كتب مختارة

قراءة في كتاب ما بعد القتال حرب القوة الناعمة بين أميركا وحزب الله

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قراءة في كتاب ما بعد القتال

حرب القوة الناعمة بين اميركا وحزب الله

د. علي الحاج حسن

صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر (لبنان) عام 2019 كتاب الباحث الدكتور حسام مطر تحت عنوان: "ما بعد القتال: حرب القوة الناعمة بين "أميركا وحزب الله"، وهو واحد من الكتب الهامة والعميقة في تحليل مفهوم القوة الناعمة التي طرحها الأميركي وبنى على أساسها استراتيجياته، وهو يأتي بالتزامن مع محاولات الولايات المتحدة الأميركية التضييق على حزب الله من خلال العقوبات الاقتصادية على كل من تشتبه بارتباطه به للحدّ من تنامي نفوذ الحزب داخليًا وإقليميًا.

ينطلق الكاتب في بحثه من سؤال أساسي هو: كيف تمكّن حزب الله من النجاح في تقييد جهود القوة الناعمة الأميركيّة المخصّصة لعزله على المستويين الوطني والشيعي في لبنان بعد العام 2004؟ إذ يظهر ومن خلال دراسة معمّقة للواقع في لبنان نجاح حزب الله في تقييد القوة الناعمة الأميركية من خلال إعادة بناء معنى الجاذبيّة وتبنّي سياسات دفاعيّة للتشويش واحتواء الجهود الأميركية[1].

يمكن استخلاص وفهم نجاح حزب الله من خلال الأدوات الوحيدة للقياس، أيّ استطلاعات الرأي والمسوحات ونتائج الانتخابات، وهي الأدوات عينها التي استخدمها الأمريكي في قياس فعاليّة القوة الناعمة.

لقد نجح حزب الله في تجنب العزلة وبقي يعيش في عمق المجتمع اللبناني وحقّق نجاحًا كاملًا في حفظ تأييد الأغلبية الساحقة من اللبنانيين بالأخص الشيعة منهم. وقد أظهرت ذلك المسوحات التي أجريت بين العامين 2003 و 2011، كما يؤكد الباحث أن حزب الله يلقى تأييد الأغلبية الساحقة من الشيعة ويعزو أحد الباحثين الإلتزام بحزب الله الى التدين الشخصي والتأييد السياسي والخدمات الاجتماعية لحزب الله[2].

وبهدف فهم الإشكاليّة المطروحة في البحث يمكن القول إنّ أبحاث الكتاب تتمحور حول محورين أساسيين، الأوّل نظري يهدف إلى الإحاطة بأصل القوّة الناعمة ومتغيّراتها وانتقاداتها والفجوات في الأدبيّات المطروحة وتعريف الإشكاليّة وعرض الإطار المنهجيّ والنظريّ. والثاني مخصّص لدراسة الحال. وهو يبدأ ببناء سرديّة تاريخيّة حول طبيعة الصراع بين حزب الله والولايات المتحدة.

وحول جديد البحث يؤكد الكاتب أنه تمكن من معالجة وايجاد اجابات لأربعة من الفجوات التي تظهر أثناء مراجعة أدبيات القوة الناعمة. وهي عبارة عن[3]:

  1.  عندما نظّر جوزيف ناي لمفهوم القوة الناعمة، فإنه ركّز على الفاعل دائمًا، ولم يتطرّق إلى المستهدَف، وهذا ما جعل نظريته عرضةً لانتقادات كتّاب غربيين؛ بدءًا من العام 2012.
  2. تعامل "ناي" مع القوة الناعمة كمورد تقبض عليها الولايات المتحدة فقط، في حين أنّ هذه الموارد ليست خاصة بها، فالقضايا الاجتماعيّة والقيميّة المتعلّقة بالحريّات وحقوق الانسان والديموقراطية، يمكن أن يعيد الكثيرون إنتاجها اجتماعيًا، من خلال التحكّم بالبنى الاجتماعيّة.
  3. لاحظنا أنّه لم يكتب كثيرًا عن اللاعبين غير الحكوميين فيما خصّ القوة الناعمة، بل اقتصر الحديث عن دور الحكومات ومؤسساتها.
  4.  لم تُقدّم القوة الناعمة من خلال إطار صراع بين صرفين، بل كيف يمكن لدولة ما أن تُقدّم قوتها الناعمة لطرف آخر.

يقول الباحث: حاولت أن أعالج هذه الفجوات الأربع، وذلك من خلال اختيار حالة حزب الله والولايات المتّحدة الأميركيّة، مع التركيز على المستهدَف، وهو حزب الله، ومدى قدرته على فرض قيود على ما يقوم به صاحب القوة الناعمة. وقد تبيّن أن الأساس في ذلك يقوم على إنتاج الجاذبية من حيث المعنى، وإعادة تشكيل معايير الجاذبيّة وقيمها الاجتماعيّة. فالجاذبيّة هي جوهر القوة الناعمة.

يتألف الكتاب من ستة فصول:

ناقش الفصل الأول مُصطلح "القوّة الناعمة" وظهوره وتطوّره ودلالاته.

أمّا الفصل الثاني "ميدان الحرب" فتناول صعود حزب الله ومجتمع المقاومة والتحوّلات السياسية الأميركيّة في لبنان والصراع على الشرعيّة بين الحكومة وحزب الله مع لحظ السياق الاستراتيجيّ الإقليميّ في احتواء الصعود الإيراني.

ركّز الفصل الثالث على "القوّة الناعمة" في سياق "مكافحة التمرّد" فتحدّث عن نزع الشرعية والتهميش واستراتيجيه إفراغ الحوض وقوّة الجذب لقطع المقاومة وحرب الأفكار. وكيف أعاد حزب الله ومن قبله إيران تعريف "القوّة الناعمة" من دون الانجرار إلى مضامين المصطلح المجترح أميركيًّا.

كرّس الفصل الرابع نفسه للحديث عن السرديّات المتنافسة على الصعيد الوطني، عن ثوره الأرز الملوّنة وإعادة معنى بناء معنى.  

وكان الفصل الخامس للحديث عن الثقافة بأشكالها المختلفة في بنية "القوّة الناعمة" وكيف تستعمل الولايات المتحدة الأميركيّة الثقافة من أجل التحكّم والتأثير والجذب، وكذلك التعليم مثل برامج تبادل الطلاب، وكيف يتعامل حزب الله مع هذه التحديات.

وانصرف الفصل السادس للحديث عن "المنظّمات غير الحكومية الممولة أميركيًا" كونها رأس جسر في الدبلوماسية الأميركيّة وكيف أن سياسة الاحتواء لدى حزب الله تتناول فرض القيود على التعاون في البيئات الشيعيّة وتقييد جمع البيانات وإظهار حساسية البرامج الثقافية وتعزيز الخدمات الاجتماعية.

أما أبرز الخلاصات والنتائج التي انتهت أليها الدراسة[4]:

أوّلًا: برغم الفجوة في الإمكانات والموارد، يمكن للمستهدَفين بالقوّة الناعمة فرض قيود على مسستخدميها لا إفشالها بالكامل، يمكنهم المواجهة والمناورة. وحالة حزب الله هنا حالة رائدة وتصح أن تكون نموذجًا يُقتدى به من قِبل حركات المقاومة.

ثانيًا: أظهر حزب الله قدرًا عاليًا من المرونة والتكيُّف في تحديث أدواته، والانخراط في الحداثة بشكلٍ مقنّن، وتحديث أدواته الإعلاميّة، والفنّيّة، والتواصليّة، وهذا أمر لافت أيضًا.

ثالثًا: تمكّن حزب الله من توسيع مجتمعه الداعم، وجعل فكرة المقاومة فكرة جامعة، فأصبح مجتمع المقاومة يحتمل غير المنتسبين إلى طائفته، أو إلى فكرته الأيديولوجيّة، وهذا جعل الاحتضان الشعبيّ يتّسع ويغلق الأبواب على الآخرين.

رابعًا: خطورة دور الوكيل الثقافي في الحرب الناعمة، فالجزء الأكبر من القوّة الناعمة يجري تمريره من خلال استخدام هؤلاء الوكلاء.

خامسًا: من أبرز أهداف الحرب الناعمة منع تسييس الناس، ودفعهم إلى عدم الاهتمام بالشأن الاجتماعيّ العام، من خلال استغراقهم في استهلاك الترفيه. وأفضل وسيلة هنا لإحباط هذا الهدف، هي من خلال دفع الناس للاهتمام بالشأن العام.

سادسًا: هذه الحرب هي حرب صناعة النماذج الجذّابة. فقوّة الولايات المتّحدة ليست في أفكارها، بل في مهارتها في تقديم النماذج التي تبدو جذّابة في المجتمع؛ في العلم، والتنظيم، والفنون، والالتزام بالقانون... إلخ. ولمواجهة الحرب الناعمة، يجب إنتاج نماذج جذّابة اجتماعيًّا، واقتصاديًّا وتنمويًّا، وسياسيًّا.

 

 


[1] ما بعد القتال، حسام مطر، ص 22

[2]  م.ن، ص 23

[3]  حول الموضوع راجع لقاء للباحث مع مجلة " بقية الله" ، العدد 333

[4] لقاء للباحث مع مجلة " بقية الله" ، العدد 333؛ كتاب ما بعد القتال ، ص 369

 

أضيف بتاريخ: 27/01/2023