مقالات خارجيّة

حقوق المرأة ما بين السلعة الغربية والقدوة الايرانية

حقوق المرأة ما بين السلعة الغربية والقدوة الايرانية


علي عوباني

يخفي الغرب عوراته ويتبجح، يبيعنا ويشتري شعارات واوهاما طنانة رنانة كثيرة، يطبل اعلامه ويزمر لـ"حقوق المرأة" و"المساواة"، وضرورة اشراكها في العمل السياسي، عناوين براقة تتراقص على انغامها منظمات "نصرة المرأة" الدولية، لتتناغم معزوفة واحدة تستخدم "حقوق النساء" ورقة تهديد للتدخل في شؤون الدول الاسلامية ومنها ايران، بدعوى الدفاع عن النساء "المعنفات" حينا و"المغبونات" او "المظلومات" حينا آخر، او بزعم ان المؤشرات الحقوقية متدنية هنا او هناك وليست لصالح المرأة. لكن ليس كل ما يقال يعكس حقيقة واقع الامر فيكفي مقارنة بسيطة بين حقوق المرأة في المجتمع الايراني وفي ظل النظام الاسلامي الحالي، وواقع المرأة الغربية، ليظهر الكثير من الحقائق المحجوبة عن انظار الرأي العام.  
 
تخفي العناوين والشعارات الحقوقية الغربية واقعا مهولا داخل تلك الدول نفسها، وتغيب حقيقة ما يجري وما تتعرض له المرأة من أهوال، وبأرقام مفجعة، سواء لجهة الاتجار بالنساء، والقتل، والفساد الاخلاقي، والعنف ضد المرأة..، وكل ذلك يجري تمويهه ببريق "وهم المساواة" المزعوم، ليتبين أن ما يطرح في هذا الاطار ليس سوى ادعاءات واهية لا اساس لها، ادعاءات سرعان ما ينكشف زيفها امام واقع وارقام لا يمكن اغفالها، ومنها أن المرأة الأمريكية لم تنجح حتى الآن في الدخول إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة، وأن مشاركتها في مجلس النواب الاميركي لم تتجاوز الـ18 بالمئة، وان واشنطن "رائدة حقوق المرأة والدفاع عنها" لم تصدق حتى اليوم على أي اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
تلك حقائق لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، لا سيما اذا ما علمنا أن منطلق تخصيص يوم 8 اذار من كل عام يوما عالميا للمرأة من قبل منظمة الامم المتحدة سنة 1977، أتى بعد مسيرة طويلة من نضال المرأة داخل الولايات المتحدة الاميركية نفسها، للمطالبة بحقوقها ومساواتها مع الرجل، مسيرة بدأت تاريخيا باحتجاجات عاملات مصانع القماش في شوارع مدينة نيوإنغلاند بولاية ماساتشوستس سنة 1820، لتمر بإضراب عاملات مصنع "لوريل" للقطن سنة 1834 ، وما حققته لجهة انشاء أول جمعية للمرأة في الولايات المتحدة سنة 1844، وصولا الى مسيرة "الخبز والورود"، عام 1857 والتي احتج فيها آلاف النساء في شوارع نيويورك على الظروف اللاإنسانية للعمل. لتعود عاملات النسيج للتظاهر من جديد في الثامن من اذار/مارس سنة 1908  في شوارع المدينة، للمطالبة بمنحهن حق الاقتراع. وهو التحرك الذي كان ملهما للبدء بالاحتفال بالثامن من مارس كيوم للمرأة الأمريكي، ولاحقا العالمي.


مقارنة مع هذا الواقع المزري للمرأة الغربية، تبرز رؤية وتعاليم الامام الخميني الراحل (قده) ومبادئ الثورة الاسلامية الناصعة في ايران، والتي تكرست لاحقا في الدستور الايراني، تعاليم لم تؤسس لحكومة اسلامية فحسب، بل أسست لمجتمع كامل متكامل بشكل راق وعصري، ينطلق من مشاركة المرأة الفعالة الى جانب الرجل في بناء الاسرة والمجتمع وخدمة الوطن. فكما للرجل دوره في ايران ولديه حقوق وعليه واجبات وطنية كبرى كالدفاع عن البلاد وحدودها بمواجهة الاخطار، للمرأة ايضا احترامها الكامل النابع من تعاليم الاسلام المحمدي الاصيل، والذي انصفها من حكم الجاهلية، ليعيد سماحته إحياء هذا الدين من جديد في القرن العشرين وينصفها مجددًا من الجاهلية المعاصرة التي حوّلتها الى سلعة تباع وتشرى في مزاد الاعلانات الغربية.   
الامام ودور المرأة
انطلاقًا من هذا الواقع، ومن نظرته للمرأة بأنها "طليعة النصر" الذي تحقق في الثورة الاسلامية، احتلت المرأة مكانة خاصة في فكر ورؤية الامام لبناء المجتمع وادارة البلاد، فحثّها منذ انطلاق الثورة التي ساهمت فيها بفعالية، على ضرورة المشاركة بقوة في القضايا السياسية وبناء النظام ومؤسساته بفعالية، وفي جميع المجالات الاخرى، ومنها المشاركة في الاستفتاء والانتخابات والترشيح، فجاءت تعاليمه بمثابة أحكام قاطعة وتكرست في الدستور الايراني وفي التطبيق العملي لاحقا، دون أن يغفل سماحته اوجه المقارنة بين النظام الاسلامي والغرب، فأكد في احد كتاباته "إننا نؤمن بهذه الحقوق للنساء أكثر من إيمان الغرب بها"، فالمرأة لها أن تشارك بالانتخابات لتنتخب الشخص الذي تراه مناسباً. وكذلك لها حق الترشيح، حيث يمكنها أن تترشح أيضاً في أي انتخابات تجري. ويمكنها أن تحتل المراكز والمناصب وتقوم بعملها إذ انتخبها الناس بلا فرق بينها وبين الرجل.
رؤية الامام للمرأة ودورها، لا تتبدى من كتاباته وخطاباته المحفوظة والموثقة فحسب، بل نجدها في طيات وروح الدستور الايراني، بدءا من مقدمته التي خصصت عنوانا خاصا للمرأة وضرورة انصافها، انطلاقا من أن "الاسرة هي اللبنة الاساسية للمجتمع والمهد الطبيعي لنمو الانسان وتساميه وتقدمه"، وتأسيسا على هذا المفهوم الذي يكرسه الدستور عن الأسرة، ما يلبث ان يشير الى ضرورة ان  "تخرج المرأة عن كونها شيئاً جامداً أو أداة عمل تستخدم فـي إشاعة روح الاستهلاك والاستغلال الاقتصادي"، ليخلص الى التشديد على اهمية "استعادة المرأة مسؤولية الأمومة المهمة والقيمة اولاً، ومشاركة الرجل فـي ميادين الحياة العملية ثانياً، وان تتقبل مسؤوليات أكبر وتحصل - بنظر الإسلام - على قيمة وكرامة أرفع".
لم يكتف الدستور الايراني بالاشارة الى مبادئ عامة حول رؤيته لدور المرأة في المجتمع وبناء الدولة، بل ذهب ابعد من ذلك فوفر الضمانات القانونية اللازمة لحماية حقوق المرأة، فنصت المادة عشرون منه على ان "حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب ـ نساء ورجالا ـ بصورة متساوية"؛ وانهم "يتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن الموازين الإسلامية". لتأتي المادة الحادية والعشرون وتضيف بان "الحكومة مسؤولة ـ في إطار الإسلام ـ عن تأمين حقوق المرأة في كل المجالات، وعليها "إيجاد الظروف المساعدة لتكامل شخصية المرأة، وإحياء حقوقها المادية والمعنوية".
هذه النصوص الدستورية بشأن المساواة بين الرجل والمرأة، والتي عبّر عنها سماحة الامام الخميني (قده) حينما اعتبر ان الشؤون  السياسية ليست مختصة بالرجال فقط، وان على المرأة المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية على قدم المساواة مع الرجال، وفي إدارة شؤون البلاد وإشغال المناصب الحكومية الرفيعة أيضاً، تجسدت في التجربة العملية، من خلال تصدر وجوه نسائية الحكومات والبرلمانات الايرانية المتعاقبة منذ ايام الثورة. فتمثيل المرأة في ايران لم يقتصر على 9 نواب في البرلمان الحالي من أصل 290 نائب، ولا على تعيين الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني نائبة ومعاونات له في الرئاسة الاولى، وهن السيدة معصومة ابتكار التي تشغل حاليا منصب نائبة الرئيس الإيراني ورئيسة منظمة حماية البيئة علما انها كانت شغلت المنصب نفسه في عهد الرئيس محمد خاتمي بين 2 اب 1997 إلى 3 اب 2005، والسيدة شهيندخت مولاوردي التي تشغل منصب معاونة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة، والدكتورة إلهام أمين زاده التي عينت برتبة معاون حقوقي لرئيس الجمهورية وهو منصب مؤثر وحيوي، ولا على الناطقة باسم الخارجية الايرانية السابقة مرضية أفخم والتي كانت بمثابة واجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية للخارج قبل أن يتم تعيينها سفيرة في ماليزيا. بل تجسد تمثيل المرأة ايضا بحكومة محمود احمدي نجاد والتي عين فيها أول إمرأة بمنصب وزير وهي الدكتورة مرضية وحيد دستجردي التي كانت أول إمرأة تشغل منصب وزيرة الصحة في حكومته عام 2009.  وكذلك في ترشح العضو السابق في البرلمان الإيراني، رأفت بيات لمنصب الرئاسة الإيرانية في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية التاسعة عام 2009، والتي كانت أول إمرأة تترشح لهذا المنصب في إيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
هذا في المشاركة في الحياة السياسية والمواقع العليا في الدولة، والتي لا يقتصر دور المرأة عليها، بل يتعداها الى كل القطاعات العملية والمهنية، فالمرأة حاضرة بقوة في شتى الميادين في ممارسة مهنة الطب والمحاماة والهندسة والطيران المدني وغيرها، وحتى مجالات الاعلام والموسيقى والفن، وفي القضاء. كما ان احترام المرأة في ايران لا يقتصر على المجالات العملية فقط، بل يدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية، فنجد ملامحه وتجسيداته في الشارع، وفي المترو الذي يخصص كابينات خاصة بالنساء، وفي النقل العمومي وحتى اتوبيسات النقل، التي تخصص للنساء، وفي المدارس، وفي الجامعات التي يتفوق فيها حضور الاناث على الذكور باعتبار ان اكثر من 60 بالمئة من طلاب الجامعات الايرانية هم من الاناث.
 
كل ما تقدم يدلل على المكانة الخاصة التي تحظى بها النساء في المجتمع الايراني، وان بمقدورها تبوأ أعلى المراتب الحكومية، لخدمة بلادها، وتبرز مساواة المرأة بمعناها الاسلامي الحقيقي في ايران وليس بمعناها الغربي الوهمي، ليتبين أن ما حصلته المرأة الاميركية بعد مسيرة مئتي عام من النضال لا يتعدى واحد بالمئة مما حققته المرأة الايرانية التي انصفتها الثورة الاسلامية واحترمتها كشريك في النصر، الذي تحقق. كما ان ذلك يضيء على قضية جوهرية وهي ان ما يسمى بـ"الثورة الاميركية" التي وقعت في القرن الثامن عشر، ضد الاضطهاد والاستعمار البريطاني، لم تؤسس لمبادئ عادلة ومنصفة عكس الادعاءات الزائفة التي يروج لها بأن الثورات الغربية كانت الملهم لشرع حقوق الانسان العالمية لاحقا، فما يظهر على ارض الواقع واحدى تجلياته حقوق المرأة يشي بعكس ذلك تماما وبأن دعاة الثورات في العالم اضطهدوا المرأة ايّما اضطهاد، وتعاملوا معها بخفة، اضطهاد لا نزال نجد ارهاصاته في بعض الدول المتأثرة بالمفاهيم الاميركية والغربية والتي لم تمنح المرأة حتى يومنا هذا حق قيادة السيارة، بل حتى لم تمنحها حق الانتخاب او الترشيح او الممارسة السياسية والمشاركة في اختيار حكامها الذي لا يزال يتم في القرن الواحد والعشرين بأطر جاهلية "اتوقراطية" موروثة بعيدًا عن أدنى اعتبارات ديمقراطية او عن ممارسة الشعب لاي اصول لحكم نفسه بنفسه، ليكون مصدر السلطة ليس الشعب، انما الحكم الملكي والمتوارث داخل العائلة المالكة جيلا بعد جيل.. ورغم ذلك يتشدقون ويتبجحون عن "الديمقراطية" في ايران..ولا "يستحون".   

المصدر: موقع العهد الاخباري 

أضيف بتاريخ: 13/02/2016