كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله الشريف) في لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة
03/09/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علی سيّدنا محمد وآله الطاهرين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.
قال الله الحكيم في کتابه: ﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ الـمُؤمِنينَ لِيَزدادوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ وَکانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا﴾ .
أرحّب بالإخوة الأعزاء والسادة الكرام، وأشكركم على أن تفضّلتم ونشرتم النور والعطر في أرجاء محل عملنا.
إنّ لهذا المجلس وأعضائه من الأهمية ما يُشعر الإنسان حقًا بأنّ حضوركم في أي مكان سيكون مبعث خير وبركة إن شاء الله.
مجلس الخبراء؛ مبعث للسكينة
مجلس الخبراء يمکنه أن يكون تجسيدًا تامًا وكاملًا لإنزال السكينة الإلهية، لأنّ هذا الإنزال هو من علامات الإيمان: ﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّکينَةَ في قُلوبِ الـمُؤمِنينَ لِيَزدادوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم﴾؛ ذلك أنّ هذه السكينة الإلهية سبب في ازدياد الإيمان ومدعاة لإرساء دعائمه. السكينة تعني الهدوء والاستقرار أثناء تلاطم الأمواج. فإنّ الأحداث المختلفة، والأخبار المتنوّعة، والعداوات، والأوضاع المتعددة، تحدث اضطرابًا في روح الإنسان بصورة طبيعية. بيد أنّ هذا الهدوء والاطمئنان يبعث في كثير من الأحيان على الاستقرار في الفكر والذهن والاستقامة في الطريق. الله هو الذي يمنح المؤمنين هذه السكينة والطمأنينة ببركة إيمانهم ويطمئنهم قائلًا: ﴿وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ﴾. فمِمَّ خوف الإنسان ووجله؟ إنّ جميع قوى الأرض والسماء وكل سنن الطبيعة إنّما هي جنود لله وفي قبضة يده، فإذا كنّا مؤمنين وكنّا عبادًا لله، فإنّ هذه القوى مسخّرة لخدمة المؤمنين. هذا هو الاطمئنان الذي يكتسبه الإنسان. ويقول كذلك بعد آية أو آيتين: ﴿وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ وَکانَ اللهُ عَزيزًا حَکيمًا﴾ ، هذه العزة والقدرة الإلهية، هي من مظاهر أن ﴿للهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ﴾. إذاً، فالمؤمنون في مثل هذا العالم ومثل هذه الأجواء يسيرون ويعيشون ويتنفّسون؛ ومجلس الخبراء يُعدّ من المواقع التي بإمكانها أن تكون مصدرًا ومبعثًا لهذا الاستقرار.
إنتخابان نوعيّان..
هناك انتخابان هامان يجريان في هذا المجلس: الأول انتخاب بواسطة الناس حيث يتصدون لتحديد وانتخاب من يثقون بهم، والمهمة الأساسية التي تقع على عاتق هؤلاء الثقاة هي الانتخاب الذي سيقومون به في ما بعد؛ الانتخاب الثاني هو انتخاب القائد. من هنا، فمجلس الخبراء يتضمّن انتخابين، وهذا يعني أنه مظهر لحضور الناس والحضور الجماهيري ومشاركة أصوات الناس بمختلف توجهاتهم ونزعاتهم. وهي الجهة الوحيدة التي تجري انتخابين بهذه الطريقة، وهذا ما يدل على العزائم والنوايا المستقلة.
الانتخاب الثاني هو انتخاب القائد، والفارق هنا بين هذا الانتخاب وبين سائر الانتخابات الجماعية هي أنّ الملاك والمعيار فيه هو الفقه؛ أي القيم الإسلامية. ومن هذا المنطلق، فإنّ انتخابهم هو انتخاب لسيادة القيم الإسلامية، وتطبيق الأحكام الإسلامية، وتحقق الإسلام في واقع الحياة. إذ لم تنزل الأديان الإلهية لتبقى في الأذهان فحسب، وإنما يجب تحققها على أرض الواقع. وهذا ما يتطلب بعض الآليات والوسائل، تتمثل الآلية والوسيلة هنا في مجلس الخبراء الذي يضمن عبر هذا الطريق سيادة المبادئ الإلهية وتطبيق الأحكام الإلهية وحاكمية دين الله وحاكمية الإسلام.
المجلس مظهر السيادة الشعبيّة
ومن هنا، فإنّ هذا المجلس يعدّ كذلك مظهرًا لأصوات الناس وللسيادة الشعبية الدينية أو السيادة الشعبية الإسلامية، في الحقيقة فإن هذا المجلس يجسّد السيادة الشعبية الإسلامية بتمامها وكمالها، وهنا تكمن أهميته. حين يتشكل هذا المجلس ويُظهر استعداده واستقلاله الفكري ومعرفته، سيكون مبعثًا لإحلال السكينة والطمأنينة في قلوب المؤمنين. وفي الحقيقة، فإنّ السكينة الإلهية تترشح منه إلى داخل المجتمع. ومن هنا، تتعين مراعاة الدقة الكافية والاستقلال الفكري بشكل كامل في كلا الانتخابين؛ انتخاب الناس للخبراء، وانتخاب الخبراء للقائد. لدينا في باب الانتخابات كلام نطرحه لاحقًا، ولا نريد هنا أن نتعرّض لهذا الموضوع.
الاستقلال الفكري؛ نجاةٌ من الفخّ!
ينبغي على مجلس الخبراء أن يتحلى باستقلال فكري، وسأتناول الحديث عن مبنى هذا الاستقلال الفكري. الأساس هو أن لا يقع في فخ الأدبيات المفروضة والشعارات التلقينية لنظام الهيمنة. حيث تُنشَر مجموعة من الرؤى والمفاهيم بشكل متواصل ليلًا ونهارًا وفي جميع أقطار العالم عبر الإعلام المكثّف لنظام الهيمنة، إنّ من أهم الأمور هي أن لا نقع في أسرها ونسير وفقها. لا تختص هذه الوصيّة بمجلس الخبراء وحسب، وإنما هي وصيّة لكل المسؤولين في البلد ولجميع أركان النظام، بل وتوصية لكل المفكرين والمحللين في المجال السياسي والاجتماعي والديني بأن يتوخوا الحيطة والحذر، وأن يعلموا أنه: ﴿وَإِن تُطِعْ أَکثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ الله﴾ . فلا يكون الأمر بأنه إذا ركز الأعداء على موضوع معين واستندوا إليه وباتوا يكررونه على ألسنتهم، ويظهروه بلغات مختلفة عن طريق كمّ هائل من الإعلام المكثف، أن نكون مضطرين لأن نسايرهم ونتلوّن بلونهم وأن نطرح نفس ذلك الموضوع ونكرره؛ كلا، إنّ لنا أفكارًا ورؤًى خاصةً بنا.
لتحميل الكلمة كاملة اضغط PDF
أضيف بتاريخ: 09/09/2015