مقالات داخليّة

في الحرب النفسية..مجتمع يهزمه خطاب فرد

في الحرب النفسية..مجتمع يهزمه خطاب فرد


زينب الصفّار - الميادين

جاء في تقرير أعدته "هيئة الدعاية الاسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية" وضعته لجنة ثانوية تابعة للجنة الخارجية والأمن المختصة بشؤون الدعاية والعلاقات الخارجية (2007) أن اسرائيل فشلت في مواجهة الحملة الدعائية المكثفة التي قام بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال الحرب، وأن الحملة الاسرائيلية لم تنجح في تهدئة الجمهور الإسرائيلي، بل زادت من ارتباكه.


لعله وبسبب الظروف الأمنية الدقيقة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتنا نراه فقط عبر شاشة، ولكن على الرغم من غياب الحراس الشخصيين، لايظهر السيد نصرلله بغيابهم وحيداً على الشاشة. يرافقه دائماً حارسه الظل الذي بات جزءاً لا ينفصل عن إطلالته وهالته. وهذا تجسد بالحرب النفسية التي أضحت مقرونة باسمه حتى بات يعرف بـ"ابي الحرب النفسية" من قبل أخصامه وأعدائه قبل محبيه. فالسيد نصرالله بحسب أعدائه الذين يعترفون بميزته تلك يقولون إنه يتمتع بـ"قدرات مجهرية" نظراً للتأثير الكبير والعميق لكلماته ووعوده ليس على أتباعه وأنصاره والمؤيدين للفكر المقاوم في العالم العربي والغربي فحسب بل على من يحرص على متابعة خطاباته من المستوطنين الاسرائيليين.


ولعل أحد أسباب نيل السيد نصرالله مساحة من الزمن على الشاشات الاسرائيلية التي بثت خطاباته كما هي خلال عدوان تموز 2006 يعود بحسب صحيفة معاريف إلى الاستراتيجية التي ينتهجها وهي "استراتيجية المصداقية". هذه آلية دعائية تستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الأصل استخدمها دعاة الحلفاء ضد اليابانيين. فقد حرص هؤلاء على نقل رسائل تقوم على أساس مضمون حقيقي، بحيث يكون بوسع المتلقي أن يلمس بنفسه صدقية هذه الرسائل.


وجاء في تقرير أعدته "هيئة الدعاية الاسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية" وضعته لجنة ثانوية تابعة للجنة الخارجية والأمن المختصة بشؤون الدعاية والعلاقات الخارجية (2007) أن اسرائيل فشلت في مواجهة الحملة الدعائية المكثفة التي قام بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال الحرب، وأن الحملة الاسرائيلية لم تنجح في تهدئة الجمهور الإسرائيلي، بل زادت من ارتباكه. 


وأضاف التقرير الذي نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت بعض ما جاء فيه أن "الحرب الأخيرة أظهرت الفجوة الكبيرة بين الحملة الدعائية التي نفذها حزب الله والمتحدث الوحيد باسمه حسن نصرالله وما شهدته من تماسك في المعلومات، وسرعة نقل الرسائل الدعائية من جهة والحملة الاسرائيلية التي نفذها متحدثون كثر لايربط بينهم أي تنسيق أو فهم، ووقعوا أكثر من مرة في تناقضات وأخطاء وخلقوا أجواء متفائلة أكثر من اللازم ما أشعر الجمهور بالاحباط و الضياع".


ولنزيدكم من الشعر بيتاً، فيما يتعلق بزخم الحرب النفسية التي يقودها الأمين العام لحزب الله، يقول أحد مقدمي البرنامج الحواري "لندن وكيرشنباوم" على القناة العاشرة الاسرائيلية بصراحة متناهية "بربكم لو لم نكن بحالة عداء وحرب مع نصرالله، ألم نكن عندها من المؤيدين لفهمه موضوع الديمقراطية. وربما قد يفهم من كلامي أنني متطرف, لكن لا بدّ من التأكد أننا شاهدنا حسن نصرالله صاحب الشخصية التي تنم  عن انسان متوازن بشكل غير عادي، انساناً عميقاً بفهمه وكبيراً بعقله وبإحاطته بالأمور والتطورات، انساناً منطقياً وعقلانياً، نعم ومن الطبيعي أننا لا نعرف كل الأمور، وعليه يمكن القول أيضاً ربما هو على حق".


الباحث في الشؤون الإسرائيلية، انطوان شلحت، يشير في مقال له في أذار عام 2007 إلى أن الحرب الاسرائيلية على لبنان في صيف 2006 خلفت وراءها العديد من الملفات التي لا تزال مفتوحة على مصاريعها. ولعل أحد أكثر هذه الملفات إثارة للاهتمام ذلك المتعلق بآداء الإعلام الاسرائيلي في هذه الحرب التي بلا ريب اعتبرت الأعتى من الناحية الاعلامية مقارنة بكل الحروب السابقة. 

ويقتبس شلحت في مقاله الدكتور عودي ليفل، محاضر بارز في علم النفس السياسي وعلاقات الجيش ووسائل الاعلام في جامعة بن غوريون "لقد نشأ وضع اشكالي، فبدلاً من أن يعتمد الجمهور الاسرائيلي على متحدث من بين قومه يطلعه ويبين له مجريات الأحداث يومياً، أصبح الجمهور يولي ثقته في هذا الصدد لزعيم العدو الذي نحارب ضده". وتابع ليفل موضحاً "في مواجهة زعيم يتمتع بتأثير اعلامي مثل نصرالله كان يتعين على (المؤسسة الاسرائيلية الرسمية) تجنيد ردّ بالمستوى نفسه على الأقل". وأضاف إن "زعيماً إعلامياً جيداً ينبغي أن يوفر للمشاهد ثلاثة جوانب أساسية وهي: المصداقية و اليقين والترقب: المصداقية بمعنى قول الحقيقة، واليقين بمعنى نقل واقع الأمور في الميدان، والترقب بمعنى الانتظار لسماع بياناته". ويؤكد ليفل في ختام بحثه أن نصرالله ما زال يعتبر بنظر الجمهور الاسرائيلي "شخصية تولد الإلهام والحسد".


خطاب حماسي جداً، ومد كاريزماتي حتى في الجمهور الاسرائيلي، ومتابعة حثيثة و ذاكرة نشطة و صفات اخرى كثيرة اطلقها عليه كبار المحللين والسياسيين والخبراء و حتى جمهور العدو، حتى بات القائد العربي الأول الذي تمكن من خلال خطاباته منذ ثلاثين عامًا التأثير على الرأي العام الإسرائيلي بحسب صحيفة هآرتس. هذا وإن دل على شيء فهو التصدع الذي أصاب المجتمع الاسرائيلي نتيجة تأثير خطاب السيد نصرالله وانعدام  ثقة هذا الجمهور بقادته الذين لا يفقهون شيئاً في الحرب النفسية وبلورة الوعي بحسب المتابعين. فأي مجتمع هذا الذي يهزمه خطاب فرد؟

 

أضيف بتاريخ: 19/07/2016