خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

" فتنة الانتخابات الرئاسية " للعام 2009م ، وجه من وجوه الحرب الناعمة على الجمهورية الإسلامية


" فتنة الانتخابات الرئاسية " للعام 2009م ، وجه من وجوه الحرب الناعمة على الجمهورية الإسلامية

ألشباب ضمانة مستقبل البلد ومستقبل الامة الاسلامية
لديّ الكثير ممّا أقوله لكم -أنتم الشباب الحاضرين هنا، ومجموع الطلبة الجامعيّين في البلاد. وقد تحدّثتُ سابقًا، وسأبقى أتحدّث معكم –أيّها الشباب الأعزّاء- بمقدار استطاعتي. وأنا واثق أنّ ما يؤمِّن ويضمن مستقبل هذا البلد ؛ بل مستقبل الإسلام والأمّة الإسلاميّة هو هذه الروح المتوثّبة المتفجّرة الباحثة المطالبة المليئة بالمشاعر والعواطف التي يشاهدها المرء في جيل الشباب ولدى الطلبة الجامعيّين في بلدنا. بمعنى أنّكم حتى لو لم تكونوا مؤمنين بفكرة معيّنة على نحو القطع، أو لا تمتلكون عليه دليلًا عميقًا، إلّا أنّ مجمل حركة الطلبة المسلمين المؤمنين -على اختلاف المسمّيات- تبشّر في عموم البلاد بمستقبل زاهر لهذا البلد والنظام وللأمّة الإسلاميّة. 

معاقبة المجرمين في أحداث "فتنة الانتخابات الرئاسية " لعام 2009   
 سوف أستعرض في عدّة دقائق بعض القضايا التي طرحت عليّ (من قبل الطلبة) على شكل سؤال ، أو أخالُ أنّني يجب أن أوضّحها. ثم أذكر نقطة أو نقطتين تجولان في ذهني إذا كان هناك متّسع من الوقت قبل أن يحين وقت الأذان.
 
1 ــ المجرمون الواقفون خلف الكواليس

الجزء المهمّ من كلمات أصدقائنا، يتعلّق بالمجرمين الذين كان لهم دورهم في الأحداث الأخيرة من خلف الكواليس؛ وأنّه لماذا لا يحاكم هؤلاء ولماذا لا يعاقبون ولماذا لا يجري التصدّي لهم.
 أقول لكم إنّه في قضايا بهذه الأهميّة ، لا يمكن العمل على أساس التخمينات والظنون والإشاعات وما شاكل. إنّنا نعتبر هذه الثورة وهذا النظام العظيم حصيلة جهاد شعب كبير وتضحيات جبّارة قدّمها شبابه سواء في مرحلة الثورة أو في مرحلة الدفاع المقدّس، أو ما بعد ذلك، وإلى اليوم؛ شباب أمثالكم أنتم المتواجدين في الميادين المختلفة، وتقومون أحيانًا بأعمال كبيرة.
لا يمكن أن يكون استمرار هذا النظام ومسيرته العامة على المستوى الذي يستلزم قرارًا كبيرًا عامًّا من القيادة، قائمًا على الظنون والحدس وما إلى ذلك.
 واعلموا أنّه لن يحصل أيّ تغاضٍ أو تساهل عن الجرائم والجنايات. لكنّنا أنا أو أنتم-  المسألة لا تختلف، سواء أنتم الطلبة الجامعيّين المنطلقة ألسنتكم ويمكنكم التحدّث بسهولة، أو أنا الذي أحمل تجارب جمّة لسنوات طويلة من العمل الميداني، لا اختلاف في المسألة هنا- لا نستطيع أن نحكم على الجهاز القضائي بأن يقضي بكذا أو كذا. لا، على الجهاز القضائي أن ينظر، وإذا وجد أدلّة على تجريم أحد ــ سواء في المجال السياسي، أو على المستوى الاقتصادي، أوفي ميدان المفاسد المختلفة ــ فينبغي عليه الحكم طبقًا للأدلّة. الشائعات التي سمعتم بها أسمعُ أنا أيضًا بالكثير منها. قد تكون الكثير منها مطابق للواقع ، ويمكن للمرء التماس شواهد وقرائن لها. إلّا أنّ القرائن والشواهد المشتّتة لا يمكنها إثبات جناية على أحد؛.انتبهوا لهذه النقطة. لذلك، فالمسألة ليست أنّ هناك مجرمًا محقّقًا  عمل خلف الكواليس، والأجهزة المختصّة تعتزم التغاضي عن جريمته لأسباب معيّنة. هذه نقطة.
وهناك نقطة أخرى إلى جانبها: يجب أن تتمّ الأعمال التي يقوم بها النظام على المستوى العام والواسع  الذي تتّسم به بعض المسائل، بأخذ جميع جوانب القضيّة بعين الاعتبار. لا أن ننظر إلى المسائل من زاوية واحدة. أعتقد أنّكم إذا نظرتم للأمور من زاوية هذه الاعتبارات فإنّ ما تمّ إنجازه لحدّ الآن وما سوف ينجز في المستقبل يمكن أن يقنع أي ذهن منصف.

2 ــ المجرمون مجهولو الهوية
الموضوع الآخر الذي طُرح في كلمات الأعزّاء ، هو المخالفات أو حتى الجرائم التي ارتكبت في هذه الأحداث من قبل قوى وعناصر مجهولة. أشرتم إلى أحداث الحي الجامعي أو أحداث أخرى من هذا القبيل . كرّر العديد من الطلّاب الأعزّاء حادثة الحي الجامعي . وحصلت حوادث مشابهة لحادثة الحي الجامعي في هذه المدّة، مثلًا قضيّة كهريزك. هذه القضايا هي حقًا من مشاكل ومعضلات عمل الأجهزة التنفيذيّة.
 أولًا؛ اعلموا علم اليقين أنّه سيتمّ محاسبة هؤلاء. ولا نريد إثارة الضجيج وإصدار الأوامر ؛ فتصدر هذه الأوامر في وسائل الإعلام، وتلحق بها ملاحق وهوامش. أنا لا أرغب في أن يأخذ العمل طابعًا إعلاميًّا. ولكن صدرت الأوامر منذ الأيام الأولى وهناك من يتابع الأمور. ولكن ينبغي تنفيذ الأعمال بصورة صحيحة مع مراعاة الدقّة والانتباه والحذر.
حصل في الحي الجامعي في تلك الليلة المعروفة مخالفات كبيرة وأعمال سيّئة بالتأكيد. وقد طلبنا بأن يُعدّ ملف خاص لهذه المسألة، وأن تُتابع بنحو دقيق وأن يتمّ تحديد المجرمين. وإذا تمّ تحديدهم يجب أن لا يُنظر إلى انتماءاتهم المؤسّساتيّة على الإطلاق. وينبغي أن يعاقبوا. هذا ما قلته على نحو القطع.

3 ــ البعض ممن ينتمي للأجهزة الأمنية
إنّني أشكر نشاط شرطتنا الأمنيّة، والشرطة وأجهزة التعبئة. لقد قام هؤلاء بأعمال كبيرة وجيّدة. لكن هذه قضيّة منفصلة. إذا قام شخص ينتمي لأيّ من هذه المؤسّسات بمخالفة أو جريمة ، فيجب دراسة الوضعيّة بشكل منفصل. لا نتجاهل خدمات هؤلاء بسبب جريمة أولئك. ولا نتجاهل جريمة أولئك بسبب خدمات هؤلاء. يجب بالتأكيد متابعة الأمور وسوف تُتابع. كذلك الحال في قضيّة كهريزك التي أُعلن عنها وأذيعت. وستُتابع قضيّة الحي الجامعي أيضًا. وحتى الذين قُتل أقرباؤهم في هذه الأحداث -وعددهم قليل– أو تضرّروا أو تحمّلوا خسائر ماليّة؛ فقد تقرّر افتتاح ملفّ مستقلّ لكلّ واحدة من هذه القضايا. لقد أصدرنا الأوامر وقلنا وسنتابع هذه القضايا. ولكن انتبهوا: إنّ أيًّا من هذه القضايا يجب أن لا يختلط بالمسألة الرئيسيّة التي حصلت بعد الانتخابات. الحدث الرئيس يجب أن لا يغيب في غمرة هذه الأحداث.
  
مؤامرة " تزوير " نتائج الانتخابات الرئاسية
يتجاهل البعض ما حدث عقب الانتخابات ــ وما وقع على الناس من ظلم. وما وقع على النظام الإسلامي من ظلم، وما قام به البعض من إراقة ماء وجه النظام أمام الشعوب ــ ويعتبرون المسألة الفلانيّة مثل سجن كهريزك، أو قضيّة الحي الجامعي هي القضيّة الرئيسيّة بعد الانتخابات وإلى اليوم. هذا بحدّ ذاته ظلم آخر.
 القضيّة الرئيسيّة قضيّة أخرى. القضيّة الرئيسيّة هي أنّ الشعب شارك في حركة عظيمة، وفي انتخابات حماسيّة جيّدة ومنقطعة النظير، وأدلى بأصوات مرتفعة في صناديق الاقتراع. ليست نسبة 85 بالمئة بالهزل. وإنّ النظام الذي حقّق طوال العام أو العامين الأخيرين تطوّرًا وتقدّمًا متلاحقًا في المجالات الاقتصاديّة والعلميّة والسياسيّة والأمنيّة والدوليّة، قد جعلته هذه الانتخابات في مستوى رفيع من التميّز والسمعة؛ وإذا بنا نشاهد فجأةً وقوع تحرّك للقضاءِ على هذا الحدث المجيد الفاخر. هذه هي القضيّة الرئيسيّة.

المؤامرة مدروسة ولم تحصل  بالصدفة
طبعًا، ما أقوله هو تحليل وليس خبرًا. أعتقد وفقًا لتحليلي أنّ هذه القضيّة لم تبدأ بعد الانتخابات أو في الأيام القريبة منها. إنّما بدأت منذ مدّة وتمّ التخطيط لها. إنّني لا أتّهم الأشخاص الذين كانت لهم صلة بالأمور بأنّهم عملاء للأجانب أو البريطانيّين أو الأمريكيّين . هذا ما لا أدّعيه؛ لأنّ هذه القضيّة غير ثابتة بالنسبة إليّ. ولا أستطيع التحدّث بما لم يثبت لي . لكن ما أستطيع قوله هو إنّ هذه الأحداث ــ سواء علم روّادها أم لم يعلموا ــ كانت أحداثًا مخطّطًا لها ولم تحصل بالصدفة. وإنّ جميع القرائن تدلّ على أنّ هذه الأحداث مخطّط لها ومدروسة. طبعًا الذين خطّطوا لها لم يكونوا متيقّنين من نجاحها.
عندما بدأت بعض التحرّكات من قبل بعض الأشخاص بعد الانتخابات وحصلت استجابة نسبيّة من قبل جماعة من أهالي طهران، راود أولئك الأمل ؛ وتصوّروا أنّ ما فكّروا فيه قد تحقّق ونجح وراودتهم الآمال. لذلك شاهدتم زيادة نشاط وحضور هذه الأجهزة والوسائل الإعلاميّة والصوتيّة والإلكترونيّة والأقمار الصناعيّة وغيرها في الساحة، حيث نزلت إلى الساحة بشكل علني. لم يكونوا متفائلين من قبل، بنجاح هذا المشروع. لكنّهم وجدوا بعد ذلك أنّ الأمر قد تيسّر. لذا نزلوا إلى الساحة بسرعة. ولكن لحسن الحظ ، وكما أساءوا دومًا فهم القضايا في إيران ولم يعرفوا الشعب الإيراني؛ لم يعرفوه هذه المرّة أيضًا. لقد تلقّوا صفعة لكنّهم لم يفقدوا أملهم بعد. أقول لكم أيّها الشباب الجامعي العزيز : إنّهم لم يفقدوا الأمل . وهم يتابعون الأمور ، ولن يتركوا القضيّة بهذه السرعة. لديهم من يدير لهم المسرح وسيجدون آخرين يديرونه لهم.

على الشباب الجامعي أن يحافظ على يقظته
 يجب على الطالب الجامعي المؤمن المسلم المحبّ لبلاده ولمستقبل بلاده ولمستقبل جيله أن يتحلّى بالوعي. اعلموا أنّهم يخطّطون، ولكن سوف يُهزمون. أقول لكم الآن: إنّهم سوف يُهزمون في نهاية المطاف. بيد أنّ مستوى يقظتنا ووعينا -أنا وأنتم- يمكن أن يؤثّر على مستوى الخسائر والأضرار التي يلحقونها. إذا كنّا يقظين فلن يستطيعوا إلحاق أضرار وخسائر. أمّا إذا غفلنا وكنّا عاطفيّين ؛ وعملنا من دون تدبير ، أو بقينا نيامًا حتى تأتينا مثل هذه المضاعفات فسوف ترتفع الأضرار والخسائر والتكاليف حتى لو لم ينجحوا في نهاية المطاف.

القيادة تدعم التوجهات والتحركات المثمرة لأي جهة في موقع  المسؤولية
من جملة المواضيع الأخرى التي طرحت، قضيّة دعم القيادة للحكومة أو لرئيس الجمهوريّة. هذه قضيّة واضحة. بل ولقد ذكرها واحد أو اثنان من الأعزّاء. لدى الحكومة الحاليّة ولدى رئيس الجمهوريّة المحترم ككلّ الناس في العالم نقاط قوّة ونقاط ضعف. إنّني حينما أدعم إنّما أدعم نقاط القوّة. هناك نقاط قوّة أدعمها وأدافع عنها. وأنا أدافع عنها في أيّ شخص تتوفّر فيه. هل هناك من أظهرت نفسه هذه الميول وهذا التوجّه وهذا التحرّك وهذا الجدّ ولم أدعمه ضمن حدود مسؤوليّاتي؟ ألا أدعمكم أيّها الطلبة الجامعيّون الناشدون للعدالة؟ جيّد؛ إذا دعمت القيادة الطالب الجامعي الباحث عن العدالة ، فهل يعني ذلك أنّ المرء يدافع أيضًا عن نقاط الضعف التي قد يحملها ذلك الطالب الجامعي؟ قطعًا لا. هذه هي القضيّة. هناك نقاط ضعف لا أدافع عنها.

ليس من الصلاح ألإعلان دائما عن كل ما يعلم
لماذا لا تتّخذ موقفًا علنيًّا ؟ كان هذا من الأسئلة المطروحة. [والجواب] لأنّ اتّخاذ موقف علني غير ضروري. وما الداعي لذلك؟ كم تتصوّرون أنّ اتّخاذ موقف علني من نقطة ضعف لدى مسؤول معين ستساعد على حلّ تلك المشكلة؟ لا شيء. أحيانًا، إذا حاول الإنسان معالجة شيء من دون إعلان ذلك، فسوف يتمكّن من معالجته بشكلٍ أفضل ممّا لو أثار ضجّة عالية. نعم، أحيانًا لا تكون هناك مندوحة من الإعلان. نعم، هناك يعلن الإنسان. ولكن ليس من الصحيح التصوّر بأنّه لو كان ثمّة إشكالات ومؤاخذات على المسؤولين التنفيذيّين في البلاد، وكانت القيادة معارضة لهذه الإشكالات؛ فيجب حتمًا الإعلان عن ذلك في مكبّرات الصوت. أحيانًا تكمن المصلحة الأكيدة في أن لا يعلن الإنسان بعض الأشياء.
لا تقولوا هنا: الحقيقة والمصلحة. ليس التضادّ بين الحقيقة والمصلحة من الطروحات المتينة. المصلحة ذاتها حقيقة من الحقائق. ليس كلّ ما اتّخذ اسم المصلحة كان شيئًا سلبيًّا. يتصوّر البعض ويقول: هل تفكّرون في المصلحة؟ نعم، يفكّر الإنسان أحيانًا في المصلحة. التفكير في المصالح بحدّ ذاته من الحقائق التي ينبغي إيلاؤها أهميّة. هذه من مسلّمات الإسلام وواضحاته. طبعًا، لا يتّسع المجال هنا للخوض في هذا البحث والتفصيل فيه. لكنّه من مسلّمات الإسلام. ليس من الصلاح أحيانًا أن يعلن الإنسان بعض الأمور. افرضوا أنّ هناك إشكالًا صغيرًا: فما الضرورة لأن يجري تضخيم هذا الإشكال عشر مرّات ، وجعله سببًا في اليأس والإحباط وتعتيم الأجواء؟ يمكن للإنسان حلّ هذا الإشكال بطريقة أخرى. إذن، عدم اتّخاذ موقف علني ناجم عن هذه الأسباب المنطقيّة والمعقولة.

إنّها الحرب الناعمة
أذكر نقطة أخرى لأنّ الوقت يمضي. لاحظوا أيّها الأعزاء: أنتم تعلمون - أقول هذا لأنّني لاحظته في كلماتكم - أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة والنظام يواجهان حربًا هائلة. لكنّها حرب ناعمة. وقد لاحظتُ أنّ هذا التعبير "الحرب الناعمة" ،حاضر في كلماتكم وأحاديثكم وأنتم متفطّنون لهذه النقاط والحمد لله. وهذا مبعث سرور كبير بالنسبة إلينا. فمن الذي يجب أن ينـزل إلى الساحة في هذه الحرب الناعمة؟ المقدار المسلّم به هم النخب المفكّرة. أي أنتم الضبّاط الشباب في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة.
أمّا ما الذي يجب أن تفعلوه، وكيف يجب أن تتعرّفوا، وكيف ينبغي أن تبيّنوا الأمور وتشرحوها؛ هذه ليست أمورًا أذكرها أنا لكم بتفاصيلها على شكل فهرس فأقول : يجب أن تقوموا بالعمل الفلاني، ويجب أن لا تقوموا بالعمل الفلاني. هذه أمور ينبغي أن تجدوا أنتم لها سبلها وطرائقها في مجامعكم الفكريّة الأساسيّة وغرف أفكاركم. لكنّ الهدف واضح. الهدف هو الدفاع عن النظام الإسلامي والجمهوريّة الإسلاميّة ، في مواجهة حركة شاملة تعتمد على القوّة والتزييف والمال والإمكانات العلميّة والإعلاميّة المتطوّرة الهائلة. يجب مواجهة هذا التيّار الشيطاني الخطير.

مؤامرات الاستكبار على الجمهورية الإسلامية تنتهي عندما ييأس من النجاح
لديهم أدلّتهم لمهاجمة الجمهوريّة الإسلاميّة. وأعتقد أنّ أدلّتهم من وجهة نظرهم أدلّة تامّة. تتواجد الأمّة الإسلاميّة في منطقة حسّاسة جدًّا من العالم من الناحية الجغرافيّة . أي منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي والبحر الأحمر وشمال أفريقيا وجزء من البحر الأبيض المتوسّط . هذه المنطقة الكبيرة ؛ لاحظوا أنّه يوجد ثلاثة معابر مائيّة حسّاسة وحيويّة في هذه المنطقة من مجموع خمسة أو ستّة معابر في العالم: مضيق هرمز، وقناة السويس، وباب المندب. هذه منافذ مهمّة تتوقّف عليها التجارة العالميّة. خذوا خارطة العالم وضعوها أمامكم وسترون كم هي مهمّة هذه النقاط للتواصل التجاري والارتباط الاقتصادي في العالم. إذن، هذه المنطقة منطقة حسّاسة. في هذه المنطقة البالغة الحساسيّة هناك قوّة صاعدة تظهر وتصعد يومًا بعد يوم. وهي قوّة تعارض كلّ طلبات الاستكبار وأجهزة الشركات والشبكات الاقتصاديّة العملاقة المفسدة في الأرض؛ تعارض نظام الهيمنة والتسلّط والتعسّف والظلم. فهذه أمور مهمّة جدًّا لأجهزة الاستكبار. ليست أجهزة استكبار الولايات المتحّدة الأمريكيّة ، أو الرئيس الفلاني، أو الحكومة الأمريكيّة الفلانيّة، أو البلد الأوروبي الفلاني وحسب. فأجهزة الاستكبار شبكة أكبر تشمل جميع هؤلاء: هناك الشبكة الصهيونيّة، وشبكة التجّار الدوليّين الكبار، ومراكز المال الكبيرة في العالم. هؤلاء هم الذين يضعون خطط المسائل السياسيّة في العالم، وهم الذين يأتون بالحكومات ويسقطونها. توجد داخل هذه المنظومة حكومة الولايات المتّحدة، والحكومات الأوروبيّة، وكثير من أرباب النفط الأثرياء في المنطقة. وهم يعارضون بشدّة مثل هذه القوّة الصاعدة الآخذة بالنمو والرفعة. إذن، يفعلون كلّ ما يستطيعونه من أجل مواجهتها. لم يقعدوا مكتوفي الأيدي طوال هذه الأعوام الثلاثين. ولن يقعدوا كذلك مع مرور الزمن، إلّا إذا عقدتم العزم والهمّة أنتم الشباب ووصلتم بالبلاد من الناحية العلميّة والاقتصاديّة والأمنيّة إلى درجة يقترب فيها احتمال إضرار العدو بكم إلى الصفر.
 عندئذ سوف ينسحبون وتنتهي المؤامرات. وما تأكيدي المستمرّ طوال الأعوام الماضية على الجامعات ، بأن تهتمّ اهتمامًا خاصًا بقضايا العلم والبحث العلمي والإبداع والنهضة البرمجيّة والتواصل بين التصنيع والجامعة؛ إلّا لأنّ العلم هو أحد أركان الأمن الطويل الأمد لبلدكم وشعبكم.

حافظوا على مسيرة الجامعات العلمية بعيدا عن القضايا السياسة التافهة
وأقول لكم هنا: احذروا من أن تخضع الجامعة لتأثير هذه القضايا السياسيّة الصغيرة التافهة. وأن يتضعضع العمل العلمي في الجامعات. وأن يلحق الضرر بمختبراتنا وصفوفنا ومراكزنا البحثيّة؛.احذروا جدًّا. من القضايا المهمّة أمامكم الحفاظ على المسيرة العلميّة في الجامعات. يرغب الأعداء بشدّة في أن تتعطّل جامعاتنا لمدّة معيّنة على الأقلّ، وتصاب بالتوتّر والخلل. هذا بالنسبة إليهم ،شيء مطلوب ويرغبون فيه؛.إنّه لأمرٌ يريدونه ويطمحون إليه سواء من الناحية السياسيّة، أم على المدى البعيدز لأنّ علمكم يضرّهم على المدى البعيد. لذلك يريدون أن لا تطلبوا العلم.

دور الطلبة الجامعيين في مواجهة الحرب الناعمة
والآن ــ أنتم الشباب ــ الذين قلنا إنّكم الضبّاط في مواجهة الحرب الناعمة، لا تسألوني ما هو دورنا كطلبة جامعيّين في تهديم مسجد ضرار الحالي؟ ابحثوا بأنفسكم وشخّصوا دوركم: إمّا مواجهة النفاق الجديد، أو تعريف العدالة. لا يمكن أن أقعد هنا وأفتح بحثًا فلسفيًّا عن العدالة وما هي شعبها وكيف تكون. والطريف هنا أنّهم يقولون اذكرها لنا في جملة واحدة. يُروى أنّ شخصًا جاء بابنه إلى النجف في زمن الشيخ الأنصاري: وجد أنّ طلبة العلم يدرسون ويصبحون فضلاء وعلماء ، وأنّ الشيخ الأنصاري شخصيّة كبيرة؛ فراودته الرغبات في أن يصبح ابنه طالب علم. جاء للشيخ الأنصاري وقال له: شيخنا جئت بهذا الشاب اليافع وأرجو أن تجعله فقيهًا إلى الغد حيث نريد أن نغادر!
أعزّائي، إنّ الشرط الأساس في نشاطكم الصحيح في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة هو:

 أوّلًا؛ النظرة المتفائلة الإيجابيّة
 لتكن نظرتكم متفائلة. لاحظوا أنّني بمثابة الجدّ  بالنسبة إلى بعضكم؛ و[مع ذلك] نظرتي للمستقبل متفائلة. لا عن توهّم بل عن بصيرة. أنتم شباب، والشباب هو ذروة التفاؤل. فاحذروا أن تكون نظرتكم للمستقبل نظرة متشائمة. يجب أن تكون النظرة متفائلة وليست نظرة يأس وقنوط. إذا سادت نظرة القنوط والتشاؤم، ونظرة "ما الفائدة من ذلك؟" حَلَّ بعدها التقاعس والخمول والعزلة. ولن 

ثانيا ، عدم الإفراط أو التفريط في الأمور
 إنّ طبيعة الشباب مجبولة على الحركة والشدّة. نحن أيضًا مررنا بهذا الطور الحياتي الذي تمرّون به الآن. وكان ذلك في مراحل الثورة وبدايات النضال. أنا أعرف ما هو التشدّد. وكانوا ينصحوننا كثيرًا أن لا نتشدّد. وكنّا نقول إنّهم لا يفهمون مدى الحاجة للتشدّد. أعلم ما هي تصوّراتكم، ولكن اسمعوا منّا هذه: احذروا، فالتشدّد لا يتقدّم بالإنسان. اتّخذوا قراراتكم بعد تفكير. طبعًا، الشباب في هذا الزمن أعمق تفكيرًا من الشباب في عهدنا.
 أقول لكم هذا: أنتم اليوم شباب تعدُّ تجاربكم ومعلوماتكم ووعيكم أكبر بكثير ممّا كانت عليه فترة شبابنا قبل خمسين سنة. ولا يمكن المقارنة بين الجيلين. إذًا، فالمتوقّع هو أن تفكّروا وتتصرّفوا بتأمّل وتدبير ومن دون تشدّد أو إفراط وتفريط في الأمور. هذا ليس بالتوقّع الكبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كلمة الإمام الخامنئي في الطلبة النخبة
 26/08/2009 

أضيف بتاريخ: 03/09/2015