المقالات

المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وصلتها بالحرب الناعمة

المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وصلتها بالحرب الناعمة 

 

 

الاستاذ حسن الزين


يشير المعنى الأكاديمي لمفهوم ومصطلح "المجتمع المدني" إلى جميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية NGOS غير الساعية للحصول على الربح التجاري. 
وتشكل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية شبكات للترويج والضغط وتبادل المعلومات، وتمارس أنشطتها على الصعيدين الوطني والدولي، فتتولى تأطير القيادات وتوجيه الأجندات المطلبية والسياسية والإعلامية وصناعة الرأي العام. 
وهناك منظمات غير حكومية على المستوى المحلي، ومنظمات غير حكومية على المستوى العالمي، ولها فروع في عشرات الدول، خاصة منظمات حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات، والشفافية والتنمية والصحة والتعليم، وهي ترتبط بصورة أو بأخرى بدول ووزارات خارجية وبمنظمة الأمم المتحدة التي تخضع ايضاً بالمحاور الأولية وخاصة بالإدارة الأميركية.  


لكن الحياد يصبح غطاءاً لأنشطة وبرامج أخرى عندما يجتمع في السفارة الأميركية 60 منظمة من المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في مقر السفارة الأميركية في عوكر لبحث " التحركات المطلبية والشعبية في لبنان  عام 2015".  فهذا يعني أن المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية يمكن أن تتحول فجأة الى أداة من أدوات الحرب الناعمة، خاصة أنها تتلقى التمويل من هذه السفارة - وغيرها - عن طريق برامج تابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وبرنامج الشراكة الأميركية - المتوسطية "ميبي "، وهو ما تكرر في سوريا والعراق وفي فلسطين - عن طريق تمويل منظمات في الضفة الغربية وغزة - للقيام بمشاريع غير حكومية للممول الأميركي تخفي في طياتها برامج سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية ضمن استراتيجيات الحرب الناعمة، ولأجل ذلك اتخذ العديد من الدول اجراءات قانونية لمنع تسلل وإختراق المخابرات الاميركية والغربية للمجتمعات والدول الأخرى المستهدفة ومن هذه الدول روسيا والصين وفنزويلا ودول أميركا اللاتينية وايران والجزائر وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان . 

 

المفهوم الأميركي 
تعتبر منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بشقيها المحلي الوطني أو الدولي احدى أذرع الليبرالية الدولية والرأسمالية والعولمة. 
 يكشف عن هذا المفهوم نص زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر دعا منذ السبعينيات إلى وجوب اهتمام الولايات المتحدة «باختراق الحركات القومية والأيدولوجية والمثقفين، وحتى المزيّفين منهم في بلدان الأطراف غير الرأسمالية، بهدف انتزاع المثقفين من حركات التحرر الوطني، وتالياً، تفريغها من هؤلاء المثقفين، فتصبح الحركة الجماهيرية بلا رؤية». (1 ) .
وبصعود ظاهرة العولمة وسيطرتها على كل المجالات، «تعولم المجتمع المدني» ليؤدي دوراً فعّالاً في «الثورات الملوّنة» التي اجتاحت أوروبا الشرقية أولاً، وبلدان آسيا وأفريقيا ثانياً، والعالم العربي ثالثاً، وهكذا زحف مصطلح "المجتمع المدني" والمنظمات غير الحكومية إلى البلدان العربية ومنها بلدان المشرق العربي المواجهة للعدو الصهيوني خاصة لبنان وسوريا وفلسطين . 
ويجد الباحث في وثائق الجيش الأميركي وخاصة كتب " المكافحة الناعمة لحركات التمرد" عشرات الاشارات الى مصطلح " المجتمع المدني " و" المنظمات غير الحكومية" في طيات هذه الوثائق، مع تحديد وتفصيل لأدوارها التنمية والمخابراتية والسياسية في خدمة الأهداف العسكرية والإستراتيجية الأميركية .  


مفهوم علماء الاجتماع 
بالإستناد الى رأي الدكتور طلال عتريسي (أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية وعميد معهد الدكتوراة سابقاً ) يرى أن “المجتمع المدنيّ ليس له تعريف، حتى الغربيين أنفسهم الذين اشتغلوا على المفهوم لا يملكون تعريفا واحدا له أو نهائي له ، ولا يمكن حصره لأن البعض يُدخل فيه الجمعيات الدينية، والعشائرية، والثقافية، والخيرية، لكن كل ما هنالك هو أفكار عن المجتمع المدني، أكثر من تحديده”.
ويتابع:” فالبعض يقول أن المجتمع المدنيّ هو التحرر من الإنتماءات العقائدية، ويلتقي حول أهداف محددة، لكن هذا مستحيل بالتطبيق العملي بنظري. فالكلام عن دور المجتمع المدني هو الطاغي أكثر من تعريفه، والذي يذهب الى الكلام عن دوره، ويشكل عامل ضغط على الحكومات، أو تصويب سياساتها أو انه شريك في إدارة الحياة المدنيّة، ولذلك قيل في تفسير السلطة والتراجع السيادي أن المجتمع المدنيّ هو أحد عناصر تراجع سيادة الدولة”. ( 2)
“وتجربة المجتمع المدنيّ في بلادنا نشطت بعد التسعينات أي بعد سقوط الإتحاد السوفياتي ولها معنى مؤداه ان تجربة النظام الإيديولوجي قد سقطت، وادارة الدولة للمجتمع سقطت، وبالتالي يجب دعم إدارة الخاص، وليس الحكومي للمجتمع والشؤون الحياتية الأخرى. من هنا تزامنت مع اعلان وجوده الدعوات الى تعزيز الخصحصة مقابل القطاع العام. وحتى سياسيا انها الترويج لليبرالية مقابل الحزب العقائدي، والى موت الإيديولوجيا، والتركيز على فساد القطاع العام. هذا المناخ ساعد على تشجيع تأسيس جمعيات تحت عنوان”المجتمع المدني”. مع محاولة اعطائها ادوارا تتناول قضايا مختلفة”. ( 3 ) .


نماذج للاختراق المخابراتي لهذه المنظمات : 
في فلسطين، وتحت شعار المانح الأكبر للمساعدات الاقتصادية والتنموية للفلسطينيين تتخذ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «USAID» من التنمية الاجتماعية أداة ناجعة لتفكيك حركات المقاومة الفلسطينية، وكسب عقول وأفئدة المجتمع الفلسطيني كونه يشكل الحاضنة الأقوى لمجموعات المقاومة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. تقوم برامجها على ربط أي مساعدة تنموية بالتخلي عن فكرة المقاومة والتحرر من العقل الفلسطيني والاستسلام للاحتلال ومشاريعه، والتصالح مع اسرائيل واسقاطها كعدوّ. (4 ) 
ويرى الباحث علي عوباني أن المنظمات غير الحكومية هي احدى اذرع المخابرات الأميركية على مستوى العالم، وقد ظهر أثرها خلال ما سمي بـ " الربيع العربي " حيث تولت الاستخبارات الأميركية تدريبها وتوجيهها وتمويلها عن طريق معهد  كانفاس CANVAS  في صربيا ( بلغراد)  لتحقيق الأهداف السياسية الأميركية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير( 5).
وتشير الباحثة السورية حسيبة عبد الرحمن إلى اختراق أجهزة المخابرات الدولية، ومراكز الأبحاث لعمل هذه المنظمات «أينما يوجد تمويل، توجد شروط يفرضها الممولون». حيث مع اندلاع ما سمي " الانتفاضة والثورة السورية" تدفقت أموال ضخمة لبعض هذه المنظمات، من أطراف عالمية وخليجية، وبدلاً من العمل على الحاجات المحلية الملحّة، كان الاهتمام ينصب على قضايا حقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية، وطرق إدارة البلاد، وكتابة تقارير عسكرية وسياسية واقتصادية. الوثائق المعلنة عن عمل منظمتي «آرك»، و«آفاز» تنطوي على فضائح مخابراتية من العيار الثقيل، عن طريق توجيه بوصلة الاهتمامات نحو شؤون لا تدخل في صلب العمل المدني، مثل التخطيط الاستراتيجي، والدراسات الجغرافية عن توزّع حقول النفط، ومحطات الطاقة، والكهرباء، وأهداف غامضة تتكشّف تدريجاً. يروي أحد الذين خضعوا لدورة تدريبية عن «اللاعنف» في بيروت، أن هذه الدورات «تبعدنا عن السلمية»، في تدخلّات تصب في مصلحة الدول المموّلة، بالتنسيق مع «المجلس الوطني»، و«الائتلاف»، و«المجلس العسكري»، وإذا بنا حيال فساد تبادلي بين المنظمات المحليّة والعالمية، وأن واقع الحال يطيح بالصورة الأصلية المعلنة لعمل هذه المنظمات، بكشوف وهميّة، وصراعات شخصية على المصالح. ولعل الايجابية الوحيدة في هذا السياق، تنبّه الباحثة السورية، هي تخطي البلاد مفهوم الجمعيات الأهلية، إلى جمعيات المجتمع المدني، وانخراط المجتمع السوري في العمل المدني، وهذا ما افتقدته سوريا لعقود. ( 6)


في الخلاصة:  لا نريد اتهام كل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بالعمالة والتمويل الأجنبي، ونستثني منها بطبيعة الحال كل الجمعيات والمنظمات المدنية وغير الحكومية الوطنية والعائلية والمناطقية الشفافة والتي تتلقى التمويل من الحكومة اللبنانية والحكومات الشرعية في العالم العربي وعالمياً، لكنا سلطنا الضوء بقوة على نماذج المنظمات التي تورطت ولا تزال في تنفيذ البرامج والأهداف الأميركية والغربية وصمناً الصهيونية في المنطقة . 


 1.  منظمات المجتمع المدني في سوريا- مغارة علي بابا، خليل صويلح، جريدة الاخبار، العدد ٢٥١٢ الجمعة ٦ شباط ٢٠١٥

  2.منظمات المجتمع المدني في لبنان-  من وكيف ولماذا ومتى؟،  سلوى فاضل، شؤون جنوبية،  13 أكتوبر، 2011

  3.م.س . منظمات المجتمع المدني في لبنان-  من وكيف ولماذا ومتى؟،  سلوى فاضل، شؤون جنوبية،  13 أكتوبر، 2011

  4.هكذا تقتل الـ USAID بذور المقاومة الشعبية لفلسطين، علا التميمي، جيدة الاخبار ، العدد ٢١٠٦ الثلاثاء ١٧ ايلول ٢٠١٣

  5.أخطبوط سي آي اي وأذرعته في العالم، الكاتب علي عوباني، جريدة العهد الالكترونية،  2012/08/09

   6.مصدر سابق،  منظمات المجتمع المدني في سوريا- مغارة علي بابا، خليل صويلح.

أضيف بتاريخ: 15/12/2017