مقالات داخليّة

الدعاية والحرب النفسية في حرب لبنان الثالثة

الدعاية والحرب النفسية في حرب لبنان الثالثة

زينب عقيل


نجحت الولايات المتحدة الأميركية في حرب الخليج عام 1990 في تسخير وسائل الإعلام كافة لتحقيق أغراضها العسكرية، ضمن خطة إعلامية مبرمجة ومنسقة منذ بداية التحضير للهجوم. واستطاعت اقناع الرأي العام الأميركي بشكل خاص والعالمي بشكل عام بشرعية اتخاذ قرار الحرب ضد العراق، وتضليل الرأي العام العربي عن حقيقة الأهداف الاستراتيجية لها في المنطقة. مستخدمة الثالوث الاعلامي الأخطر: الكذب والخداع والتضليل، لتأطير الحرب ضمن نظريات إعلامية ونفسية. وعلى خط موازٍ، فشلت ربيبتها "اسرائيل" في استخدام هذه الاستراتيجية في الحربين مع حزب الله عام 1996 و2006.

وفي إطار الحرب الأولى في نيسان عام 1996، خاضت اسرائيل حربًا إعلامية دعائية تلمّسها المراقبون منذ اليوم الأول للحرب، وواجهتها المقاومة بالدعاية المضادة عبر خطط إعلامية مرسومة مسبقًا. إذ ذكرت الرواية العسكرية الاسرائيلية أن طائرات الأباتشي قصفت موقعًا عسكريًا مركزيًا للمقاومة في الضاحية الجنوبية، وقامت بتدعيم الخبر بتكنولوجيا التصوير الجوي، ما أعاد الى ذاكرة الصحفيين "العرض السينمائي الجوي" الذي قدمته الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية. فجاء بيان المقاومة الاسلامية أن المبنى كان مدنيًا، وأن مارًا مدنيًا قد استشهد أثناء القصف. وفي الليلة نفسها وجه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رسالة الى اللبنانيين اعتمدت التهديد الصريح للعدو ولكن دون الإفصاح عن نوعية التهديد وحجمه وزمانه ومكانه.

وبعد مجزرة المنصوري التي تفاعل معها الإعلام العربي والعالمي، والتي ذهب ضحيتها أربعة أطفال وامرأتان. أعلن الأمين العام لحزب الله التعبئة العامة، ودعا سرايا الاستشهاديين إلى الالتحاق بالمراكز المحددة مسبقًا لهم. وفي اليوم الرابع للعدوان تحولت هذه الدعوة الى فيديو كليب تلفزيوني، بثّه التلفزيون الاسرائيلي، وأظهر جدية كبيرة في التعامل مع هذا التحذير. خاصة وأن عملية علي أشمر الاستشهادية سبقت الحرب بشهر واحد. وفي هذا السياق خاطب أحد المعلقين السياسيين الرأي العام الاسرائيلي بالقول:"هكذا كما ترون، فإن حزب الله فضلًا عن جهوده لإطلاق الكاتيوشا، وإرسال الانتحاريين، فهو أيضًا يبذل جهوده في المجال الدعائي والحرب النفسية".

وتطورت هذه الجهود الدعائية والحرب النفسية بعد عشر سنوات، توازيًا مع تطور الترسانة العسكرية والقدرات القتالية لحزب الله. إذ كشفت حرب تموز عام 2006 عن تقنياتٍ إعلامية متطورة للحزب في معركته اللامتكافئة مع "إسرائيل"، وكانت مادة دسمة للأبحاث الإعلامية المتخصصة في دراسة دور الاعلام في الأزمات طيلة الأعوام الماضية.

وبناءً على تحليل مضمون الصحافة العالمية ومقابلات مع ديبلوماسيين وصحافيين، نشر معهد شورانسين في جامعة هارفرد دراسة يظهر فيها "كيف يمكن لفئة منغلقة كحزب الله، السيطرة التامة على الرسائل  اليومية للصحافة والدعاية". وتؤكد الدراسة أن حرب تموز "قدّمت نموذجًا جديدًا لصراع الشرق الأوسط بين "إسرائيل" ذات المجتمع المنفتح وفئة ميليشياوية سرية وعقائدية". وفي هذا الإطار يقول الخبير العسكري الأميركي ستيف فونداركو: "جاء اتحاد السياسة الثورية وتكنولوجيا الاتصال الحديث ليضع تعريفًا جديدا لطبيعة الحرب غير المتكافئة كما شهدنا في حرب لبنان عام 2006".

والواقع أن عدم التكافؤ واللاتناسبية قد حلّت في المرتبة الأولى من أدوات الدعاية للمقاومة، إذ وجه المراسلون العرب والغربيون انتقادات متكررة للعدو الإسرائيلي على ردة الفعل غير المتناسبة مع هجوم حزب الله. وفي إطار تعزيز هذه الورقة، عمد حزب الله إلى إحصاء الخسائر وتقديمها للصحافيين، والتي كان عليهم ذكرها يوميًا.

وفي السياق عينه، نظم حزب الله عملية الدخول لأرض المعركة، وهو الأمر الذي يشكو الصحافيون غالبًا من عدم توفره في المعارك. ويرى مراسل ال cnn أندرسون كوبر أن حزب الله نجح في جعل الصحفيين جميعًا يصورون إسرائيل بأنها "جشعة وأداة إجرام بلا رحمة، تفجر المدنيين البريئين، الخسائر كانت كبيرة، والدمار في كل مكان". في المقابل، حطّ المراسلون كاميراتهم من جهة الجبهة الإسرائيلية على الحدود اللبنانية "مثل العصافير على حبال الغسيل"، جنبًا إلى جنب، حتى يتمكنوا من بثّ بعض المعارك مباشرة على الهواء. وبعد انتهاء الحرب عمد النادي الشرق أوسطي للصحافة الى جمع الصحفيين البارزين الذين غطوا الحرب في نطاق نقاش بينهم، انتهى إلى أن "المهمة الأساس كانت الوصول لساحة المعركة، ولم نصل للمكان الذي أردناه".

وفي الإطار الدعائي عينه، فشل الاعلام الأميركي والإعلام العربي التابع له في التأثير بمجريات الحرب عبر التأطير الإعلامي لصالح "اسرائيل"؛ والذي يظهر حزب الله بصورة المعتدي والارهابي. ومن جهته استطاع حزب الله في كلا الحربين دحضَ ادعاءات العدو وأكاذيبه لرفع معنويات الجبهة الداخلية، ولتبيان حقيقة الأمر للرأي العام العالمي. كما نجح في خلق حالة من الرعب لدى المستوطنين، بأنهم في متناول نيران المقاومة. واستخدم لذلك ما يطلق عليه الدعاية "البيضاء"، أي الدعاية المعروفة المصدر ذات المعلومات الصحيحة بحسب التعريف الاصطلاحي. وهي الاستراتيجية الدعائية نفسها التي اعتمدها الراحل جمال عبد الناصر في حرب السويس عام 1956. إذ اعترفت صحيفة الديلي ميل حينها بأن "مصر كسبت المعارك التي خاضتها بفضل رئيسها من جهة، وبفضل حجتها القوية من جهة ثانية. وكان الفضل الأكبر في هذا النجاح لجهازها الإعلامي الذي كان يؤدي لبلاده خدمة جليلة".

والواقع أن حزب الله يكسب معاركه بفضل كاريزما وصدق أمينه العام من جهة، وبفضل قوة الحقّ التي يمتلكها من جهة ثانية. مستفيدًا من التطور المستمر لوسائل الاتصال وتكنولوجيا التواصل، التي لم تعد محصورة بقمر صناعي هنا أو شبكة إنترنت هناك.

 وفي عصر "مجتمع المعلومات"، وزمن "الإعلام الجديد"، يبدو المستقبل مشرقًا أمام صحافة المواطن، فكيف ستخوض "اسرائيل" حرب المعلومات القادمة؟ صحيفة يديعوت أحرنوت نشرت في 13 أيلول من العام 2015 مقالًا تحت عنوان "كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة؟"؛ كشفت فيه عن أن عملية "الجرف الصلب" أثبتت أن الرأي العام الإسرائيلي ليس مستعدًا لقبول أي وضع يحقق فيه العدو أي نجاح وإن كان مؤقتًا". فكيف ستسيطر "إسرائيل" على الدعاية البيضاء في "الحرب الثالثة"؟ سؤال برسم مجلس الحرب الإسرائيلي.

المصدر: موقع العهد الالكتروني

أضيف بتاريخ: 16/08/2016