قراءات في كتاب

وظائف الحرب الناعمة

 

وظائف الحرب الناعمة 



أولاً: معركة كسب الشرعية ونزع الشرعية من وظائف الحــــرب الناعمة
من يقرأ كلام روبرت رايلي مدير إذاعة صوت أميركا التي يقول فيها "أن الطبيعة الحقيقية للصراع اليوم هو صراع المشروعية في عقول وقلوب الناس والرأي العام، وليس صراع القوى العسكرية، أن الحروب تخاض ويتم تحقيق النصر أو الهزيمة فيها في ساحات العقول والقلوب قبل أن تصل إلى ميادين القتال" يتعرف على ماهية المعركة على الشرعية في عالم اليوم.

هذا النص يبرز إحدى أهم وظائف الحرب الناعمة، ويبين طبيعة الصراع الدائر، انه سلاح كسب الشرعية، ونزع الشرعية، لان طبيعة المتغيرات والتحولات في القانون والعلاقات الدولية في الستين عاما الماضية، ورسوخ بعض المبادئ على المستوى الدولي، وخاصة احترام الحد الأدنى لبعض قواعد حقوق الإنسان وقواعد الحرب حسب معاهدات جنيف، ونظرية عدالة الحروب ومبرراتها، والتي أصبح لها مقبولية عالمية، تقف حائلاً يمنع أميركا وإسرائيل وغيرهما من التوغل إلى مالا نهاية في سفك الدماء وأحداث الدمار، وطبعا الاهتمام بالشرعية ازدادت أهميته بعد فشل نظريات القوة الصلبة والحسم العسكري، فلوا أن الحروب نجحت في تدمير الأعداء بسرعة معقولة بنظرهم لما تم الرجوع لا إلى الشرعية ولا إلى القانون الدولي، ولهذا دفعت أميركا ثمنا باهظا من صورتها وسمعتها في حروبها في أفغانستان والعراق، لأنها ذهبت بدون موافقة دولية، ولأنها انكشفت تكذب على المجتمع الدولي حول أسلحة الدمار الشامل، ولأنها انكشفت ترتكب إعمالا وحشية مصنفة جرائم في القانون الدولي الإنساني، وكل هذا حصل بعد أن فشلت في تحقيق الهزيمة العسكرية، فالشرعية الدولية فعالة في المحاسبة اللاحقة للأسف أي بعد ارتكاب الجرائم وليس قبلها..وهذه القضية من أهم القضايا التي قوضت الشرعية الدولية للأمم المتحدة.

وكذلك الأمر مع العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، فبعد فشل إسرائيل في حربها في تموز 2006 أتى من يقول أن هذه الحرب لا تتفق مع القانون الدولي وان القنابل محرمة دوليا وما شاكل، وفي تقرير غولدستون الأخير الذي أدان إسرائيل في عدوانها على غزة 2009 شعرت إسرائيل بالإحراج أمام المجتمع الغربي فقط ليس لخجلها من ارتكاب الجريمة بل بسبب الإدانة الدولية من جهة دولية محترمة في الغرب ..وبناء عليه لسنا سذج لنقول إن المجتمع الدولي عادل وتسوده القوانين ولكن هناك حد أدنى لا يمكن للعالم أن يقبل بتخطية ليس حفاظا على المسلمين بل على الأقل حفاظا على قوانين اللعبة الدولية وسمعة الأمم المتحدة وماء وجهها وما يسمى بالشرعية الدولية من جهة، وثانيا لان هناك نوع من الرأي العام الغربي لا يقبل بأي عمل تقوم به هذه الحكومات إذا لم يكن شرعيا وقانونيا ويخدم مصالح الغرب وفقا للقواعد المرعية في بلادهم، فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير اتهم وحوكم واحرج وادين لأنه كاذب ومخالف للقوانين البريطانية وليس لأنه ارتكب الجرائم في العراق وأفغانستان، ولهذا تسعى أميركا وبريطانيا وإسرائيل في حروبهم المتنقلة ليكون هناك نوع من الغطاء والدعم والحشد الدولي لأي معركة بالنظر لهذه الأسباب.

وبالعودة إلى وسائل الإعلام والاتصال، فهي لاعب مهم في معركة الشرعية، في تقديم الصورة عن كل طرف وعن طبيعة المعركة الدائرة، فعندما سرب التقرير عن التعذيب في سجن غوانتناموا أحرجت أميركا اشد الإحراج ليس من هول الجريمة بل من انكشاف الفضيحة، لان ضبطت ترتكب خروقات تشكك في شرعية المعركة... على ضوء هذه المقدمة، تريد أميركا وإسرائيل ومن يتحالف معهما من وسائل الإعلام تسويغ نظريات ومقولات ضد إيران وحزب الله وسوريا وحماس وكل القوى التي تواجههما، لكسب شرعية المعركة، عبر شعارات لها سوقها الرائج في المجتمع الدولي ولدى الرأي العام الغربي خاصة " السلم والأمن الدولي وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب " وما شاكل من عناوين باطلة .. ولهذا رأينا أن إسرائيل أفردت محور خاص في مؤتمر هرتسليا الأخير وهو من أهم المؤتمرات الصهيونية لقضية كسب الشرعية الدولية، شرعية وجود إسرائيل ودفاعها عن نفسها، وغيرها من العناوين التي تراها إسرائيل شرعية من وجهة نظرها، وأوصى المؤتمر بالعمل على تعديل بعض قواعد القانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف لآجل تبرير المزيد من الجرائم في فلسطين ولبنان والمنطقة...

وبناء عليه ، فمن أهم وظائف الحرب الناعمة معركة الشرعية، الشرعية الدولية والشعبية والإعلامية ( الرأي العام ) ..فعندما يجري وصف إيران بأنها تعمل لزعزعة السلام والأمن الدولي فان هذا يسهل اخذ الإجراءات الصارمة بحقها في مجلس الأمن بدو أي ردة فعل أو اعتراض من احد، ويصبح مبررا القيام بأي عمل أو عدوان ضدها، وكذلك الأمر إذا ما ادين حزب الله بارتكاب إعمال إرهابية فان هذا يدينه أمام المجتمع العربي والإسلامي واللبناني ويسهل القيام بأي عمل عدواني ضده .

كما أن معركة الشرعية لها مستوى داخلي أي مواجهة الشرعية الداخلية للنظم والقوى المعادية لأميركا وإسرائيل في بيئاتها الخاصة والداخلية، فشن حملة قوية لمواجهة شرعية ولاية الفقيه العمود الفقري لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يخدم السياسيات الأميركية والصهيونية 100%، والقول أن ولاية الفقيه تتنافى مع الديمقراطية وحكم الشعب وحقوق الرأي والتعبير وما شاكل من عناوين يخدم هذا الهدف، كذلك الأمر مع حزب الله، فقد شنت حملة على سلاح المقاومة، وانه سلاح للسيطرة، وسلاح للفتن، وسلاح للإرهاب، وسلاح للإخلال بالأمن والسلام في المنطقة وما شاكل يصب في نفس هذا المخطط والتوجيه. فنزع الشرعية بنظرهم يؤدي إلى انفضاض الناس من حوله، وانحسار الالتفاف والتأييد الشعبي من حوله، وإنهاكه بمعارك لإثبات الشرعية أمام جمهوره وشعبه وأصدقائه.وهذا ما يخسره نقطة قوة رئيسية ومركزية حسب حساباتهم وقرائاتهم. وهذا ما يصدق على الوظيفة الحقيقية للمحكمة الدولية في اغتيال الحريري. فهي لها هدف استراتيجي واحد في إطار معركة نزع الشرعية عن حزب الله وأشغاله بصراعات داخلية.

ثانياً: بث اليأس والإحباط والشكوك حيال الرموز والمعتقدات والمستقبل
وهذه الوظيفة من الأدوار المهمة التي تقوم بها الحرب الناعمة، فالعدو يجهد لدب اليأس والإحباط في قلوب الجماهير والناس، لتقليب الناس على نظمها الشرعية، وقادتها، وللتشكيك بقضاياها ورموزها ومقدساتها، وزرع فكرة المستقبل القاتم، وعدم الجدوى من مواصلة الطريق، وان هذا الطريق مدمر وانتحاري، ولا عقلاني، وغيرها من الحملات الإعلامية والعناوين الزائفة والاتهامات والإشاعات المتواصلة والمبرمجة الطويلة المدى، وتستهدف هذه الحملات تحقيق ثلاثة غايات:

1ـ استمالة جزء من هذا الجمهور نحو مشروعهم، وتوجيهه للانقلاب والارتداد على شعاراته وأفكاره السابقة.
2ـ بلبلة الأفكار وتشويش النفوس لتعطيل وتجميد نشاطات وطاقات جزء من جمهورنا من خلال الدعوة لنظريات ومواقف الحياد.
3ـ إحداث حالة من التردد المفضي إلى اللامبالاة والتقاعس عن نصرة الحق.

هذه الأساليب ليست جديدة، فقد شهدتها ساحات المعركة في صدر الإسلام مع الأراجيف والإشاعات التي كانت تبثها جبهة الكفر والنفاق والشرك ضد الرسول (ص) وإتباعه لهدم إيمانهم وإضعاف إرادتهم والفت من عزائمهم، كما استعملها يزيد وولاته لإحباط ثورة أهل الكوفة عليه والحؤل دو التفافهم على مسلم بن عقيل سفير ورسول الحسين(ع) إليهم، كما شهدها التاريخ البشري على امتداد حضاراته..ولكن الفرق هو بالوسائل، فبينما كانت الإطراف تعتمد في السابق على الجواسيس والعملاء المزدوجين للقيام بهذا الدور كما فعل عبيد الله بن زياد مع أهل الكوفة وكما فعل جنكيزخان القائد المغولي مع ملوك وبلدان العالم الإسلامي، أصبح يتم الآن الوصول لنفس الأهداف بوسائل ناعمة، عبر الرسائل الالكترونية والصور المرئية عبر المسلسلات والأفلام والخطابات والحوارات التلفزيونية اليومية وصفحات وشبكات الانترنت، وحتى في العاب فيدو الأطفال والمراهقين1 playstation ..

حيث يتم زراعة أنماط تفكير وتصاميم ثقافية غربية ورؤية غربية للعالم وتمرير مصطلحات وتعابير ويتم سحب واستدراج الناس إليها بإرادتها الحرة ؟
إذا هناك إمكانيات وفرص كبيرة للتلون والاختفاء تؤمنها تكنولوجيا الاتصال والإعلام لم تكن متوفرة سابقا، كما أن هذه الوسائل دخلت البيوت جميعها، بعنوان أنها وسائل محايدة، فلك أن تختار أن تشاهد إي قناة أو إي وسيلة، فلا أرغام في ذلك، وهكذا يتربى أطفالنا وشبابنا ويتشربوا هذه الرسائل وهذه الثقافة التي يرسمها العدو قبل أن تصل إليهم أيدي الهداية والإرشاد، ومن هنا خطورة الحرب الناعمة، واخطر ما في الحرب الناعمة هو عدم تقدير البعض لهذه الخطورة..

ثالثاً: زيادة حدة الانقسامات والصراعات واخذ العدو لدور المنقذ والمخلص
وهذه السياسية ليست جديدة فهي إستراتيجية قديمة أسسها البريطانيون في بلادنا لكن الجديد فيها هو الدخول المباشر والعلني والوقح على خط ولعبة الاجتذاب والاستقطاب والفرز لإطراف وتيارات وشخصيات إسلامية وعربية من خلال تصنيفات وعناوين تبعا لقربها وارتباطها بشعارات قريبة أو بعيدة من المشروع الغربي الصهيوني (اعتدال- تطرف - حداثي - ليبرالي- إسلامي متشدد - إسلامي عصري - راديكالي - براغماتي -...الخ) وعبر اخذ دور المنقذ والمخلص لها في مواجهة بعضهم البعض، حيث مع اتساع دائرة الانقسامات والاختلافات بين الشركاء والإطراف والشخصيات داخل أجنحة النظام في البلد المعادي لهم أو لدى أي شعب أو دين أو طائفة أو مذهب يعادي مشاريعهم، يتم الدخول على الخط بالخفاء لزيادة وتأجيج وتعميق الصراعات أولا، والزج بلعبة التصنيفات وتكريس حدة الانقسامات ثانيا، وبث الخوف من خطر انتصار طرف على طرف ثالثا، وبعدها يتم السعي للوصول إلى مستوى يتمنى فيه الطرف الذي يقترب من مشاريعهم أو مجرد أن يتقاطع معهم العمل شبه العلني تحت رايتهم والانتصار لأفكارهم ويتم عندها دعمه إعلاميا وماليا وزجه بمواجه كاملة مع الطرف الشريك والصديق في الدين والوطن والنظام الواحد، وعندها يصل البعض إلى درجة تبرير العمل تحت راية العدو لأجل هزيمة شريكه تحت شعار وحجة أن هذا جزءاً من التكتيك وضرورات المعركة، وهنا وعند الوصول الى هذه النقطة تدخل الجهات الاستكبارية على الخط للتجنيد والاجتذاب السياسي والإعلامي والناعم، عبر الأذرع والفروع الإعلامية والدبلوماسية والفكرية والبحثية المنتشرة والمرتبطة بالعدو، وهذا ما تقوم به للأسف إطراف وتيارات إسلامية وعربية سواء عن علم وعمالة وارتباط حقيقي، أو بداعي الحقد والانتقام والجهل والمكابرة وسوء التقدير، وهذه الأمور ليست تحليلات وتخيلات نظرية، بل هي في صلب خطة كشفت عنها وثيقة دراسة راند البحثية الأميركية المقربة من البنتاغون 2... مع العلم أن الدراسة أكدت على ضرورة توخي الحذر والسرية في مباشرة الأنشطة المفضية إلى تأجيج الصراعات، كما شددت على ضرورة عدم أظهار أي دعم علني للطرف المصنف حسب طبيعة المرحلة ووفقا لسير الخطة وتبعا لتلائمها مع الأهداف، كي لا ينكشف هذا الطرف المتعاون معهم في مرحلة مبكرة فيضعف موقفه أمام الرأي العام وتظهر حقيقة المستفيد الحقيقي من المعركة التي يخوضها.

وهذا شبيه بالإجراءات والتكتيكات التي تقوم بها الجهات الاستخبارية أثناء عمليات تجنيد الأفراد والعملاء، فهي تقوم بتامين ساتر وغطاء لعميلها كي يتمكن من تنفيذ برنامجه والتحرك المرن على أكمل وجه. وفي النهاية يتم أنهاك هذه الإطراف والجهات بصراعات داخلية تخدم العدو 100%، وبعد انقشاع غبار المعركة يكتشف الطرف الذي صارع وقاتل شريكه لأجل قضايا وهمية بصورة متأخرة وبعد فوات الأوان انه كان يخدم أجندة العدو ويصبح في وضع يصعب عليه الاعتراف بانخداعه وتتعقد احتمالات عودته عن الخطأ.

رابعاً: تهيئة الأرضية للتحرك الاستخباراتي من أهم وظائف الحرب الناعمة
من وظائف الحرب الناعمة الأساسية تهيئة الأرضية والبيئة الملائمة للتحرك الاستخباراتي والعملاني على الأرض لكي تصبح جاهزة لتقبل وتمرير وتنفيذ السياسات الأمريكية، فالحرب الناعمة جزء من كل أي أنها لا تعمل كسياسة منفصلة ومستقلة عن الخطة الكبرى..

ولا يتصور احد أن العقل الأميركي والغربي قد يكتفي باعتماد الحرب الناعمة لإسقاط النظم المعادية عبر وسائل وأجهزة الاتصال والإعلام بشكل منفصل عن أي تحركات على الأرض، فهذا لا ينسجم مع الدواعي المنهجية ولا مع طريقة عمل الأجهزة الأميركية والغربية والصهيونية، ولا تتطابق مع ما كشفته المستندات والوثائق والتصريحات التي أعلنها ضباط سابقون في الاستخبارات الأميركية حول طريقة إعدادهم للانقلابات أو لإسقاط الأنظمة والقوى المعادية لهم، فالحرب الناعمة لا بد أن تتزامن مع تأسيس شبكات ودعم وتمويل قوى معارضة ومنشقة عن النظم والقوى المعادية لأميركا بالخفاء والسر، أو عبر الدعم غير المباشر عبر تقاطع المصالح من خلال الدعم السياسي والإعلامي عبر تضخيم أدوارهم وتسليط الضوء عليهم لصناعة نجوميتهم، وإبرازهم كدعاة ورموز للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحريك الرأي العام للالتفاف حولهم، ولا بد من تجنيد المؤسسات الإعلامية والإعلاميين ورؤساء التحرير وكتاب الأعمدة والمراسلين وبعض الفنانين والمثقفين وبعض القطاعات المدنية المخترقة لخدمتهم وخدمة شعاراتهم، كما تتزامن الحرب الناعمة مع عمليات استخباراتية على الأرض، لتخريب وهدم الوئام والانسجام بين قادة ورجال النظام وبث الفرقة والفتن بين النظام ومختلف فئات الشعب وتياراته، ولا مانع إذا تطلب الموقف ووصلت الحرب الناعمة إلى نتائج حاسمة في تهديد النظام المستهدف من اغتيال بعض هذه الشخصيات المعارضة أو القيام بتفجير أهداف مدنية أو عامة لأجل تحقيق الأهداف الأميركية..فهذا ما يسمح به ميثاق وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA تحت عنوان" حذف شخصيات مؤثرة لدعم أهداف نفسية ودعائية ضمن خطة تحرك كبرى" وهذا ما حدث بالفعل في عدة بلدان تحركت فيها الاستخبارات الأميركية لتغيير النظم وإسقاط الحكومات والرؤساء وتنصيب العملاء3 ..

خامساًً: الصدم والترهيب وظيفة الحــرب النــاعمة أثناء الحـــرب
إما في حالة الحرب والمواجهة العسكرية حيث يفرض مبدأ الحسم السريع للمعركة دمج وسائل وأساليب القوة العسكرية والمادية الصلبة مع أساليب ووسائل الحرب النفسية، فيصبح وظيفة الحرب الناعمة في تقديم وتمهيد وتحضير الأرضية لأجل نجاح ودعم العمليات العسكرية، عبر معركة الشرعية كما أسلفنا، وهذه قد تأخذ سنوات، ريثما يتم إقناع الإطراف التي يعنيهم أمر أقناعها، إي الأطراف الدولية أو الداخلية التي تعتبر ضمن خطة الحرب عندهم كجزء ضروري من عوامل النصر في المعركة، وليس لأجل سواد عيونها، سواء لكسب صوتها أو جرها إلى المعركة أو لأجل ضمان عزلها وتحييدها وتجميد نشاطها، وغيرها من المستلزمات والمتطلبات، كما تلعب القوة الناعمة أدوراً لاحقة لما بعد سقوط الهدف المعادي سواء كان دولة أو نظاما أو حزبا ضمن بقعة جغرافية واقليمية محددة بهدف شرح بعض الملابسات وغسل الخسائر والجرائم التي ارتكبت في الحرب وتبريرها أمام الرأي العام العالمي.

وهناك الحرب النفسية المباشرة أثناء وقوع الحرب، حيث نصبح هنا أمام حرب نفسية وليس حرب ناعمة، وتستخدم فيها عمليات الترهيب والصدم والترويع، وكل ما يدمر إرادة المقاومة لدى العدو والخصم في فترة وجيزة، وقد أوردت الباحثة الكندية نعومي كلاين في كتابها " عقيدة الصدمة " نصا هاماً يؤكد ما اشرنا إليه اقتبسته من وثيقة سرية في عقيدة الصدم والترهيب / إستراتيجية تحقيق الهيمنة السريعة لقوات الولايات المتحدة الأميركية تضمنت سرداً للتكتيكات والتطبيقات السرية التي تستعملها الولايات المتحدة الأميركية في حربها النفسية في حالة العمليات العسكرية الصلبة جاء فيه " يجب على الولايات المتحدة الأميركية وضع مخططات لحرب نفسية ودعائية توجه إلى إرادة العدو لإضعاف قدرته على المقاومة واستعمال تكتيكات الحرمان الحسي والإثقال الحسي بهدف إحداث حالة من التقاعس والتشويش على الأدمغة لأجل السيطرة السريعة على المحيط وشل قدرة العدو على فهم الأحداث ومنعه من رؤيتها والتلاعب بالأحاسيس والمعطيات وحرمان العدو من القدرة على التواصل والملاحظة "4 .

الخلاصة
الحرب الناعمة شكل جديد من أشكال الحروب التي تخاض ضد أمتنا، وهي حرب قد تطول حتى يحسم احد طرفي الصراع معركته ضد الآخر كما عبر الجنرال مسعود جزائري مساعد الشؤون الثقافية والإعلام الدفاعي في قيادة الأركان العامة للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو كلام دقيق واستراتيجيي، فالمشاريع والخطط الكبرى التي تريد فرض وجودها وسيطرتها على امتنا لن تنتهي حتى يسود الإسلام وتصبح يده هي العليا، ولن يكون هذا الأمر إلا بفهم الغرب فهما عميقا وفهم أدوات وتكتيكات اللعبة الإعلامية بكفاءة ودقة، والبراعة في استنزاف طاقات وقدرات العدو الناعمة قبل الصلبة، وتقديم نموذج إسلامي رائد ومشروع إسلامي شامل في شتى الفروع والميادين كما عبر الرئيس محمود احمدي نجاد في اللقاء الوطني الإيراني لمواجهة الحرب الناعمة، وهذا ما تقوم به وتقوده اليوم بحق إيران الإسلام بقيادة سماحة الإمام الخامنئي المفدى، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى جهود كل المخلصين والسائرين على هذا الخط الذي اثبت حقانيته وصلابته في كل الأحداث والوقائع وبمواجهة كل التحديات والصعاب، والى وضع خطط وروئ بعيدة وجهود جبارة وصبر استراتيجي طويل المدى، لا يلين ولا يكل، والى العمل على وضع بوادر وعوامل لإصلاح الذات والأحوال والأفكار وتطوير الأسباب والوسائل والمؤسسات في كل بقاع امتنا التي يغرق بعضها في سبات عميق جراء موجات الحرب الناعمة الأمريكية والغربية والصهيونية، وهذا يحتاج ايضاً إلى تظافر جهود وتوحد أبناء المذاهب والفرق والتيارات الإسلامية على امتداد العالم في إطار مشروع عزة الإسلام .

مراجع الدراسة
جوزيف ناي، القوة الناعمة ، مكتبة العبيكان 2007
ارث من الرماد تاريخ CIA تيم واينر شركة المطبوعات للنشر والتوزيع 2010
فرنسيس بال . الميديا . ترجمة فؤاد شاهين . دار الكتاب الجديد . طبعة اولى 2008
برمجة الوعي . سامي الموصللي . دار شعاع 2008
بروس بمبر . الديمقراطية الأمريكية وثورة المعلومات / دار الحوار الثقافي 2006 .
نعومي كلاين . عقيدة الصدمة / شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ط. 2009
قصف العقول .الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي فيليب تيلور عالم المعرفة
المتلاعبون بالعقول . هيربرت شيللر . مجلة عالم المعرفة
د. احمد نوفل. الحرب النفسية. دار الفرقان . ط. 1989
أهل البيت . تنوع ادوار ووحدة هدف . محمد باقر الصدر .
خوارق اللاشعور . علي الوردي الوراق للنشر . ط. 2 عام 2008
افكار وجدت لتبقى . شيب ودان هي. الدار العربية للعلوم ناشرون 2008 ط1. ترجمة شادي يونس.
مشاريع التجديد والاصلاح في الحوزة العلمية. خطاب الامام الخامنئي نموذجاً . اعداد نجف علي ميرزائي. اصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي.
دور الميديا في ادارة الازمات والحروب . رفيق نصر الله . دار بيسان. طبعة اولى 2011
التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية . اصدار مؤسسة الفكر العربي. طبعة اولى 2010
التقرير العربي الاول للتنمية الثقافية . اصدار مؤسسة الفكر العربي. طبعة اولى 2008
العقل العربي ومجتمع المعرفة . نبيل علي . ط2009. مجلة عالم المعرفة.
مجلة اذاعات عربية صادرة عن اتحاد اذاعات الدول العربية اعداد 2002 / 2005
موقع وزارة الخارجية الاميركية على الانترنت www.america.gov
موقع مركز دراسات قناة الجزيرة على الانترنت www.aljazeera.net
موقع وكالة تابناك الايرانية على الانتنرت www.tabnak.ir .
موقع اسلام اون لاين على الانتنرت www.islamonline.net
موقع شام برس على الانترنت www.champress.net
موقع تلفزوين المنار على الانترنت www.almanartv.com.lb

 

*الحرب الناعمة المفهوم - النشأة - وسبل المواجهة , سلسلة الندوات الفكرية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- بحث منشور بعنوان " ولت ديزني وصناعة العقول ـ قوة ناعمة اشد فتكاً" www.quran-radio.com/
2- الدراسة مدرجة في البند اللاحق.
3- ارث من الرماد. تاريخ CIA . مصدر سابق . ص 437 و465.
4- عقيدة الصدمة . مصدر سابق . ص 377.

أضيف بتاريخ: 07/12/2015