مقالات داخليّة

ثقافة الأميرات


ثقافة الأميرات


فاطمة نصر الله –باحثة ومستشارة تربوية-

من منّا لا يعرف قصة سندريلا والأميرة النائمة وبياض الثلج؟.. إنها قصص الأميرات أو قصص الساحرات كما يحلو للتربويين أن يسمونها, تلك الحكايات التي تتضمن بين فصولها الجذّابة وصفاً لشخصية الفتاة (بطلة القصة) على أنها المقهورة المظلومة التي ما أن تنتهي فصول الحكاية حتى تكافئ بالأمير الذي يصطحبها على حصانه الأبيض إلى مكان بعيد.


المعروف أن مرحلة الطفولة هي أكثر مراحل عمر الإنسان تأثيراً في بناء شخصيته، وتحديداً لسلوكه وهويته.
وإذا أخذنا الفتاة كموضوع لكلامنا، نجد أنها من عمر السنتين إلى السبع سنوات تتعلق بالشخصيات الخيالية وتعشق فكرة الأميرات، هذا التعلّق الشديد يؤدي بالفتاة إلى التماهي بالصورة المزيفة للأميرة والتصرف مثلها (انتظار الأمير القادم على الفرس، الحب من النظرة الأولى ...)، معتبرةً أنّ أي تصرف يناقض ما ترسّخ في ذهنها هو تصرف خاطئ، إذ تنزل هذه الأفلام في لاوعي الفتيات وكأنها تقول: كوني أميرة!! وإلاّ لن تكوني محبوبة ولن تحققي السعادة!!

‎‎في هذا السياق يمكن لنا أن نأخذ قصة سندريلا – وهي الأشهر عالمياً- لكاتبها شارل بيرو، كنموذج من قصص الساحرات، حيث نجد أنها تُظهر الفتاة (سندريلا) المضطهدة من قبل أفراد أسرتها، فضلاً عن غياب والدتها عن حياتها وتحكم زوجة الأب التي لا تبدو في هذا النوع من القصص إلاّ بمظهر الشريرة الظالمة لابنة الزوج.

ويؤكد علماء النفس على تماهي قارئ القصة أو المستمع إليها مع أبطالها لاسيما بالشخصية الأساسية فيها، وهذا ما هو متوقع من الفتيات اللواتي يتابعن هذه القصص وغيرها، مع الإشارة هنا إلى أنه لا يمكننا تجريد هذا النوع من الأدب من جاذبيته وأناقته الكلامية وسحر تسلسل الأحداث وجماليتها، ولعل هذا هو سر انتشاره واستمراره على مدى مئات من السنين.

من جهتهم، بديهيٌّ أن يعيش الذكور والإناث في المرحلة العمرية التي تتراوح ما بين سن 12 حتى 16سنة في حالة من الانجذاب والميل كل جنس باتجاه الآخر, وتأتي هنا هذه الأنواع من القصص لتغذي هذا الميل لدى الفتيات ولكن بتأثير نفسي متعلق على الأقل بالشكل الذي يجب أن تكون عليه الفتاة إن من ناحية ملامح الوجه، أو اللباس التي تكاد تكون في أغلب القصص ذات مواصفات مشتركة، وهي بطبيعة الحال تحاكي أزياءً كانت معتمدة في زمان ومكان معينين.
والواقع أن استغراق الفتيات بالأجواء الوجدانية التي تصاحب أحداث قصص الساحرات، قد يدخلهن في خيالات ليس لها رديف على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بوجود شخصية الساحرة التي تلعب دوراً حساساً في تحديد قدر بطلة القصة ومصيرها.

وهذا لا يعني على الإطلاق أنه من المفيد إبعاد الفتيات عن عالم الخيال، لأن الخيال ضروري جداً للنمو الذهني ولتطور الذكاء العاطفي لديهن.الأمر الذي يفرض الحديث عن البدائل التي تلعب الدور الإيجابي في تنشيط النمو الذهني وغيره من مجالات النمو لدى الأطفال عامةً والفتيات خاصةً، ما يحمل المسؤولية للمختصين في المجال الثقافي والفني والأدبي، لا سيما في كتابة القصص وصناعة السينما، لتأمين البدائل المناسبة التي من المؤمل أن تلعب دوراً إيجابياً في هذا المجال.
كما أنه من الممكن العمل على البرامج التنشيطية المناسبة لتعزيز مواهب الكتابة لدى الفئات المختلفة للفتيات والتي من خلالها يمكن لهن أن يبتكرن الأحداث التي تتماشى مع خيالهن الخاص والذي يتناسب مع ثقافتهن ومراحلهن العمرية.

أخيراً تعتبر القصة من الأساليب التربوية المهمة التي لا بد وأن تترك الأثر الإيجابي لدى الأطفال عامةً والفتيات خاصةً، وهي قبل وبعد ذلك أسلوب إلهي استخدمه الباري تعالى في القرآن الكريم ليكون لنا عبرة في الأولين والآخرين.

المصدر:موقع الزكية

أضيف بتاريخ: 12/08/2016