خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

رأسمال الصمود الوطني في مواجهة الحرب الناعمة : وحدتنا الوطنية وصيانة إيماننا وثقافتنا

رأسمال الصمود الوطني في مواجهة الحرب الناعمة : وحدتنا الوطنية وصيانة إيماننا وثقافتنا


تضحيات أهل كردستان

في زيارتي السابقة لسنندج زرت ربَّ عائلة استشهد ستّة من أولاده. وقلّما شاهدت نظيرًا لهذا في البلاد. ستّة أولاد! ثلاثة منهم استشهدوا في سوح القتال وثلاثة أثناء التظاهرات التي قصفها من قبل العدوّ البعثي. يستشهد ستةٌ من فلذات كبده ويبقى هذا الوالد صامدًا قويًّا إلى درجة أنّني شعرت بالصغر أمام عظمة تلك الروح. شهدت هذا في كردستان. التقيت اليوم باثنين آخرين من أبناء ذلك الرجل العظيم -وهذه عظمة حقًّا- وسألتهم عن والدهم فقالوا: إنّه انتقل إلى رحمة الله.

عوائلٌ قدّمت ثلاثة شهداء وشهيدين؛ سيّداتٌ فقدنَ أزواجهن وأبناءهن، ولم يستسلمن لضغوط الأعداء النفسّية والسياسيّة بعد فَقْدِهِنَّ فلذات أكبادهنَّ. ولم يبدين ضعفًا وخورًا أمام تلك الضغوط. هذه عظمة كبيرة شهدتها هنا في كردستان.

شبابكم الأعزّاء قاتلوا في جبهة مقارعة أعداء الثورة، وفي جبهة مقارعة نظام صدام البعثي. صمد أولئك الشباب على الجبهتين، أمام مجموعتين من الأعداء لهما جذور متقاربة. قاتل الشباب الكُرد من أهالي "مريوان وسقز وبانه وقروه وبيجار"  في عمليّات الفاو ، إلى جانب باقي أبناء وطنهم وإخوانهم، واستشهد منهم من استشهد. وهنا أيضًا جاهدوا ضدّ أعداء الثورة، كما العدُوّ البعثيّ. لا أنسى الجهاد الذي شاهدته في "مريوان" و"دزلي"، وكيف وقف الشباب بوجه الأعداء كالنيران المنصهرة. أعزّائي، إنّ الشيء الذي يقوّي الشعب من الداخل هو هذا الجهاد. لن نصل إلى أيّ نتيجة بالوهن والتراخي. ولن نكسب أيّ مرتبة في مضمار السباق بين الشعوب، مع الرضوخ أمام التعسُّف والهيمنة.

الجهاد يرفع الرأس

حين يقول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه" ؛ فما معنى ذلك؟ معناه أنّ شبابكم وشهداءكم وأعزّاءكم من خاصّة أولياء الله. حيث استطاعوا اجتياز هذا الباب. لماذا يعتبر الله تعالى هؤلاء خاصّة أوليائه؟ لأنّه لو لم يكن هذا الجهاد لبقي الشعب ذليلًا متأخِّرًا ضعيفًا خاضعًا للعسف على الدوام. وإنّ شعبنا الإيراني العظيم قد أظهر عظمته بهذه المجموعات العظيمة والمكوّنات المختلفة ؛ وخرجتم هنا من الامتحان مرفوعي الرأس. لقد أحرزتم في هذا الامتحان الكبير درجة عالية.

نقطتان مهمّتان

ثمّة نقطتان لا بدّ من الالتفات إليهما وعدم نسيانهما. يجب عليكم أنتم أنّ لا تنسوهما؛ وخصوصًا الشباب واليافعين الأعزّاء يجب أن لا ينسوهما أبدًا:

الفخر بالشهداء
النقطة الأولى: هي أن نحافظ على الشعور بالفخر الذي يبعثه فينا اسم الشهيد وذكراه. كما نفخر ببطولات الرجال الكبار في صدر الإسلام؛ لنفخر ببطولات هؤلاء الرجال الكبار في زماننا. وهذا ما لا يريده العدُوّ. يريد العدُوّ لذكريات الشهداء أن تُنسى. يريد العدُوّ لذكريات هذا الجهاد وهذه البسالة أن تمُحى من ذاكرة الشعب. وعلى الجميع السير بالاتّجاه المعاكس تمامًا لهذه الإرادة. شدِّدوا على ذكرى الشهداء وأحيوها، وصونوا ذكرياتهم. هذه هي النقطة الأولى. 


التحلي بالوعي لحماية ـــــ  أسسنا ـــــ لحراسة حدودنا الروحية والمعنوية 

النقطة الثانية: يجب أن لا يشعر شعبنا وشبابنا ونساؤنا ورجالنا أنّ زمن الجهاد قد انتهى؛ وأنّه لا خطر يهدِّدنا. قد لا تهدِّدنا أخطار عسكريّة. وهذا هو الحال. لقد بلغ شعب إيران اليوم درجة من الاقتدار، رفعت من قدرته على مواجهة الأعداء عاليًا، بحيث لا يتجرَّؤون على مهاجمة هذا الشعب عسكريًّا . فهم يعلمون أنّهم سيُقمعون، ويعلمون أنّ هذا الشعب شعب مقاوم. إذن، احتمال خطر الهجوم العسكري ضئيلٌ جدًّا. بيد أنّ الهجوم ليس عسكريًّا وحسب. يركّز العدوّ على المواقع والنقاط التي تمثّل رأسمال صمودنا الوطنيّ. يستهدف الأعداء وحدتنا الوطنيّة وإيماننا الديني العميق. يستهدفون روح الصبر والاستقامة لدى رجالنا ونسائنا. وهذا الهجوم أخطر من الهجوم العسكري.

في الهجوم العسكري، تستطيعون معرفة الجانب الذي تواجهونه، وتستطيعون مشاهدة عدوّكم. أمّا في الهجوم المعنوي والغزو الثقافي والهجوم "الناعم"، فلا تشاهدون العدوّ شاخصًا أمامكم. لذلك لا بدّ من التيّقظ والوعي. أرجو من عموم الشعب الإيراني ـــــ لا سيّما أُسر الشهداء ــــــ وأطلب منكم جميعًا أيّها الأعزّاء ــــ  خصوصًا الشباب، ـــــ أن تحرسوا الحدود الفكريّة والروحيّة بمنتهى اليقظة. لا تسمحوا للعدوّ أن ينال من الأسس الفكريّة والعقيديّة والإيمانيّة للناس، ويتغلغل إليها كَتَغلْغُل الأَرَضَة . هذه مسألة على جانب كبير من الأهميّة. كلّنا مكلّفون بحماية حدودنا الإيمانيّة، والروحيّة والمعنويّة.

مع الأسف، استطاع أعداء الشعب الإيراني اليوم الحضور، حتّى خلف حدود بلادنا. في الماضي وفي بداية الثورة، كانت المخطّطات تأتي أيضًا من الأعداء الأقوياء، والاستكبار والصهاينة. أمّا اليوم ـــــ وفي ظلّ التحوُّلات التي شهدتها المنطقة ـــــ  فقد أوجدوا قواعد ومراكز بالقرب من حدودكم الجغرافيّة، وراحوا يستخدمونها للفعاليّات الناعمة الموغلة في العدوان.

التحلّي بالوعي واليقظة

على الجميع التحلّي باليقظة. وأقول للشباب خصوصًا:
أيّها الشباب الأعزّاء؛ وطنكم اليوم بحاجة إلى الوعي واليقظة. ترصّدوا تحرّكات الذين يرومون إبعاد القلوب عن الوحدة والودّ والألفة. قلتُ اليوم للجميع في ساحة المدينة، وأقول لكم أيضًا: هناك من يريد بثّ الخلافات والفرقة بين أبناء الشعب، بأيّ وسيلة وأيّ ذريعة. كلّ من وجدتموه يعمل بهذا الاتّجاه، احكموا عليه بأنّه يد من أيادي العدوّ سواء علِم هو بذلك أم لم يعلم. ربّما لا يعلم، لكنّه يدٌ للعدوّ؛ لأنّه يعمل لصالح العدوّ. والنتيجة واحدة. لا فرق بين الشخص الذي يوجّه لكم الضربة متعمّدًا، والذي يوجّه لكم الضربة غير متعمّد، من حيث نتيجة عملهما. ينبغي التحلّي باليقظة والوعي.


الشعب يقظ لحسن الحظ. لقد اكتسب شعبنا خبرةً وتمرُّسًا خلال هذه التجربة الطويلة في الأعوام الماضية. استطاع شعبنا معرفة شتّى صنوف المؤامرات ومواجهتها. وسيحصل هذا الشيء اليوم أيضًا. علينا تقوية أنفسنا من الداخل : تقوية أنفسنا علميًّا، واقتصاديًّا، وإبداعيًّا، وتقنيًّا وفوق كلّ هذا تقوية إيماننا. أقول لكم: لن يكون بعيدًا اليوم الذي يستطيع فيه شباب اليوم ــــ بتوفيق من الله ــــ تولّي أمور البلاد. وسيصل بلدنا وشعبنا في المستقبل غير البعيد بلا شكّ، إلى المرحلة التي لن يفكّر فيها أيّ عدوّ بالهجوم عليه : لا الهجوم العسكري ولا الهجوم السياسي، ولا الهجوم الاقتصادي. ما لدينا اليوم ، إنّما هو بفضل جهاد السنوات الطويلة -حيث أبدى شبابنا الأعزّاء هذا الجهاد- وببركة دماء الشهداء الأبرار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كلمة الإمام الخامنئيّ -دام ظلّه- في عوائل الشهداء والمضحّين في كردستان في محافظة كردستان
12-05-2009




أضيف بتاريخ: 15/08/2015