حرب...ولكن ناعمة!
روي عن رسول الله (ص) أنه خاطب أصحابه يوما محذرا فقال: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر. فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم وشرٌ من ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف. فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ فقال: نعم، وشرٌ من ذلك، فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً" إنها الحرب الناعمة بعيدا عن ضرب الطبول وقرقعة السيوف. حرب تستغل ضعف النفس البشرية لتقلب الحقائق وتصورها كيفما اقتضت مصالح روادها، ومن ثم تشحذ كل إمكاناتها لتروج لمفاهيمها الخادعة وترسخها في القلوب وفي العقول، وبذا تستطيع "الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام"، كما عبر عن ذلك جوزيف ناي وهو أبرز الشخصيات الأمريكية الذين كتبوا عن هذا الموضوع حديثاً. وقد كان يعبر عن هذه الحرب سابقا بمصطلحات عديدة كحرب المعنويات، وغسل العقول، والغزو الثقافي، والحرب السياسية... يعتبر جوزيف ناي أنَّ موارد القوة الناعمة تدور حول محاور ثلاثة: الأول: تعزيز القيم والمؤسسات الأميركية، وإضعاف موارد منافسيها وأعدائها. والثاني: توسيع مساحة وجاذبية الرموز الثقافية والتجارية والإعلامية والعلمية الأميركية وتقليص نفوذ منافسيها وأعدائها. والثالث :بسط وتحسين وتلميع جاذبية أميركا وصورتها وتثبيت شرعية سياساتها الخارجية، وصدقية تعاملاتها وسلوكياتها الدولية، وضرب سياسات أعدائها. إذاً عندما نتحدث عن قوة ناعمة تريد أن تقتحم بلداننا وأفرادنا، إنما نتحدث عن مشروعٍ أمريكي معاصر، اختار القوة الناعمة المقابلة للقوة الصلبة (المادية العسكرية)، لعجزه عن الوصول إلى أهدافه عن طريق القوة الصلبة، أو لتخفيف التكلفة الباهظة المترتبة عليها. وقد لجأ إلى القوة الناعمة ليخرِّب من داخلنا، وليسقطنا من داخلنا، بأيدينا وأدواتنا، من دون أن نلتفت في كثير من الأحيان إلى ما يحصل، بل نعيش أحياناً حالة الغبطة بما يحصل، يترافق ذلك مع تعديل القيم التي يريدون تأسيسنا عليها لتسود قيمهم، ثم نندفع بشكل طبيعي وعادي لتصديقها وتنفيذها، فيتعدِّل سلوكنا تبعاً لها، فنتحول أتباعاً بدل أن نكون مستقلين وأصحاب قرار. ومن أجل تثبيت هذه القيم وتحقيق أهدافها، تستفيد القوة الناعمة من كل المؤثرات والرموز البصرية والإعلامية والثقافية والأكاديمية والبحثية والتجارية والعلاقات العامة والدبلوماسية، فلا تترك جانباً من جوانب التأثير إلاَّ وتدخل من خلاله، لتحقيق الموارد الثلاثة التي ذكرناها أعلاه، وإخضاع الخصم للمنظومة الغربية، كما تستفيد هذه القوة الناعمة من منظومة العولمة بأدواتها ووسائلها التي تتحكم بإدارتها أمريكا كقطب مركزي آحادي في العالم اليوم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. انها تسعى لأن تقلب الموازين رأساً على عقب، ليصبح الحقُّ باطلاً والباطلُ حقاً، ما يؤدي إلى أن تختلَّ المقاييس، فلا تكون النظرة واحدة عند الناس في السلوك أو المناقشة أو المحاورة، أو في التأسيس للمستقبل، ما يُسبب الخلل والإرباك والضياع في المجتمع. إذاً نحن أمام قوة ناعمة تُستخدم للحربٍ علينا، والقاعدة الأولى والأساس التي يجب أن ننطلق منها: أن نعرف وجود الحرب الناعمة من أجل أن نهيئ العدة الكافية لمواجهتها، وأن نضعها نصب أعيننا لنواجهها بعمليات الكر والفر، لنتمكن من ربح المعركة الطويلة التي بدأت مع فجر التاريخ، وتكرست الآن مع الهيمنة الأمريكية، وهي لن تتوقف عند حد، ولكنَّ السجال يحصل بالنقاط، فتارةً نربح فيها وأخرى نخسر فيها، بحسب طريقة أدائنا والجهود التي نبذلها.
من موقع http://www.alzakiya.com/
أضيف بتاريخ: 13/07/2015