مقالات خارجيّة

أكذوبة التحرر عن طريق الإرهاب

أكذوبة التحرر عن طريق الإرهاب

عقيل الشيخ حسين

إلى جانب الدعوة لعودة الاستعمار، تسعى الدوائر السياسية والإعلامية المرتبطة بمحور الهيمنة إلى ترويج مزاعم حول الإرهاب بوصفه سبيل التحرر والتخلص من الهيمنة الغربية والصهيونية. ألسنا في زمن استثمار الأكاذيب ؟!
 
محللون من العرب، الوثيقو الارتباط بدوائر الهيمنة، يخدمون هذه الدوائر عن طريق تسليط الأضواء على أساطير ديموقراطية الغرب، وعقلانيته، وتقدمه الحضاري، وحرصه على تأمين مستلزمات الرفاه لشعوبه، وحتى للشعوب التي ترسل أبناءها سباحة إلى الغرب طمعاً بتأمين لقمة العيش...
وبطبيعة الحال، لا يجدون صعوبة في تدعيم خطابهم بتسليط الضوء على الأوضاع المزرية التي تعيشها مجتمعاتنا دون أن يفوتهم تفسير ذلك، مباشرة أو بشكل غير مباشر، من خلال النيل مما أسمونه عرفًا أو تقليدا أو ماضيا وجهلا وخرافة. ويستخدمون كل ذكائهم في ابتكار ما يلزم من إيحاءات لإفهام القارئ أو السامع أن المستهدف الذي يرمونه بسهامهم هو القيم العريقة وتعاليم الإسلام الأصيل بوجه خاص.
الهزيمة كشرط للتقدم
هؤلاء المحللون هم من كان وما يزال يدعو وينظر لعودة الاستعمار لحكم بلادنا، انطلاقاً من مزاعم تركز على عجزنا عن ذلك، بسبب عقلياتنا القبلية والعشائرية والذكورية ونوازعنا الاستبدادية وعدم انفتاحنا واحترامنا للآخر... وأن الغرب المدعو إلى استعمارنا مجدداً يمكنه أن يخلصنا من آفاتنا وأن يرقى بنا في معارج الرقي والحضارة والسعادة.
ألم ينخرط الكثيرون من مثقفينا، عندما بدأت الولايات المتحدة حربها على العراق، في مباراة لتمجيد المنافع الجليلة التي سيحصلها العراق وعموم العرب بفضل الغزو الأميركي والغربي ؟ أو لم يدعموا خطابهم الآثم بحجج من نوع جعل بلداناً كألمانيا واليابان تحتل مواقع متميزة على جميع الصعد الاقتصادية والحضارية هو، تحديداً، هزيمة أنظمتها في الحرب العالمية الثانية، ثم استرشادها، بفعل الهزيمة، بالمشاعل المشعة بأنوار العظمة الأميركية ؟
أليست العقلية نفسها هي ما سوغ لثوار ليبيا أن يحملوا الصهيوني الحاقد برنار-هنري ليفي على أكتافهم، وأن يرفعوا في سماء طرابلس وبنغازي صور نيكولا ساركوزي والأعلام الفرنسية.
أليست العقلية نفسها هي ما سمح لأعلام الانتداب الفرنسي أن ترتفع مجدداً في سماء المناطق السورية التي سقطت في أيدي قوات الناتو المتخفية تحت أسماء الجيش الحر وداعش والنصرة وما إلى ذلك من زمر وجماعات إرهابية ؟
لكن بروباغندا إعادة الاستعمار تظل قاصرة عن تحقيق كامل الهدف المتمثل بضرب كل إمكانية لنهوض الأمة. من هنا كان لا بد من إدخال أشكال جديدة من التضليل والتلاعب بالعقول. وهذه الأشكال الجديدة تمثلت بامتياز بالظاهرة الإرهابية.
تسديد الحساب
صحيح أن صانعي الإرهاب لا يتوقفون عن شتمه باللسان للتغطية على دعمه بكلتا اليدين. وفي الوقت الذي تهرق فيه أنهار من الحبر في توصيف الإرهاب بوصفه ظاهرة تستعصي على التحليل والفهم، وبالتالي على الاجتثاث، لا نعدم وجهات نظر ظاهرها معاد للإرهاب وللهيمنة الغربية وباطنها خدمة كبرى لهذه ولتلك.
والمفارقة أن وجهة النظر تلك تستند إلى ثابتة كبرى من ثوابت الصراع القديم والجديد بين المنطقة وقوى الهيمنة الغربية والصهيونية : مهما بلغ انسحار الشعوب بالغرب وحضارته، ومهما تكاثرت الأصوات المنادية بالخلاص على أيدي الغرب والكيان الصهيوني، ومهما قوي ساعد أولئك المستعدين للقتال في الصفوف الأمامية لجيوش الغرب والكيان الصهيوني، فإن الشعوب لن تنسى أن لها حساباً لا بد من تصفيته مع الهيمنة الغربية والصهيونية.
هذه الثابتة بالذات، أي العداوة التي تكنها الشعوب المقهورة للغرب الإمبريالي وللكيان الصهيوني والأدوات الإقليمية العملية، يسعى المحللون المرتبطون إلى سرقتها ووضعها بألف شكل وشكل في خدمة الظاهرة الإرهابية.
ما الذي يقصدونه مثلا عندما تقودهم تحليلاتهم إلى نتائج مفادها أن داعش والنصرة تعملان من أجل تدمير الغرب ومعاقبته بسبب حروبه على الإسلام؟
أليس ذلك خطاباً نافذا ومؤثراً يوجهونه إلى جماهير الشباب في العالم العربي والإسلامي يدعونهم فيه إلى الانضمام إلى صفوف داعش والنصرة أو أي تنظيم إرهابي آخر، على أساس أن هذه التنظيمات هي التي تحمل الخلاص للأمة لأنها تعمل على تدمير الغرب ؟
وبالطبع، تأتي العمليات الإرهابية التي تنفذ في هذا أو ذاك من بلدان الغرب لتقدم خدمة كبرى للمزاعم القائلة بأن الإرهاب معاد للهيمنة الغربية. لكن هذه المزاعم تغض الطرف عن الواقع المتمثل بكون الجماعات الإرهابية تستمد كل عناصر وجودها وقوتها من الغرب وامتداداته الإقليمية. ما يعني أنها تتلاشى بمجرد أن يعاملها الغرب على أنها معادية فعلاً وأن يقوم بتجفيف مصادر تمويلها وتسليحها. أي أن مجرد بقائها في الوجود هو دليل ليس فقط على عدم جدية الغربية في مكافحتها، بل خصوصاً على جديته في دعمها حتى النهاية.
والجدير بالذكر أن فكرة التحرر عن طريق الإرهاب إنما تتردد في أوساط سياسية وإعلامية من تلك التي تتلقى التوجيهات من الدوائر الاستعمارية والصهيونية وتتعيش على "مكرمات" الحكام السعوديين والخليجيين.

المصدر: موقع العهد الاخباري 

أضيف بتاريخ: 08/01/2016