مقالات داخليّة

نار الحرب الإعلامية تحرق من يديرها


نار الحرب الإعلامية تحرق من يديرها



علّق سيرغي خودييف في مقال نشرته صحيفة "فزغلاد" على ما صرح به ألكسندر باستريكين رئيس لجنة التحقيق الروسية حول شن واشنطن وحلفائها حربا إعلامية شعواء ضد روسيا تتطلب صدها.

وأكد خودييف أنه يشاطر رئيس لجنة التحقيق الروسية في الكثير من الرؤى التي طرحها بهذا الصدد، فيما عبّر عن رفضه لأفكار أخرى جاهر بها باستريكين.
وفي تسويغ رفضه هذا، كتب خودييف أنه حينما يتعلق الأمر بمواجهة الحرب المعنوية أو الإعلامية، لا يصلح اللجوء إلى الطرق والسبل التي تكافح بها أجهزة الدولة الجريمة والخارجين عن القانون، إذ أن الحرب الإعلامية تدار بالدرجة الأولى للاستحواذ على قلوب وعقول الناس، والاستحصال على تضامنهم، والاستئثار بتعاونهم ودعمهم.

وأضاف، أن الوسائل المستخدمة في الحرب الإعلامية لا تستهدف الدروع أو الإسمنت، وإنما موجهة لمسامع أحرار الإرادة والتفكير والعواطف، ومن يعتدّون بأنفسهم أمام ذاتهم، ومن لهم قناعات عميقة بهذا الفكر أو ذاك.
واستنادا إلى ذلك، حذر خودييف من مغبة أن تأتي الحرب الإعلامية بنتائج عكسية على من يديرها، أو انعدام نتائجها المرجوة.

وضرب مثلا في هذا الصدد، دهشة "بي بي سي" تجاه عدم اكتراث الروس بالمطلق لما سمي بـ"وثائق بنما"، معللا ذلك بما خلص إليه خبراء علم النفس الذين يؤكدون أن الرأي العام حينما يتلقى المعلومة ينظر بالدرجة الأولى إلى مصدرها، ليرفض التصديق بها إذا جاءت من مصدر غير مرغوب به، أو غير موثوق.
ولفت النظر إلى أن جميع جهود من يعكفون على فضح هذه الجهة أو تلك لن يجنوا ثمار تعبهم إذا ما كان حبل الثقة مقطوعا بينهم والمتلقي.

وعزز طرحه هذا بالأثر العكسي الذي ترتب على ما دأب اللبراليون في روسيا على ترويجه في البلاد، حينما ركزوا في هجماتهم الدعائية على التقليل من حجم الانتصار في الحرب الوطنية العظمى، وخلصوا إلى المساواة ما بين ستالين وهتلر، وأن الحرب الوطنية العظمى التي خاضتها البلاد ما كان لها أن تشتعل لولا خصام الدكتاتورين ستالين وهتلر، الأمر الذي أثار غضبا شعبيا عارما في روسيا وحفز الجميع على إعطاء النصر حقه في جميع المحافل.

وأضاف أن الأثر العكسي للدعاية اللبرالية الهدامة في روسيا نجم عن تمسك أصحابها بمحاولات إيهام الآخرين بأنهم "مهانون ومحقّرون، وأنهم أحفاد أناس ذلّوا وتاريخهم لا يزخر بسوى التحقير"، الأمر الذي جعل المواطن الذي لا يبالي بالمطلق لما حوله، إنسانا وطنيا متشددا في مواقفه المدافعة عن هويته ووطنه.

كما عرج في هذا السياق على دعاية "الميدان" التي خلصت في أوكرانيا إلى الانقلاب على السلطة وتدهور البلاد على جميع الأصعدة. وأشار إلى أن الحالة الأوكرانية، خلصت على العكس مما سجل في روسيا، إلى أن أفلح أصحاب الدعاية من التسلل إلى قلوب العامة بعبارات فحواها أن السلطة قد همشتهم وحقرتهم، و"الميدان" في انتظارهم لتنتفضوا هناك ويعتّدوا بأنفسهم، تحت شعار "نحن لسنا سفلة ولسنا عبيدا".
ولفت النظر إلى أن السلوك الإنساني، وتحديدا سلوك المجموعات البشرية الكبيرة، لا يخضع لحسابات دقيقة، حيث لم يتمكن معتصمو "الميدان" في العاصمة الأوكرانية كييف من صياغة أي خطط واضحة قابلة للتطبيق، واقتصر نجاحهم على حشد الناس مستغلين قلقهم المعنوي.

الناس في أوكرانيا، اصطدموا في أعقاب "الميدان" بمعاملة أسوأ من ذي قبل، ووجدوا أنفسهم بعد فوات الأوان مخدوعين بعبارات من قبيل "الدولة لا تحترمكم، و"الميدان" سبيلكم لإعلاء الكرامات".
وخلص خودييف استنادا إلى ذلك، إلى أن تحقيق السلم العام والاستقرار في هذا البلد أو ذاك، يتطلب إضفاء أجواء من الاحترام والثقة تسود بين الجميع، وبشكل خاص بين السلطة والمجتمع. مطالب الناس باحترامهم وصون كرامتهم وإنسانيتهم لا بد من أن تتحقق ضمن إطار القانون، وإلا فإن من يريدون بث الفوضى، قد يحسنون استغلال هذه المطالب وتسخيرها في تحقيق مآربهم.
وعلى السلطات حسب خودييف، أن ترسل إشارة للشعب تعرب فيها عن ثقتها بالمواطنين، وتناشدهم الرد بالمثل، كما يتوجب عليها كذلك، الإقرار باستعدادها لقبول الانتقادات، وبحث المشاكل التي تعني المواطن علانية.

وأكد أن إجراءات الحظر الشامل، قد يقرأها المواطن على النحو التالي: "أنتم جميعا تافهون وخائنون وقابلون لبيع أنفسكم لوزارة الخارجية الأمريكية حال ما ترون عبر شاشات التلفاز برميل مربى وصندوق بسكويت، ولذلك قررنا حظر الترويج لجميع أنواع البسكويت والمربى على شبكة الانترنيت".  

وأعاد إلى الأذهان أن الإنسان يتمسك من الناحية النفسية بالدفاع عن خياره، ويميل إلى تأييد الموقف الذي تبناه طوعا، ويرفض تقبل المواقف التي قد تفرض عليه عنوة، وخلص في تحليله إلى أن الحرب الإعلامية ليست إلا صراعا يرنو من يخوضه إلى الاستحواذ على تأييد الرأي العام، فيما سر النصر في حرب كهذه يكمن في منح الثقة للناس واحترامهم.
المصدر:  "فزغلاد"

أضيف بتاريخ: 25/04/2016