خطابات الإمام السيّد علي الخامنئي

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء لجنة مؤتمر شهداء محافظة "جهارمحال وبختياري"

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء لجنة مؤتمر شهداء محافظة "جهارمحال وبختياري"
05/10/2015


بسم الله الرحمن الرحیم

لديّ ذكريات جميلة عن محافظة "جهارمحال وبختياري". فقد زرتُ "شهركرد" في عقد الثمانينات – عندما كنت رئيسًا للجمهورية – بهدف تشجيع الناس وحثّهم على الحضور في الجبهات. وهي واحدة من الجولات المتعددة التي قمت بها في المحافظات.
زيارةٌ لا تُنسى..
كانت الجماهير تحتشد في كل مكان وتلبي دعوتنا. بيد أن زيارة "شهركرد" ما زالت في ذاكرتي، فقد كان الجوّ بارداً - وتلك المناطق بطبيعتها باردة أيضاً -، وكانوا قد وضعوا المنصة لإلقاء الخطاب في مكان مُشرِفٍ على طريقين، فشخصت ببصري وإذ بي أرى الناس على مدّ النظر، قد اجتمعوا في كلا الطريقين بثياب محلية، وبرايات متنوعة، وبمشاركة حقيقية قلبية لا جسدية وحسب. ولقد كان الحضور بارزاً ودوافع الناس جليّة لدرجة أنّ الإنسان وبنظرة واحدة يدرك الكثير من الأمور عن هؤلاء الناس وعن هذه المنطقة. وهذا ما بقي في ذاكرتي ولم يُنسَ. علماً بأني سافرت إلى هذه المنطقة قبل هذه الزيارة وبعدها وشاهدت الناس وحشودهم، بيد أن ذلك السفر كان مذهلاً وقد ترك أثراً عجيباً في نفسي.
فقد سافرت إلى "شهركرد"، قبل هذه الزيارة، للّقاء بلواء "قمر بني هاشم"، وهي أيضاً زيارة لا أنساها أبداً. فقد كنت أتفقد مقرات قوات الحرس الثوري في أغلب الأماكن من أجل التفاوض والتباحث، غير أن بعض هذه المقرات كانت كان يتّسم بخصائص تؤدي إلى أن لا تغيب عن ذهن الإنسان، ومنها مقر لواء "قمر بني هاشم" في "شهركرد". فلا أنسى أنّني قصدت هذا المقرّ، وقابلت عناصر مخلصة مؤمنة تعيش حالة ضيقٍ وفقر، حيث كانت الإمكانيات في هذا المقر محدودة جداً، إلا أنّ هذه العناصر كانت تتّسم بدوافع راسخة، فقضيت معهم ساعات - ولا أعلم عددها بالضبط - وتناولنا طعام الغذاء معاً، وقد خرجت بشعور مفعم بالرضا التام. 
براءة البختياريين 
وإنّ الأمور التي ذكرها السادة هي من السوابق العلمية والعسكرية والسياسية وأمثال ذلك، كلها محفوظة في محلها وتتسم بالأهمية والقيمة. والنقطة التي أشار إليها السيد "نكونام" حول اجتماع أهالي محافظة "جهارمحال وبختياري" [وتوجههم] الى طهران للتعبير عن استيائهم وبراءتهم من بختيار ، نقطة بالغة الأهمية. إذ من الممكن أن يهبّ أهالي شيراز أو أهالي مشهد أو أهالي تبريز للتعبير عن براءتهم من بختيار؛ ولكن شتان  ما بين هذا وبين أن ينهض البختياريون أنفسهم لإعلان البراءة من رجل سياسي بختياري بارز مناهض للثورة وللإمام الخميني، وهذه نقطة هامة. وما ذكره من توقّع الناس أن يكون ذلك اليوم يوماً بارزاً، شيء صحيح، وعمل مناسب حقاً، لأن الوشائج والأواصر العشائرية في أوساط العشائر ليست بالأمر الهيّن، وإنّما تتّسم بأهمية بالغة. فإنّ هؤلاء هم أنفسهم الذين هبّوا من شهركرد - وكانت آنذاك قرية - في قضايا الحركة الدستورية واتّجهوا صوب أصفهان وسيطروا عليها، ثم قصدوا طهران وقاموا فيها بإنجازات عظيمة، كل ذلك في الأغلب بسبب الأواصر المحلية والآثار القبائلية والعشائرية التي كانت تؤدي بالناس إلى النهوض والحركة. بيد أن هذه الأواصر نفسها تؤول إلى الاضمحلال والزوال إذا ما وقفت في وجه الدين والثورة والإمام الخميني. وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. ومن هنا فإن ما تقومون به من تخليد هذا اليوم لهو عملٌ مناسب جداً وفي محله.
إحياء المفاهيم القيّمة في مواجهة الهجوم الثقافي
التفتوا إلى هذه النقطة: نحن نواجه هجوماً ثقافياً وعقائدياً وسياسياً شاملاً وغير معلن؛ أي إنّكم بطبيعة الحال ستقبلون منّي ما أقوله لكم، ولكنّكم غير مطّلعين على مجريات الأمور، وأنا على علم بما يجري من أحداث، وأرى أن العدوّ قد جيّش جيشه الثقافي والسياسي بكل ما أوتي من وسائل ومعدات، وشنّ هجوماً علينا لإضعاف معتقداتنا الدينيّة والسياسيّة، وتعزيز حالة السخط في داخل البلاد، واستمالة الشباب نحوه وخاصة الناشطين والمؤثرين منهم في مختلف المستويات، لتحقيق مآربه، فهو في جهد وعملٍ دؤوب. وقد اتُّخذ بالتالي إزاء ذلك بعض التدابير، وبادر الشباب الولائي، والمؤمنون، والمسؤولون الملتزمون إلى القيام بأعمال حسنة، ولكن لا بد من مضاعفة الأعمال والأنشطة في هذا المضمار. وإنّ من الأمور المهمة التي يجب التصدي لها إحياء المفاهيم القيّمة؛ كمفهوم الجهاد ومفهوم الشهادة ومفهوم الشهيد ومفهوم عائلة الشهيد، ومفهوم الصبر لله ومفهوم الاحتساب لله.
العمل المؤثّر: فكرٌ وفنّ
علماً بأنّ جانباً من هذه المواجهة [التي تقومون بها] يتمّ من خلال الأعمال "الشعاراتية"  ، فإني لا أعارض كتابة اللوحات وصنع التماثيل والتماثيل النصفية وتسمية الشوارع وأمثال ذلك، فهي أعمال جيدة بل ضرورية وأكثر من جيدة، ولكنها غير كافية على الإطلاق، وهي لا تشكل إلا جزءاً صغيراً جداً مما يجب أداؤه. فيجب عليكم إنجاز الأعمال بعمق، واجهدوا لأن تؤثروا في الأذهان، وأن تُقنعوا المستمعين بالكلام الصائب، وهذا ما يقتضي التفكير. فعلى أرباب الفكر، والذين يتمتعون بقوة الفكر والنظر وإدراك المسائل، أن يتعاضدوا مع أصحاب الفن، والذين لديهم القدرة على عرض المسائل وتظهيرها ولديهم فنّ التبليغ والترويج - بمن فيهم الرسّام والشاعر والـمُنتج للأفلام والكاتب وأمثالهم - لتترك حصيلة أعمالهم آثارها في أذهان المخاطبين، وتقوم بإحباط المؤامرة التي يتمّ في الوقت الراهن تنفيذها - وليس التخطيط لها، فهم قد خططوا لهذه المؤامرة من زمن بعيد، وإنّما يتم الآن تنفيذها في البلد -. وتقع هذه المهمة على عاتق رجال الدولة، والمؤمنين، والمسؤولين الرسميين وغير الرسميين، بل ويجب العمل في هذا المضمار على كل من يشعر بالمسؤولية تجاه ذلك. وإنّ أحد الأعمال هو عملكم المتمثل بإحياء مفهوم الشهادة وقيمة الشهادة والشهيد.
نسأل الله تعالى أن يوفقكم للسير في هذا الطريق وأن يعينكم على ذلك.
والسلام علیکم ورحمة الله

أضيف بتاريخ: 16/10/2015