مقالات خارجيّة

الشيطان الأكبر


الشيطان الأكبر

عندما تطلق السلطات في إيران مصطلح الشيطان الأكبر أو الإستكبار، لا يكون ذلك مغالاةً في توخّي الحذر من السياسة الغربية، ولا نزعةً متطرفة تجاه الشعب الأمريكي، إلّا طبعًا إذا نظرنا إلى الصورة من إطارها الخارجي. نعم حينئذٍ يبدو شعار الموت لأمريكا عصبيًا مهترئًا لا يصلح في علاقات اليوم الإستراتيجية. أما الفرد الذي يعيش في دول العالم الثالث، من الحكمة أن لا يكتفيَ بما يراه بل أضعف الإيمان أن ينظر أبعد من كل هذه الغوغاء القائمة. وبالنسبة للمواطن الأمريكي فهو أبعد ما يكون عما يدور في بلاده، لأن الرئيس الذي يعتلي منبرَه بين الحين والآخر، كفيلٌ لتعزيز حسّ العظمة المواطنية في شعبه. يحدّثهم عن مخططات سلامٍ وديمقراطيةٍ ونجاةٍ للدول النامية حتى يتصور المواطن نفسه منقذًا للبشرية وحمامة سلام.

 إن ثقافة الشعوب تتجسد في فنونها، وخير إنعكاسٍ للرؤية المواطنية لسياسة الولايات المتحدة هي أفلام هوليوود السينمائية. هذه العظمة التي يبرزون قدراتهم بها حتى أنهم يأسرون عقولنا وقلوبنا بما يصنعون ونمضي في وضعهم قدوةً لصناعة السينما. والفكرة أنّ الفيلم صادق وفقًا للرؤية التي يلقّنونها لهم بأسلوبٍ عاطفي يلعب على أوتار تاريخ بلادهم وانتصاراتها السياسية.
لكن الباحث المحنّك هل يصدّق خطابًا رئاسيًا أمريكيًا أو بيانًا للكونغرس؟!
عدد المواقف التي ظهر مكر السياسة الأمريكية من خلالها ليس بقليل من إغتيال كينيدي ومواقفها من محمد رضا شاه وحربها على صدام حسين، تحديدًا الأنظمة التي دعمتها أميركا يومًا ما وفي ما بعد انهارت لاقتضاء المصلحة.

بعد الحرب العالمية الثانية، قررت الدول الكبرى أن تتوقف عن النزاع بين بعضها البعض، وتقذف بنارها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وخير دليل أن الدول الكبرى لمْ تمنح قطعةً من أرض ألمانيا لليهود مثلًا، أليست المحرقة من صنيعة أولئك؟! لمَ تم اختيار فلسطين؟ لمَ الولايات المتحدة لم تخصص لليهود أرضًا في بلادهم، ألا يقولون أمن إسرائيل من أمننا؟
الإشكالية تعود جذورها إلى حقباتٍ تاريخية ومواقف متكررة، وسياسات استعمارية يخدمها عملاء ومرتزقة في الشرق من أجل إستغلال النفط في عمران بلادهم.
نضف على ما سبق أن تعيين هنري كيسنجر مسؤولًا في لجنة التحقيق في تفجيرات الحادي عشر من أيلول بدوره ليس صدفة، لأنها تمثيليةٌ بحاجةٍ إلى مخرجٍ لا يخطئ في إيحاءاته حتى يصدق العالم أن هناك حربًا على السلام وأنه الأميركيين هم المنجون. 
حتى الساعة، خلاف إيران ليس مع السعودية، لأن الصديق الحالي لهم الآن هو السعودية. هذا الصديق الذي يبدو أنه مؤخرًا بدأ يتصرف بحماقة قبيل إعلان الإتفاق النووي، وليس بعيداً انهيار المملكة قريبًا. والإتفاق لا ينفي وجود تلك المخططات السريّة التي لا تهدف إلا لحماية هيمنتها (السعودية) في الشرق الأوسط تحت شعار مكافحة الإرهاب. ولكن السؤال هل الإرهاب إلا من صنيعتهم! لمَ أفراد داعش ملثمون مجهولون بأسماءٍ على شاكلة الجاهلية الأولى؟ أليس من أجل حثّنا على تصديق أننا صانعو الإرهاب والقتل؟ ولمنعن قليلًا في هذه الطرق الهوليوودية في النحر والحرق وشهداء حادثة منى وشهادة أطباء بوجود غازاتٍ سامة تتلاشى خلال نصف ساعة من جسم القتيل، وبالتالي لا تفيد التحقيقات اللاحقة في بلد القتيل بأي وجود لهذا السم، إن الأفكار التي يتم القتل بها ليست عادية، ولا هذه الفوضى والتشتت بيننا محضُ ثورات!! 

وحدها الأنظمة التي لم تمنح ثقتها الكاملة لأميركا، هي التي استمرت واستقلت وسادت وجعلتهم يتهافتون لبناء علاقاتٍ سلمية معها، هي إرادتهم التي لا نراها بالعين بل بالبصيرة وحدها، وإن لم نتمكن من إدراكها يكفي أن نستمتع بخطاب الرئيس الأمريكي البطل ثم نقضي أحلى الأوقات أمام أحدث أفلامهم البوليسية الآسرة! وبرامجهم الهادفة...جداً ..!والسلام..

مريم ميرزاده

أضيف بتاريخ: 26/01/2016