مقالات داخليّة

المنظمات غير الحكومية بين وحل العمالة للخارج وخدمة قضايا المجتمع العربي

المنظمات غير الحكومية
بين وحل العمالة للخارج وخدمة قضايا المجتمع العربي

 
تعتبر المنظمات غير الحكومية، إحدى أهَم الفواعل الأسَاسية. أو المساهمة إلى حد بعيد في عَملية التنمية وتطوير المجتمع. وذلك الرأي الذي يَتبناه العاملون في هذا المجال ومن بينهم الأستاذ “زياد عبد الصمد”، المدير التنفيذي لشبكة المُنظمات غير الحكومية للتنمية، والذي يؤكد على دورها في دفع عجلة التنمية في الدول التي تستقر بها، وهذا ما فعلته مثلًا في لبنان حسب معلوماته إذ قامت "المُنظمة الأمريكية الدولية للتنمية"، وتَحت شعار الحل عندنا بدعم البَلديات اللبنانية وتطويرهَا على مدار 5 سنوات وخصصت لذلك غلافًا ماليًا تجاوز سقف 27 مليون دولار، بالإضافة إلى دعم حوالي 2200 من الشركَات الصغيرة والمُتوسطة بحوالي 12مليون دولار من أجل مُساعدتهَا على توسيع نشاطها التجاري.

هذه المُنظمات غير الحكومية والتي مقر معظمها في الدول الكبرى كأمريكا وانجلترا، تقوم بمنح المساعدات المالية والعَينية والإنمائية والخبراتية، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يُلزم الدول المتقدمة بتخصيص 0.7 بالمئة من دخلها القومي لمُساعدة الدول الفقيرة والمختلفة على النهوض باقتصادهَا وتحسين بلدانهَا في كافة المجالات وهذا القرار الصَادر سنة 1975، يعتبر ساري المفعول ومطبق وإن ضمنيًا حيث تشير تقديراتهَا إلى أن الدول المتقدمة مجتمعة تقدم ما بين 80 إلى 100 مليار دولار سنويًا ،كدعم ومساعدات مُباشرة إلى حُكومات الدول الفقيرة، وتتكفل هذه المنظماتلغير الحكومية بتوزيع جزء من هذه المُساعدات وفق برامج تنموية وخدماتية مدروسة ومعدة سلفًا، فالدول الغنية تعطي سنويًا ما بين 10 إلى 12 بالمئة من هذه الأموال إلى المنظمات غير الحكومية التي تدور في فلكها.

لكن رغم كل ما تقدمه هذه المنظمات من دعم لمؤسسات عربية إجتماعيًا وإنمائيًا، ولكن هناك من يتهمهَا وفق أدلة وشواهد عديدة تبلغ حد التَواتر بأنها ليست سوى غطاء لعمليات التجسس على الدول التي تدخلها تَحت غطاء العمل الإنساني، ففي كتاب أستاذ الفيزياء في جامعة مونتريال الكندية الدكتور "احمد بن سعادة" تحت عنوان "الدور الأمريكي في الثورات العربية"، قدّم فيه مَجموعة من الأدلة الحسيَّة الملموسة عن انخراطها في عمليات التَحطيم المُمنهج للدول العربية. بالإضافة إلى زرع عملاء فيهَا بما يخدم السياسة الخَارجية الأمريكية. فالثورات العربية التي حدثت في عالمنا العربي سنة 2011، وأدت إلى تغيير دراماتيكي في المشهد السياسي العربي، والذي لم يكن يتوقعه أحد وأدى بالتالي إلى الإطاحة بأنظمَة عربية في دول متعددة. عَمرت في الحكم طويلًا كالنظام المصري، فَأبرز قيادات الحراك الشبابي وقتها "كوائل غنيم" و "توكل كرمان" و "محمد عادل" و "إسراء عبد الفتاح" و"أحمد ماهر", تَلقوا تدريبات في صربيَا والمغرب وتركيَا على يد منظمة اتوبور التي تغير اسمها إلى "كَانفارس" وتعني المقاومة.

وقد كان البرنامج التدريبي الذي تلقوه يَرتكز أساسًا على تعلم أساليب وتقنيات الثورات السلمية للإطاحة بالأنظمة، ويقول مُؤسس منظمة Sir je Pop’art، والذي أسسهَا عندمَا كان عمره 25 سنة في 1998، للإطاحة بسلوغودان ميلوسوفيتش_الرئيس الصربي_,بأن مُنظمته قامت بتدريب كوادر حركة 6 أبريل المصرية والتي يقبع مُعظم قياداتهَا في السجون المصرية بتهمة التجسٌّس والعمالة على استراتيجيات التغيير الغَير العنيف سياسيًا.

 هذه المُنظمات غير الحكومية وعلى رأسها "الصُندوق الوطني للديمُقراطية" والذي تم تَأسيسه في عهد الرئيس الأمريكي رُونالد ريغان، وتم ربطه بشبكة واسعَة من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والمُنظمات غير الحكومية والمُؤسسات الاجتماعية والخدماتية، ويقول أحَد أهم مُؤسسيه الين واينشتاين أن وكالة المخابرات الأمريكية التي تَأسست سنة1947، استعملت هذه المُنظمات غير الحكومية كغطاء اجتمَاعي يصعبُ كشفه من أجل جَمع المعلومات التي تريدها عن هذه البلدان، ويُضيف بتريك هنيس_أحد أبرز رجال الاستخبارات الأمريكية في سبعينات القرن الماضي_: "عملت على جَمع المعلومات الاستخباراتية تحت غطاء هذه المنظمات لحوالي 50 سنة. ويضيف أحد العُقول المهندسة لهذه السياسة الأمريكية الأستاذ كارل جار سيمال سنة 1999 بأن الصُندوق الوطني للديمقراطية يُعتبر عمود السياسة الخارجية الأمريكية، فأجهزة المخابرات الغربية والأمريكية التي استعملت المُنظمات غير الحكومية وخاصة في أسيا الوسطى للإطاحة بالأنظمة الموالية لموسكو والمتحالفة معها فيما عرف بالثورات الملونة في الفترة ما بين2000-2005 واستهدفت دولا كصربيا وجورجيَا وكرواتيَا وقرغيزيَا.

كما أكد الباحثان بجامعة بورتلاند سوسمان وكراتر أنَ الغرب بقيادة الأطلسي هو من دعم هذه الثورات وأشعلهَا من أجل الإطاحة بهذه الأنظمة وتنصيب أنظمة موالية له فيها واستعمل سلاح المنظمات غير الحكومية التي درّبت عددًا كبيرًا من شُبّان هذه الدول على كيفية العصيان المدني وإسقاط الأنظمة، وهذا أيضًا ما أكّدهُ كل من الباحثان سيرغي بوبوفيتش وجينوفيتش سلُوبدان، في مُحاضرة لهما "بجامعة هارفارد الأمريكية" سنة2011، ذكرا بأن أمريكا بدأت باستهداف روسيا منذ 2003 وخَططت ومولت الثورات الشعبية في الدول التي تُعتبر مناطق نفوذ تاريخية لها من أجل إضعافهَا وعزلها دوليًا، وكان لمنظمة "فريدم هاوس" الدور الأبرز في ذلك، فهذه المنظمات غَير الحكومية عاثت فسادًا ليس في هذه الدول فحسب بل حتى في الدول العربية التي استقرت بها كمصر. فتَعرّض حوالي 60 بالمئة من أعضاء
هيئة المعونة الأمريكية للطرد في مصر. فقد تم إفسادهم في ظرف 3 سنوات من طرف قيادات هذه المنظمات الغير حكومية، حسب رأي الأستاذ “مصطفي عبد الواحد، مدير جريدة اليوم السابع المصرية واستهجن أيضًا تَحويل منطقة المعادي في القاهرة إلى مُستعمرة لهذه المنظمات منهَا "منظمات حقوق الإنسان" غير الحكومية العَاملة في البلاد، وكشفت تحقيقات "هيئة الرقابة المصرية"، ثاني جهاز سيادي رقابي في الدولة، عن فساد بقيمة مليون و800 ألف جنيه مصري في حسابات "هيئة المعونة الأمريكية"، وفي عام 2007 قامت أجهزة الأمن المصرية بإغلاق 17 مقر لهذه المُنظمات غير الحكومية ومنعها منَ النشاط بصفة نهائيَة فيما هناك ما يزيد عن 400 منها قيدَ التَّحقيق الأمني.

وحسب وثائق ويكليكس فإن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتقويَة خصوم الرئيس السابق مُحمد حسني مبارك عنْ طريق هذه المنظمات واستعمالهم لإحداث قلائل ومشاكل سياسية في البلاد، لأنَ منْ مصلحتها حدوث أزمات مُستمرة في مصر، ولا تعتبر مصر الدول العربية الوحيدة التي تجسست عليها هذه المنظمات بل ذكر الباحث الفرنسي والناشط الحقوقي دوني بيشوا والذي يعتبر رمزًا لحقوق الإنسان في العديد من الدول، قال: " إن بَسمة قدمان التي كانت عضوًا في المجلس الوطني السوري مرتبطة عضويًا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، صاحب الدور المَعروف في تنفيذ الأجندات الأمريكية ودعم هذا النوع من المنظمات غير الحكومية.

ولا يختلف الوضع في بَلد الأرز كثيرًا حيث ذكر جيفري فيلتمان، نائب الأمين العام للأمم المتحدة والذي كان سفيرًا سابقًا لأمريكاَ في لبنان، بأنَ بلاده عن طريق المنظمات غير الحكومية العاملة هناك صرفت حوالي 500 مليون دولار من أجل تشويه صورة حزب الله والمقاومة وفتحت فروعًا لها في المَناطق الجنوبية التي يتواجد فيها عناصر الحزب من أجل جمع معلومات استخباراتية عنهم، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم هذه المنظمات، كما تقوم مؤسساتها الدبلوماسية بتنسيق عملها ومساعدتهَا، حتى إن السيناتور جون ماكين، مدير المعهد الجمهوري الدولي، يقوم بزيارات مكوكية من أجل مراقبة وجهة الأموال التي يمنحها معهده في الدول العربية ويسيغها ذريعة للتدخل في شؤونها الداخلية السياسية.

إن ضُباط المخابرات الأمريكية المتخفين يدربون الشباب العرب على طرق التغيير السلمي والغير عنيف في دولهم إذ يستعملون كتاب جين شَارب، الصادر سنة 1993 والمترجم إلى أكثر من 25 لغة، هذا الكتاب الذي يحوي أكثر من 199 طريقة للتغيير السياسي من دون إراقة الدماء تحت عنوان من "الديكتاتورية إلى الديمقراطية"، هذا الباحث الأمريكي الذي يُعتبر مؤسس "مؤسسة اينشتاين الخدماتية" التي يستطيع أي شخص تحميلَ هذا الكتاب عن طريق موقعهَا، يَعتبره الكثير من الثوار عبر العالم رمزهم الأسمى ولكن الشيء الذي يخفى عنهم أنهُ كان يُنفذ أجندة أمريكية غير معلنة تستهدف زعزعة أنظمة الحكم في الدول التي تعادي سياساتهَا الاستعمارية الامبريالية.

إن واشنطن التي فشلت عن طريق الكولونال هَالفي في إسقاط النظام في بورما، تعلمت من أخطاءهَا وغيرت الطريقة ولكن الأهداف بقيت كما هي في سياساتهَا الخارجية، فرغم ادعاءها برعاية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية وكرههَا للتيار السلفي، إلّا أن وثائق ويكليكس كشفت عن أنها صبت في حسابات "أنصَار الثورة المحمدية" أكثر من 296 مليون جنيه مباشرة بعد إسقاط مبارك، وهذا يثير جملةً من التساؤلات عنْ علاقة هذه التيارات بوكالة الاستخبارات الأمريكية، والشيء الذي يثير الشك أن القانون الأمريكي يمنع منعًا باتًا تواجد أي منظمة غير حكومية أجنبية على الأراضي الأمريكية. فضلًا عن قيام دول كالصين مثلًا، التي أحدثت أزمة دبلوماسية بدعمهَا إحدى الجمعيَات الأمريكية، إعتبر  الأمريكان تلك الخطوة تعديًا صارخًا على القانون الفدرالي الوطني الذي يَمنع مثل هذه  المُساعدات.

إستنادًا إلى ما سبق على دولنا العربية أن تعيد النظر في سياساتهَا اتجاه هذه المنظمات مع العلم بأن هُناك أكثر من 130 دولة حول العالم تمنع أي نشاط لها على أراضيهَا. لأنها تعي جيدًا الخَطر الذي تُشكله على أمنهَا القومي، فغطاءها الخدماتي أصبح مكشوفًا للجميع وتواجدهَا في دولنَا رغم كل ما أحدثته من خراب وفساد يطرحُ العديد من علامات الاستفهام والتعجب المبررة في أحيان ومواقف كثيرة!! فإلى متى الصمت الرسمي على ما تفعله تحتَ ذريعة تقديم المُساعدات الاجتماعية. والقيام بمشاريع إنمَائية في العالم العربي الذي يزخرُ بإمكانيات مالية وبشرية ضخمة، تُغنينا عن الحاجة إلى هكذا نَوع من المُنظمات غير الحكومية الأجنبية.


عميرة أيسر-كاتب جزائري

أضيف بتاريخ: 18/11/2016