مقالات خارجيّة

ماهية خطاب الإمام الخميني لمستضعفي ومسلمي العالم

 

ماهية خطاب الإمام لمستضعفي ومسلمي العالم 

قبل الحديث عن ماهية خطاب الإمام لمستضعفي ومسلمي العالم لا يسع الباحث إلاّ أن يستعرض ماهية الحضارات والنماذج الحضارية التي اجتذبت إليها الأنصار والأتباع على مرّ التاريخ، وكذلك أن يبين العلاقة ما بين المستضعفين والمسلمين في العالم.

1ــ ماهية الحضارة الإسلامية
لقد عُرِّفت الحضارة بأنها "تبصّرٌ بالغايات"1، والتبصر يعني أنها حركة معرفية واعية تتحرك من منطلقات معددة وتنتهج سلوكاً واعياً إلى أهداف مرسومة من قبل، ترتبط بمنطلقاتها ارتباط النتائج بالمقدمات، وإذا كانت العلل الغائية ـــ بتعبير الفلاسفة ـــ هي علل فاعلية الفاعل، أضحى التبصر بالغايات " فكراً ومعرفةً وأفعالاً ووسائل"2 حيث لا تنفك الأهداف عن وسائلها كما لا تنفك عن مناهجها لا منطقياً ولا أخلاقياً، فالجميع يتبع سنخاً واحد.

بهذا المعنى تصبح الحضارة منهج معرفة وفهم الأمة لدور الإنسان في عالم الوجود والطبيعة، "وهذا يعني أن الحضارة هي منهج فكر واصل بالنتيجة إلى أنواع أو أنماط ومواقف سلوكية إنسانية تحاكي كيان الأمة الفكري وعلله ومصادره وتجلياته في القول والعمل والتطلعات ومعايير محاكمة للأشياء وعلاقات الناس والعالم "3

وعندما تختلف الأمم والشعوب في أصولها وأسسها ومكوناتها، يضحي النموذج الحضاري هو المظهر التي تعبر به الأمم عن مفهوم الحضارة ذاته، وتصبح عندئذٍ الحضارة الإسلامية تعبيراً عن نسيج الإسلام بما يمثل من رؤية كونية مختلفة إلى العالم والوجود ومن مشروع حياة ونظام اجتماعي "أيديولوجي" ذا بعدٍ إلهي.

وإذا كانت الغايات لا تنفك عن وسائلها كما مرَّ، أضحت الدولة الإسلامية أو الحكومة الإسلامية المتصدية لتنفيذ وتطبيق الشرائع لتنظيم شؤون المجتمع والسير به نحو التقدم والرقي والتكامل من الوجود المادي إلى ما وراءه، أضحت هي النموذج الحضاري الإسلامي، وبناء على ذلك لا يصح الحديث عن حضارات متعددة في تاريخ البشرية، وإن صح الحديث عن نماذج مختلفة اتفقت في الجوهر واختلفت في ظاهرها، فلا يوجد فروقات جوهرية أو بنيوية بين حضارات التاريخ من إغريقية يونانية أو فرعونية أو ساسانية، وإن ظهر اختلاف بين نماذج الإمبراطورية الرومانية أو الفارسية وقبلهما المصرية، لأن هذه الحضارات والنماذج تتقاطع في توحد الغايات والمثل العليا، وفي الأساس هي تختزل البعد الإلهي ليحل محله البعد الفرعوني.

نتيجة لهذا الفصل بين أنواع الحضارات، فإن تاريخ البشرية ومنذ بدء الخليقة منقسم بين حضارتين لا ثالث لهما، حضارة الفطرة والتوحيد وحضارة الباطل المادية، بمعنى آخر إن تاريخ البشرية محكوم بثنائية قطبية ــ كالضدين لا يجتمعان ـــ متصارعة عبر التاريخ, ونوازع ذلك موجودة في أعماق الكائن البشري.

قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين﴾4.
وقال أيضاً: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * َقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَ﴾5.

وقال أيضاً: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورً﴾6.

هذه القراءة لتاريخ الحضارات كما يسميها الباحثون في فلسفة الحضارات7 هي قراءة عمودية، فكلا الحضارتين تصدر عن أصل وتخضع لسنن وقوانين وتحمل حقائق ومشروعاً مختلف.

حضارة الباطل تبدأ من هذا العالم، وتبقى فيه وتنتهي به، وإذا كان لأصحاب حضارة الباطل دين ما "فللغايات الدنيوية فقط" دون البحث عن حقانية هذا الدين، وإلى أي مدى سيرقى بوجود الإنسان، ويبقى الشغل الوحيد لهذه الحضارة هو تأمين حاجات الإنسان المادية، ويصبح الحكم بتقدمها ورقيها أو عدمه بمقدار ما حققته من وسائل الراحة والرفاهية وبمقدار ما أصبح الإنسان متسلطاً على الطبيعة من أجل تسخيرها لراحته ومنافعه.

إن عشق هذه المثل يتجلى في كل جوانب حياة الحضارة المادية، من فلسفتها وقوانينها وأخلاقها وممارساتها وحتى تقدمها العلمي والتقني، وبكلمة جامعة، إن حضارة الباطل ينبغي البحث عنها وعن آثارها في هذا العالم لأنها منه تبدأ وفيه تنتهي، أما حضارة الحق والفطرة الإلهية فتُصوِّر قبل هذا العالم وتتجلى فيه وتستمر مسؤوليتها بعده، فكل ما في الكون يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، والإنسان سيعيش المسؤولية تجاه نفسه وخالقه والكون المحيط به وبالأخص تجاه أخيه الإنسان, في هذا الصدد يقول الإمام الخميني قدس سره: الإنسان المادي لا ينظر إلى جانب المادة ولا يهمه من أين جاءت هذه المادة،،، إنه يريد الأشياء لنفسها ولا يهمه مبدؤه، أما الإنسان الإلهي فلو أعطي شيئاً لسأل من أين؟ وماذا هو؟ وهل صحيح استخدامه؟ "،،، فهذا هو الإنسان الذي يفكر بهذه الأمور، ونحن نريد مثل هذا أيضاً"8.

فكل أجزاء الكون يترابط بعضها مع بعض ويؤثر بعضها في بعض، فلا يوجد حادثة، في شرق الأرض أو غربها، ليس لها أدنى علاقة بأختها في أقاصي الأرض، لأن الجميع معلول لعلة واحدة، ويشترك كلها في هذه الناحية من السببية، لكن تأثير الإنسان كان تأثيراً مسؤولاً وافترق في ذلك عن غيره من الموجودات، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً﴾9.

ومقتضى هذا التحمل للمسؤولية أن لا تتركه العناية الإلهيان لشأنه يواجه مصيره بنفسه دون إرشاد أو هداية، لا بالمعنى التكويني ﴿أعطى كل شيء خلقه ثم هدى10 ولا بالمعنى التشريعي، فالعناية واللطف الإلهي اقتضيا الهداية وقدّما دليلها التشريعي المتوافق مع الكتاب التكويني للوجود ،إنسانه وعالمه، فالإسلام بما هو روح الحضارة الحقيقية "حقيقة وله حكمٌ في جميع شؤون الإنسان المادية والمعنوية إلى حيث لا يصل إدراككم له"11.

"في الوقت الذي لم يكن في الغرب أي خبر يُذكر، وكان سكانه يعيشون في وحشية،،، وكانت الإمبراطوريتان الإيرانية والرومانية محكومتين للاستبداد والتبعيض، وتسلط أصحاب القدرة والإشراف، ولم يكن فيهما أثر من حكومة الناس والقانون، أرسل الله آنذاك تلك القوانين التي صدع بها النبي الأعظم محمد‘، والتي تحيّر بعظمتها الإنسان، وحدد لكل شيء الآداب والقوانين، فمن قبل تكوّن الإنسان وإلىحين نزوله في حفرته، وُضعت له قوانين خاصة،ورُسمت العلاقات الاجتماعية، ونُظمت الحكومة، إلى جانب ما رُسم من وظائف وعبادات"12.

فالإسلام فيه البرنامج والخطة التربوية الشاملة بشقيها النظري والعملي، وبناءً على هذه الخطة تشكلت في الحضارة الإسلامية النظرية السياسية في الحكم وتشكَّل نظام القيم في المجتمع.

في هذا النموذج الحضاري يتحول الاستخلاف الإلهي إلى حركة تكاملية مستمرة في عملية كدح ونصب وارتقاء نحو المطلق واللامحدود، كلٌّ في حدود قابلياته ومستوى الاختيارات الممنوحة له، فما من امرئ يولد إلا على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، لا يحمل بطاقة الخلود في النار ولا جواز العبور إلى الجنة، مصير الإنسان ما يقرره عمله ﴿ووجدوا ما عملوا حاضرا ً13 ، واللطيف بعباده يبحث عن عذر لإدخال الناس إلى الجنة لا إلى الجحيم.

2ــ الإمام الخميني قدس سره والثنائية القطبية في العالم
ما إن شارفت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء حتى عُقدت اتفاقية "يالطا" والتي أرست نظاماً عالمياً جديداً، برز فيه قوتان عظيمتان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، حيث شكلتا مركزي استقطاب للعالم على كافة الصعد والمستويات، ومع هذا الاستقطاب ازدادت حدة التنافس والصراع على المناطق ذات النفوذ الاستراتيجي في العالم وبالأخص في عالمنا الإسلامي حيث يزخر بالخيرات ويختزن مصادر الطاقة من الغاز والنفط والماء مستقبل، هذا التجاذب الحاد برّز إلى العلن في العلاقات الدولية ما بات يعرف بقضية التبعية، والتي سرعان ما أصبحت مشكلة بحد ذاتها أدت إلى تصدع البنيان الحضاري والتاريخي للشعوب، وإلى فقدان الهوية والشعور بالانتماء الأصيل، فضلاً عن التخلف وسلسلة الحروب الطويلة المدمرة، وفقدت على أثر ذلك شعوب العالم الإسلامي أي قدرة على النهوض وإبداع الحلول لمشاكل مجتمعاته.

وبعبارة أخرى فقد اكتسح مشروع الحضارة المادية صدر الأمة وتكرس كمشروع منتصر في العالم بعدما هزم كل الآخرين، "أما الإسلام فكان قد تحول إلى مجموعة من أسفار مجيدة تنوء بأثقالها الظهور المكسورة فأودعتها رفوف المكتبات الدهرية، أو فيما خلف الذاكرة مبددة التأثير أو متروكة لعبث مستشرقي الداخل والخارج، وأُخرج القرآن من الساحة حتى كأنه فقد دوره في الهداية لصالح مشروع الباطل"14.
وقد بلغ الحد أن استُخدم نفس القرآن من أجل هدم قيم الإسلام، يقول الإمام:"لقد استغل عباد الأنا والطواغيت القرآن الكريم واتخذوه وسيلة للحكومات المعادية للقرآن،،، فقد أخرجوا القرآن ـــ الذي كان ولا يزال الدستور الأعظم لحياة البشر وشؤونهم المادية والمعنوية ــ من الميدان وأبطلوا حكومة العدل الإلهي وهي أحد أهداف هذا الكتاب المقدس"15.

لم يكن للصمت أو السكون مكان في وجدان وشخصية الإمام الخميني فسرعان ما عمل للخروج من دائرة الاستقطاب الدولي وذلك بإعادة رسم الخارطة من جديد، فقسم العالم تقسيماً جديداً:عالم المستضعفين وعالم المستكبرين، عالمان لا يجتمعان ولا يتصالحان لأن أحدهما إلهي والآخر مادي، يقول الإمام:"إن الذين يعترضون علينا ويقولون لماذا لا تصالحون القوى الفاسدة، إنما ينظرون إلى جميع الأمور بنظرة مادية، ويفسرون الأمور من خلال العين المادية،،، إن مصالحة الظالم تعد ظلماً للمظلومين، وإن مصالحة القوى العظمى تُعدُّ ظلماً للبشرية، إن الذين يطلبون منا المساومة إما جهلة وإما عملاء"16.

إذن ثار الإمام كما قام حملة المشروع الإلهي وأصحاب عقيدة التوحيد على مر العصور ليشكل انعطافاً تاريخياً نوعياً وطفرةً حقيقيةً غيّرت المسار التاريخي للإنسانية في القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، نظر الإمام فلم يجد سوى نموذجين حضاريين: نموذج الاستضعاف وفيه المسلمون وغير المسلمين، ونموذج الطاغوت الجامع لكل قوى الباطل وأتباعه في الأرض.

لقد استمد الإمام هذه المصطلحات، الاستضعاف والاستكبار أو الطاغوت من عقيدة القرآن الكريم، وأراد بهذا التقسيم أن تكون رسالته أممية، حتى الثورة التي نجحت في إيران، يعتبرها غير محدودة بإيران ولا تنهي الصراع مع المستبكرين بنجاحها: "يجب أن يعلم مسؤولونا أن ثورتنا غير محدودة بإيران، إن ثورة الشعب الإيراني هي نقطة بداية لثورة عالم الإسلام الكبرى"17.

"إن الجميع مصممون على نشر التوحيد الأصيل بين الشعوب الإسلامية ودق رأس الخصم بالحجر، حتى يتحقق في القريب العاجل انتصار الإسلام في العالم"18.

صحيح أن كل تقسيم ثنائي للعالم يدور بين الإثبات والنفي سوف تستغرق دوائره وجه البسيطة، لكن كل تقسيم لن يكون أممياً في الجانب الإيجابي من خطابه، لقد رأى الإمام أن دائرة المستضعفين تشمل بعض المسلمين وغيرهم من بني البشر، كما أن دائرة الطاغوت والمستكبرين تشمل بعض المسلمين وغيرهم أيضاً، لذا نجد الإمام ميّز بين نوعين من الإسلام، الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي، يقول في ذلك:"إن طريق محاربة الإسلام الأمريكي له تعقيدٌ خاص يجب أن تتضح جميع زواياه،،، ومع الأسف فإن الكثير من الشعوب الإسلامية لم يتشخص لديها كاملاً الحد بين الإسلام الأمريكي والإسلام المحمدي الأصيل، إسلام الحفاة والمحرومين، وإسلام المتظاهرين بالتقدس والتدين والمتحجرين الرأسماليين الذين لا يعرفون الله والمرفهين الذين لا يعانون من شيء"19.

نجد أن الإمام لم يلجأ في تقسيمه للعالم إلى دار الكفر ودار الإيمان أو الإسلام كما فعل الكثير من الحركات الثورية الإسلامية، لأنه وجد أن الكفر الحقيقي ينبغي البحث عنه في الذهنية الطاغوتية والفرعونية, في تسلط الإنسان على أخيه الإنسان.

أما على مستوى الداخل فقد رفع الإمام شعاراً موازياً للشعار الذي رفعه للعالم، اتخذ شعار عدم الانحياز للشرق أو للغرب في تأسيسه للجمهورية الإسلامية، فاستوحى مرةً أخرى من القرآن الكريم ﴿زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور﴾20 فأعاد بذلك تشكيل الوعي بكل مستوياته ومفرداته ومفاهيمه21.

لذا تحرك الإمام لإقامة الحكومة الإسلامية والتي اعتقد أنها ستحقق العدل والقسط وحرية الشعب واستقلاله عن كل أنواع التبعيات الداخلية والخارجية، وكان يعتقد أن إقامة الجمهورية الإسلامية وتغيير السلطة في إيران ليس هو الغاية بحد ذاتها, وإنما "الاستيلاء على السلطة" هو الوسيلة التي يتم بها تنفيذ أمر الله في إجراء الكثير من الأحكام والشعائر الإلهية، وكان يعتبر أن جميع الأنبياء ومنذ بداية البشرية إلى خاتم الأنبياء‘ استهدفوا إصلاح المجتمع وأن يقوم الناس بالقسط فقد أُرسلوا بالبينات والحديد، وفي الإرتباط الحاصل في الآية ﴿وأنزلنا الحديد﴾ مع البينات يقول الإمام:"إن ذلك يعني أن تحقق (هذه الأهداف) يكون بالحديد والبينات والحديد فيه ﴿بأس شديد﴾ أي إذا أراد شخص أو مجموعة معينة القضاء على المجتمع،،، فإنه ينبغي التحدث معها بالبينات، فإن لم ينفع ذلك، فبالموازين العقلية، وإن لم ترتدع وتتعقل فبالحديد"22.

ويقول أيضاً:"الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم في الوقت الذي يحملون فيه الكتب السماوية في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم عليه السلام كان يحمل الصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى عليه السلام يحمل التوراة في يد والعصا في يد أخرى، تلك العصا التي أذلت الفراعنة، وتحولت إلى أفعى وابتلعت الخائنين"23.

وكان الإمام يعتقد أن مهام الأنبياء هو تدمير ودك عروش ومعاقل الظالمين وبناء جيل مجاهد ومناهض للاستكبار ، يقول عن ذلك: "لقد جاءت النبوة وبعُث النبي من أجل تحطيم معاقل الظالمين الذين يظلمون الناس، وإن معاقل الظلم هذه قد قامت أسسها على كدح هؤلاء الضعفاء وعلى دمائهم واستثماراتهم. كان مجيء النبي‘ لتحطيم هذه المعاقل وقلع جذور الظلم، ومن جانب آخر فلأن الهدف أيضاً بسط التوحيد، فقد قام بهدم مراكز عبادة غير الخالق جل وعلا ومراكز عبدة النار وأطفأ نيرانهم"24.

وكان الإمام يعتقد أن نهضة عاشوراء نابعة مما يراه لدور الأديان ولما جاء به الأنبياء ولحركة أئمة الهدى من أهل البيت، من نشر عقيدة التوحيد وإقامة حكومة العدل الإلهي، فاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام كان عنده من أجل القيام لله وإصلاح الأمة وتقويمها، وكان يعتقد أنه لأجل تحقيق هذه الأهداف العظمى تُسترخَص النفس ولو كانت نفس إمام معصوم، وعن ذلك يقول:"لقد بُعث الأنبياء لإصلاح المجتمع وكلهم كانوا يؤكدون أنه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع، مهما كان الفرد عظيماً، حتى ولو كان الفرد أعظم من في الأرض، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد فعليه أن يضحي،،، وعلى هذا الأساس نهض سيد الشهداء عليه السلام وضحى بنفسه وأنصاره، فالفرد يقدَّم في سبيل المجتمع، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع تضحيته وجب التضحية، إن العدالة ينبغي أن تتحقق بين الناس ﴿ليقوم الناس بالقسط﴾"25.

وكان الإمام يرى أن ما ينقصنا في العصر الحاضر هو عصا موسى وسيف علي "كل ما ينقصنا هو عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب وعزيمتهما الجبارة، وإذا عزمنا على إقامة دعم إسلامي، فسنحصل على عصا موسى وسيف علي أيضاً"26.

وكان الإمام ذا ثقة كبيرة بتحقيق أهدافه وأن منطق التاريخ والسنن الإلهية كفيل بتحقيق هذا النصر، شرط أن يعمل رواد الأمة بتكليفهم الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يعتقد أن هذه الفريضة الإلهية إنما شرعت لتستقيم الفرائض كلها كبيرها وصغيرها "ولهذه العظائم شرع الإسلام وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا لصغار الأمور فقط، مما نرى ونسمع يومياً، وإن وجب إنكارها وردعها"27.

بهذا الإيمان حقق الإمام الخميني? المشروع الإلهي في إيران، وكان قلبه النابض ، واستمر هذا المشروع يصدح في العالم من بعده، على أمل أن يسود الإسلام العالم وتنمحي آثار الكفر والاستكبار عن وجه الأرض، فهي الخطوة الأولى في المشروع الكبير، مشروع إقامة العدل من أجل جميع المستضعفين في العالم.

 

*الجامعة في فكر الإمام الخميني قدّس سرّه , سلسلة الندوات الفكرية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- سمير سليمان، الأندلس والغرب – صراع النموذجين الحضاريين وبدايات الإستشراق، ص18،
2- عبد الحليم صديقي، تفسير التاريخ، الترجمة العربية، ص33، نقلاً عن كتاب الإمام الخميني قدس سره والمشروع الحضاري الإسلامي،
3- محمد باقر الصدر، مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، ص133،
4- الحجر:29
5- سورة الشمس , آية 7 و8و9،
6- سورة الإسراء، آية 7و8،
7- 
 يطلق الدكتور سمير سليمان على هذه القراءة لتاريخ الحضارة بأنها " القراءة العمودية"
8- 
 المصدر نفسه
9- سورة الاحزاب, آية 72،
10- الإمام الخميني قدس سره والمشروع الحضاري الإسلامي، ص24،
11- روح الله الخميني قدس سره، مختارات من أقوال الإمام الخميني قدس سره، ج2، ص84،
12- منهجية الثورة الإسلامية، ص132،
13- الإمام الخميني قدس سره، الفكر والثورة – كتاب المنطلق، مقالة الإمام الخميني قدس سره ومشكلة التبعية، مصطفى الحاج علي، ص65،
14- الإمام الخميني قدس سره والمشروع الحضاري الإسلامي، ص24،
15- منهجية الثورة الإسلامية، ص77،
16- منهجية الثورة الإسلامية ، ص425،
17- المصدر نفسه، ص444،
18- المصدر نفسه، ص445،
19- المصدر نفسه، ص502،
20- سورة النور، آية 35،
21- الإمام الخميني قدس سره ومشكلة التبعية، مصطفى الحاج علي، ص66،
22- منهجية الثورة الإسلامية، ص52،
23- المصدر نفسه، ص56 و57،
24- المصدر نفسه ، ص11،
25- نهضة عاشوراء، ص46،
26- الحكومة الإسلامية، ص135،
27- المصدر نفسه، ص112،

أضيف بتاريخ: 01/02/2016