المقالات

التطبيع-الذراع الناعمة للعدو الصهيوني

إعداد: مركز الحرب الناعمة للدراسات

شكل التفوق العسكري للدول الكبرى سابقًا الركيزة الاساسية لتحقيق الانتصارات في أرض المعارك، أما اليوم فلم تعد الحرب العسكرية وحدها تكفي لتحقيق الانتصار وذلك بسبب تكاليفها المرتفعة من جهة وعدم فعاليتها من جهة اخرى. مما دفع بالدول الكبرى الى البحث عن طرق وأساليب جديدة تعمل على خرق صفوف العدو دون تكبد أثمان باهظة. فكانت الحرب الناعمة التي عرفها "جوزيف ناي" على انها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام،وهي القدرة على التأثير في سلوك الاخرين للحصول على النتائج والاهداف المتوخاة بدون الاضطرار الى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية الصلبة"[1].

لذا لجأ العدو الاسرائيلي لاستخدام القوة الناعمة لفك الحصار والمقاطعة الذي فُرِضَ عليه ولتشويه صورة المقاومة وتفكيكها من الداخل عبر استعماله لعدة وسائل منها: وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي واستغلال الصراع القائم بين دول المنطقة.

عرفت "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الاكاديمية والثقافية لاسرائيل"[2] التطبيع على انه المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني.

وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ويستثنى من ذلك المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها صهاينة إلى جانب مشاركين دوليين، ولا تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالصهاينة، بالإضافة إلى المناظرات العامة. كما تستثنى من ذلك حالات الطوارئ القصوى المتعلقة بالحفاظ على الحياة البشرية، كانتشار وباء أو حدوث كارثة طبيعية أو بيئية تستوجب التعاون الفلسطيني-الصهيوني.

تهدف الحرب الناعمة التي يشنها العدو الى كسر المقاومة وإلغاءها من وعي بيئتها الحاضنة والشعوب العربية والغربية، وقد صرح الباحث في مركز دراسات الامن القومي الصهيوني ميخائيل ميلشتاين " إن تفوق إسرائيل يحتاج إلى معركة صبورة استنزافية مديدة السنين لا ترتكز فقط على كسر القوة العسكرية لقوى المقاومة وإنما تسعى أيضا لتقويض المراكز التي تتبلور فيها الأفكار ومنها تنغرس في وعي الجمهور. وفي هذا الإطار يبرز على وجه الخصوص دور أجهزة الإعلام والتعليم والمراكز الدينية في بيئة المقاومة ويبدو أنه فقط بعد أن نحدث التغيير الجوهري والطويل الأجل في أنمـاط عمل هذه المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمساجد والمؤسسات الدينية يمكن أن نلغي فكرة المقاومة من الوعي أو نهزمها"[3].وعليه يسعى العدو لتشويه مفهوم المقاومة وتظهير الصراع على انه مسح منذ زمن وبأن لا طريق آخر غير السلام الآتي لا محالة بين العدو إلاسرائيلي والدول العربية.

ولا يخفى أن الاعلام يعتبر من أهم وسائل الحرب الناعمة التي يشنها العدو ليس فقط لان الاعلام يبلور سلوك ووعي المتابع بل لانه يصل الى ملايين المتابعين بلحظات. هنا يؤكد السيد القائد علي الخامنئي(دام ظله) على خطورة وسائل الاعلام بقوله" إن وسائل الاعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية"[4].بيد أن العدو الاسرائيلي قام باستغلاله لاقصى الدرجات عبر التطبيع الاعلامي، فأصبحت بعض وسائل الاعلام العربية تقوم باستضافة ضيوف ومحللين سياسين من الكيان الصهيوني بشكل فاضح وصريح.

 في إحدى مقابلاتها الإعلامية لقناة العربية، تحدثت "أفيطال ليبوبيتش" التي شغلت حينها منصب الناطقة باسم جيش الاحتلال بالإنجليزية، قائلة: "الشّعب الفلسطيني ليس عدو إسرائيل، بل الإرهاب هو العدو". وفي مقابلة أخرى لقناة الجزيرة تحدّث "أفيخاي أدرعي" الناطق بالعربية باسم الجيش: "عندما نوّجه صواريخنا إلى غزّة فإنّنا نقصد الإرهاب، ولم نوجه قذائفنا نحو المدنيين". "ليفوفيتش" في مقابلة أخرى قالت: "الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي ويتعامل مع غزّة بموجب القانون الدّولي ولم يستخدم أية أسلحة محرّمة دوليًّا"[5].

وعليه يهدف العدو الاسرائيلي من خلال مشاركته بمقابلات تلفزيونية على القنوات العربية الى إقناع العرب والفلسطينين بأكاذيبهم واستعمال التحايل والخداع الاعلامي لغزو العقول واستعمارها.

في السنوات الاخيرة ومع تصاعد موجة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، قام العدو بإنشاء صفحات له على هذه المواقع ومنها الفيسبوك تحمل شعارات الحرية والديمقراطة وحقوق الانسان حيث انها تقوم بتصوير المقاوم على انه شخص همجي وبربري يقوم بقتل المدنيين ومن هذه الصفحات صفحة "أفيخاي أدرعي"[6] الناطق باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي للاعلام العرب  وصفحة "إسرائيل تتكلم العربية"[7]وغيرها.

تتحدث هذه الصفحات في منشوراتها عن العيش المشترك بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتروج للفنون العربية وانسجام الاسرائيليين فيها حتى وصل الامر لترويج لبعض المأكولات العربية على انها اسرائيلية.وعليه فانه لا يمر أي حدث على الصعيد السياسي أو الثقافي إلا وتقوم هذه الصفحات بكتابة منشورات عنه بطريقة ذكية وخادعة تحرض فيها على المقاومة الفلسطينية والعربية لتوجيه الرأي العام العربي نحو السلام والتطبيع مع العدو الاسرائيلي.

لم يكتفي العدو الاسرائيلي بهذا الحد من التغلغل الناعم بل ذهب بعيدًا مستغلاً خروج إيران من التبعية الاميركية لتصويرها على انها العدو الذي يريد ان يسيطر على دول المنطقة وذلك بعد دعمها ايضا لحزب الله ودول الممانعة في المنطقة. وهذا ما استفاض فيه الامام القائد الخامنئي (دام ظله) بقوله" لقد اصطف الأعداء أمام الأمة الاسلامية ورسولها الكريم، وهؤلاء الأعداء هم أمريكا والاستكبار العالمي والكيان الصهيوني والرجعية وطلاب الشهوات في العالم الاسلامي"[8] موضحا أن "فرعون زماننا هي أمريكا واسرائيل وكل من يتبعهم والذين يريدون ان يشعلوا الحروب في المنطقة وهذه هي خطة أمريكية"[9]. كما وقال" للأسف هناك اليوم حكام ونخب في هذه المنطقة ممن يعزفون على أوتار أمريكا، ينفّذون كلّ ما تطلبه أمريكا، ضدّ الإسلام"[10].

بالمقابل نشرت مجلة "التايم"[11] الأمريكية مقابلة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكد خلالها أنه يسعى لتخفيف موقف المملكة الحاد تجاه إسرائيل، مشيرا إلى أن المصالح المشتركة مع تل أبيب مبنية على أساس العدو المشترك وهو إيران إضافة إلى المصالح الاقتصادية التي قد تدعم اقتصاد البلدين.كما وصرح في مقابلة له مع مجلة ذي اتلانتك[12] إن لدى المملكة العربية السعودية الكثير من المصالح مع "إسرائيل".

ختامًا، في ظل التطبيع العلني والمباشر من قبل الدول العربية وعلى رأسها السعودية، وتجسيد الكيان الصهيوني على أنه امر واقع، وتوجيه البوصلة نحو إيران على انها العدو المشترك. يجب الحفاظ على نبض المقاومة وحمايتها من الطرق الناعمة والذكية التي تهدف الى ضرب أركانها وتغييب الوعي عند بيئتها الحاضنة وأن تبقى البصيرة هي المحرك الاساس لشعوب المقاومة.


[1] جوزيف ناي،القوة الناعمة،ترجمة د.محمد توفيق البجيرمي،دار العبيكان،2007،ص:20.
 [2]عنوان  موقع "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الاكاديمية والثقافية لاسرائيل" : http://www.pacbi.org
[3] "صعود تحدي المقاومة وأثرها على نظرية الامن القومي الاسرائيلي"،جريدة السفير اللبنانية،العدد11495،الصادرة بتاريخ 18/1/2010.
[4] رؤية الامام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة،مركز الحرب الناعمة للدراسات،تشرين أول  2014، ص70.
 [5]التطبيع في الاعلام:إسرائيل في صالون بيتنا،خليل غزّة،باب الواد،في 26/9/2016.
[6]  صفحة "أفيخاي أدرعي" على الفيسبوك على الرابط : https://www.facebook.com/IDFarabicAvichayAdraee/
[7]  صفحة" إسرائيل تتكلم العربية" على الفيسبوك على الرابط: https://www.facebook.com/IsraelArabic/
[8] كلمة الامام القائد الخامنئي(دام ظله) في ذكرى ميلاد النبي محمد(ص)،الاربعاء 6/12/2017.
[9]  مصدر السابق.
[10] مصدر السابق.
[11]  29/3/2018
[12]  2/4/2018

 

أضيف بتاريخ: 02/10/2018