خطابات الأمين العام السيد حسن نصر الله

الكلمة المتلفزة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله 14-11-2015

الكلمة المتلفزة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله

السبت 14-11-2015

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ صدق الله العلي العظيم. 

حديث الليلة يرتبط كاملاً بالعملية الإرهابية المزدوجة التي حصلت قبل أيام في منطقة برج البراجنة وأدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى.

لكن اسمحو لي في البداية، ونظراً لما حصل ليلة أمس، أن أعبّر عن إدانتنا، إدانة حزب الله، وعن استنكارنا الشديدين للهجمات الإرهابية التي شنّها مجرمو داعش في باريس، في فرنسا، وما ارتكبوه من جرائم قتل وترويع وإرهاب. إنّ شعوب منطقتنا الواقعة تحت زلزال وحشية داعش في أكثر من بلد عربي وإسلامي ومنها لبنان الذي عانى قبل أيام ما عانى، هم الأكثر إدراكاً وإحساساً بالمصاب الأليم الذي أصاب الشعب الفرنسي في الليلة الماضية. إننا نعبر عن مواساتنا وتضامننا الإنساني، العاطفي والأخلاقي مع كل هؤلاء الأبرياء الذين تجتاحهم الإدارة المتوحشة لداعش ومجرمي داعش.

أعود إلى حديثنا الأصلي. 

أولاً: أتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يشمل جميع هؤلاء الشهداء المظلومين برحمته ومغفرته ورضوانه وكرمه ولطفه، وأن يمنّ ـ عز وجل ـ على كل الجرحى الذين ما زالوا في المستشفيات أو خرجوا منها وما زالوا يعانون من جراحهم، أن يمنّ عليهم بالشفاء العاجل وبالعافية وبالصحة والسلامة وطول العمر. 

وأيضاً أتوجه إلى عوائل الشهداء الكرام، هذه العائلات الشريفة المظلومة، الممتحنة الصابرة المحتسبة، أتوجه إليهم بالعزاء ومشاعر المواساة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليهم بالصبر والسلوان والثبات، وهم أهل لذلك، وقد عبّروا عن ذلك، وأن يجزيهم أحسن ثواب الصابرين الذين بشّرهم الله سبحانه تعالى في الآيات التي تلوتها قبل قليل. 

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن على الجميع الذين أصابهم هذا الألم وهذا المصاب وهذا الحزن بالثبات والصبر والتماسك وتجاوز هذه المحنة بما فيه لله عز وجل رضىً، وبما فيه خير الدنيا والآخرة إن شاء الله.

ثانياً: التوجه بالشكر، أتوجه بالشكر إلى كل الأشخاص الذين ساعدوا منذ اللحظات الأولى في إدارة الموقف الميداني، في إنقاذ الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات، في معالجة أي طارئ كان يحصل، بالخصوص الجمعيات، جمعيات وهيئات الإسعاف والدفاع المدني والإطفائية، الشكر للمستشفيات التي احتضنت الشهداء والجرحى وبذلت جهوداً جبارة في الحقيقة منذ اللحظات الأولى، إدارةً وأطباء وممرضين وممرضات، الشكر للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والقضائية على حضورها المباشر والسريع وتحملها المسؤولية، الشكر لجميع وسائل الإعلام والعاملين فيها الذين واكبوا هذا الحدث المؤلم وبشكل لائق ومسؤول، الشكر لكل الدول والحكومات والأحزاب والتيارات السياسية والمرجعيات الدينية في العالم، في العالم العربي والإسلامي وفي العالم كله والمؤسسات الدولية والإقليمية التي أدانت هذه الجريمة وتعاطفت مع لبنان وشعب لبنان في هذا المصاب. كذلك الشكر لكل المسؤولين في لبنان، لكل المسؤولين والقيادات والأحزاب والمرجعيات والجهات الرسمية والدينية والشعبية في لبنان التي تضامنت وأجمعت على استنكار وإدانة هذا الإجرام وتعاطفت بالموقع الإنساني والأخلاقي والوطني مع أهالي الشهداء والجرحى والمصابين، مع أهل الضاحية ومع كل الذين شعروا أنهم أصيبوا من خلال هذا الحدث. 

لا بد من تثمين وتقدير كل هذه المواقف الإيجابية والطيبة والإنسانية التي رأيناها وسمعناها من الجميع، وبالتأكيد هذا من أفضل أشكال المواساة لعوائل الشهداء والجرحى والأهل الكرام خصوصاً في برج البراجنة وفي الضاحية الجنوبية وفي كل المناطق التي ينتمي إليها هؤلاء الشهداء والجرحى.

ثالثاً: لا بد أن نتوقف طويلاً عند الأبعاد الإنسانية التي رافقت هذه الحادثة من خلال ملاحقة قصص وروايات الفداء والتضحية والثبات وتحمل المسؤولية لدى الناس والصبر على المصيبة عند عائلات فقدت أعزاءها وأيتام فقدوا الآباء أو الأمهات أو الأبوين، وعند بطولات من أمثال بطل مقدام ضحى بنفسه ليحمي أكبر عدد من الناس، هو الشهيد عادل ترمس، أو الذي غادر منزله مسرعاً إلى موقع الحادث لينقذ الجرحى، الشهيد المسعف خضر علاء الدين، وسيظهر مع الأيام أسماء وأحداث تعبّر عن أصالة وعن عميق إيمان وشجاعة وبطولات هؤلاء الناس الأطهار. 

أيضاً ما بعد الحادثة مما عبر عنه الناس وبالخصوص عوائل الشهداء والجرحى أنفسهم، عن مواقف واستعملوه من تعابير وأدبيات كلها تكشف هذا المضمون الإيماني والعقائدي والإنساني والجهادي الرفيع لهؤلاء الناس، الذين يواجهون المصيبة بـ "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، بالتمسك بإيمانهم، بعقيدتهم، بخطهم، بمقاومتهم، بموقفهم، لا يتزعزعون ولا يتزحزحون، ولا يعبّرون عن ندم أو تراجع أو خوف أو قلق، بل عن يقين بما مضى إليه الشهداء وبما سنمضي إليه من خلال طريقنا وخطنا.

الشكر لكل عوائل الشهداء والجرحى الذين أعطوا الرد الحقيقي والحاسم على هؤلاء المجرمين القتلة الإرهابيين.

رابعاً: في الوقائع، حتى الآن أصبحت الصورة واضحة بنسبة كبيرة جداً لدى الأجهزة الأمنية الرسمية وأيضاً الجهات الأمنية المعنية في المقاومة. 

أنا وإن كنت قد اطلعت على نتائج كل الجهود وما تم التوصل إليه، يعني حتى الآن، ولكن لن أبادر إلى الحديث عن كل هذه التفاصيل والحقائق والأسماء ونتائج الجهود المباركة التي قامت بها هذه الأجهزة الأمنية. سأترك هذا، وبشكل طبيعي يجب أن يكون هذا متروكاً للمسؤولين في الدولة، هم الذين يشرحون هذه الأمور للناس بما تقتضيه المصلحة الأمنية ومصلحة متابعة التحقيقات، ولكن أنا فقط سأشير إلى بعض النقاط التي ترتبط بالموضوعات التي أود أن أتحدث عنها في هذه الليلة.

ـ من المحسوم مسؤولية، أصبح من المحسوم مسؤولية داعش المجرمة المتوحشة عن هذه العملية. هذه العملية نفذتها شبكات تابعة لداعش، وأيضاً داعش تبنت التفجيرات رسمياً، والمعتقلون الآن لدى الأجهزة الأمنية اعترفوا أيضاً بارتباطهم بداعش وتلقيهم الأوامر والتوجيهات من داع. 

ـ من الواضح هنا يوجد انتحاريان، لا يوجد انتحاري ثالث أو رابع، لم يعتقل انتحاري كما أشيع في وسائل الإعلام، والمؤكد حتى الآن هو وجود انتحاريين. 

الأسماء التي ذكرت في وسائل الإعلام في ذلك اليوم أو تم تسريبها من نفس داعش ـ أو جهات أخرى لا أعلم ـ هي أسماء أيضاً ثبت أنها غير صحيحة على الإطلاق.

والإسمان الفلسطينيان أيضاً، لا علاقة لهذين الإسمين بالإنتحاريين في هذه العملية.

حتى الآن تم تحديد هوية أحد الإنتحاريين بشكل كامل، وهو سوري الجنسية.

الإنتحاري الآخر، وصلوا إلى الكنية أو اللقب الذي له، ولكن لم يحدد إسمه وهويته بشكل قاطع، وإن كانت المؤشرات والقرائن أيضاً تشير إلى أنه سوري الجنسية.

الخبر الأهم وهو أيضاً ما أُعلن قبل قليل، أنه تم إلقاء القبض من قبل الأجهزة الأمنية (على أشخاص)، وبالتحديد من قبل فرع المعلومات وأيضاً من قبل الأمن العام، يعني الآن يوجد موقوفون لدى فرع المعلومات، ويوجد موقوفون لدى الأمن العام، لهم علاقة بهذه العملية الإرهابية. 

لكن ما عرفته حتى الآن أن الشبكة الأصلية ومدراء هذه الشبكة والعناصر الأساسية في هذه الشبكة أصبحوا الآن في قبضة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وأهمية هؤلاء الذين تم إعتقالهم، أنهم هم الذين أداروا هذه العملية، هم شبكة مكتملة على مستوى الإدارة وعلى المستوى اللوجستي وعلى مستوى تقديم التسهيلات، استطلاع الهدف والأهداف الأخرى، وهذا الإنجاز الذي سوف أعلق عليه بعد قليل، هو ليس فقط كشف حقيقة ما جرى قبل أيام وبهذه السرعة الكبيرة، بل قطع الطريق ـ بحمدالله عز وجل ـ على جرائم وعمليات مشابهة كان يعدّ لها في الأيام والأسابيع المقبلة.

حتى اللحظة من بين المعتقلين والأسماء لا يوجد أي فلسطيني، حتى اللحظة، فيما بعد يعتقلون فلسطينياً أو أكثر لا أعلم، فلنتكلم حتى هذه اللحظة، المعتقلون سوريون ولبنانيون، الذين لهم علاقة بهذه الشبكة. 

استفادت الشبكة من شقق متعددة في بعض المناطق في بيروت، وأيضاً من شقة داخل مخيم برج البراجنة. لكن هذه الشقة استأجرها سوري، وكان يسكن فيها ويستقبل السوريين الذين لهم علاقة بهذه الشبكة، هذه الشقة اليوم تمت مداهمتها أيضاً من قبل قوى الأمن اللبنانية وبتعاون كامل من قبل الجهات المعنية في المخيم، وأنا أؤكد على هذه النقطة، وبتعاون كامل من قبل الجهات المعنية في المخيم.

هذا إنجاز كبير يسجل للأجهزة الأمنية الرسمية ونسجّل تفاعلها الكبير ومتابعتها الحثيثة للحدث والتعاون الطيب مع أمن المقاومة والجهات الأمنية المعنية في المقاومة. ولأننا ـ كما قلت في يوم الشهيد ـ نعترف لأهل الفضل بالفضل، يجب أن أوجه الشكر لهذه الأجهزة الأمنية، سواء فرع المعلومات أو الأمن العام أو مخابرات الجيش اللبناني، ولكن يجب أن نخص بالشكر فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي على الجهد المكثف والعمل المحترف والنتائج السريعة التي تم التوصل إليها.

خامساً: من أجل المستقبل والأيام الآتية، وفي مواجهة هذا النوع من الإرهاب التكفيري وغيره، يجب أن نعمل سوياً كما واجهنا مرحلة السيارات المفخخة. 

الفكرة الأساسية التي تم العمل عليها سابقاً في مواجهة السيارات المفخخة، أن لا يكفي أن تقوم بالإجراءات الإحترازية، تعمل حواجز وتفتش السيارات، وما شاكل...، وإنما يجب أن تذهب لتكتشف، وتذهب إلى القواعد الخلفية وإلى حيث يتم تخفيف السيارات وإلى الإدارة وإلى المفخخين، وإلى الناقلين وإلى شبكات التنفيذ، وإلى الخطوط اللوجستية، وتقوم بضرب هذه القواعد وبتفكيك هذه الشبكات. 

هذا الذي اتبع من قبل الدولة اللبنانية، أي الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والمقاومة على مستوى المواجهة، وموجة السيارات المفخخة التي ـ بحمد الله عز وجل ـ توقفت لأشهر طويلة، من خلال المواجهات العسكرية في القلمون وجرود عرسال، حيث تم القضاء على العدد الأكبر من قواعد ومصانع تفخيخ السيارات وتفكيك الكثير من هذه الشبكات، إما بعضهم قُتل وبعضهم هاجر وبعضهم أعتقل، أو من خلال ما قامت به الأجهزة الأمنية اللبنانية من كشفٍ لهذه الشبكات، طبعاً كان الدور المميز هنا لمخابرات الجيش اللبناني، وأيضاً ساهمت الأجهزة الأخرى بذلك، فتفكيك الشبكات واعتقال الرؤوس المدبرة والمسهّلة والناقلة، إضافة إلى الحواجز والإجراءات الإحترازية في أغلب المناطق المستهدفة أدى بحمد الله إلى تحقيق هذا الإنجاز. 

اليوم نحن أمام هذا النمط، وهو ليس نمطاً جديداً في كل العالم، هذا النمط الذي يستخدم الآن من قبل داعش ومن قبل جماعات تكفيرية، هذا النمط هو الذي استخدم طوال ليلة أمس في باريس، وهم يلجأون إلى هذا الأسلوب عندما يعجزون عن إيصال الشاحنات أو السيارات. هم يفضلون إيصال الشاحنات والسيارات لأنهم يريدون أعلى قدر ممكن من القتل والجرح والتدمير والإرهاب، وإثارة الرعب عند الناس، ولكن عندما يفشلون بذلك يلجأون إلى الإنتحاريين الذين يرتدون الأحزمة الناسفة. 

هذه الموجة الجديدة أيضاً يجب أن تواجه بنفس العقلية والطريقة والإستراتيجية التي اتبعت في مواجهة السيارات المفخخة، يعني أن نذهب إلى الأصول وإلى الجذور وإلى القواعد وإلى الرؤوس وإلى الشبكات لنقوم جميعاً بتفكيكها، ويجب أن نذهب إلى حيث الإدارة والقيادة وإلى أقرب مكان في هذه الإدارة والقيادة، التي ترسل هذه المجموعات وهذه الشبكات لتنفيذ عملياتها الإرهابية في لبنان. طبعاً الله سبحانه وتعالى، بسبب جهود الأجهزة الأمنية، نجّى الشمال وخصوصاً جبل محسن من عمليات مشابهة قبل أيام.

اليوم نحن نحتاج أيضاً إلى هذا الأسلوب، ما حصل في خلال الأيام القليلة الماضية من اعتقالات وتوقيفات ومتابعة في الحقيقة يأتي في سياق هذه الإستراتيجية أيضاً بالتحديد.

سادساً: تعطيل الأهداف: دائماً عندما يقوم أي عدو بعدوان على شعب أو على منطقة أو على بلد هو يريد ان يحقق هدفاً أو مجموعة أهداف، أو عندما تنفذ عملية إرهابية أيضاً تجاه بلد أو شعب أو جماعة أو منطقة، يكون لها هدف أو مجموعة أهداف. 

من يُقتل في الحرب أو من يُقتل بنتيجة العملية الإرهابية هو شهيد، شهيد في سبيل الله وشهيد في سبيل وطنه وفي سبيل شعبه، ويدفع ثمن هذا العدوان، وهؤلاء الشهداء لهم مكانتهم ومقامهم ودرجتهم عند الله سبحانه وتعالى، بل أصبحت حياتهم حياة حقيقية، ونحن الموجودون في هذه الدنيا لا نستطيع مهما فعلنا أن نعيدهم إلى الحياة في الدنيا. 

لذلك في مقابل الشهداء، ليس لدينا سوى الصبر والتحمل والإحتساب والتسليم لمشيئة الله سبحانه وتعالى، لكن في مقابل الأهداف التي يسعى إليها هؤلاء المعتدون، يجب أن نتحمل المسؤولية، بمعنى أنه لا يجوز أن نسمح بتحقيق أهداف العدوان، أو أهداف الإرهاب. 

إذا سمحنا نتيجة وهنٍ أو ضعف أو تشردم أو إنقسام في تحقيق أي من هذه الأهداف، هنا في الحقيقة تكون الإساءة للشهداء والجرحى وللمواقف الشريفة، لكل هؤلاء الناس الصابرين والثابتين. ولذلك يجب علينا في مواجهة العدوان الإسرائيلي أو التكفيري أو أي شكل من أشكال الإرهاب، أن نحدد الأهداف المفترضة أو المرجوّة لهذا العدو أو لهذا المجرم أو لهذا القاتل، ونعمل على إحباطها وإفشالها.


في هذا السياق، عندما نأتي إلى التفجيرات الإرهابية الانتحارية في برج البراجنة، ما تم الحديث عنه أو يمكن ان يطرح من أهداف، وهذا كان واضحاً:

الهدف الأول: إحداث فتنة في لبنان على أكثر من صعيد. عندما حصلت التفجيرات كان هناك عدد كبير من الشهداء، نتيجة طبيعة المكان وضيق الشارع والسوق واكتظاظ شعبي والساعة التي حدث فيها، ساعة انتهاء من الصلاة وخروج المصلين من المساجد وما شاكل. هناك عدد كبير من الشهداء، طبعاً هم كانوا ـ بحسب التحقيقات ـ يعدّون لما هو أخطر وأكبر مما حصل، حتى ما حصل دفع الله سبحانه وتعالى عنده بلاءً أعظم. فالتسريب السريع الذي حصل، إن من داعش أو من جهات أخرى، قد تكون جهات إسرائيلية ـ الله أعلم ـ أو جهات مخابرتية معينة لأسماء مفترضة للانتحاريين وذكروا اسمين فلسطينيين واسم سوري ـ واضح أنه كان الهدف من خلال هذه المسارعة هو إحداث فتنة، بالدرجة الأولى إحداث فتنة مع الفلسطينيين، بين اللبنانيين والفلسطينيين، وبالتحديد بين أهل الضاحية ومخيم برج البراجنة الفلسطيني، لأن المخيم ملاصق للشارع الذي حصلت فيه هذه الجريمة الكبيرة ولاحقاً أيضا المخيمات الفلسطينية التي تعيش بين أهلنا في الجنوب أو أهلنا في البقاع. هؤلاء الشهداء الذين سينقلون إلى الجنوب وسينقلون إلى البقاع كان يفترض أن يتوقع منهم ـ بحسب هذه العقلية المتوحشة ـ ردات فعل تجاه الفلسطينيين، على قاعدة تحميل مخيم برج البراجنة والفلسطينيين المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة.

هذا الذي كان بالحقيقة مقصوداً، وعُمل له بشكل واضح من خلال الاستفادة من طبيعة المكان، الجوار، المخيم الملاصق للشارع الذي حصل فيه الانفجار.

ثانياً: القول إن الانتحاريين هما فلسطينيان.

ثالثاً: لوحظ أن هناك أناساً دخلوا على خط مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة، وهناك ناس أيضاً "مش معروفين" ومجهولون ـ وتعرفون على كل حال مواقع التواصل الاجتماعي، "مين ما كان يستطيع أن يختار اسماً أو عنواناً ويتحدث بما يريد والناس تتفاعل معه ـ عملوا على تحميل المسؤولية بشكل سريع لمخيم برج البراجنة، وصعّدوا التحريض على الفلسطينيين وصولاً للدعوات التي صدرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة المخيم وضرب المخيم وقصف المخيم وما شاكل. هذا كله يؤكد أنه ما كان يعدّ من أهداف هذين التفجيرين هو الدفع باتجاه فتنة مع الإخوة الفلسطينيين. أيضا لما تمّ تسريب اسم السوري بشكل سريع، أيضاَ من أجل الدفع باتجاه القيام بحالة عاطفية أو انفعالية أو غاضبة للنيل من النازحين السوريين، بالحد الأدنى في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع، وهذا أيضا كان سيؤدي إلى مواقف سيئة وبشعة لو حصل ذلك وحصل الانسياق. 

بحمد الله عز وجل، نستطيع أن نقول إنه ببركة الوعي العام عند هذا الجمهور وهذه البيئة والشعب اللبناني عموماً ـ لكن هذا الجمهور وهذه البيئة التي استهدفت بالقتل وبالخصوص عند عوائل الشهداء والجرحى، هذه الانضباطية، روح المسؤولية هذه عند أهلنا وشعبنا ـ فوّتت هذا الهدف وهذه الفرصة وهذه الفتنة أيضاً. ويجب دائماً الإشادة بالوعي وبالانضباط وبالتصرف المسؤول والفهم لهذا الأمر. 

أيضاً المواقف المنددة والحازمة التي صدرت عن إخواننا الفلسطينيين، سواء الفصائل الفلسطينية، القيادات الفلسطينية على اختلاف اتجهاتها، كلها بدون استثناء أصدرت مواقف حاسمة وقاطعة، أيضاً أهالي المخيمات والنخب والأطر الشعبية والمدنية في المخيمات، أيضا ساعدت على هذا.

في هذا السياق يجب أن أؤكد على ما يلي، من أجل ما حصل ومن أجل ما يمكن أن يحصل في المستقبل.

1ـ دائما يجب أن يكون في بالنا هنا ـ أقول للبنانيين والفلسطينيين والسوريين، لكل المتواجدين على الأرض اللبنانية، ولكن أخص بالذكر اللبنانيين، وبالأخص بيئة وجمهور المقاومة ـ يجب أن يكون في بالنا وفي وعينا وفي ثقافتنا أن الإسرائيلي وأن التكفيري معه، كلاهما يريدان إحداث فتنة وحرب أهلية في لبنان. الحرب الأهلية في لبنان بين من ومن، بمعزل عن من ومن، تخدم إسرائيل وأهداف إسرائيل بشكل قاطع، وتخدم أهداف داعش وكل التكفيريين والجماعات التكفيرية في المنطقة، لأن هذا مشروعهم: تدمير البلاد، تدمير المجتمعات، تدمير الجيوش، تدمير الأوطان، هذا ما يقومون به.

الانجاز اللبناني أنه تم صيانة لبنان والداخل اللبناني من الذهاب والانحدار إلى هذه الهاوية. هم يصرون على دفع لبنان إلى هذه الهاوية. هذا يجب أن يكون حاضراً مهما كانت جراحنا، مهما كانت آلامنا، أيّاً تكن تحليلاتنا، أيّا تكن الوقائع التي قد تظهر أمامنا، يجب أن نتصرف بهذا الوعي وبهذه الثقة.

أي موقع مؤهل أكثر من غيره إذا أرادوا أخذ البلد إلى مشكل؟ لدينا مع الفلسطينيين، بيننا وبين الفلسطينيين. 

أنا ذكرت قبل أيام في جلسة مؤتمر علمائي لدعم انتفاضة القدس وقلت في ذلك الحين إن هناك شغلاً أمريكياً إسرائيلياً، وأيضاً بعض الأنظمة العربية وبعض الإعلام العربي والاعلام الأجنبي على تحويل الشعب الفلسيطيني إلى عدو، مثلما يعملون لجعل إيران عدواً، ويودون جعل الشعب الفلسطيني عدواً للبنانيين، عدواً للسورييين، للأردنيين، للمصريين، للعراقيين، للكويتيين، وهكذا ونجحوا بنسب مئوية معينة.

ما حدث قبل عدة أيام هو في هذا السياق. نحن عدونا من يقتلنا، من يفجّر نفسه فينا، هو الفلسطيني، هو الشعب الفلسطيني. 

هنا توجد مغالطة كبيرة جداً وخطيرة جداً. لنفترض أنه سيظهر انه لا يوجد فلسطينيون، لكن سابقاً بالعمليات الانتحارية السابقة كان هناك فلسطينيون. لنفترض أن هناك فلسطينياً أو مجموعة من أشخاص فلسطينيين متورطون مع هذه الشبكات، مع داعش، مع القاعدة، مع النصرة، مع الجماعات التكفيرية. لا يوجد لا منطق ديني ولا منطق سياسي ولا منطق أخلاقي ولا منطق إنساني أن يأتي أحدنا ويحمّل الشعب الفلسطيني أو المخيمات الفلسطينية المسؤولية عن هذه الجريمة. هنا يجب علينا أن نتحدث بكلام مسؤولية. 

أنا أعرف في هذه اللحظات، ربما بعض العواطف الجياشة، بعض الناس الغاضبين يقولون: السيد ماذا يقول؟ لكن نحن عندنا يوم قيامة وفي الدنيا هناك مسؤولية تاريخية ومسؤولية دينية ومسؤولية أخلاقية وقومية ووطنية ويجب أن نتعالى على جراحنا ونتكلم بمسؤولية ونتصرف بمسؤولية.

إذاً حذرنا منه خلال كل المحنة السابقة، وأنا أسجل من جديد لجمهورنا ولبيئاتنا ولناسنا واللبنانيين عموماً، لكن لهؤلاء الذين تألموا بكل العمليات الانتحارية السابقة والتي شارك فيها فلسطينيون للأسف، كان دائما التصرف هو تصرف إنساني وعقلائي وأخلاقي ومسؤول، وهكذا كان في التجربة الأخيرة، وهكذا يجب أن يكون في مواجهة أي حادثة من هذا النوع في المستقبل.

طبعاً، للإخوة الفلسطينيين في المخيمات، لنتحدث أيضاَ بسمؤولية من الجهة الأخرى، خصوصاً الفصائل الكريمة، هم معنيون بالمساعدة ما أمكن على ضبط وضع المخيمات ومراقبة العناصر التكفيرية، وخصوصا الوافدة، يمكن أن يأتي إلى المخيمات سوريون، أو من جنسيات عربية أخرى، ويجدوا في المخيم ملاذاَ، يستأجر شقة كما فعلوا، يجلس فيها، يأتي إليه رفاقه، ينطلق منها. الفصائل تتحمل مسؤولية بالدرجة الأولى، لأن الأجهزة الأمنية اللبنانية أو الجيش اللبناني لا يدخلون عادة إلى المخيمات. الفصائل، أهل المخيمات هم أهلنا وإخواننا وشعبنا وجيراننا وأحباؤنا، وقضيتهم هي قضيتنا، نحن وهم قدمنا خلال عشرت السنين في الصراع مع هذا العدو الإسرائيلي الاحتلالي الاستطاني المتوحش، آلاف الشهداء وعشرات آلاف الشهداء ومعاناتنا واحدة، آلامنا واحدة، معركتنا واحدة. 

أنا أوجه الليلة خطابي لكل أهل المخيمات الفلسطينية في لبنان، للرجال للناس، للكبار، للصغار، للنخب، للمسؤولين أن عليهم أيضاً أن يساعدوا في منع أن يتحول بيت ما أو حي ما أو مكان ما في المخيم إلى قاعدة ينطلق منها هؤلاء المتوحشون وهؤلاء الانتحاريون الذين يسيئون إلينا جميعاَ، يسيئون إلى ديننا، إلى إسلامنا، إلى نبينا، ويسيئون كثيرا إلى القضية المقدسة، القضية الفلسطينية وإلى الشعب الفلسطيني.

طبعا في هذا الإطار، يعني عندما تسلط الأضواء على المخيمات، أيضاً من الواجب مطالبة الدولة اللبنانية بمساعدة الفصائل ومساعدة أهل المخيمات من خلال مقاربة منصفة وحقيقيةعلى المستوى الإنساني الإنمائي والحقوق الطبيعية للاجئين الفلسطينيين وعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية، يعني ان نساعد الفصائل الفلسطينية وأهلنا في المخيمات على القضاء على أي أرضية قد تساعد على نشوء غرهابيين او قيام إرهابيين وتكفيريين من هذا النوع. 

كل ما قلته قبل قليل فيما يعلق بالفلسطينيين ينطبق أيضاً على إخواننا السوريين النازحين في لبنان. هنا أيضاً أتكلم من موقع المسؤولية الدينية والوطنية والإنسانية والأخلاقية والجهادية، عندما يحصل أي حادث، حتى لو تبين لاحقاً أو كنا نحتمل أثناء الحادث أن منفذه سوري، هذا لا يعطي لأحد على الغطلاق الحق أو الإجازة بأن يتعرض للنازحين السوريين. طبعا التجربة الأخيرة بدرجة عالية جداً كانت أيضاً تجربة منضبطة واخلاقية وعلى درجة عالية من روح المسؤولية. لكن أنا أريد أن أؤكد على هذا المعنى. هؤلاء السوريون النازحون الموجودون عندنا في لبنان، كثير منهم أساساً هم يؤيدون خطنا السياسي ويؤيدون المقاومة ويؤيدون المحور والجبهة التي نحن فيها، وأيضا كثير منهم قد لا يكونون معنيين بكل هذه المعركة القائمة، وهم لا يؤيدون داعش وجبهة النصرة والتكفيريين، قد لا يؤيدون النظام لكن قد لا يؤيدون أيضاً أداء هذه الجماعات المتوحشة، قد يكون كثير من هؤلاء أصلاً غير معنيين بكل الصراع، من قريب أو بعيد، إنما نزحوا أو لجأوا إلى لبنان من أجل الحفاظ على أنفسهم او على عائلاتهم أو على أطفالهم. 

نعم بالتاكيد، قد يكون من بين هؤلاء النازحين من يؤيدون الجماعات التكفيرية أو جماعات المعارضة المسلحة، نحن لا نستطيع ان نأخذ كل النازحين السوريين بجريرة جماعة قد يكون لها موقف أو قد تكون متعاونة أو ما شاكل. 

هذا الموقف الديني، الموقف الشرعي، الموقف الاخلاقي الإنساني الوطني يفترض منا ذلك، وأنا أعرف أن هذه البيئة وأن هذا الجمهور بدرجة كبيرة جداً والحمد لله قد ترسخت لديه هذه الثقافة وهذا الوعي بشكل قوي وحاضر. 

لكن أيضاً كما تحدثنا مع الإخوة الفلسطينيين، أخاطب الإخوة النازحين السوريين على امتداد الأراضي اللبنانية وأقول لهم: أيّاً يكن موقفكم السياسي، مع النظام، ضد النظام، مع المعارضة، ضد المعارضة، لكن وجودكم في لبنان ومصلحتكم ومصلحة الشعب اللبناني ومصلحة لبنان ومصلحتنا جميعاً أن لا تسمحوا لاي من هذه الجماعات أن تستغل موقفكم أو تعاطفكم أو تواجدكم أو بيوتكم أو حضوركم لتتحول إلى قاعدة انطلاق أو تنفيذ عمليات إرهابية أو إجرامية من هذا النوع، وأدعو كل النازحين إلى التعاون مع الجيش اللبناني ومع الأجهزة الأمنية اللبنانية ومع بقية فئات الشعب اللبناني عندما تتوفر لديهم أي شبهة أو أي ملاحظة يمكن ان يدفعوا بها خطراً عن اللبنانيين أو عن السوريين وعن الفلسطينيين وعن كل الذين يمكن أن يستهدفوا. بالأمس في برج البراجنة هناك شهداء وجرحى فلسطينيون، هناك شهداء وجرحى سوريون، هذا الإرهاب الذي يقتل الآن هو إرهاب اعمى ولا يميّز ولا يفصل، بل يشرّع أن يقتل جماعته ومن ينتمي إليه ويجد لذلك التبريرات الفقهية والقانونية المعينة. 

كذلك لو تبين ـ أعود وأخاطب اللبنانيين وجمهور المقاومة بالتحديد ـ لو تبين أنه في هذه الشبكات يوجد لبنانيون ينتمون إلى طائفة لبنانية معينة كما هو بالفعل هو ينتمي إلى الطائفة الإسلامية السنيّة الكريمة في لبنان. في العمليات السابقة اعتقل رجال ونساء ينتمون إلى الطائفة السنية وهم لبنانيون ومتورطون في عمليات تفجير، أيضاً هذه الشبكة التي تم اعتقالها الآن بينهم لبنانيون ينتمون إلى الطائفة الإسلامية السنية الكريمة، هذا لا يعني على الإطلاق أن يأتي أحد ومن موقع الانفعال أو الغضب ليحمّل هذه الطائفة الكريمة أي مسؤولية أو يتهمها، هذ الطائفة منزهة عن هذه الجريمة وعن هذا الاتهام، وعلماؤها وزعماؤها وقادتها وأحزابها وأهلها وناسها، كلهم كان لهم موقف الإدانة والاستنكار والتضامن والتعاطف، هؤلاء يريدون من خلال هذا الاستخدام وهذا التوظيف أن يدفعوا إلى فتنة سنية شيعية في لبنان، يعني قبل قليل عندما كنت أقول، يعني القتال كان يتحضر بين من ومن؟ بيننا وبين الفلسطينيين، بيننا وبين النازحين السوريين، بين الشيعة وبين السنة في لبنان، من خلال استخدام فلسطينيين أو سوريين أو لبنانيين سنة. 

نحن جميعاً، في كل المناطق اللبنانية، الذين استهدفنا أو قد نستهدف بهذا النوع من العمليات الإجرامية يجب أن نكون حذرين من الخطاب الطائفي ومن إثارة المشاعر الطائفية والمذهبية، لأنّ هذا يخدم العدو ويحقق هدفه ولا يخدم مصلحة اللبنانيين والشعب اللبناني ولا الضيوف عندنا في لبنان من فلسطينيين وسوريين وغيرهم ويؤذي بالتأكيد أرواح الشهداء. 

توصية أخيرة في سياق هذا الهدف أيضاً، لكل الإخوة والأخوات، الشباب، الصبايا، خصوصاً المتواجدين على مواقع التواصل الاجتماعي: أنا يجب أن ألفتهم وأن أحذرهم وأن أنبههم دائماً: هناك من يدخل على الخط ويفتعل مشكل من أصغر قضية، اليوم تحصل قصة يحولونها إلى مشكل، بحولونها مسلم مسيحي، تحدث قصة يحولونها سنة شيعة، تصبح قصة يحولونها امل حزب الله. يجب على كل الذين يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي او يكتبون جملاً على هذه المواقع أن يكونوا حذرين جداً، وأن يعرفوا أن هذه ساحة متابعة، وهذه تؤدي إلى أحقاد ومشاكل وتفتعل توترات، ليس فقط التلفزيون والإذاعة والخطابات والمواقف العلنية. يجب أن يتصرفوا بمسؤولية، أن يكتبوا بمسؤولية، وأن يواجهوا بمسؤولية، وأن لا يسمحوا رغم الغضب والجراح والآلام بتسلل أي أحد يريد أن يقدم خدمات لإسرائيل أو للتكفيريين على المستوى اللبناني. 

الهدف الثاني المفترض يمكن لهذا النوع من الاعمال، هو الضغط على المقاومة وعلى حزب الله بالتحديد كما يقولون هم أو يدعون للانسحاب من المعركة مع المشروع التكفيري خصوصاً مع داعش في سورية أو في غير سوريا. على كلٍّ، في مواجهة هذا الهدف أيضاً هم يعلمون أن هذا النوع من التكفير والقتل لن يكون مفيداً على الإطلاق، بل كانت وستكون له نتائج عكسية. بعد تفجير الرويس، انا قلت إننا سنزداد حضوراً في هذه المعركة، وسوف نزداد جدية في هذه المعركة، وهذا هو الذي حصل منذ تفجير الرويس إلى اليوم.

اليوم أيضاً أريد أن أقول: نعم، هذا سيكون له نتائج عكسية، إذا كانوا يفترضون أن قتل رجالنا ونسائنا واطفالنا وهدم بيوتنا وحرق أسواقنا وما فعلوه قبل أيام يمكن أن يزعزع أو يضعف الإرادة أو العزم و يجعلنا نغيّر في موقفنا أو في رؤيتنا أو في بصيرتنا، هم مشتبهون تماماً، بل هذا سيزيدنا عزماً وإصراراً. 

وأنا اقول لكم اليوم، نحن في هذه الجبهات، خصوصا في سورية، قاتلنا داعش وغير داعش في اكثر من جبهة، لكن بعد هذه العملية نحن سوف نذهب ونفتش عن جبهات مفتوحة مع داعش ليكون حضورنا فيها اقوى واشد، لان هذا معنى الوفاء للشهداء الذين سقطوا في برج البراجنة، هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق بهذه الوسيلة الاجرامية. 

في كل الأحوال في ختام هذه النقطة وقبل ان أختم بالنقطة الاخيرة أود أن أقول لكل الناس الذين يتابعون الأحداث في لبنان وفي المنطقة وفي العالم: داعش هذه بالتحديد، كل الجماعات التكفيرية، لكن داعش هذه بالتحديد، هذه لا مستقبل لها، هذه لها عمر قصير جداً، لا مستقبل لها لا في الحرب ولا في السلم، لأنها هي مشروعها مشروع قتل وموت ودمار، ليس عندها برنامج، لا لدولة ولا لحياة ولا لتعايش ولا للاعتراف بالآخر ولا لقبول الآخر. ليس عندها، حتى في داخل فكرها التكفيري، حتى في داخل جماعتها التكفيرية، هي تملك عناصر التدمير الذاتي، وهذا ما نسمعه من أخبار يومياً تحصل فيما بينهم. 

داعش في الحرب الآن تخسر المزيد من الأراضي، خسرت في العرق، خسرت محافظة ديالى، محافظة ضخمة أكبر من لبنان بمرات عديدة كانت تحت سيطرة داعش وبجهود وتضحيات القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي والعشائر العراقية والشعب العراقي، أخرجوهم من محافظة ديالى، أخرجوهم من محافظة صلاح الدين وهي محافظة أيضاً أكبر من مساحة لبنان، والآن القتال في الأنبار. بالأمس القوات الكردية أخرجت داعش من مدينة سنجار ومن عدد من القرى في قضاء سنجار. 

إذاً في العراق داعش إلى انحسار. في سوريا أيضاً داعش خسرت الكثير من المواقع وسوف تكون إلى مزيد من الانحسار إن شاء الله في المرحلة المقبلة، على المستوى العسكري في الحرب هذه داعش لا مستقبل لها.

وفي السلم أيضاً داعش لا مستقبل لها، كل الذين دعموها وساندوها وحموها واحتضنوها كانوا يوظفون حماقتها وغباءها لتحقيق أهدافهم، ويوماً بعد يوم هؤلاء يكتشفون أيّ وحش ربّوه في أحضانهم، أي ثعبان أيضاً في حجورهم قاموا بتربيته. في السلم لا مكان لداعش. في التسوية السياسية في فيينا وفي غير فيينا، في العراق، في سوريا، في ليبيا، في اليمن، في مصر، في أي بلد، حتى في أفغانستان، في أي بلد فيه داعش أو من يحمل عنوان داعش لن يكون له مكان في السلم، والذين دعموه وساندوه سيتخلون عنه، هذه داعش لا مستقبل لها، وهذه معركة مآلها إلى الانتصار وإلى إلحاق الهزيمة بداعش ومشروع داعش وأهداف داعش إن شاء الله.

النقطة الأخيرة التي أريد أن أشير لها هي أنه يجب الاستفادة من المناخات الإيجابية التي سادت البلد في الأيام الأخيرة، سواء من خلال التوافقات التي حصلت لعقد الجلسة التشريعية أو الموقف الإنساني والوطني النبيل الذي عبّر عنه الجميع، إلا بعض الصغار التافهين الذين يعيشون على التناقضات، على أثر الحادثة الإرهابية في برج البراجنة. 

هذا الجو الإيجابي، هذا المناخ الإيجابي هذا التعاطف الإنساني والوطني الكبير، يجب أن نحرص جميعاً أن نحافظ عليه أطول مدة ممكنة إذا أمكن، وأنا أدعو أيضاً إلى الاستفادة من هذا المناخ لأجدد الدعوة إلى ما ذكرته قبل التفجيرين الإرهابيين في برج البراجنة، عندما كنت أتحدث في يوم الشهيد، وقلت نحن ندعو إلى تسوية وطنية سياسية شاملة تطال رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة المقبلة وعمل المجلس النيابي وقانون الانتخاب، باعتبار أن قانون الانتخاب هو الخطوة الحقيقية على طريق إعادة تكوين السلطة. وهذا ليس كما قال البعض إنه هو تعبير آخر عن المؤتمر التأسيسي، لا، بهذا الدستور، بهذا النظام، بهذا الطائف، بالآليات الدستورية المعتمدة تفضلوا، فليجلس اللبنانيون وينجزوا اتفاقاً كاملاً على هذه العناوين وعلى هذه البنود، هذا ليس له علاقة. هناك أناس لا أعرف كيف يقرأون وكيف يفهمون عربي. 

في كل الأحوال، أنا أجدد الدعوة إلى هذا الأمر، وبذلك نستطيع أن نتعاون جميعاً لنخرج بلدنا من أجواء الشلل والتعطيل والعجز. في هذه الأجواء القائمة، علينا أن لا ننتظر الخارج الذي سيزداد انشغالاً، مثلاً بالأسابيع والأشهر القليلة الماضية حتى الأوروبيين أو بعض العرب كانوا يعتبرون أن فرنسا قد تستطيع أن تأتي إلى لبنان وتلعب دوراً إيجابياً، وعندها القليل من الوقت، ولكن هذه فرنسا، شاهدتم، هي الآن منشغلة بنفسها وبحالها إلى حد أنه لا يستطيع أن يذهب رئيسها إلى قمة العشرين.

بكل الأحوال، العالم إلى مزيد من الانشغال بمشاكله الدولية والإقليمية والملفات والأزمات القائمة. مجدداً نحن اللبنانيين نستطيع بالإرادة، بالتفاهم، بتدوير الزوايا، بالأخذ والعطاء أن نرجع ونلمّ بلدنا ونعالج مشكلتنا ونحصن بلدنا في مواجهة كل هذه الأعاصير. اللبنانيون الذين لا ينقصهم لا الذكاء ولا العقل ولا الفهم ولا النباهة، ولا الزعماء الذين يستطيعون أن يأخذوا القرارات الصعبة مثل ما ثبت بكثير من المراحل. 

رغم كل الصعوبات الموجودة ببلدنا التي دائماً نتكلم عنها لكن إذا توفرت الإرادة والجدية، نعم نحن نستطيع أن نتغلب على هذا المناخ.

أنا، في نهاية الكلمة، مجدداً أتوجه إلى عوائل الشهداء وإلى الجرحى وإلى المصابين وإلى الذين تأثرت بيوتهم أو محلاتهم ولحق بها أضرار كبيرة وصبروا وثبتوا، لكل ما صبرتم عليه ولكل ما قلتموه وعبرتم عنه من مواقف ومن روحية عالية ومن ثبات ومن إخلاص ومن وفاء، وهذا هو المتوقع منكم وأنتم الخارجون قبل أيام من أجواء كربلاء، أنتم الذين دائماً كنتم مع الحسين وزينب، هذا هو كان المتوقع وهذا ما سمعنا وما رأينا. اللسان عاجز عن توجيه الشكر لإخلاصكم ووفائكم ومحبتكم وثباتكم، وإن شاء الله سبحانه وتعالى هذه الدماء وهذه المواقف لن تكون نتيجتها في الدنيا وفي الآخرة إلى عز الدنيا وعز الآخرة وشرف الدنيا وشرف الآخرة وكرامة الدنيا وكرامة الآخرة. 

رحم الله الشهداء ونسأل الله أن يشافي ويعافي الجرحى ويربط على قلوب الجميع وأن ينتقل بنا إن شاء الله إلى كل المواقع التي نلحق فيها الهزيمة بهؤلاء القتلة والمجرمين والمتوحشين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضيف بتاريخ: 16/11/2015