خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

دور الشعراء أثناء الحرب الناعمة بيان الحقائق بأبهى صورة فنية وأبلغها أثرا


دور الشعراء أثناء الحرب الناعمة بيان الحقائق بأبهى صورة فنية وأبلغها  أثرا

شعر الثورة في نموٍّ ورُقيّ
دقّقت هذه السنة أيضًا كما في السنة الماضية، [وأصغيت] لأرى ارتفاع مستوى شعر الثورة وشعر هذا الجيل. وقد قلت في العام الماضي على ما أظنّ، وأؤكّد السنة أيضًا: إنّني أرى بوضوح ارتفاع هذا المستوى ورقيّه. أي إنّ شعر مجموعة شعراء الثورة، سجّل نموًّا مثيرًا للإعجاب؛ مقارنةً بما كان عليه قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عامًا. إنّني معجب حقًّا ، بأولئك الذين كانوا بالأمس شباب الثورة وفتيانها وقد بلغوا اليوم والحمد لله سنّ الكهولة ؛ ولا زالوا يسيرون في هذا الصراط . وأيضًا بأولئك الشباب الذين دخلوا الساحة مؤخّرًا وأنا أسمع أشعارهم لتوّي . وربّما دخلوا ساحة الشعر منذ سنوات ، لكنّهم لم يكونوا سجّلوا حضورهم في الصحافة والكتب التي تصلني. معظم الأشعار التي قُرئت هذه الليلة كانت جيّدة بالمعنى الحقيقي للكلمة. أي إنّ اللفظ كان جيّدًا ، والمعنى جيّدًا والموسيقى والإيقاع جيّدين ؛ والمفردات واختيارها كان جيّدًا. ويلاحظ الإنسان فيها بعض التخيّل، لا سيّما في أشعار الشباب. هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة. هذه كلّها عناصر تدلّ على نمو غرسة الشعر وترعرعها في بلادنا.

شعر الثورة في خدمة قيَمها
ومن النقاط الأخرى التي تلوح هنا هي أنّ شعر الثورة يجب أن يكون في خدمة مفاهيم الثورة. بينكم شعراء ينظّمون شعرًا دينيًّا: قصائد دينيّة وذات صلة بالأئمّة (عليهم السلام) وحسب المصطلح الذي شاع نقول "شعرًا دينيًّا". وللإنصاف هناك أشعار جيّدة نظّمت في هذا المضمار. وبعض الأشعار تتعلّق بالحرب وفترة الدفاع المقدّس أو بالشهداء أو الجرحى وما إلى ذلك. هذه ظاهرة جيّدة جدًّا. لكنّني أشرت العام الماضي أيضًا إلى أنّ أهداف الثورة ومبادئها ليست منحصرة في هذه. فقد وضعت الثورة فوق رؤوسنا مجموعة من النجوم المتلألئة من القيم والمبادئ ودعتنا للحركة والعروج إليها والقفز نحو هذه النقاط المضيئة . وقد دخلنا الاختبار ووجدنا أنّ في وسعنا العروج والتحليق. وجدنا أنّ هذا التحليق ممكن. طبعًا لوحظت النماذج البارزة لذلك في فترة الدفاع المقدّس. ورأينا أنّه حينما تنشر الأمّة جناحيها نحو هذه المبادئ سيكون بإمكانها السير بصورة جيّدة. لكنّ الكثير من هذه المبادئ لا تزال فوق رؤوسنا . وعلينا الحركة والسير نحو العدالة، ونحو الأخلاق ونحو الاستقلال بالمعنى الحقيقي للكلمة، بما يشمل الاستقلال الثقافي ــ وهو الأعمق والأصعب من كلّ صنوف الاستقلال. ويجب علينا السير نحو الاستعادة الحقيقية لهويّتنا الإسلاميّة - الإيرانيّة.
وقد رأينا في الاختبارات التي وقعت على هامش الانتخابات - بعد الانتخابات وقبلها - أنّ لدينا نقاط ضعف ولدينا مشاكل في هذه المجالات. كانت هذه الأحداث نعمة كبيرة بالنسبة إلينا من حيث إّنها عرّفتنا بنقاط ضعفنا. كالمناورات العسكريّة التي تقوم بها القوّات المسلّحة. المناورات العسكريّة هدفها أساسًا هو أن تكتشف الوحدات العسكريّة أو المنظومة العسكريّة نقاط ضعفها. يحدّدون هدفًا ويصدرون أوامر للتحرّك نحوه. ثم تكون هناك أعين بصيرة مفتّحة - هكذا هو الحال في كلّ المناورات - تقف وترصد الساحة من فوق ، فترى أنّه توجد نقطة ضعف معيّنة في الموضع الفلاني أو أنّه توجد بعض أشكال العجز . غدا هذا الأمر بالنسبة لنا كالمناورات العسكريّة. وهو لم يحدث باختيارنا طبعًا. إنّما فرض علينا، لكنّه كان حسنًا ؛ إذ أدركنا من خلاله نقاط ضعفنا. إذن هذه المبادئ موجودة فوقنا وعلينا السير نحوها ؛ وعندئذ يمكن إزالة نقاط الضعف هذه.

وظيفة الفنّان ودوره
حسنًا، ما هو دور الشاعر هنا؟ ما هي وظيفة الشخصيّات الفنيّة والشخصيّات الثقافيّة من رجال ونساءز أي الإنسان الفني والإنسان الثقافي في هذه الساحة؟ أعتقد أنّ الواجب جسيم جدًّا، وكبير جدًّا. والوظيفة الأهم هي التبليغ والتبيين؛ "الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلّا الله"  . هذا أحد المعايير. أن تدركوا حقيقةً وتطرحوها على الناس. لا يتوقّع منكم أحد أن تتحدّثوا بخلاف ما تفهمون. لا، قولوا الشيء الذي تفهمونه. وطبعًا لا بدّ لكم من السعي والجهاد لكي يكون ما تفهمونه صحيحًا وصوابًا. لأنّ معرفة الساحة في الحوادث المشوبة بالفتن عمليّة صعبة. من الصعب في تلك الظروف معرفة عناصر القضيّة ومعرفة المهاجم والمدافع والظالم والمظلوم. من الصعب معرفة العدو والصديق. لو خُدع الشاعر كما يُخدع الآخرون وأصيب بانعدام البصيرة؛ فمعنى ذلك أنّه قد انحطّ شأنه ونزل من مستوى ومرتبة الإنسان الفنان والإنسان المثقف. إذًا، ينبغي فهم الحقيقة. ثم يجب تبليغ هذه الحقيقة. لا يمكن التحرّك في عالم الثقافة بالأساليب السياسيّة؛ بأساليب السياسيّين والمسؤولين السياسيّين. هذا خلاف منـزلة الثقافة. في عالم الثقافة ينبغي حلّ العقد : كشف الحقيقة وحلّ العقد الذهنيّة. وهذا ما يحتاج إلى تبيينز أي إلى عمل الأنبياء. ولا بدّ في البيان من الفصاحة والبلاغة. والبلاغة هي بهذا المعنى. مع أنّهم يذكرون في الكتب التخصصيّة أنّ البلاغة بمعنى التطابق مع مقتضى الحال. لكنّ ذلك معنًى خاص من البلاغة، وليس المعنى الأوّلي والصريح للبلاغة. البلاغة معناها الإيصال، والبلاغ هو الإيصال.
 حين يُقال إنّ حافظ الشيرازي نظم هذا الشعر الفصيح البليغ؛ فما معنى "البليغ" لديه هنا؟ هل معناه أنّه نظمه بما يتناسب ومقتضى الحال؟ وما يدرينا هل كان شعره مناسبًا لمقتضى الحال في ذلك الحين أم لم يكن؟ إنّنا ننظر إليه الآنز والقضيّة ليست قضيّة مقتضى الحال. إنّما البلاغة تعني الإيصال. والبليغ هو الموصل. قولوا ما تقولون ببلاغة وإيصال ووضوح وبيان ساطع. ولكن قولوا الشيء الذي تفهمونه. ليس المتوقّع أبدًا - وليس من الحق أن يتوقّع أحد ذلك - أن يتحدّث شخص بخلاف فهمه. وحاولوا أن يكون ما تفهمونه صحيحًا.

واجب الشعراء البلاغ والتبيين
أقول لكم إنّ حركة الثورة الإسلاميّة هذه ليست حركة منتهية. نحن- أنا وأنتم- نحضّر ونشارك ونرابط في جانب معيّن وزاوية محدّدة من زوايا جيشها ؛ وبمثابة ذرّةً منها بوصفنا أصحاب أدب وثقافة. "ولله جنود السماوات والأرض"  .جنود الله وجيشه لا يعرفون أرضًا ولا سماءً؛ "وكان الله عزيزًا حكيمًا"  . الله عزيز: ومعنى العزيز هو الغالب الذي لا يغلب. أي الغني عن الجميع. وأنا وأنتم نتولّى اليوم جانبًا بسيطًا من الأمر. فالحركة العظيمة التي بدأت بالثورة الإسلاميّة، حركة غير متناهية. إنّها غير منتهية على الإطلاق. بل هي حركة مستمرّة. ذلك الشيء الذي درج ذكره في الخطابات، والتلفزيون والإعلام، وفي المحاكم، وعلى ألسن الجميع حين يقولون: الحرب الناعمة؛ هذا شيء صحيح وواقع. أي إنّها الحرب الآن. وأنا بالطبع لم أتحدّث بهذا الكلام اليوم، بل كنت أقوله وأذكره باستمرار دومًا بعيد انتهاء الحرب [المفروضة] أي منذ سنة 67 [1988]. والسبب هو أنّي أرى الساحة. وماذا أفعل لمن لا يراها؟! ماذا يفعل الإنسان؟ إنّني أرى الساحة وأرى الاستعدادات والاصطفافات وأرى الأفواه الحاقدة والغاضبة والأضراس المصطكّة من الغيظ ضدّ الثورة وضدّ الإمام وضدّ كلّ هذه المبادئ وضدّ كلّ المحبّين لهذه الحركة. الإنسان يرى كلّ هذا، فماذا يفعل؟ هو أمر لم ينتهز ولأنّه لم ينته؛ إذًا ، تقع علينا جميعًا واجبات. وواجبات المنظومة الثقافيّة والأدبيّة والفنيّة معروفة: البلاغ والتبيين تكلّموا، وتكلّموا بصورة جيّدة. إنّني أشدّد دومًا على أنّه يجب أن تختاروا القالب بشكلٍ جيّد وعليكم الإتيان بالفنّ إلى الساحة بأبهى صورة وأقوى ما فيه. ينبغي عدم التقصير، لكي يترك الفن تأثيره.
ترون أنّ الآخرين بما لديهم من أعمال فنيّة يروّجون لأشياء باطلة. والعجيب أنّنا نتقبّل ذلك الكلام نفسه! هذا المسلسل الكوري الذي يبثّ الآن والجميع يشاهدونه هو تلفيق تاريخي وأسطورة باطلة. ولو أراد المرء البحث في الشاهنامة  والعثور على مثل هذه القص ، لأمكنه العثور على عشر أو خمسة عشر من هذه القصص. غير أنّ أولئك قد أظهروا فنًّا [في العرض والبيان]. وحين يعمل المرء باحتراف فنّي ، سيكون عاقبته أن تجلسوا حضراتكم ــ ممّن ليس لكم أيّة رغبة في ذلك التاريخ وتلك الثقافة ــ  وتشاهدون العمل بكلّ رغبة وتستوعبون تلك الثقافة شئتم أم أبيتم. هذه هي خصوصيّة الفن الجيد.
الفنّ الجيّد أمر ضروري؛ وعملكم الفني يرتبط بالشعر. أتمنّى أن تقرأوا إن شاء الله أعمال القدماء وآثار الأساتذة الكبار بصورة أفضل وبشكل أكثر، ولا تتوقّفوا عندها. لا تغضّوا الطرف عن حسناتهم إطلاقًا، ولا تقنعوا بما كسبتموه لحدّ الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عددًا من الشعراء
 05/09/2009 


أضيف بتاريخ: 15/08/2015