كلمة الإمام الخامنئي خلال لقائه القائمين على شؤون الحجّ
_22-08-2015
بسم الله الرحمن الرحیم
قَدِمتم خير مقدم أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء القائمون على شؤون الحجّ. فقد أنيطت بكم أيّها الإخوة والأخوات واحدة من أروع المهام وأعظمها، وهي تمهيد السبيل للمسلمين والمؤمنين من أجل الوصول إلى الحجّ الذي يمثّل واجبًا إسلاميًا لا مثيل له ولا نظير.
كما وأشكر الجهود التي يبذلها المسؤولون من الإخوة والأخوات الذين وفّروا للمؤمنين المقدّمات اللازمة في سبيل تحسين أوضاع السفر إلى الحج، كما أشار إلى ذلك سماحة السيد قاضي عسكر ، ورئيس منظمة الحج والزيارة المحترم ؛ وهذا هو العمل الصائب، فلا بدّ من تحسين الأوضاع وتسهيل الأمور يومًا بعد آخر بغية الوصول إلى أهداف الحجّ السامية، ولا بدّ من بذل الجهود. وكلّ واحد منكم ـ أنتم الإخوة والأخوات ـ يحمل مسؤولية، ويؤدّي دورًا معيّنًا، فاجهدوا أن تؤدّوا دوركم بأتمّ وجه، وباندفاع كامل، وبتخصيص الوقت وبإخلاص، فإنّ حصيلة هذه الجهود ستُؤتي ثمرة يانعة وهي تحقق الحجّ المنشود لدى الناس.
وأمّا الوصايا التي أطرحها عليكم فهي أن الحجّ ليس حكرًا على الإيرانيين، بل هو للإسلام وللأمة الإسلامية جمعاء، وضامن لبقاء حركة الإسلام. وإنّ تكريم أشْهُر الحجّ التي كرّمها الله تعالى حتى في الزمان والمكان، يدلّ على مدى عظمة هذه المناسك وتأثيرها، ويُنبئ عن سماتٍ وخصائص تتمتع بها هذه الفريضة في ما يرتبط بالأمة الإسلامية، لا تتمتع بها أي فريضة أخرى، وهذا ما يجب الالتفات إليه.
الجانب الفردي؛ تطهير للذّات
والظريف أنّ الحجّ ينطوي على جانبين مختلفين يكمّل أحدهما الآخر: جانب فردي وجانب اجتماعي، يجب الالتزام بهما والاهتمام بهما معًا. فالجانب الفردي للحجّ يرتبط بالحجاج فردًا فردًا؛ فليعمل كلٌّ منهم في هذه الحقبة الزمنية ــ وهي حقبة الحجّ والعمرة ــ على توطيد الارتباط بالله تعالى، والاستغفار، والتزوّد، حيث ورد في الآيات الكريمة المختصة بالحج: ﴿وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَیرَ الزّادِ التَّقوی﴾ ، وهي توصي بالتقوى. وعلى كلّ واحد من الحجّاج الكرام الذين فازوا بهذه النعمة العظيمة أن يفكّر في أن يوفي كيله، ويملأ حمله ــ ﴿وَأَنِ استَغفِروا رَبَّکُم﴾ ــ ويستغفر ربّه، وينيب إليه، ويسأله، ويعاهد الله لمستقبله وحياته وأعماله... هذا هو العمل الفردي.
وعلى كلّ حاج في الجانب الفردي للحجّ أن يقترب من الله في حركته هذه وسفره هذا، وأن يطهّر سريرته، وأن يتزوّد لما تبقّى من عمره، فمن خلال هذا السفر وهذه المناسك وهذه الأيام ينهل المرء من منهل البركات والألطاف المعنوية، وعليه أن يثمّنها ويعرف قدرها. فهناك أمورٌ لا يمكن للإنسان تحقيقها إلا في هذا السفر: فرؤية الكعبة عبادة، والطواف حول الكعبة عبادة، والصلاة في المسجد الحرام عبادة، وزيارة قبر النبي الأكرم (ص) عبادة، وعرفات موطن مناجاة الله، والمشعر الحرام ساحة التوجه إلى الله، ومِنى كذلك. فعلى الحاجّ أن يستفيد من هذه المناسك والأعمال واحداً واحداً لتطهير ذاته، وعلوّ درجاته، والادّخار لنفسه طيلة عمره... هذا هو الجانب الفردي للحجّ.
الجانب الاجتماعي؛ مظهرٌ للوحدة وهيبة للأمّة
وهناك جانب آخر وهو الجانب الاجتماعي. فإنّ الحج يمثّل مظهر الوحدة الإسلامية، حيث يجتمع الناس بصنوف ألوانهم وقومياتهم وجنسياتهم ومذاهبهم وميولهم جنبًا إلى جنب من دون أي فارق؛ فيطوفون معًا، ويسعون معًا، ويقفون في عرفات والمشعر معًا، فكم لهذه الوحدة من أهمية كبيرة. ومن هنا، فإنّ التعاطف والانسجام الإسلامي يتجلّى على حقيقته في الحجّ، ليس للشعب الإيراني فحسب، بل لمسلمي العالم كافة، وللأمة الإسلامية جمعاء.
لعنة الله على الذين يحاولون إقصاء حقيقة الأمة الإسلاميّة وأهميّتها وإبعادها عن الأذهان، والذين يقسّمون المسلمين إلى أصناف متعدّدة، ويحدّدون لهم دوافع مختلفة، ويضخّمون الجانب القومي لتهميش عظمة الأمّة الإسلاميّة، ويعملون على دقّ إسفين الخلاف في الأمة، والحال أنّ الأمة الإسلامية هي التي تتمتّع بالأهميّة، وأنّ العظمة تعود إلى الأمة الإسلاميّة، وأنّ الله سبحانه وتعالى يفيض برحمته على الأمّة الإسلاميّة، وأنّ الحجّ مظهر لتشكيل الأمّة الإسلاميّة، وهذا بالطبع غيض من فيض. حيث يجتمع المسلمون ﴿مِن کُلِّ فَجٍّ عَمیق﴾ ومن كلّ مكان، ومن أقصى البلاد جنبًا إلى جنب، ويا لها من فرصة كبيرة توفّر لهم إمكانية التحادث والتعاطف بعضهم مع بعض، والاستماع إلى آلام وشجون البعض الآخر، والتضامن مع بعضهم بعضاً، وهل يمكن أن تتاح هذه الفرصة في غير الحجّ؟ وهذا هو واحد من جوانب الحجّ الاجتماعية المتمثلة بالوحدة.
والجانب الاجتماعي الآخر، هو إظهار عظمة الأمة الإسلامية وهيبتها. فإنّ اجتماع ملايين الناس في مراسم معينة يدلّ على إظهار الأمة الإسلامية في مكان واحد. [يكفي أن] يشارك مثلًا من كلّ بلد يبلغ عدد سكانه سبعين أو ثمانين مليون نسمة، خمسون ألفًا أو ستون ألفًا أو سبعون ألفًا، حتى يجتمع هذا العدد الهائل، فهذا مؤشّر على عظمة الأمة الإسلامية.
خبرة الإيرانيّ في تشخيص العدو
ومن الجوانب الأخرى تبادل التجارب بين الشعوب، فإنّ الكثير من البلدان الإسلاميّة لها تجاربها، فالشعب الإيراني له تجاربه في مواجهة العدو، وفي تشخيص العدو، وفي عدم الثقة بالعدو، وفي عدم الخلط بين الصديق والعدو.. نحن لدينا تجاربنا في هذه الأمور.. نحن لم نُخطئ في التمييز بين الصديق والعدو، وعلمنا وأدركنا منذ انتصار الثورة وحتى يومنا هذا أنّ العدو الحقيقي اللدود اللجوج الدؤوب في عمله هو الاستكبار العالمي والصهيونية.. هذا ما عرفناه. وقد نجد أحيانًا هذا العدو الرئيسي الحقيقي نفسه، يعبّر عن رأيه بلسان غيره؛ ولكنّ الأمر لم يلتبس علينا في أن نتصوّر بأنّ هذا هو العدو، كلا.. بل صرّحنا وقلنا إنّ العدوّ هو الاستكبار.
ولكم أن تنظروا إلى شعارات الشعب الإيراني في الثاني والعشرين من بهمن ، وفي يوم القدس، وفي التجمّعات والمظاهرات الحاشدة، لتجدوا أنّها شعارات مناهضة للاستكبار ولأميركا وللصهاينة والكيان الصهيوني المحتلّ، وأنّهم يطلقون الهتافات ضدّهم. في حين أنّ هؤلاء ]المستكبرين[ قد يعبّرون عن رأيهم وينجزون أعمالهم من خلال البلد الإسلامي الفلاني، إلا أنّنا لم نطلق شعارات مناهضة لذلك البلد الإسلامي، وشعبنا لم يهتف ضد ذلك البلد الإسلامي؛ لماذا؟ لأنه يعلم أن ذلك البلد لا يمثل العدو الحقيقي، وإنّما هو مخدوع وألعوبة بيد غيره؛ هذه هي معرفة العدو، وهذه هي تجربتنا. وإنّ بعض الجماعات الإسلاميّة التي استطاعت أن تكتسب فرصة في بعض البلدان، لم تكن تحمل هذه التجربة والتبس الأمر عليها، فتحالفت مع من يعاديها حقًا، واختلفت مع من يُكنّ الودّ لها، وتلقّت ضربتها، ولم تقدّر النعمة التي أنعمها الله تعالى عليها.
الحفاظ على الوحدة رغم الاختلافات
وإنّ من تجارب الشعب الإيراني رصّ الصفوف والتكاتف. ولكن، هل الاختلافات في الميول والتوجّهات قليلة في بلدنا؟ ثمة اختلافات كثيرة في القضايا السياسيّة والفكريّة والاعتقاديّة، غير أنّ الناس رغم هذه الاختلافات حافظوا على وحدتهم. فإنّ هناك قوميّات معيّنة تعيش في بعض مناطق بلدنا، وهي تشارك في مراسم الثاني والعشرين من بهمن، وفي مراسم يوم القدس وفي شتّى المراسم الثوريّة بمثل ما يشارك فيها سائر أبناء هذا البلد. بل وأحيانًا نجد أنّ الخطوات التي تقطعها هذه القوميّات في المنطقة الكرديّة والمنطقة البلوشية والمنطقة العربية والمنطقة التركية، لمصلحة الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، هي أكثر بروزًا من المناطق الأخرى. هذه هي الوحدة الإسلامية التي جرّبها الشعب الإيراني.
خمسة أو ستة وثلاثون عامًا ونحن قد اكتسبنا هذه التجربة المتمثّلة بضرورة التكاتف والتلاحم بين أبناء الشعب في الداخل، ولقد حقّقنا بفضل هذا التكاتف والتلاحم نجاحات باهرة، وهذا ما جهلته ولم تعِه بعض البلدان الأخرى وما زالت تجهله. حيث يبادرون في داخل بلدانهم، على أثرِ اختلافٍ صغير طائفي أو قومي أو حزبي حتى، إلى التناحر فيما بينهم، ويقمعون البعض الآخر كما يفعلون مع العدوّ، وبالتالي، فإنّ الله تعالى يسلب نعمته منهم؛ ﴿أَلَم تَرَ إِلَی الَّذینَ بَدَّلوا نِعمَتَ اللهِ کُفرًا وَأَحَلّوا قَومَهُم دارَ البَوارِ * جَهَنَّمَ یَصلَونَها وَبِئسَ القَرارُ﴾ . فإنْ جَهِلَ الشعبُ| نعمة الله التي تفضّل بها وأسبغها وأنعمها عليه، ولم يشكرها وكفر بها، سيغيّر الله سلوكه مع هذا الشعب؛ ﴿لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ . وما دُمنا ــ أنا وأنتم ــ نسير في الطريق القويم والصراط المستقيم، ونُسيِّر أنفسنا وفق إرادة الله ــ بالحدّ الممكن، وإلا فنحن أقلّ بكثير من أن ندّعي انتهاج نهج الله بالكامل ــ سيحافظ الله تعالى على نعمته التي أغدقها علينا، وأما إذا أفسدنا أنفسنا، وأجّجنا نيران الاختلاف، وتآمر بعضنا على البعض الآخر، وتناحرنا وتنازعنا فيما بيننا، سيسلب الله تعالى نعمته منّا، لأنه سبحانه ليس له قرابة مع أحد. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. فإنّ الله لا يسلب النعمة التي أنعمها عليكم، إلا إذا أفسدتم الأرضيّة، فإن فعلتم ذلك ستُسلب النعمة منكم. وهذه هي تجربة الشعب الإيراني الذي استطاع أن يحافظ على نعمة الله لنفسه. فلتُنقل هذه التجارب.
المؤامرات ضدّ الإسلام وأساليبها المتنوّعة
تواجه البلدان الإسلامية في الظرف الراهن مؤامرات، فهل ندرك ذلك أم لا؟ المؤامرات اليوم لا تحاك ضدّ الشيعة ولا ضدّ إيران ولا ضدّ المذهب الفلاني الخاصّ، وإنمّا تحاك ضدّ الإسلام؛ لأنّ القرآن يعود للإسلام. وإنّ ذلك الصوت الذي يدوّي صارخًا: ﴿ولَنْ یَجعَلَ اللهُ لِلکٰافِرینَ عَلَی الـمُؤمنینَ سَبیلًا﴾ ، لم يخرج من مركز التشيّع، وإنّما خرج من القرآن والإسلام، ولذا باتوا يناهضونه. فإنّهم يناوئون كلّ مركز وكلّ صوت يدعو إلى صحوة الشعوب والأمم، ويعارضون كلّ يد تبارز الاستكبار، وليست تلك اليد إلا يد الإسلام، وليس ذلك الصوت إلا صوت الإسلام، ولهذا تجدهم يناهضون الإسلام.
ثم إنّ أساليب مواجهة الإسلام وعدائهم له متنوّعة ولها أقسامها وألوانها. حيث يفكّرون في البحث عن سبيل للتوغّل وتوجيه الضربات. ولقد بلَغَنا في السنين الأولى من انتصار الثورة الإسلامية أنّ الكيان الصهيوني قد اختار جماعة وزوّدهم بالأموال ليفكّروا ويبحثوا ويدرسوا قضيّة الإسلام والتشيّع، ولكنْ لماذا هذه الدراسات؟ ليتوصّلوا إلى سبيل لإخماد هذا المحفّز الكبير، وهذه الصحوة واليقظة الإسلامية، ولتوجيه الضربة إلى الشعوب المسلمة التي تيقّظت وعرفت بأنّها تتمتّع بالقوة والاقتدار، وعلمت أنّ بإمكانها المبادرة والعمل. وقد صرفوا الأموال في هذا الطريق. وما ذكرناه ليس إلا نموذجًا واحدًا في قِبال عشرات المراكز والجهات - التي نعلم بوجود بعضها على حدّ اليقين، وبعضها الآخر على مستوى الاحتمال والتخمين ــ والتي تأسّست في أوروبا وأميركا والكيان الصهيوني وبعض البلدان التابعة والطيّعة لهم من أجل البحث والتفتيش عن سبل المواجهة ــ. ومن هنا، تشهدون تأجيج الخلافات، وإثارة العنف، وتشويه سمعة الإسلام، وتقسيم البلدان الإسلامية، وتأليب الشعوب المسلمة ضدّ بعضها الآخر، وتحريض أبناء الشعب الواحد ضدّ بعضهم البعض، وهي ممارسات يرون أنّه من الضروري القيام بها، تارةً عبر شركة "بلاك ووتر" الأميركية مثلًا، وأخرى عبر تنظيم داعش في العراق أو سوريا أو ما شابه. وإنّهم يبحثون عن وسيلة لإذكاء الخلاف والشقاق.
هذه هي تجاربنا، وهذه هي أعمال وممارسات عرفها وأدركها الشعب الإيراني عن كثب. ولطالما شدّدنا على قضية الوحدة بين المذاهب الإسلامية وبين الشيعة والسنة وبين الشعوب الإسلامية، وليس هذا مجرد قول، وإنما عرفنا الداء، وعرفنا الدواء، وباتت قلوبنا تحترق على الأمة الإسلامية، ولذلك أخذنا نتابع هذه القضية التي اتخذت مكانتها بين أبناء الشعب الإيراني على عكس الكثير من الشعوب. والحجّ يمثل فرصة لنقل هذه المسائل واستعراضها وبيانها. وسيتصدّى البعض بالطبع للمعارضة، لأن الذي يهدف إلى تأجيج الخلافات، لا يريد أن يتمّ هذا التبادل والتواصل والتعاضد ونقل التجارب. ولكن لا بدّ من تقصّي سبيل للحلّ.
اعرفوا قدر هذا المكان واغتنموا الفرصة
وإن من الأمور المهمة في الحجّ هي الجوانب الشخصية والفردية. وإنّ تأكيدنا على الجوانب الاجتماعية في الحجّ لا يتسبّب في غفلتنا عن جوانبه الفردية المتمثلة في التضرّع والخشوع والخشية والدعاء. وهي فرصة ثمينة، فهل يوجد مكان [آخر] كالمسجد الحرام؟ وهل يوجد مكان كمسجد النبي(ص)؟ هذه فرصة قد توافرت لكم وللحجّاج. ومن تعاسة المرء الشديدة أن يترك هذه الأماكن ويذهب للتَّجوال في الأسواق وفي هذا الدكان وذاك. وقد ذكروا بالطبع أنّهم وقفوا أمام ظاهرة التَّجوال في الأسواق، بيد أنّ التقارير التي تصلني، تفيد بأنّ بعض حجّاجنا ــ وللأسف ــ ما زالوا قابعين في هذه التعاسة، حيث يجولون في الأسواق، ويقفون عند هذا الدكان، وعند ذاك التاجر؛ الرجل بطريقة والمرأة بطريقة أخرى، ويشترون بضاعة رديئة بسعر مضاعف، ثم يصعدون بها إلى الطائرة، ويأتون بها إلى طهران أو أيّ مدينة أخرى، وهذا عمل خاطئ جدًا، وعلى أبناء شعبنا أن يتنبّهوا إلى أنّ هذا العمل مغلوط للغاية. فبالإمكان الشراء من كلّ مكان، والتسوّق في كلّ مكان، واقتناء البضائع من كلّ مكان، وصرف الأموال في كلّ مكان ــ فإنّ هذا إهدارٌ للأموال، وبإمكان الإنسان أن يصرف أمواله في كلّ مكان ــ ولكنْ بادروا إلى الأعمال التي لا يمكن القيام بها في الأماكن الأخرى ويتأتّى إنجازها في ذلك المكان، كالنظر إلى الكعبة، والصلاة في المسجد الحرام، وتقبيل موضع أقدام النبي(ص). فقد كان النبي الأكرم(ص) في هذه المدينة يتمشّى ويتكلّم، وهذه الأجواء مفعمة بأمواج صوت النبي الكريم(ص)، أليس من المؤسف أن لا يتنفّس الإنسان في هذه الأجواء! في أيّ بقعة من بقاع العالم يمكنكم العثور على مثل هذا المكان؟ فليعرف الحجاج قدر ذلك، وإلا فبالإمكان التَّجوال في الأسواق ونحوها في كلّ منطقة من مناطق العالم، ويمكن القيام [أثناء الحجّ] بهذه الأعمال في طهران وفي أصفهان وفي تبريز وفي مشهد وفي جميع أقطار العالم. وما عليكم إلا القيام بالأمور التي لا يمكنكم إنجازها في هذه الأماكن وهي من مختصّات الحج.. هذه هي وصايانا.
نسأل الله تعالى أن يكتب لكم جميعًا حِجَّةً مقبولةً، ونطلب منكم أن لا تنسونا من الدعاء،
والسلام عليكم ورحمة الله.