل في الحرب الناعمة

 

الوكيل في الحرب الناعمة

 

 حسن الزين

 

يمكن تعريف الوكيل المحلي في الحرب الناعمة بأنه " شخصية أو مؤسسة أو جمعية أو قناة تلفزيونية أو صحيفة أو موقع الكتروني تقوم بمهام وبرامج نيابة عن الأصيل الذي يتولى التمويل والتوجيه، والجهات الأصيلة هي الإدارة الأميركية وحلفائها ومؤساتهم وسفارتهم،لا لعجز الأصيل عن أداء البرنامج أو المهمة بل لأجل تضليل الطرف المستهدف - حزب الله وجمهور المقاومة - وإخفاء النوايا والأهداف الحقيقية عن طريق استخدام وجوه وشخصيات وجمعيات ومنظمات بأسماء محلية لبنانية أو عربية أو اسلامية أو انسانية تستطيع صبغ البرامج والمهام بشيء من طابعها وإسمها المحلي والقومي والإسلامي والإنساني". 


يشبه الوكيل المحلي نظرية " الإستتار والتمويه " في التكتيك العسكري، حيث يقوم الجندي أو المقاتل بعمليات تمويه واستتار عن طريق طلاء الجسم والوجه والمعدات الحربية والعسكرية بشيء من لون ونمط الأرض والطبيعة والتضاريس الجغرافية التي سيخوض المعركة فيها لأجل تضليل العدو ومنعه من رصد حركة المعدات والأسلحة والجنود في حالة الإقتراب من المواقع العسكرية للخصم لضمان تحقيق الأهداف . 


الوكيل حاجة فعلية، هي عملية خداع وتذاكي واحتيال، لأنه لو ظهر البرنامج أو أمر المهمة بأنه ينفذ علناً من قبل الادارة الأميركية أو احد الدول أو إحدى السفارات لفشل البرنامج ونفر منه الجمهور مباشرة.


وقد قال منظر " الحرب الناعمة في كتابه الـ " القوة الناعمة Soft Power ":

" إن أفضل الناطقين بإسم الأفكار والأهداف الأميركية هم غير الإميركيين، وهم الوكلاء المحليون، حيث ان هناك مثال ممتاز على هذا الأمر، وهو ما يحصل بين لوس انجلس وطهران، حيث يذيع المهاجرون الإيرانيون برنامجاً تلفزيونياً موجهاً الى الرأي العام الايراني لأجل الإصلاح السياسي، وفي قضايا الشرق الأوسط يجب تفعيل علاقات أميركا مع قناتي الجزيرة والعربية ".


من الناحية الإجرائية، تجيز نظرية الحرب الناعمة خطط الحرب غير المباشرة "كاللعب بقواعد الخصم، وخلق حالة من التشكيك في الثوابت والمعتقدات التي يتبناها الخصم، وفي مظهر الحرب الناعمة، يتمظهر الاشتباك مع العدو الخارجي بلون محلي تماماً"، بمعنى أن يتبلور حضور الوكيل المحلي في إطار بيئة حاضنة لأهداف الخصم بطريقة غير مباشرة.


وفي هذا السياق يستعير الوكيل المحلي خطاباً وطنياً حماسياً لا يثير أية شبهة من حوله. بل، ومن الأفضل أن يتبنى هو بالكامل مجموعة الثوابت المشكك فيها". 


ان نوعية الطرف الذي يتولى عمليات الحرب الناعمة مهم جداً لنجاح العمليات، حيث ينبغي تجنب التورط الأميركي المباشر، وتمرير الرسائل بطريقة غير مباشرة لأن حساسية الجمهور اتجاهه أكبر.


لهذا نرى منظر الحرب الناعمة يركز كثيراً على ضرورة العمل عبر الوكلاء، فهي اشد فاعلية من مباشرة التأثير العلني، وهذا جزء من الطبيعة المخادعة والماكرة للحرب الناعمة .


ولو كان بالإمكان الإستفادة من صوت معارض يلبس اللباس الوطني والقومي والديني ومن داخل الحوزات في إيران ويشكك بالنظام وبمباني ولاية الفقيه وينكر إنجازات النظام الاسلامي، فيكون الترويج له أعلامياً أفعل وأشد أثراً بعشرين مرة من قيام أي باحث أكاديمي أو مفكر أميركي أو جامعة أو مركز دراسات أميركي بهذه المهمة .


وإذا كانت القناة التي تبث الدعاية المعادية هي قناة لها غطاء " وطني إيراني " أو عربي أو إسلامي فهذا أشد أثراً بأضعاف مضاعفة من أن يقوم بهذا الدور قناة اعلامية أمريكية.


ويمكن لمن يريد إكتشاف خبث هذه السياسة مراجعة وملاحظة الفرق في تأثير القنوات التي تروج للسياسات الأمريكية بصورة مباشرة ورسمية كقناة الحرة الأمريكية التي تروج للسياسية الاميركية علناً وينفر منها الجمهور لهذا السبب،  وبين قنوات تعمل بغطاء عربي وإسلامي كالقنوات الخليجية التي تروج ضد ايران !.


نفس الأمر ينطبق على حالة لبنان والحرب الناعمة على حزب الله. 

حيث جندت السفارة الأميركية عشرات الشخصيات من الشخصيات المنتمية الى البيئة " الشيعية " مذهبياً، وهم شخصيات سياسية ودينية واعلامية واجتماعية، في محاولة لاخفاء برامجها وسياساتها باللون المحلي وهم من عُرف في الإعلام تحت عنوان " شيعة السفارة "  . 


وقد نشرت وثائق ويكيليكس أنماط تفكيرهم واتفاقاتهم السرية " للوكالة " عن السفراء الاميركيين والمؤسسات الأميركية في التحرك للوصول الى جمهور حزب الله والتشكيك بجدوى المقاومة وإثارة الغبار بوجه حزب الله مقابل تلقي التمويل والدعم .


أن تواجد أحد أفراد شيعة السفارة في الجنوب أو البقاع أو الضاحية متاح لأن هؤلاء يتظاهرون بأنهم ابناء هذه البيئة ويحاولون تمثيلها والدفاع عن مصالحها، وحزب الله يحترم الآراء والتعددية ويتيح لهم الحركة منعاً للوقوع في الفتنة التي يريدها العدو، ولهذا استغلوا سعة صدر حزب الله وأخلاقياته السياسية العالية . 


لكن انكشاف أمر هؤلاء من خلال نشر الوثائق وهي تؤكد ارتباطهم بالعدو جعل الناس تنفر منهم ومن برامجهم ومؤسساتهم . 

ان الرد على الوكلاء يكون بكشف وابراز " الوجه الأميركي الحقيقي "، حيث أن هولاء مجرد أدوات و" سواتر وأقنعة للتموية والإستتار " منعاً للشعب المؤيد للمقاومة من رصد هذه الوجوه .


وبالفعل فشلت هذه الوجوه وهذه الأدوات من التغلغل لفترة طويلة داخل البيئة الشيعية وأصبحت  منبوذة مهمشة تعيش الوحشة جراء ارتكبها جريمة الخيانة لشعبها وقضاياه المحقة لأجل مكاسب مالية أو نفسية أو سياسية .

ومن أبرز مصاديق هذه الفشل قرار السفارة الاميركية بوقف تمويل "جمعية هيا بنا" لأحد وكلاء السفارة الأميركية المدعو لقمان سليم بعد انفضاح أمره وتأكد السفارة من عدم قدرته على تحقيق الأهداف المرجوة.


أخيراً يجب رصد حركة المنظمات غير الحكومية والجمعيات والشخصيات الغريبة عن البيئة بأنماطها والتي تنشط في مجتمع المقاومة والبحث عن مصادر تمويلها والجهات غير الظاهرة والسفارات التي توجهها وتدعمها، ويكون ذلك بملاحظة ملفات وسير الأفراد الناشطين وأهدافهم وشعاراتهم السابقة وهل لهم تاريخ نضالي وجهادي، ومصادر التمويل المعلنة ومدى صدقيتها، خاصة أن البعض يتذرع بـ" التمويل الذاتي" ؟. الرد يكون بالرصد والتحقق الذي سيبين ويكشف علامات ومؤشرات صدق توجه هؤلاء الوكلاء أو كذبه،وبعد التأكد الذي لا شك فيه ينبغي مصارحة الجهات المختصة واتخاذ الإجراء المنطقي وهو كشف الوجوه.


أضيف بتاريخ: 09/08/2017