مقالات داخليّة

«لو فيغارو» تستثمر في «الإسلاموفوبيا»

«لو فيغارو» تستثمر في «الإسلاموفوبيا»


اختارت مجلة «لو فيغارو» الفرنسية الطريق الأسهل لجذب القرّاء في زمن «الإسلاموفوبيا». على غلاف عددها الصادر في 20 أيار الحالي، صورةٌ من قلب ضاحية «سان دوني» شمال العاصمة الفرنسية باريس، حيث «الأسلمة تمضي قدماً»، بحسب العنوان الثانوي للتحقيق. توحي الصورة بالكثير بالنسبة للمتوجسين من الخطر الإسلامي. فتاتان تغطيان شعرهما بالمنديل أمام كاتدرائية في قلب المدينة.
اختارت المجلّة عنوان «مولنبيك سور سين» ليتصدّر غلافها المثير للجدل. والمقصود تشبيه «سان دوني»، بضاحية «مولنبيك» في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي خرج منها مدبرو هجمات باريس الدامية في تشرين الثاني الماضي.
حصَد تحقيق «لو فيغارو» انتقاداً واسعاً فور صدوره. صحيفة «لوموند» وصفته بأنه ينمّي، مع غيره من التقارير، «السخافة الراديكالية». أما في صحيفة «ليبراسيون»، فاختار سكانٌ من الضاحية الباريسية المعنية، ومنهم باحثون ومثقفون، ان يدافعوا عن مدينتهم في وجه «الكليشيهات» التي تتصدر وسائل الإعلام الفرنسية مؤخراً. هي ليست المرة الأولى التي توصف «سان دوني» بـ «مولنبيك» فرنسا، فالجدل حول أسلمة هذه الضاحية التي تضم خليطاً من المهاجرين، من أفريقيا وشمالها، ومن مهاجرين برتغال ويهود، ومن الصين أيضاً، بات الشغل الشاغل لـ «الميديا» الفرنسية.
من جهته، أصدر عمدة «سان دوني»، ديدييه بايار، بياناً أكد فيه أنه يفكر جدياً برفع دعوى ضد «لو فيغارو» التي «اختارت أن تنضم إلى اليمين المتطرف في وصم مدينتنا وسكانها، وتغذية الاصطفافات المتطرفة لزيادة حجم مبيعاتها». ودعا بايار سكان المدينة «الغنية بتاريخها، وبيدها العاملة، والتي يسكن فيها 110 مواطنين يتحدرون من أصول مختلفة، إلى شرح مدينتهم وثقافتها على وسائل التواصل الاجتماعي» بعدما «باتت هدفاً ليمين ينحو نحو الراديكالية وينغلق على مفاهيمه المتطرفة».
وكان وزير شؤون المدن الفرنسي، باتريك كانر، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الرياضة، قد أشعل في أواخر شهر آذار الماضي، جدلاً واسعاً، حين قال إن فرنسا «تحتضن نحو مئة حي شبيه بـ «مولنبيك» البلجيكي». ردّت الأوساط اليساريّة حينها على كلام «الوزير الطائش»، في حين رحّب اليمين «بتصريح ناري، لا يستند إلى أي أرقام أو معطيات ملموسة»، وفق صحيفة «لو موند».
قدّم تقرير «لو فيغارو ماغازين» أكبر قدرٍ من التنميط لضاحية «سان دوني» التي افتقدت الاهتمام الرسمي لوقت طويل. تحدّثت المجلّة الفرنسيّة عن مطاعم حلال، وشبان يعترضون غير المحجبات، وآخرين يخشون من «داعش» الذي أصبح «على أبواب جوامعهم»، ومتاجر متخصصة بلباس المحجبات، وخطب للسلفيين تمنع المرأة من الخروج من المنزل، وتحذرها من رفض «تلبية حاجات زوجها». استخدم التقرير كل ذلك لربط «سان دوني» بالإرهاب واستنكار ما يجري في «مهد التاريخ الفرنسي» التي تشكل كاتدرائيتها «مدفناً للملوك الفرنسيين».
لا يشرح تقرير «لو فيغارو» كيف تحولت «سان دوني» إلى «مولنبيك»، أو يحصي كم من «الإرهابيين» خرج منها ليقاتل في سوريا، أو يسأل كيف تحول أبناؤها إلى «التطرف»، أو يشرح كيف ان المطاعم «الحلال» تتناقض مع مبادئ «الجمهورية» العلمانية.
في الواقع، تستفيق فرنسا متأخرة على مسلميها. قضية الضواحي، مشاكلها، وجنوحها نحو «التنظيم الطائفي»، تشكل في الأساس أرقاً سابقاً لهجمات باريس أو لظهور تنظيم «داعش».
في بداية «الربيع العربي»، أعطى المفكر السياسي الفرنسي جيل كيبيل الكلمة في تحقيق حمل عنوان «ضاحية الجمهورية»، لسكان من «كليشي سو بوا» و «مونتفيرماي»(سين سان دوني)، المدينتين الرمز لأحداث «انتفاضة» 2005 الفرنسية. هؤلاء السكان، بحسب قوله، المهمّشون اليوم، هم في قلب فرنسا المستقبل. باختصار، ينصح الكاتب في ختام بحثه الذي استمر سنة، السلطات الفرنسية بإعادة تصويب السياسات الشعبية نحو التربية والطفولة لإعطاء الشباب ما يلزم للإندماج اقتصادياً واجتماعياً في «الجمهورية»، بالإضافة إلى إعطاء الثقة للنخبة المحلية المتنوعة عبر السماح لها الوصول إلى المراكز المسؤولة، في عمادة البلديات والنيابة وغيرها من المواقع. وفي كتابه «93» (رقم منطقة سين سان دوني)، يذهب كيبيل إلى أبعد من هواجس مسلمي الضواحي في فرنسا، إلى «فكرة الحلال»، الناشئة من تطبيق أكثر قوة للإسلام في فرنسا. لكن «الحلال» الذي يقرأه كيبيل يربطه بصراع بين أجيال المسلمين في فرنسا، تصل به أخيراً إلى ظهور المجموعات السلفية، المستلهمة من الدعوة الوهابية، والتي تقدمت على التبليغ.
يبقى لتحقيق كيبيل، وغيره من المفكرين الفرنسيين، دور في توجيه نقاش سترتفع حدته مستقبلاً حول الإسلام في فرنسا. نقاش أكثر عمقاً، يختلف عن تقرير صدر بعد «تمضية ثلاثة أشهر مع الملتحين» كما كتب نائب رئيس تحرير «لوفيغارو ماغازين» جان كريستوف لوبويسون على «تويتر».

داليا قانصو-جريدة السفير 

أضيف بتاريخ: 01/06/2016