المقالات

الحرب على الوعي واستراتيجية الحرب الناعمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحرب على الوعي واستراتيجية الحرب الناعمة

د. علي الحاج حسن

يشكل الوعي أحد الابعاد الذهنية والمعرفية عند الانسان والخلفية لكافة سلوكياته وتصرفاته. ولن نجد انساناً يمارس نشاطاته واعماله من دون ان تنطبع صورة ما في ذهنه تشكل الدافع وترسم الاهداف والخيارات. من هنا فإن عملية صناعة الوعي وتغيير الوعي تأتي ضمن سياق التحكم بافعال الانسان. وكما يمكن صناعة الوعي بالتربية والتعليم وانماط الحياة... يمكن ايضاً القضاء على الوعي الموجود لزرع آخر يؤدي اهدافاً عند صاحبها. والحرب على الوعي استراتيجية يعتمدها الخصوم عادة وقد تنشأ بين اصحاب الاتجاهات المتناسقة لتحقيق اهداف معينة. وهدف الحرب على الوعي هو جعل الجماهير المستهدفة تتبنى مفهوم الواقع المطلوب لمن يمارس هذا المجهود، بحيث يصبح بإمكانه أن يحقق أكبر غايات إستراتيجية هامة بالنسبة له. وقد تكون الحرب على الوعي سلبية، أي منع تطور حالات وعي غير مرغوب فيها، أو إيجابية، بمعنى محاولة إنشاء وعي مرغوب فيه.[1]

وقد يكون المراد الظاهر من الحرب على الوعي توجيه رسائل للخصم إلا انها تمتلك خفايا لا يفصح عنها، تؤدي الى تحقيق اهدافه حيث لا حرب من دون اهداف. في هذا الاطار يقول غابي سيبوني[2] في دراسة له حول الحرب النفسية والتأثير على وعي الخصم في الحروب المعاصرة،: "إنّ إسرائيل تريد من معركة الوعي توجيه الخطاب المباشر للجماهير في الدول والكيانات المعادية، بما في ذلك استهدافها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الأنشطة العسكرية التقليدية".[3]

في الحقيقية يشار الى الحرب على الوعي كونها حرباً من الجيل الرابع والتي يراد منها صناعة الوعي من جديد والسيطرة على العقول وتغيير الاولويات وتختلف عن الاجيال الثلاثة الاخرى اذ ان الجيل الأول هو حرب بين جيشين عسكريين ومواجهة صاروخ ضد صاروخ،  والجيل الثاني هو حرب العصابات، والجيل الثالث وهي حرب وقائية وسريعة وخاطفة ثم هذه الحرب التي تتعدد ادواتها واهدافها واولوياتها... .[4]

  يشير الخبراء العسكريون الى مجموعة متنوعة من العمليات العلنية والسرّية التي يقوم بها الجيش الصهيوني تحت عنوان الحرب على الوعي وذلك للتحريض وإثارة النعرات، في أثناء مخاطبة الجماهير المستهدفة في المنطقة والعالم، لتبرير أي خطوات عسكرية قد ينفّذها العدو الصهيوني ضدهم في المستقبل. ويثنون على "الدور الكبير الذي يقوم به المتحدّثون باسم الجيش الإسرائيلي، عبر أنشطتهم على شبكات التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة العربية، للوصول إلى مختلف الفئات المستهدفة في الدول المعادية". ويؤكدون أنّ الحرب على الوعي ليست جديدة، بل هي جزء من حروب العصور القديمة. فضرب الوعي والروح المعنوية، إنّما هو مقدمة استباقية للضربة القتالية العسكرية ضدّ الخصم، ما يعني أنّ المعركة الميدانية يجب أن تتداخل وتتكامل مع عمليات الحرب النفسية الرامية إلى التأثير على عقل العدو وعزيمته.

  ومما لا شك فيه أنّ التطور التكنولوجي الحاصل في العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص، قد اوجد ساحة أخرى للحرب، إلى جانب ساحة المواجهة العسكرية الكلاسيكية. فالدول والجيوش وجدت نفسها أمام ضرورة استغلال فضاء السايبر وشبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق الإنجازات المعنوية والسياسية، وهذا يتطلب من الجيوش الحديثة السعي لتحقيق أهدافها عبر التأثير على معنويات العدو المستهدف وإرادته، بما في ذلك صنّاع القرار والقادة والمقاتلون، وكذلك الرأي العام المحلي والدولي.[5]

يتضمن الحرب على الوعي ادوات واساليب عديدة بعضها معروفة وتقليدية، مثل أدوات الحرب النفسية (كالتضليل والاشاعات،...) والتأثير بواسطة وسائل إعلام واسعة الانتشار، وبعضها حديثة كالعالم الافتراضي والشبكات الاجتماعية...

تبين دراسة[6] صدرت في الكيان الصهيوني حول دور الاستخبارات إن "الاستخبارات تلعب دورا مركزيا في الحرب على الوعي. وعلى الاستخبارات أن تفهم وتستعرض الوعي الأساسي والوعي الآني لوضع جماهير الهدف المختلفة وطرق تبلورها، من أجل أن تتمكن من التأثير على جهود الوعي لجهات تقود الحرب. ويحتاج ذلك إلى استخبارات متنوعة، وبينها استخبارات سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية".

اوضح الصحافي الصهيوني يوسي ميلمان اثناء حديثه عن وزارة الشؤون الاستراتبجية في الدولة العبرية، ان من أدق وأصعب المجالات الموكلة للوزارة المذكورة هي صناعة الرأي العام، لدعم الرواية الصهيونية ومواجهة منظمات «بي. دي. إس» وشنّ حرب فكرية شاملة لطردها من الفضاء الافتراضي الذي يبدأ من عالم الإنترنت إلى عالم العلاقات العامة [7].

يتبين مما تقدم ان العدو الصهيوني يعمل وبشكل جاد على ممارسة حرب الوعي واما الاهداف التي يتوخاها من حرب الوعي فإنّ ما يقدّمه كيان العدوّ فكرياً وفق استراتيجية الحرب الناعمة يرمي إلى تشويه الشخصية الفلسطينية وإنكار حقوقها التاريخية وطمس تاريخها في محاولة لفكّ عزلة الكيان؛ بل لفصل التضامن الإنساني مع المقاومة وعزل المقاومة عن بيئتها، بأدوات حديثة وأقنعة ترفيهية مغرية، تجرف داخلها شبكة معقدة وواسعة. لنأخذ نموذجاً واحداً فقط مثل شبكة نتفليكس الأميركية التسجيل، والصهيونية السيطرة، حيث يظهر فيها الدور الخفي للهاسبرا، لأنها ليست خدمة عادية؛ وهي فعلياً الآن تعمل كخدمة بثٍ إعلاميةٍ متكاملةٍ، وتقدم مئات العناوين التلفزيونية التي تعرض على شاشتك عبر تحميل التطبيق الخاص بها. تجد نفسك أمام العديد من البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، فضلاً عن البرامج التي تنتجها نتفليكس نفسها، ومنها مسلسل فوضى «الإسرائيلي» الذي يحقّر الفلسطيني كشخصية فاشلة وعاجزة وهزلية، وهذا شكل حديث من إعادة السيطرة على العقول، من خلال برامج وتطبيقات هاتفية ولكنها تبثّ أيضاً على أجهزة التلفاز الذكية[8] .


[1]  حرب إسرائيل على الوعي: تماسك الداخل وتحريض على الخارج، موقع عرب 48، تاريخ النشر: 08/05/2019
[2]  خبير عسكري في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، والقائد السابق في لواء غولاني.
[3]  مقال: الحرب الإسرائيلية على الوعي العربي وتداعياتها ، إحسان مرتضى ، مجلة الجيش، العدد 401، تشرين الثاني 2018.
[4]  مقال: حروب الجيل الرابع، معركة السيطرة على العقول والخداع النفسي.. ، شيماء شعبان، بوابة الاهرام: 11-3-2019
[5]  مقال: الحرب الإسرائيلية على الوعي العربي وتداعياتها ، إحسان مرتضى ، مجلة الجيش، العدد 401، تشرين الثاني 2018.
[6]  الدراسة صدرت، في كتاب عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب و"معهد أبحاث منهج الاستخبارات" في "مركز تراث الاستخبارات". أعدّ هذه الدراسات باحثون في مجالات متعددة، أمنية وعسكرية وإلكترونية. والكتاب من تحرير، دافيد سيمان طوف ويوسي كوبرفاسير، وهما ضابطان سابقان في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. نقلا عن: حرب إسرائيل على الوعي: تماسك الداخل وتحريض على الخارج.
[7]  مقال:اختراق الوعي الوطني وفرض التطبيع والهزيمة والاستسلام: عن الهاسبرا والثقافة المعاقة، مروان عبد العال،  صحيفة الاخبار، 29 كانون الثاني 2020.
[8]  مقال:اختراق الوعي الوطني وفرض التطبيع والهزيمة والاستسلام: عن الهاسبرا والثقافة المعاقة، مروان عبد العال،  صحيفة الاخبار، 29 كانون الثاني 2020.

أضيف بتاريخ: 27/08/2020