حزب الله العصيّ على الحرب الناعمة أيضاً...
هتاف دهام - البناء
فشلت الحرب الخشنة الإسرائيلية الأميركية في النيل من حزب الله. وصلت هذه الحرب إلى الذروة في عدوان تموز 2006، في أكبر محاولة لشطب المقاومة وتصفيتها والتخلص منها لما تمثل من قيمة وفعل وقدرة على مواجهة العدو، كرأس حربة لمحور المقاومة.
بعد حالة الردع التي فرضها حزب الله في الميدان العسكري مع الإسرائيلي بعد تموز 2006، لجأت واشنطن إلى سياسة جديدة. لا تزال مستمرة حتى اليوم. طوّرت في أساليب الحرب. انتقلت من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة للنيل من حزب الله، مع تطور ردعه على مدى السنوات العشر ضدّ الإرهاب بأنواعه، وازدياد مفاعيله رسوخاً.
هدفت أميركا من هذه القوة الأكثر الفعالية، إلى النيل من حلف الممانعة عموماً والمقاومة خصوصاً. حزب الله موجود في بلد يتميّز بالتنوّع الاجتماعي والثقافي والحضاري. يمكن لها أن تستفيد من هذا التنوّع الموجود لتطوير وسائل المواجهة المعتمدة. سعت إلى استمالة واجتذاب جمهور الحزب. هدفت إلى تشكيكه في دور مقاومته، والنيل من بنيتها.
لجأت إلى الحصار المالي في محاولة لتجفيف مصادر الحزب التمويلية. استخدمت الضغط الاقتصادي لخطف مجتمعات بأكملها وتأليب المصارف اللبنانية على مؤسسات غير حزبية ربما تدور في فلك حارة حريك.
عملت على تدفيع الطائفة الشيعية في غرب افريقيا ثمن موالاتها للخط المقاوم. أعطت الزخم للإعلام المسلط على مدار الساعة. تراقب أدواتُه طريقة استشهاد المجاهدين في سورية. تتحدث عن التفاوت في عدد الشهداء بين معركة وأخرى. تضخّم مشاعر الأهالي الإنسانية والصادقة خلال مراسم التشييع في الضاحية والقرى الجنوبية والبقاعية. إلى حدّ القول إنّ الجمهور المقاوم والطائفة الشيعية لم يعودا يتحمّلان دفع هذه الأثمان في الحرب السورية، محاولةً ضرب البيئة الحاضنة، وتحريض المحيط الأقرب والأبعد عليها.
نجح حزب الله في الانتخابات البلدية الأخيرة في قطاع بلدي وازن سواء خلال فوزه ببلديات كاملة أو بلديات شريكة بالتحالف مع حركة أمل وقوى أخرى. هذه المعارك الانتخابية ليست جديدة عليه، فهو موجود في ساحة العمل البلدي شعبياً منذ زمن بعيد.
فكرت السياسة الأميركية عبر أدواتها بسحب العقوبات الأميركية المطبقة لتشمل قطاعاته البلدية هذه، بمحاولة جدية لربطها بثقافة عقائدية معينة. قاعدة العمل فيها قائمة على معادلة أميركية خليجية. تقول هذه السياسة إنه إذا كان حزب الله يحارب داعش وأخواته كفكر وممارسة، فهناك وجه آخر لهذه الثقافة الإرهابية يتمثل بتنظيمات موالية لإيران مثل حزب الله تعتنق فكراً عقائدياً. لا تختلف ممارساتها عن تنظيم داعش، وهي على ضفة انتماء طائفي آخر.
يركز الإعلام الأميركي بتفرّعاته المحلية والخليجية كلها على حزب الله. شدّد وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان على ضرورة عدم التفريق بين «داعش» و»النصرة» من جهة، والتنظيمات التي تدعمها إيران في سورية من جهة أخرى.
تضيء سلطة الغرب الرابعة على كلّ شاردة وواردة. تحاول التلاعب بالوقائع، وقطع السياقات للوصول إلى نتائج مشوّهة.
حصلت ثلاث حوادث في بلديات من أكثرية موالية لحزب الله جبشيت، الخيام، عيترون . جرى تضخيم هذه الحوادث البسيطة والقشرية الطابع إلى درجة أنّ وقائعها تستخدم لخدمة هذه الحرب الناعمة على الحزب والمقاومة.
في محيط حزب الله تأكيد أنّ هذه البلديات اتخذت قرارات «اعتباطية»، علماً أنّ المجتمعات في الجنوب معروفة بثقافتها وحالة التنوّع. لا أحد يطلب من البلديات تحديد الثقافة والقيم السائدة في القرى والمجتمعات، فهذا الدور ليس من مهامها. يشكل خروجاً عن الإطار الطبيعي لعملها.
ليس صحيحاً أنّ هناك قراراً من حزب الله أو توجيهاً منه في هذا الشأن. ما حصل كان اجتهاداً غير مسؤول من هذه البلديات. فهو يقول بضرورة اهتمام البلديات بعملها الأساسي التلقائي وعدم التدخل بعناوين ترتبط بالمجتمع وطريقة الحياة. قطاع العمل البلدي جهاز أساسي في قلب حزب الله. تكمن مسؤوليته إزاء بعض الأخطاء الفردية كما حصل في جبشيت من باب الترشيد والتنسيق.
إنّ تقصير هذا القطاع مرة لا يعني أنّ حزب الله يغطي قرارات من هذا النوع أو لديه سياسة اجتماعية عقائدية يحاول أن يطبقها، بل سيتصدّى لما جرى وسيعالج الأمر على أعلى المستويات.
يعطي حزب الله المتحالف مع التيار الوطني الحر المعروف بأنماط حياته رسالة انفتاح. يبحث عن أية فرصة لتقديم معنى الانفتاح في البيئة اللبنانية ليكون أكثر وصلاً للجسور مع الآخر. لا يبحث عن منطق انعزال أو انغلاق على الذات يعطي الآخرين ذريعة تشوّه حقيقة ما يريده.
سياق حزب الله منذ لحظة تأسيسه في العام 1982 حتى اليوم نحو الانفتاح والتفاعل مع القيم الحضارية. يذهب إلى الاستفادة من التجربة اللبنانية المختلطة والمتفاعلة لتكون تجربة غنى له وليس العكس.
لن تفيد المعركة التي تشنّ بهذه الطريقة الانتقائية لبعض الوقائع الصغيرة، في إلباسه لبوساً لا يعبّر عن الحقيقة، ويهدف إلى تنفيذ أجندات مشبوهة.