مقالات مختارة

إسرائيل تواصل الغزو الناعم لأفريقيا.. لكن طريقها ليس مفروشًا بالورود - الجزء الاول


إسرائيل تواصل الغزو الناعم لأفريقيا.. لكن طريقها ليس مفروشًا بالورود

الجزء الاول

 

 

كانت أوغندا من بين ترشيحات الحركة الصهيونية لقيام وطن قومي يهودي وفق ما كشفه المُؤرّخون الذين عاصروا مؤتمر بازل سنة 1897، وذهبت بعض الآراء أيضًا لاقتراح السّودان لأن أراضيه شاسعة خصبة، وتواصلت هذه الفكرة حتّى بعد إنشاء الكيان على أرض فلسطين في منتصف القرن الماضي، حيث دفع العجز التّجاري الذي بلغ 281 مليون دولار سنة 1950 ثم 400 مليون دولار نتيجة للحصار العربي، دفع الإسرائيليين للتفكير في اللجوء إلى أفريقيا كمتنفّس.
القارة الأفريقية إذًا لم تكن غائبة عن العقل الاستراتيجي الهادف لإنشاء الدولة الإسرائيلية، وأخبار التغلغل الإسرائيلي في دول القارة السّمراء ليست بالأمر الجديد. تُشير بعض الدّراسات إلى أن الإسرائيليين اشتغلوا بعمق على القارة الأفريقية وبحثوا عن مداخل موضوعية لربط الصّلات وكسر الحصار المضروب عليها، ويُعدّ ظهور مفهوم «الصهيونية السوداء» أحد أبرز التأسيسات النظرية التي اعتمدتها إسرائيل للتقرب من الشعوب الأفريقية.
والصهيونية السوداء هي دعوة كانت قد انتشرت في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من قبل بعض القيادات السود الذين تبنوا قضايا حقوق الإنسان ونشر الوعي الأسود حيث ربطت بين مصطلح «العودة» في الفكر الصهيوني إلى أرض الميعاد وبين عودة السود الأمريكان إلى جذورهم الأصلية في أفريقيا، وبرغم فشل هذه الدعوة في تربة نشأتها؛ استغلت إسرائيل هذه الأرضية الفكرية للترويج لفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين والتغلغل في الدوائر الأفريقية والإعلامية داخل الدول الأفريقية.
يرصُد هذا التقرير تاريخ وحاضر العلاقات الأفريقية الإسرائيلية، ويستشرف مُستقبل هذه العلاقات في ظل تنوّع اللاعبين الدّوليين المُراهنين على هذه القارّة الغنيّة رغم فقر أغلب شعوبها.
كيف تطوّرت العلاقات الأفريقية الإسرائيلية؟
ارتبطت الأجندة الإسرائيلية في أفريقيا بوضعها في السياق العام، كما تأثّرت علاقاتها بها تاريخيًا بأحداث أخرى كان لها انعكاساتها، ويُمكن أن نُميّز بين خمس مراحل أساسية أفضى تعاقبها لنحت معالم الحضور الصّهيوني في أفريقيا اليوم.


1- مرحلة تثبيت الوجود ولحظة الانتباه (1948 – 1975)
تزامن كما هو معلوم الإعلان عن قيام الدّولة العبرية على الأراضي الفلسطينية، مع ردود فعل رافضة دفعت صانع القرار الإسرائيلي للبحث عن تحصيل شرعيّة دولية للكيان وتأمين وجودها الذي كان مُهدّدًا وقتها لتُوجّه كل جهودها الدبلوماسية نحو الدّول الاستعمارية الغربية المالكة لمفاتيح «الحل والعقد» في تلك الفترة مثل الولايات المُتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي.
وانتظرت إسرائيل سنة 1955، عندما فشلت كل مساعيها لتأمين مكان لها بين حضور مُؤتمر القمة الأفروآسيوية الذي انعقد لأوّل مرة في باندونج الأندونيسية، لتتفطّن إلى ضرورة العمل على صناعة حلفاء وأصدقاء أفارقة خاصّة بعد إدانتها باعتبارها كيانًا محتلًا خلال أشغال هذا المُؤتمر الذي نزلت فيه الدّول العربية والإسلامية بقوّة (14 من أصل 29 دولة مُشاركة).

 

2- مرحلة الانتشار (1957 – 1973)
حصلت غانا على استقلالها من الاحتلال البريطاني يوم السادس من مارس (آذار) 1957، وبعد أقل من شهر؛ كانتإسرائيل أول دولة أجنبية تُبادر بفتح سفارة لها في العاصمة أكرا، وهو ما عكس ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا خلال هذه الفترة.
ركّزت الدّبلوماسية الإسرائيلية على الدّول المُستقلّة حديثًا للانتشار في القارة السّمراء، وسعت لتسويق نفسها كنموذج للدول الصغيرة المُعرّضة لتحدّيات ومصاعب جمّة إلا أنها لم تُحقّق مُنجزًا تنمويّا على الأرض، وفي غضون تسع سنوات؛ تمكّنت إسرائيل من تدارك تخلّفها الدّبلوماسي أفريقيًّا وأصبحت تحظى بحلول 1966 بتمثيل دبلوماسي غطّى كل دول جنوب الصّحراء باستثناء الصومال وموريتانيا.
وفي الحقيقة؛ كان الصّراع العربي الإسرائيلي في تلك الفترة أحد أبرز مُحرّكات التنافس على توطيد العلاقات مع دول القارة، إذ أصبحت أفريقيا ذات وزن أممي لا يُستهان به مع تزايد عدد الدّول المُستقلة، وكان للحضور المصري في منظمة الوحدة الأفريقية التي أنشئت سنة 1963 دور هام في دفع إسرائيل لربط علاقات تعوّض بها عدم حصولها على عضوية هذه المُنظّمة. 


3- مرحلة المقاطعة (1973 – 1983)
أعادت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين الدّول العربية وإسرائيل الوضع إلى ما هو عليه بالنسبة لتل أبيب: قبل انطلاق الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، كانت إسرائيل قد نجحت في إقامة علاقات دبلوماسية مع 25 دولة أفريقية، ومع انطلاقها تقلّص العدد ليصل إلى خمس دول فقط وهي على التوالي جنوب أفريقيا ومالاوي وليسوتو وسوازيلاند وموريشيوس.
وإن كانت مصر قد نجحت في الاستفادة من علاقاتها الأفريقية التي نسجتها كما ذكرنا سابقًا عبر «منظّمة الوحدة الأفريقية» و«حركة عدم الانحياز» التي أفرزها مُؤتمر الأفروآسيوية، ومن تقديم نفسها باعتبارها بلدًا يقاوم من أجل استعادة أراضيه من الاحتلال الإسرائيلي، تشير بعض التحاليل الأخرى إلى أن الجانب البراجماتي كان حاضرًا أيضًا في موقف الدّول الأفريقية التي قطعت علاقاتها مع الكيان باعتبار أنها كانت تبحث في مُقابل مُساندتها الحصول على المُساعدات العربية وخاصةً من الدّول النّفطية.
بالمُقابل؛ كان الموقف الإسرائيلي أكثر براجماتية في علاقتها بالدّول المُقاطعة لها، فقد تجاوزت دلالات موقف هذه الدّول السياسية والدّبلوماسية بهدف حماية مصالحها الاقتصادية. تُشير التّقارير إلى أن إسرائيل أنشأت قنوات تواصل غير رسميّة مع أغلب دول المُقاطعة الأفريقية لضمان تواصل التعاون التّجاري فيما بينها وهو ما برز من خلال ارتفاع قيمة التّجارة الإسرائيلية نحو دول جنوب الصّحراء من 54.8 مليون دولار سنة 1973 إلى 104.3 مليون دولار سنة 1978.


4- مرحلة الرّجوع إلى الحضن الأفريقي (1982 – 1991)
حاولت إسرائيل طيلة سنوات الحصار أن تعود إلى الحضن الأفريقي وأن تسترجع تمثيلاتها الدبلوماسية واستفادت من جملة من الأسباب التي مهّدت عودتها. من بين هذه الأسباب نذكر تخلّف الدّول العربية عن تنفيذ وعودها بمساعدة الدّول الأفريقية خاصةً مع تزامن هذه الفترة مع أزمة البترول في الثمانينيات إذ عرفت سوق إنتاج النفط فائضًا كانعكاس لانخفاض الطّلب عليه بعد أزمتي 1979 و1973 وهو ما انعكس على سعر المحروقات لتبلغ ما دون الدولارات العشرة سنة 1986 وهو ما انعكس على اقتصاديات الدّول العربية.
في المُقابل؛ استفادت إسرائيل من الأثر الإيجابي الذي تركته المُساعدات الإسرائيلية في الستينيات خلال «مرحلة الانتشار». أرادت الدّول الأفريقية التي كانت مُحبطة من تراجع المُساعدات العربية استئنافَ المُساعدات الإسرائيلية لملء الفراغ الذي تركه العرب.
وبالإضافة لما سبق، فهناك ما ذكره بعض المؤرخين من الدّور السلبي للرئيس الليبي الأسبق، معمر القذافي، الذي استغلّت إسرائيل سياساته التي وُصفت بأنها كانت «متعجرفة ومتعالية تجاه الدول الأفريقية» وتدخّله في الشؤون الدّاخلية لبعض الدّول من أجل حث الدّول الأفريقية على فك الارتباط أو تخفيفه في الحد الأدنى مع الدّول العربية التي كان القذافي في فترة ما أحد مواطن الضّعف في دعايتها ضد إسرائيل.
كما ساهمت التغيرات في جنوب أفريقيا وفي موقف إسرائيل من هذه الدولة في تعديل مواقف الدّول الأفريقية، ففي سنة 1987، انضمت إسرائيل إلى العقوبات التي فُرضت على نظام التفرقة العنصرية، وأدت نهاية هذا النظام إلى إنهاء الانتقاد الموجه إلى إسرائيل بسبب تأييدها لجنوب أفريقيا.
وكان لاتفاقية كامب ديفيد وإمضاء مُعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1978 دور هام في معاضدة كل الأسباب الذاتية والموضوعية المُدرجة أعلاه، فقد رفع هذا التفاهم المصري الإسرائيلي الحرج على الدّول الأفريقية التي كانت تُريد استئناف العلاقات، باعتبار أن السبب الرّئيس للمُقاطعة لم يعُد قائمًا وبالتالي فقد معناه.


5- سياسات التّطبيع الكامل (1991 – حتى الآن)
شهدت هذه المرحلة إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل وأفريقيا مرة أخرى وخاصّة خلال سنتي 1991 و1992، وبالإضافة للأسباب السابق ذكرها، ساهم سقوط الأنظمة الماركسية اللينينية في أفريقيا بالتزامن مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي في خفض منسوب الأيديولوجيا لدى دبلوماسيات عدد هام من الدّول الأفريقية، كما دفع دخول الدّول العربية في العملية التفاوضية مع إسرائيل انطلاقًا من مُؤتمر مدريد لاستئناف الدّول المُقاطعة علاقاتها مع إسرائيل، وفي عام 1992 وحده قامت ثماني دول أفريقية بإعادة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ليبلغ عدد الدول الأفريقية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الأخيرة، سنة 1997، 48 دولة من أصل 54.


هيثم سليماني
المصدر : موقع ساسة بوست  

أضيف بتاريخ: 28/09/2017