خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه قادة وكوادر قوات حرس الثورة الإسلامية

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه قادة وكوادر قوات حرس الثورة الإسلامية

16/09/2015


بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

نرحب بکم أجمل ترحيب أيها الإخوة والأخوات الأعزاء. إنّ اللقاء بكم بالنسبة لي هو من أحلى اللقاءات، سواء أنتم يا ذكرى زمن الدفاع المقدس الذين تحيون فينا أغلى الذكريات، أو الشباب الأعزاء والأجيال اللاحقة التي التحقت بهذه المجموعة المباركة على مرّ هذه العقود، سائلين الله أن يشملكم جميعاً ببركاته وأن تتمكنوا من السير في هذا الصراط المستقيم ومواصلة الجهاد المقدس في جميع الأحوال، فهذا هو سرّ سعادة البشر ونجاحهم في الدنيا والآخرة.

عرفة؛ يوم عظيم

أولاً؛ إنّ شهر ذي الحجة المبارك هو شهر مهم، علينا معرفة قدره. إضافةً إلى عيد الغدير الشريف وعيد الأضحى المبارك، في هذا الشهر مناسبة هامة أخرى وهي يوم عرفة، فلنكرمه ونعرف قدره، ولنجهز أنفسنا فيه للدخول إلى محضر الخشوع أمام الله. إنّ يوم عرفة هو يومٌ عظيم. إنّ قلوبنا يعلوها الغبار والصدأ. وإنّ التضرّع والخشوع والذكر والتوسل، يزيل الصدأ والغبار. ثمة أيام محددة وفُرصٌ مثلى قد خُصّصت لإزالة الصدأ والرين ومسح الغبار، ومن أفضلها يوم عرفة، فاعرفوا قدر هذا اليوم الذي يشتمل من ظُهره إلى غروبه على ساعات مهمة، لكلّ لحظة من لحظات هذه الساعات أهمية كالإكسير والكيمياء؛ فلا ينبغي أن نمر عليها بغفلة.

نموذج من أعمال هذا اليوم، الدعاء العجيب للإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة الذي هو مظهر للخشوع والتذلل والذكر والابتهال أمام الله. والنموذج الآخر هو دعاء الإمام السجاد (سلام الله عليه) الوارد في الصحيفة السجادية . إقرؤوا هذه الأدعية بتدبّر وتفكّر، إنها زاد لكم.

طريقكم تحسدون عليه!

إنّ الطريق أمامكم طريق طويل وصعب وقيّم للغاية. حسنٌ، إنّ طرق الحياة كثيرة، الجميع يعيشون حياتهم، ويكتسبون أرزاقهم، ويقومون بأعمالهم -المباحة أو المستحبة أو المحرمة- غير أنّ الطريق الذي اخترتموه طريق لا مثيل له، وهو كالجوهرة في قبال الحجر والمدر والحصى، طريق بالغ الأهمية، وهو من طرق الحياة التي تصنع التاريخ، وتمنح الشعوب  العزة والعنفوان، وتُنقذ البلاد، وتصنع المستقبل، والأسمى من ذلك كله، تنزل عليكم رضوان الله وتوردكم جنة الدنيا والآخرة. طريقكم هي هكذا طريق. وبموازاة أهميته بالطبع، توجد فيه الكثير من المتاعب والصعاب والعقبات. الأمر يحتاج للطاقة والنشاط والحيوية، وهذه الأعمال وحالات التوجه إلى الله، تخلق في نفوسكم هذا النشاط. فلا تغفلوا عن المسائل المعنوية وعن التوسل والخشوع. وكلّ دقيقة تضرّع لله توجد في قلب الإنسان رصيداً ثميناً. هذه هي النقطة الأولى من حديثنا.

منظومة حرس الثورة؛ أربع كلمات

فيما يخصّ قوات حرس الثورة الإسلامية، فهي أربع كلمات تنطوي كل واحدة منها على معنى ومغزى عميق وتتطلب شرحاً وبياناً. أنتم داخل الحرس مستغرقون بالعمل وإنجاز الأنشطة والمهام، ولربما لا تتاح لكم الفرصة بقدر الأجيال القادمة والمشاهدين والباحثين في المستقبل أن تركزوا على هذه الأمور وتمعنوا النظر فيها، لكنّها جديرة بالتعمّق: «القوات»، و«الحرس» و«الثورة» و«الإسلام». هذه أربع كلمات تكوّن اسمكم وعنوانكم منها.

كلمة «القوات»؛ أنتم تدخلون في عداد هذه القوات. إنّ حراسة الثورة لا تختص بقوات الحرس، بل هي واجب ووظيفة تقع على كاهل الجميع، وعلى عاتق كل إنسان وكل فرد مؤمن. لكن هذه القوات تمتاز بأنّها مؤسّسة ومجموعة منظّمة، وتعتمد على النظم والانضباط والعمل الإداري ونتيجة جميع أجزاء العمل. إنّ التشتّت يؤدي إلى الاضطراب، ويهدر الكثير من الأعمال، وأما العمل التنظيمي، والجماعي، والمؤسساتي، وإحلال النظم والانضباط، فمَثَله كمَثَل حفر سواقي الماء تحت سدّ زاخر بالمياه، بحيث لو تم إنجازه بشكل صحيح، فلن تُهدَر حتى قطرة ماء واحدة، وتجري المياه كلها إلى الأماكن المحتاجة لها؛ هذه هي ميزة القوات وخصوصيتها. فإنّه لم تُحدّد لأي منظمة من مؤسّسات البلاد واجبات ومهام تنظيمية كالتي حددت لهذه القوات في حراسة أغلى وأهم حدث تاريخي وحدث معاصر أيضاً في البلاد، وهذا ما سأتناوله بالشرح والتفصيل. وبناءً على هذا، فإنّ معنى القوات هو التنظيم والنظم المؤسساتي والمهام المحددة والمعينة بدقة.

الحيوية وعدم الشيخوخة

والبُعد الآخر الذي تمتاز به هذه القوات وهذه المنظمة، هو عدم الشيخوخة، فإنّ المنظمة لا تصل لسن الشيخوخة. وذلك لأنّ تعاقب الأجيال، وتداول المعارف والتجارب من يد ليد يمنع المنظمة من أن تشيخ وتهرم، وإنّما يجعلها في تجدّد الحياة بشكل مستمر ومتواصل. المعارف لا يتم تداولها ونقلها فحسب، وإنما تتنامى وتتكامل. فإنّ ما توصلت إليه قوات الحرس الثوري اليوم من معارف في شتى المجالات، لم تكن تملكها بهذا الوضوح  قبل ثلاثين عاماً، وإنّ مكتسباتها المعرفية في المجالات المتعددة أخذت تنمو وتتعمّق يوماً بعد آخر. وهذه هي ميزة أخرى لكون القوات منظمة ومؤسسة لها تشكيلات تنظيمية.

ومن المزايا الأخرى للقوات تربية وإعداد عناصر جديدة، عناصر داخلية وعناصر خارجية. عندما يكون هناك تنظيم وتشكيلات منظمة، فإنه يؤدي إلى تدريب وإعداد الأفراد داخل المؤسسة وظهور عناصر كفوءة واعية. وأما التشتّت المؤسساتي، فإنّه يفتقد لهذه الميزة. وهناك بالإضافة إلى الإعداد والتربية الداخلية، تربية خارجية أيضاً. فإنّ قوات الحرس الثوري تترك اليوم أثرها على الرأي العام، وعلى بناء الشباب والناس. والكوادر التي تضعها قوات الحرس في خدمة الأجهزة المختلفة وهي كثيرة جداً - فقد صدّر الحرس على مرّ هذه الأعوام وبشكل متواصل عناصر لإدارة شتى الأجهزة - أخذت تترك أثرها على تلك الأجهزة والمؤسسات. ومن هنا، فإنّ من السمات الأخرى لهذه القوات تربية الناس وتنمية رشد الأفراد  اللائقين.

قوات الحرس هي مظهرٌ للاقتدار الميداني؛ هذه من ميزات قوات الحرس. فإنّ الاقتدار في الساحة السياسية والإعلامية أمرٌ، والاقتدار على أرض الواقع وفي الميدان أمرٌ آخر. والاقتدار الميداني يستتبع الاقتدار السياسي أيضاً. فإن كنتم تتسمون بالقوة والاقتدار على الأرض، ستتوافر لكم إمكانية الإقدام والعمل والدفع والجذب. وإن اتّصف شعبٌ أو مجموعة من شعبٍ بهذه الخصوصية، سينتج الاقتدار السياسي والاقتدار في الهوية ويمنح العزة وما شابه... وقوات الحرس مظهر للاقتدار الميداني. علماً بأنّ الاقتدار الميداني له دلالاته في الساحة الاقتصادية أيضاً، فإن توفرت في هذه الساحة مجموعة اقتصادية قوية نشيطة نافذة، ستنتج الاقتدار الميداني. وهذا بحث آخر له موقعه أيضاً. من هنا، فإنّ حراسة هذه القوات للثورة الإسلامية كقوة ومنظمة ومجموعة لها معناها ومفهومها، بحيث لو لم يكن هذا النظم، لفُقد التنظيم، ولساد التفسّخ والتمزق. ولو هبّ عدد من المؤمنين المؤيدين للثورة الإسلامية لحراسة هذه الثورة، من دون عملٍ تنظيمي، لما حصلنا على النتائج المطلوبة ولآل الأمر إلى شيء آخر. إن هذا النظم والوجود المؤسساتي هو من البركات الكبيرة ؛ هذا فيما يتعلق بمفهوم "القوات".

الاستفادة من العناصر المخضرمة

وبهذه الخصوصيات التي أشرنا إليها، ذكرنا أن الحرس الثوري متجدد وعصيٌّ على القدم والشيخوخة - فالأفراد يشيخون، ولكن المؤسسة لا تشيخ - وهذا يعني ضرورة استثمار کل العناصر والعوامل التي يمكنها أن تساهم فی هذا التجدد. إن النزعة الشبابية والتوجه الشبابي- والتي تحظى في أوساط الحرس لحسن الحظ بالاهتمام والاعتناء وهي ميزة إيجابية – يجب أن تترافق مع الاستفادة من أصحاب التجارب والخبرات العريقة والقدامى المخضرمين. يجب أن يُستفاد في عملية التجديد من العناصر القديمة والخبيرة في الحرس من الذين أدّوا امتحانهم بنجاح وتفوق، ومارسوا أعمالهم لفترات طويلة، وأنجزوا الكثير من الأعمال والأنشطة. إن عملية التجديد من دون مشاركتهم ستكون صعبة وشاقة بل قد تتعذر أحياناً، لذا لا ينبغي أن يحدث انقطاع بين الأجيال في قوات الحرس، لا سيما وأن كبارنا هؤلاء قد قاموا بأعمال جسام، وأدوا امتحانات كبيرة.

إنني وعلى الرغم من اطلاعي في زمان الدفاع المقدس على مجريات الأمور برمتها، وقراءتي فيما بعد لِكمّ كبير من الكتب المدونة في مجال الحرب، ومع هذا، فعندما يصدر كتاب جديد، وأستفيد من الفرصة ويحالفني التوفيق لقراءته، تتفتح أمامي أبواب جديدة، فأسمع منه كلاماً جديداً. فيا له من عالم عجيب أوجده زمان حرب الثمانية أعوام للشعب الإيراني، ويا له من بحر عميق لا يجف ولا ينتهي بهذه البساطة . حسنٌ، تجب الاستفادة من الأشخاص الذين كانوا فعالين ومؤثرين، ولا أريد القول بالطبع أن نمنح شهادة تفوق نهائية لكل من كان فعالاً في تلك الأيام،كلا، لطالما قلت وكررت أننا جميعاً - أنا الذي ذرّفت على الثمانين بطريقة ما، وأنتم الشباب بطريقة ثانية، والشيوخ بطريقة أخرى - معرَّضون للامتحان والزلات، وقد يزل الإنسان في كل لحظة:

] ترجمة شعر[

" الحکم علی کل إنسان متجاهر بالسكر أو متستر فقط بالعاقبة

فلا أحد يعلم على أي حال سيرحل وينتقل من هنا إلى هناك" 

أحياناً، قد يعيش الإنسان عمراً طويلاً وهو معروف بالصلاح، ولكنه ينقلب في امتحان عسير رأساً على عقب. فلا نريد الادّعاء أن كل من شارك في ذلك الزمان بالحرب، علينا أن نجعل له حصانة أمنية وسياج حماية، فلا نجرأ على الاقتراب منه وانتقاده مثلاً؛ كلا، ولكن لا بد من التكريم والإشادة بذلك الماضي، ومعرفة قدره. الإنسان الذي استطاع على مدى هذه الأعوام أن يحافظ على ذلك الرصيد لنفسه، وأن يبقى سليم النفس فهو ذو مقام عال جداً. حسنٌ، هذا هو معنى القوات التي تعطي مفهوم المنظمة والمجموعة المنتظمة. وهذا هو الجزء الأول من اسمكم. علماً بأن الإنسان إذا أراد أن يتابع البحث والتحليل وأن يشرح هذا المفهوم، فهناك كلام أكثر من هذا، لكن تكفي حالياً هذه الكلمات .

الكلمة الثانية: "الحرس"

«الحرس»، أنتم قوات الحرس، أنتم حراس. حراسة الثورة تمثل في الحقيقة رمز الإرادة الثورية في البلد والحضور الثوري والهوية الثورية. حين تقولون إن مهمة هذه المنظمة حراسة الثورية، فهذا يعني أن إرادة الثورة لا تزال قوية متينة، وأن الثورة لها حضورها الفعال والمؤثر في الساحة. حسنٌ، هذا مفهوم بالغ الأهمية. لا ينبغي تحديد الثورة بالأحداث الثورية التي وقعت مثلاً في بداية الثورة وأيام انتصارها، فهذه تشكل فقط جزءاً من الثورة. ولعله إذا التفت الإنسان إلى معنى الثورة بشكل صحيح، لوجد أن الحركة الثورية والنهضة الثورية تشكل فقط جزءاً صغيراً من الثورة. إن الثورة تعني التحوّل الشامل في مجموعة بشرية - سواء على مستوى شعب، أو أعلى من ذلك على مستوى جيل أو حضارة - هذا هو معنى الثورة. والحال أن بعض البلدان يشهد انقلاباً فيسمونه ثورة! معنى الثورة هو أعمق بكثير من هذا، وهو الذي تحقق في هذا البلد.  فالذي حصل في بلدنا هذا كان ولا يزال وسيبقى ثورة بكل ما للكلمة من معنى. وسأشير في بحث الثورة إلى التفاسير المتعلقة بها، ولكن في بحث الحراسة، عندما تقولون إننا حراس الثورة، يعني أن الثورة حية حاضرة موجودة. ولو كانت الثورة قد ماتت كما يدعيه أو يتمناه البعض، فلا حاجة للحارس، لأن الميت لا يحتاج إلى حراسة؛ فالثورة حاضرة إذن. ومعنى حراسة الثورة يتضمن معنى حضور الثورة وحياتها أيضاً؛ وهذا يعني أنكم تريدون القول إن الثورة موجودة. وسأشير بعد ذلك إلى أن الثورة موجودة بالفعل وبكل قوة واقتدار.

ثم إن قولكم نحن حرس الثورة، يدلّ في أحد معاني الحراسة وأحد أبعادها المفهومية، أن الثورة تتعرض للتهديد، نعم، لو لم يكن هناك تهديد، لما اقتضت الحاجة إلى الحراسة. فإن الإنسان يحرس عندما يكون هناك تهديد. وعلى هذا فإنكم ومن خلال إسمكم وعنوانكم تؤكدون وجود الثورة، وتبيّنون كذلك التهديدات المحدقة بها وتعلنون عنها. وعلى حرس الثورة معرفة هذه التهديدات. فإن من مهام الحرس الثوري الرئيسية رصد القضايا الدولية لمعرفة التهديدات فقط. لأن رصد المسائل والأحداث والأخبار الدولية يؤدي إلى أن نطلع على الأمور التي تهددنا، وذلك إلى جانب رصد القضايا الداخلية في البلد أيضاً. ومن هنا فإن الحرس الثوري ليس منظمة منكسة الرأس معزولة ومشغولة بأعمالها الإدارية، بل هي منظمة واعية مشرفة بصيرة، تراقب وترصد ما يجري حولها على الصعيد الداخلي والدولي والإقليمي، وتنظر كالموجود الحيّ اليَقِظ، لترى من أين يُوجَّه التهديد، ومن أو ما هو الشيء الذي يتعرض للتهديد؟ والكلام هنا ليس حول الأشخاص، بل التهديد مُوجَّه للثورة، ولذا لا بد من الرصد المستمر. والقطاعات الاستخباراتية في الحرس الثوري وكل ما هو مرتبط بها ناظرة إلى هذا المعنى. وعلى مختلف أصحاب الرتب العسكرية وسلسلة المسؤولين والكوادر أن يطلعوا على مجريات الأمور، وأن يقفوا على التهديدات، ليعلم الجميع ماذا يفعلون وماذا يريدون أن يفعلوا. ولو لم تطلع قوات الحرس الثوري بمختلف رتبها على التهديدات المحدقة بالشيء الذي تحرسه، فليس من المعلوم أن تتمكن من العمل بواجباتها وأداء مهامها على النحو الصحيح والمطلوب. إذا أدرك الإنسان ما هو التهديد ومن أين يصدر، سيوجد عنده الدافع والحافز على مواجهته.

الحراسة: جهوزيةٌ للدفاع

بناءً على هذا، فإنّ واحداً من أبعاد كلمة الحراسة، هو أن يكون المرء على أهبة الاستعداد جاهزاً للدفاع عن الثورة وأن يكون في يقظة وصحوة مستمرة، كما ورد في رسالة أمير المؤمنين: «وَإِنَّ أَخَا الـحَرْبِ لَأَرِق» . ولا ضرورة لأن تكون الحرب قائمة بالفعل، فمن أعدّ نفسه للحرب، لا بد أن يكون يَقِظاً. ولكن الحرب مع من؟ نحن لم ولن نبدأ بقتال أبداً، ولا حرب لنا مع الناس ومع الشعوب ومع الحكومات المحايدة التي لا تريد إلحاق الضرر بنا، وإنما قتالنا وحربنا مع من يعارضنا ويعتدي ويقاتلنا ويهددنا. «لَأَرِق»، والأرق هو اليَقِظ  والواعي بشكل مستمر. إذن فإن من أبعاد كلمة الحراسة، اليقظة والاستعداد التام والدائم.

وبالطبع، إن اطلعتم على التهديدات، ستعدون القوة والاستعدادات المناسبة. ففي يوم من الأيام مثلاً لم يكن هناك تهديد في المجال الإلكتروني، ولذا لم تقتض الحاجة أن يسعى البعض للتخصص ومتابعة القضايا الإلكترونية، ولكنه اليوم موجود، ويتطلب الأمر الإعداد والتجهز في هذا المجال. وقد بيّن قائد الحرس الثوري العزيز ذلك. ففي هذه الحسينية اجتمعت قوات الحرس وعرضت إنجازاتها الباهرة والمتقدمة والمتطورة لأصحاب الاختصاص، وتبيّن أن الحرس الثوري قد قطع خطىً كبيرة في هذا المجال وفي المجالات كافة أيضا. فإن عرفتم التهديد، ستعرفون الوسيلة التي تقوم بإبطاله والقضاء عليه وتتابعونها، فإن كانت موجودة عندكم، حافظتم عليها، وإن لم تكن موجودة، أعددتموها.

الحراسة صيانةٌ وتكريم

هذه الحراسة تتضمن في الحقيقة معنيين: الأول هو الحفظ والصيانة، والثاني هو التكريم؛ فحراسة الإنسان أو الشيء، تعني تقديره واحترامه. وحراسة الثورة الإسلامية لا يقتصر معناها على صيانة الثورة التي تناولنا الحديث عنها، بل يشمل تكريم الثورة والاهتمام بها وتعظيمها أيضاً. فأن يرعي الإنسان شخصاً، يعني أن يقوم بتكريمه وتقديره والاهتمام به، وهذا ما يتطلب معرفة الثورة بشكل صحيح، فعليكم أن تتعرفوا إلى الثورة. ولا بد أن تكون هذه المعرفة في كل قطاعات الحرس ودرجاته ورتبه معرفة واعية واضحة شاملة وصحيحة. إن كان هناك نقص في الأعمال الثقافية، يجب إزالته بالتأكيد، وعليكم النظر والبحث والتأكد من هذا الأمر. يجب على الإخوة والأخوات في الحرس الثوري من رأس الهرم وحتى قاعدته أن يتجهزوا بمنطق الثورة القوي والمستدل، لأن المعادين للثورة باتوا اليوم يدخلون إلى الساحة من طرق شتى، ومنها النفوذ والتسلل - الذي سأتناول الحديث عنه، وهو أمرٌ لطالما كررته وشدّدت عليه – بهدف الإخلال بالمعتقدات الثورية والدينية والمعارف الثورية وإحداث الثغرات فيها. علماً بأنهم يستخدمون جميع الطرق، ولديهم أفراد متعددو الأنواع والمستويات والأنماط. لديهم أساتذة جامعات وناشطون من الطلبة الجامعيين والنخب الفكرية والعلمية، إلى غير ذلك من أنواع الناس وفئاتهم لإيجاد الثغرات والنفوذ. وعلى الإخوة في جميع مستويات  الحرس الثوري أن يتحلوا بهذه الجهوزية وهذا الاقتدار المنطقي.

كنا قبل الثورة نستخدم قوة المنطق هذه في موارد كثيرة ومجالات متعددة. كان الشباب الذين يشاركون في الجلسات التي كنت أعقدها أنا العبد لله، آنذاك حول القرآن ونهج البلاغة وأمثال ذلك، يقولون لي إننا في الجامعة لن نتراجع بعد الآن أمام الماركسيين. كنا في السابق نتراجع ونضعف، أما الآن فإن لنا كلمتنا ومنطقنا واستدلالنا، ولا نبطل أفكارهم فحسب، بل نقوم بإثبات آرائنا وأفكارنا وبيان الحقائق. وعلى الشاب الذي يمارس دوره اليوم في الحرس الثوري أن يتسلح بمثل هذه القوة وهي قوة الإقناع وقوة المنطق وقوة البيان، وهذا من الأعمال الأصلية والمهام الرئيسية؛ وهذا هو المراد من حراسة الثورة وتكريمها والاحتفاء بها وأداء حقها ومعرفة قدرها.

الحراسة: معرفة العدو

والبعد الآخر من أبعاد حراسة الثورة وتكريمها، معرفة العدو. فلنتعرف إلى العدو. علماً بأنكم تعرفون العدوّ بالتأكيد، حيث يتمثل في الاستكبار العالمي الذي تشكل أمريكا مظهره الكامل، وكذلك أتباعها من الأنظمة الرجعية والعملاء وضعاف النفوس وأمثالهم. فالعدوّ معروف لديكم، ولكن لا بد من استثمار هذه المعرفة، واكتشاف نقاط ضعف العدو المعرفية والعملية، وعرضها على أولئك الذين هم بحاجة إلى معرفة هذه الأمور ووضعها امام أعينهم. فإن أعداء الثورة الإسلامية هم أولئك الذين دخلوا هذه المنطقة قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً بشعار إحلال الأمن، ولكم أن تنظروا اليوم، ففي أي بقعة من بقاع هذه المنطقة قد استتبّ الأمن؟ لقد انعدم الأمن في كل أرجاء هذه المنطقة من غربي آسيا إلى شمالي أفريقيا. وحين هجموا على أفغانستان كان شعارهم مكافة الإرهاب، واليوم قد انتشر الإرهاب في كل أنحاء المنطقة، وأيّ إرهاب! إرهابٌ وحشي همجي يقوم عناصره بإحراق أعدائهم أمام أنظار الجميع وهم أحياء، ويستخدمون شتى الوسائل الفنية لعرض هذا المشهد بشكل واضح أمام أنظار وأفكار أهل العالم. هكذا إرهاب! وهكذا تعمل العناصر التكفيرية في هذا اليوم، حيث يقتلون الطفل أمام أمه، ويذبحون الأب والأم أمام أبنائهما. فقد جاء الأعداء لاقتلاع جذور الإرهاب من هذه المنطقة بحسب شعاراتهم ومدعياتهم - ولا أقول إنها كانت أهدافهم الحقيقية بل شعاراتهم- واليوم في أي مكان من هذه المنطقة لا يوجد إرهاب؟ وجاؤوا لإرساء الديمقراطية بحسب ادّعائهم، واليوم نجد أن أشدّ الأنظمة رجعية واستبداداً ودكتاتورية في المنطقة تعزّز قواها وتواصل جرائمها بدعم من أمريكا وحلفائها. وقد تبدّل ذلك إلى واحدة من المشاكل الرئيسية لأمريكا التي أحدقت بالساسة الأمريكيين وأغرقتهم في دوامتها. فإن دعمهم لهذه الأنظمة تسبب في أن تنقض شعاراتهم المناهضة للدكتاتورية والمناصرة لحقوق الإنسان على مدى أعوام طويلة. وقد أثارت هذه الظاهرة في الوقت الراهن معضلة في أوساط المثقفين والنخب السياسية والفكرية في أمريكا، لا يمكنهم الإجابة عنها.

هذا هو العدو الذي يواجهنا، فانظروا إلى ما ينادي به من قضايا كحقوق الإنسان، والديمقراطية، ومكافحة الإرهاب، وإحلال الأمن والسلام، حيث قالوا إننا نحارب من أجل السلام، ولكن أين هو السلام؟ فقد ورطوا جميع أطراف المنطقة بالحرب، ففي أي قطر من أقطار هذه المنطقة لم تشتعل نيران الحرب؟ هذا هو العدو، هذا هو الذي وقفت الثورة في مواجهته، وتصديتم له بصدوركم وما تملكون من قوة، هو موجود يحمل كل هذا التناقض، وكل نقاط الضعف هذه، وكل هذا الخلل المعرفي والعملي. هذا هو العدو. إن من سمات حراسة الثورة وصيانتها أن نفتح أعيننا ونرى العدو ونعرفه، فنعرف الثورة ، إلى جانب معرفة العدو. هذا ما يتعلق بالحراسة. علماً بأن الحديث عن الحراسة ومعناها ومغزاها يحتاج إلى كتاب كامل.

الكلمة الثالثة: "الثورة"

وأما «الثورة»، حيث قلنا: حراسة الثورة، فالثورة حقيقة مستمرة، وليست أمراً حصل دفعة واحدة بأن نقول مثلاً: صودف أن وقع حدثٌ في التاريخ الفلاني، حيث نزل عدد من الناس إلى الشوارع، واستمرت حركتهم عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهرين أو ستة أشهر، حتى سقطت الحكومة، وهذه هي الثورة؛  كلا، هذه ليست الثورة، وإنما هو جزء منها. فإن الثورة حقيقة خالدة دائمة. والثورة تعني التحول. التحول العميق لا يتحقق خلال ستة أشهر أو خلال سنة أو خمس سنوات، بالإضافة إلى أن التحول والصيرورة - وهي بمعنى الانتقال من حال إلى حال - لا تقف عند حدٍّ أساساً، ولا تنتهي أبداً؛ هذه هي الثورة. فالثورة حقيقة مستمرة. والتصريحات التي تتردّد على ألسنة البعض - ومصدرها على حدّ تعبيرهم غرف الفكر الأجنبية، وبات البعض في الداخل يكررها في الصحف والمجلات والخطابات المختلفة ويعيدها إلى اللغة الفارسية مع ان مصدرها من الخارج – من أن الثورة قد انتهت؛ وقد يظهر شخص فاقد للعقل ويقول صراحة إن الثورة لا بد من إيداعها في المتحف، والبعض الآخر لا يبلغ إلى هذه الدرجة من فقدان العقل، ولا يصرّح بهذا القول، وإنما يتفوّه به بشكل مبطن وغير مباشر، ويتحدث بطريقة وكأن الثورة قد انتهت وتبدّلت إلى جمهورية إسلامية. الثورة أساساً لا يمكن تبديلها، ولا بد أن تكون الجمهورية الإسلامية مظهراً للثورة ولتلك الحركة التي هي في تجدّد وتحوّل دائم. وهذه حالة يجب أن تكون في الجمهورية الإسلامية، وإلا فإنها ليست جمهورية إسلامية، وليست دولة إسلامية؛ الثورة حقيقة مستمرة.

حسنٌ، لكن ماذا تفعل الثورة؟ الأمر الذي تقوم الثورة بإنجازه في بادئ الأمر، هو رسم الـمُثُل العليا والأهداف الكبرى. وبالتأكيد فالـمُثُل العليا غير قابلة للتغيير، فإن الوسائل في تغيّر والتطورات اليومية في تغيّر، ولكن تلك الاصول التي هي المثل والأهداف الرئيسية لا يمكن تغييرها. فالعدالة  مثلاً هي هدف وغاية كبرى منذ بداية خلق البشر وحتى يومنا هذا. ولم تخرج العدالة عن كونها هدفاً ومثالاً في أيّ زمن من الأزمنة. كما أن حرية الإنسان مثال وهدف أيضاً، إلى غير ذلك من الأمور المشابهة. فإن الثورة تصوّر المثل العليا والاهداف وترسمها، ثم تتجه وتتحرك نحوها. إذا أردنا الآن أن نعبّر عن هذه المثل والأهداف الكبرى بكلمة واحدة ونجد لها تعبيراً قرآنياً نقول: «الحياة الطيبة» حيث قال تعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة﴾  و﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ . فإن دعوة نبي الإسلام وكافة الأنبياء هي للحياة، ولكن أي نمط من الحياة؟ إنها الحياة الطيبة بالتأكيد.

خصائص الحياة الطيبة

حسنٌ ما هي الحياة الطيبة؟ إنها تلك الأمور التي يحتاج إليها البشر لحياتهم وسعادتهم. فإن العزة الوطنية على سبيل المثال جزء من الحياة الطيبة؛ ذلك أن الشعب الذليل الخنوع لا ينعم بحياة طيبة. كما أن الاستقلال وعدم التبعية للأجانب وللآخرين أيضاً من أجزاء الحياة الطيبة. فلا ينبغي أن نبحث عن الحياة الطيبة في العبادة وفي كتب الأدعية فقط! حقائق الحياة هي هذه الأمور. إن الحياة الطيبة لشعب ما هي أن يعيش عزيزاً مرفوع الرأس مستقلاً غير تابع للآخرين.

لقد بادر البعض إلى تأليف كتاب في رفض الاستقلال! يتعجب الإنسان حقاً، كيف لا يشعر البعض بالخجل اليوم من التفوّه بهذه الأمور. لصٌّ يعترض طريق قافلة ليسرق منها كل ما فيها، فيقول أحدهم: المصلحة اليوم تقتضي أن ندخل في عصابته وأن نعمل وفق إرادته وننفذ كل ما يطلب! فإن الحديث في رفض الاستقلال هو مثل هذا المعنى. وسبق أن ذكرنا أن الاستقلال هو الحرية على مستوى ومقياس شعب ما. فإنهم يدافعون عن الحرية بالاسم، ويرفضون الاستقلال، مع أن الاستقلال هو الحرية، ولكن ليس الحرية الفردية لشخص واحد، وإنما هي حرية الشعب وتحرره من حالات الفرض والإملاء والإذلال وفرض التخلف والنهب والاستعباد. فإن تحرر شعب من هذه الأمور، سيكون مستقلاً.

وإن من الأمور التي تؤمّن الحياة الطيبة، التقدم والريادة في العلم والحضارة العالمية. أن يتمكن شعب ما من أن يسير ويصل للتقدم والريادة في منظومة العلم العالمي والمدنية العالمية، وأن يضع سلماً جديداً أمام البشرية  كلها لتتسامى وتتكامل، فإنه يكون قد حقق جزءاً من الحياة الطيبة. الغربيون ليسوا كذلك، ولم يسيروا نحو الحياة الطيبة؛ لقد حققوا نجاحات مادية كبيرة، وأطلقوا أفكاراً جديدة وما زالوا يتكلمون في هذه المجالات، إلا أنهم أرفقوا ذلك بما يجعل السقوط عن هذا السلّم أمراً حتمياً! يضعون السلّم أمام البشر، ولكنهم يفعلون ما من شأنه أن يؤدي إلى سقوط البشر عن هذا السلم بالتأكيد؛ يعملون على إفساد الأخلاق. فانظروا اليوم إلى الثقافة الغربية حيث أخذت أقبح الأعمال وأفظعها تتخذ طابعاً عادياً وعرفياً وقانونياً، ولو عارضهم أحد في ذلك، يستنكرون قائلين لماذا تعارضنا؟ وهذا كله لمجرد ميل الإنسان ورغبته! حسنٌ، الإنسان قد يرغب في فعل الكثير من الأمور. إلى أين سيصل كل هذا التهتك والخلاعة في الغرب؟ لا يوجد عندهم سبيل للعلاج، ولا طريق للنجاة بالتأكيد. فإن هذا الطريق الذي يسلكه الغرب حالياً، وهذا التمادي في الانحطاط الأخلاقي، سيدمر الغرب من أساسه ويقضي عليه نهائياً. شعوبهم مسكينة مغلوبة على أمرها. الإنسان يحترق قلبه حسرةً على ناس وشعوب هذه البلدان. هم ناسٌ مساكين. لكن النخب والمؤثرين ومخططي البرامج وواضعي السياسات يبذلون كل جهودهم لتحقيق أهدافهم الخبيثة والقذرة.

الحياة الطيبة؛ تكامل معنويٌّ ماديّ

إذن فالتقدم في العلم والحضارة البشرية المترافق مع التكامل المعنوي هو تقدم مادي ومعنوي. ولقد ذكرت قبل فترة في أحد اللقاءات - وأظن أن الكلمة بُثّت على شاشات التلفاز - قائلاً: تصوّروا الجمهورية الإسلامية بعد عشرين أو ثلاثين عاماً يبلغ عدد سكانها مثلاً 200 أو 180 أو 150 مليون نسمة، وقد حققت نجاجات مادية وعلمية وصناعية باهرة، وقد أرست البعد الروحي والمعنوي ونشرت العدالة، فانظروا ماذا سيحدث، وكم ستكون لها من جاذبية بين البشر من المسلمين وغير المسلمين . هذه هي الحياة الطيبة؛ أن نتحرك في حياتنا باتجاه هذه الحالة في بلدنا، والثورة تريد أن توصلنا إلى هناك. فالرفاهية والعدالة والحيوية والنشاط في العمل وإنجازه بشوق ورغبة والعلم والتقنية كلها من أجزاء الحياة الطيبة، إلى جانب البعد المعنوي والروحي والرحمة والأخلاق الإسلامية ونمط الحياة الإسلامية التي هي بدورها من الحياة الطيبة. النظم والتنظيم من أجزاء الحياة الطيبة. إن هذه الحركة نحو الحياة الطيبة دائمة ولا نهاية لها. ﴿أَلَا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ .  الحياة الطيبة هي الصيرورة إلى الله، فالصيرورة تعني التحول والانتقال من حال إلى حال، إيجاد التغيير في ذات الشيء وباطنه، فيصبح  أفضل وأحسن يوماً بعد آخر. هذا ما يُعبّر عنه بالصيرورة. البشرية لها صيرورة نحو الله. والمجتمع الإسلامي المطلوب هو الذي توجد فيه هذه الصيرورة، وهي مستمرة بشكل متواصل لا نهاية له. هذه هي الثورة.

إن من خصائص الحياة الطيبة وخصائص هذه الثورة التي صرّح القرآن بها الإيمان بالله والكفر بالطاغوت: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ . و«العروة الوثقى» يعني أنكم مثلاً تجتازون طريقاً خطراً مليئاً بالمزالق، وهناك حبل أو شيء آخر تتمسكون به لئلا تزلوا وتقعوا على الأرض وتسقطوا إلى الأسفل، وهذا ما يعبّرون عنه بـ«العروة الوثقى». فإن كنتم تؤمنون بالله وتكفرون بالطاغوت، فإنكم متمسكون بالعروة الوثقى. ثم إن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت أمران متلازمان لا ينبغي فصل أحدهما عن الآخر. وأشيرُ هنا أيضاً إلى أن الإيمان بالله يصعب إزالته وأخذه من الناس، إلا أن إعلام الأعداء قد تركّز على "الكفر بالطاغوت"، حيث باتوا يضعّفون حالة الكفر بالطاغوت تدريجياً، ويسلبون هذا البعد من الناس قائلين لهم: آمنوا بالله وآمنوا بالطاغوت معاً!. هذا أمرٌ غير ممكن، لأن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت أمران متلازمان متناسبان.

"رفض الأدلجة "و إزالة الأيديولوجيا. من الأفكار والتصريحات التي كانت رائجة لعدة أعوام وتعطلت لبضع سنوات، ثم عادت ثانية هي إزالة الأيديولوجيا والدعوة إلى تحييدها من الساحة الدبلوماسية والسياسة الداخلية، هذا بالضبط كلام مخالف للحق والحقيقة، ومعناه التخلي عن الأصول والمباني الثورية والإسلامية في السياسة الداخلية والخارجية، ولكن نتخلى عنها؟ إن هذه السياسات لا بد وأن تقوم على أساس هذه الأصول والمباني؛ وكذلك الحال في جميع المجالات. إلتفتوا إلى هذه النقطة الظريفة؛ العلم هو السير نحو واقع وحقيقة واكتشافها والاطلاع عليها، وبالطبع لا معنى للأيديولوجية في هذا المجال، ولكن ما هو الواقع الذي يجب علينا تقصيه؟ وما هو الواقع الذي يجب علينا عدم التوجه نحوه؟ هذا ما يتدخل فيه الفكر والعقيدة والأيديولوجيا - على حدّ تعبير المتفرنجين -. ثمة علم مضرّ لا نريد السعي وراءه، وثمة علم نافع نريد اكتسابه؛ ذلك أن هناك علماً نافعاً وعلماً ضاراً. ومن هنا فإن الفكر والإيمان والعقيدة والأيديولوجيا على حد قولهم مؤثرة حتى في مسألة العلم.

من الأمور التي كثيراً ما يسمعها الإنسان، هناك قضيتان وعبارتان متناقضتان في الحقيقة تترددان على ألسنة معارضينا وأعدائنا، وتتكرران من قبل البعض في الداخل أيضاً، ولكن قلما يلتفت إلى التناقض بينهما. العبارة الأولى التي طالما يكررونها هي أن بلدكم بلد  قوي وله نفوذه وتأثيره، وهذا ما نسمعه كثيراً في عالم اليوم.  هناك من ضعاف النفوس  وقصار النظر في الداخل من لا يقبل حتى بهذه القضية أيضاً، غير أن المحللين المراقبين في الخارج من أصدقائنا وأعدائنا يعترفون مراراً وتكراراً بأن الجمهورية الإسلامية اليوم بلد مقتدر يترك أثره على أحداث المنطقة وله نفوذه. هذه عبارة، والعبارة الثانية هي أنهم يقولون: لا تصرّوا كل هذا الإصرار على مصطلح وكلمة الثورة وقضية الثورة والروح الثورية.  إن هاتين العبارتين متناقضتان. وأساساً فإن سبب هذا الاقتدار والنفوذ هو الثورة، ولو لم تكن الثورة، ولم تكن الروح الثورية، ولم يكن الفعل الثوري، لما كان هذا النفوذ. وقولهم إنكم أصحاب نفوذ وأولو قوة واقتدار، اتركوا الثورة وتخلوا عنها ليتسنى لنا أن نتعايش مع بعضنا بعضاً، يعني تخلوا عن الثورة لتزول قدرتكم فنتمكن من ابتلاعكم!. وهذا ما يصرّحون به لبعض الأفراد في الجمهورية الإسلامية! ولكن لا يُلتفَت إلى المعنى والمفهوم الحقيقي من هذا الكلام. إلى متى تريدون البقاء على الحالة الثورية؟ إلى متى تريدون التحدث عن الثورة؟ تعالوا وانضموا إلى المجتمع العالمي! هذا الكلام يعني دعوا هذا النفوذ، وهذا الاقتدار، وهذا التأثير في المنطقة، وهذا العمق الاستراتيجي الذي لديكم في أوساط الشعوب، وتخلوا عن هذه الأمور، لتضعفوا، وليستنى لنا السيطرة عليكم. ويطلبون منا أن نلتحق بالمجتمع العالمي، ومرادهم من المجتمع العالمي بضعة قوى مستكبرة متغطرسة ظالمة. ومعنى هذا الكلام الدعوة إلى الذوبان في مخططاتهم. إذن فالثورة تتسم بمثل هذه الأبعاد. وهناك كلام كثير فيما يخص حراسة الثورة، ولكن أكتفي بما ذكرت في هذا المجال.

الكلمة الرابعة: "الإسلام"

وأما «الإسلام»، فالثورة هي ثورة إسلامية. علماً بأن البعض يصرّ على قول «ثورة 57ه ش»(1979م)، تجنباً منه لذكر اسم الإسلام، لأنه يخاف من هذا الاسم، ويخشى من عنوان الثورة الإسلامية. الإسلام يمثل ركيزة الثورة ورصيدها وكل مضمونها. وإسلامنا بالطبع هو الإسلام الأصيل، وليس الإسلام التابع للأفكار المنحرفة والمغلوطة والسطحية والحمقاء لأناس كالتكفيريين، وإنما هو الإسلام المبنيّ على العقل - الإسلام العاقل - والمرتكز على القرآن، وعلى المعارف النبوية ومعارف أهل البيت (عليهم السلام)، بأفكار واضحة منيرة، ومنطق متين وبيّن؛ هذا هو الإسلام الذي يمكن الدفاع عنه في كل الأوساط العالمية العصرية بالكامل.

الحمد لله قد فُتحت الأبعاد المختلفة لهذه الثورة وطرحت في المجتمعات الإسلامية. وعلى الرغم من أنهم أنفقوا كل هذه الأموال، وصرفوا كل هذه الدولارات النفطية ليتمكنوا من الوقوف أمام هذه الحركة، فقد شقّ هذا الفكر القويم الرصين طريقه إلى الأمام لحسن الحظ، دون أن نقوم نحن بما يجب من الأعمال المتقنة والمؤثرة! - فنحن مقصرون كثيراً في المجال التبليغي والإعلامي والترويجي - وهذا ما نشاهده اليوم في أقطار العالم الإسلامي ولله الحمد، وتدل عليه شواهد كثيرة، فإن الشعوب الإسلامية تحب الجمهورية الإسلامية بكل معنى الكلمة، وتحب المسؤولين فيها. ورؤساء الجمهورية في بلدنا وعلى مرّ هذه الأعوام، أينما رحلوا وأتيح المجال للناس، نجدهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، كما حدث ذلك في باكستان، وكذلك في لبنان، وفي السودان أيضاً، وفي الكثير من البلدان الأخرى. علماً بأن بعض البلدان تمنع الناس من ذلك، وهذه مسألة أخرى، إلا أن الناس في البلدان الإسلامية إذا شعروا بأنهم يتمكنون من الإفصاح عن عقيدتهم والتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم فعلوا ذلك، وهذا ببركة الإسلام وبفضل التمسك بالقرآن.

ثم إن الإسلام المحدود في إطار الأعمال الفردية، والإسلام العلماني، وإسلام من "يؤمن ببعض ويكفر ببعض" ، والإسلام المجرد عن الجهاد، والبعيد عن النهي عن المنكر، والمتخلي عن الشهادة في سبيل الله، ليس هو إسلام الثورة. فإن إسلام الثورة هو ذلك الإسلام الذي يشاهده المرء في العديد من الآيات القرآنية الإلهية العديدة في القرآن الكريم، وفي كلامنا، في وصية الإمام الخميني وفي خطاباته وكتاباته. هذا هو إسلامنا. والثورة التي يجب حراستها هي التي تتمتع بهذا الرصيد وهذا المحتوى الإسلامي، وهي ليست مجرد حركة ملحمية حماسية وحسب، وإنما تنطوي على المضمون الإسلامي الذي وفّر  إمكانية التأثير على العالم ولحسن الحظ.

اعرفوا قدر ذلك!

إذن فقوات حرس الثورة الإسلامية تحمل مثل هذا المعنى العميق. عليكم أن تبذلوا الكثير من الجهود، وأن تتحلوا  بالوعي واليقظة، وأن تعرفوا قدر ذلك كثيراً، بل وعلى الجميع أن يعرفوا قدر الحرس الثوري. إن إضعاف الحرس والكلمات الواهية التي تصدر ضده أحياناً، تسرّ العدوّ وتُثلج صدره. ولا أقول إن كل من يتحدث بهذه المسائل فهو عميل للعدو؛ كلا، ولكن البعض يتفوه بها عن غفلة وجهل، ويُحتمل أن يكون البعض الآخر مأموراً على أن يتحدث بهذا الأسلوب، ويُطلق مثل هذه التصريحات.

فلا بد من تكريم الحرس الثوري. الحرس نعمة إلهية كبرى في البلد. وأقول لكم إن أول من يجب عليه التصدي لتكريمه هو أنتم أنفسكم. فعليكم بتعزيز البناء المعنوي والفكري والعقائدي والعملي للحرس الثوري ما استطعتم، وتجنّب الذرائع التي قد يتمسك بها البعض ضدّكم بشدة، والسير على نهج الثورة القويم والمستقيم في شتى المجالات الاقتصادية والمالية والسياسية وأمثال ذلك، والابتعاد التام عن كل ما من شأنه أن يمس بكرامة الحرس. وأنتم أول من يجب عليكم صيانة هذا الشأن وهذه الحيثية الحقيقية - لا المفروضة، إذ إننا لا نريد أن نفرض عليكم التفكير بهذه الطريقة؛ كلا، فهذا هو الواقع - كما ويجب عليكم مراقبة التهديدات لأنكم قوات حرس الثورة الإسلامية.

وقد أشرنا إلى أن نفوذ العدو وتوغله يشكل اليوم أحد التهديدات الكبرى للبلد، فإنهم يسعون وراء النفوذ والاختراق. ولكن ما هو النفوذ؟ قد يكون هذا النفوذ نفوذاً اقتصادياً وهو من أقل حالات النفوذ أهمية، وقد يكون نفوذاً أمنياً وهو الآخر أيضاً من أقلها أهمية، رغم أن النفوذ والاختراق الأمني ليس بالشيء الصغير، بيد أنه بالمقارنة مع النفوذ الفكري والثقافي والسياسي قليل الأهمية. علماً بأن للتصدي للنفوذ الأمني قطاعاته، وسيقف مختلف المسؤولين بما فيهم الحرس الثوري أمام تسلل العدو ونفوذه الأمني بكل قوة واقتدار إن شاء الله.

وعيٌ ويقظة على جميع المستويات

وعلى المسؤولين الاقتصاديين أيضاً أن يفتحوا أعينهم ويراقبوا تحرك العدو وتوغله في المجالات الاقتصادية؛ ذلك أن نفوذ العدوّ يقضي على ركائز الاقتصاد الرصينة. ففي الأماكن التي بسطوا فيها نفوذهم الاقتصادي، واستطاعوا فرض انفسهم كالكابوس على البلدان والشعوب للسيطرة على اقتصادهم، جلبوا الويل والثبور وساقوا تلك البلاد إلى الدمار والانهيار. قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً قال لي رئيس أحد البلدان الذي كان متقدماً في منطقتنا خلال زيارة له إلى طهران إننا وعلى أثر النفوذ الاقتصادي تبدلنا بين ليلة وضحاها إلى بلد فقير متسول، وهو صادق فيما يقول. فإن الرأسمالي الفلاني، ولسبب ما، يفكر في تركيع هذا البلد، فيسحب رأسماله منه أو يتلاعب فيه بحيث يؤدي إلى شلّ اقتصاده. وهذا بالطبع بالغ الأهمية، غير أنه أقل أهمية بالمقارنة مع الاقتصاد الثقافي والاقتصاد السياسي والنفوذ السياسي والثقافي، فإنّ النفوذ السياسي والثقافي هما الأخطر والأهم.

يسعى العدوّ في المجال الثقافي إلى تغيير معتقدات المجتمع؛ تلك المعتقدات التي حفظت المجتمع ومنحته القوة والثبات، يريدون تبديلها وخلق الثغرات فيها وجعلها ضعيفة مختلة، ويبذلون في ذلك المليارات تحقيقاً لهدفهم؛ هذا هو الاختراق والنفوذ الثقافي.

في إطار النفوذ السياسي يسعى العدوّ للتسلل والنفوذ في مراكز اتخاذ القرار، وإن لم يتمكن ففي مراكز صنع القرار. فإن تأثرت الأجهزة السياسية والإدارية لبلد ما بالعدو المستكبر، ستُتخذ كل القرارات في هذا البلد قسراً وفق ميل المستكبرين ورغبتهم وإرادتهم، وإن أصبح بلد ما رازحاً تحت وطأة النفوذ السياسي، ستدور خطواته وتوجهاته في الأجهزة الإدارية  وفق إرادتهم، وهذه هي غايتهم، فإنهم لا يرغبون في أن يُسلّطوا أحداً منهم على بلد، كما فعلوا في الهند في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث سلموا رئاسة ذلك البلد إلى رجل بريطاني. فاليوم لا يمكن القيام بذلك، ولذا فمن المفضل بالنسبة لهم أن يترأس البلد جماعة من أبناء شعبه يتبعون أفكارهم، ويسيرون وفق إرادتهم، ويتخذون القرارات على أساس مصالحهم، وهذا هو النفوذ السياسي. حيث يهدفون إلى التسلل والنفوذ إلى مراكز اتخاذ القرار، فإن لم يستطيعوا ففي مراكز صنع القرار التي تقع على عاتقها مهمة صناعة القرارات. هذه هي الممارسات التي يقوم بها العدو.

إن حافظنا على وعينا ويقظتنا فسيؤدي  ذلك إلى خيبة آمالهم، لأنهم ينتظرون يوماً ينام  فيه الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية. ويقدّمون الوعود بأن إيران لا تبقى على ما هي الآن عليه بعد عشر سنوات والآخرون لن يقوموا بأي عمل بحسب مزاعمهم! ولكن لا ينبغي السماح بأن تترسخ هذه الأفكار والأماني الشيطانية في قلوبهم، ويجب إرساء دعائم الثورة وتعزيز الفكر الثوري لدرجة لا يؤثر موت وحياة هذا وذاك وزيد وعمرو على المسيرة الثورية للبلد، وهذه وظيفة أساسية تقع على عاتق النخب في الحرس الثوري وجميع النخب الثورية في البلاد.

إلهنا! أنزل بركاتك وهدايتك علينا جميعاً، واجعل ما قلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك، وتقبله منا بكرمك.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

أضيف بتاريخ: 05/10/2015