مقالات داخليّة

وسائل التواصل الاجتماعي: صديقٌ أم خصم؟!

 
وسائل التواصل الاجتماعي: صديقٌ أم خصم؟!
 
 
تحقيق: منهال الأمين
مجلة بقية الله العدد 306
 
 
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي ترفاً يخص فئة من الناس دون أخرى. حتّى إنّ تسمية العالم الافتراضيّ، لم تعد صالحة للاستعمال، أو بالأحرى فإنها لا تعبّر عن واقع هذه الوسائل وأهميّتها في تثبيت العلاقات بين الناس وحضورها فيها، سواء أبين الأصدقاء والأقرباء، أم في بناء العلاقات الجديدة وفي نسج صداقات لا تتوفر للمرء في محيطه الجغرافيّ المحدود.
 
* الفايسبوك: شريك الحياة!
 
هذا العالم الواسع المترامي الأطراف، المتنوّع الأهواء، المتعدّد العادات والتقاليد والثقافات، انصهر في بوتقة واحدة، يتحدّث فيها الناس لغة واحدة، مع اختلاف ألسنتهم، ويفكّرون ويتحدّثون مع بعضهم بعضاً، من دون أن تجمعهم ثقافة واحدة. وكذلك يتناقشون ويتجادلون ويدلو كلّ منهم بدلوه. فهل من ينكر دور وسائل التواصل الاجتماعيّ المتنوّعة، كالفايسبوك والتويتر واليوتيوب وغيرها في مسار الأحداث، سواء في عالمنا العربيّ، أو في مختلف بلدان العالم؟ حضور هذه الوسائل طاغٍ بشدّة، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، كان لصالحنا أم تسبّب في أذيّتنا.
 
* أصبح جزءاً من حياتنا
 
وهذا العالم لم يعد افتراضيّاً؛ لأنه يحتلّ حيّزاً كبيراً من مسار حياتنا، ويؤثّر فيها، كباقي المؤثّرات المحيطة بنا، بل هو أكثر تأثيراً، لأنّه محمول بين أيدينا، ونتعامل معه في مختلف الأحوال والأوضاع، كما يقول عليّ (25 عاماً)، وعليّ واحد من الذين يلازمون الفايسبوك، حتّى إنّه لا يمكن أن يستغني عنه ساعةً واحدة، خصوصاً في ساعات الذروة، ليلاً ونهاراً! ولكن ألا تعمل يا عليّ؟ بلى، أعمل وأتابع أموري الخاصة، والفايسبوك شريكي فيها كلّها. هذا هو حال سلمى (20 عاماً) أيضاً التي تحبّ مشاركة أصدقائها على الموقع الأزرق بتفاصيل كثيرة من يومياتها: الطعام، الرحلات، المواقف الملفتة...
 
* على حساب ماذا؟
 
يقول الأستاذ فيصل الأشمر (رئيس تحرير موقع شاهد نيوز): "تأتي المواظبة على الفايسبوك على حساب القراءة والمطالعة؛ إذ مع أنّك تستفيد من منشورات ثقافية وعلمية تبثّها بعض الصفحات المتخصّصة، إلّا أنّ الوقت الذي يستهلكه الفايسبوك سيكون على حساب القراءة الجادة والمجدية"، ويضيف: "إنّ المستخدم اليوميّ للفايسبوك ينجرّ من دون إرادة إلى متابعة أمور قد لا تكون ذات أهمية أو فائدة، فلا يشعر بمرور الوقت الطويل وهو على هذه الحال". ويؤكد الأشمر "أنّ المداومة على استعمال الفايسبوك تبعد صاحبها عن النشاط الثقافيّ المركّز والأساسيّ لتكوين المخزون الثقافيّ، كالقراءة مثلاً، بالإضافة إلى بعده عن التواصل الحقيقيّ الواقعيّ مع أهله والناس المحيطين به".
 
* أهلنا أُناس طيّبون
 
إذاً، تُضاف مشكلة اجتماعية إلى الأثر السلبيّ على التحصيل الثقافيّ. ويطلق البعض طرائف في هذا السياق، إذ يتداول كثيرون منشوراً على الفايسبوك يقول: "لقد انقطع الإنترنت اليوم عن منزلنا، فسنحت لنا فرصة للقاء بالأهل، فاتّضح أنّهم أناس طيّبون جدّاً، والتواصل معهم كان لطيفاً!".
 
وعبّر أحد الرسوم الكاريكاتورية عن هذا الواقع، مصوّراً مجموعة من الأبناء والأحفاد يتحلّقون حول الجَدّة المسنّة في منزلها، وفي يد كلّ واحد منهم هاتف ذكيّ وهو منكبّ عليه، والجدّة تنظر إليهم بطريقة يُعبِّر عنها التعليق المرفق: لو تركتم جدّتكم تنام بهدوء هذه الليلة وحيدة، ما الذي كان سيختلف؟!
 
* تواصل مفرط أم إدمان؟!
 
من هنا، يرد سؤال: هل يُعدّ هذا الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعيّ إدماناً؟ والجواب: لا يبدو أنّه شُخِّص كذلك حتّى الآن؛ إذ يذكر الطبيب قاسم عطية (أخصائيّ الأمراض النفسية) أنّه مع النظر إلى أنّ الانكباب على وسائل التواصل يقرّب المرء من الاكتئاب والانطوائية، والميل إلى العزلة وعدم التفاعل المباشر مع المحيط، وهذه مؤشّرات مَرَضية، ولكن هذا كلّه لا يكفي لوضع هذه الحالة في خانة الإدمان، كتسميةٍ علميةٍ دقيقة؛ إذ إنّ من معايير الإدمان أن يقضي الفرد معظم وقته في تعاطي ما يُدمنه تاركاً عمله ودراسته وباقي الاهتمامات اليومية الملحّة؛ ما يعكس آثاراً سلبية على وضعه الصحيّ والاجتماعيّ والعمليّ، وتتأثّر إنتاجيّته بشكل كبير.
 
يضيف الطبيب عطية: "نراقب كأخصائيّين المعايير حتّى نشخص الحالة، ومع الميل إلى أنّ التعلّق بوسائل التواصل الاجتماعيّ يقترب كثيراً من الإدمان، إلا أنّه لم يُدرج ضمن تصنيف الأمراض النفسية (DSM5)، الذي يصدر كلّ 4 سنوات عن منظّمة الصحة العالمية (آخر تصنيف صدر في العام 2013م)، وقد أُدرج سابقاً القِمار كمرض نفسيّ يصل فيه "المصاب" إلى حدّ الإدمان".
 
* شبكات التواصل: مضارّ وفوائد
 
من جهته يشدّد الأستاذ علي رسلان (مدير مركز UCMT للتدريب الإعلاميّ، والخبير في وسائل التواصل الاجتماعيّ) على أن التعلُّق بهذه الوسائل هو حتماً إدمان، بلحاظ الأضرار الجانبية المَرَضية: العصبية والعقلية والنفسية والروحية والاجتماعية المترتّبة عليه... إلّا أنّه يستدرك بالإشارة إلى تأثيرات إيجابية أحياناً على كل هذه النواحي، ففضاء التواصل الاجتماعيّ أوجد فرصة للكثير من القاصرين عن القتال والجهاد للمشاركة في رفد الجبهة إعلاميّاً على سبيل المثال. ولكن في كلّ الحالات فالتأثير النفسيّ حاضر بقوة: زهواً وفرحاً وشماتة وحرباً نفسية وإحباطاً وانكساراً، وإلى ما هنالك من تفاعلات النفس البشرية مع الأحداث والتطوّرات المحيطة بها.
 
* لماذا يدمنون؟
 
فيما يجد الناشط توفيق المصري (مقيم في ألمانيا)، أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ شكّلت فرصة ليسمع الآخرون صوتنا ويطّلعوا على رأينا بكل تجرّد، فيقبلونه أو يرفضونه. المهمّ أننا نعبّر عمّا نريد، وتصل أفكارنا بطريقة سريعة جدّاً، ونكتب عن أحداث وليدة اللحظة أحياناً، فندمن هذا النوع من التواصل؛ لأنّه قادر على التأثير، خصوصاً حين نلاقي تفاعلاً، ونلمس دوره في تغيير فكرة ما هنا أو هناك. يضيف المصري: "قد تدور أحياناً نقاشات عقيمة، ولكن توجد نقاشات بنّاءة يستفيد فيها صاحب الطرح من المتابعين، وبالعكس. نعم، يوجد إدمان من نوع آخر مرتبط بالأمور الشخصية والخارجة عن نطاق الإفادة والاستفادة، قد تكون بحثاً عن شريك حياة، أو فرصة عمل أو علم... ولكن للأسف، يكشف التعلّق بوسائل التواصل الاجتماعيّ أحياناً عن البطالة السائدة في مجتمعاتنا، فتصبح هذه الوسائل متنفّساً، تحكمه قلّة الإنتاجية والفعالية. كما إنّها أصبحت، بشكل أو بآخر، سبباً رئيسياً في المشاكل الاجتماعية وارتفاع نسبة الطلاق، وانعدام الثقة والودّ العائلي؛ ما يزيد في التفكك الأسري الذي يغزو مجتمعاتنا، مضافاً إلى العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية".
 
* منصّة تنويريّة
 
من جهته يذهب المهندس حسن شحرور (50 عاماً) إلى الحديث عن إيجابيات أمّنها له تعلّقه بالفايسبوك، وهو يقرّ بهذا التعلّق ولكنّه لا يعرف إن كان هذا إدماناً أم لا؛ "لأن وراءه أسباباً عدّة، لا تقتصر على التسلية وملء أوقات الفراغ، إنّما أجد فيه مساحةَ لقاء وتواصل مع الأهل والأصدقاء والأقارب، مضافاً إلى زيادة رصيد الصداقات؛ فالفايسبوك هو أشبه بمقهى دردشة يقصده المستخدم من دون تكلّف عناء الانتقال". كذلك وجد شحرور في الموقع الأزرق "منصّة تنويرية" يعبّر فيها عن آرائه السياسية، الدينية، الاجتماعية والثقافية. وهو -كما يُلاحظ عليه- يتوخّى الفكاهة وسيلة للتعبير. ويلفت شحرور إلى أنّ "هناك الكثير من الأمور التي لا يلتفت إليها الناس، وتحجبها وسائل الإعلام بغالبيتها؛ لأنّها بمعظمها وسائل مسيّسة أو مأجورة أو تجارية، فيكون فضاء الإعلام الاجتماعيّ مساحة للتعبير عنها بحرية".
 
* حذارِ أيّها الناشط
 
حين نقول وسائل تواصل اجتماعيّ، يجب البحث أولاً عن اجتماعيات المتواصِل هذا، إن كانت بخير أم لا، حتّى يسهل القول إن كان مريضاً مدمناً، أم فعّالاً منتجاً. فهل يمكن وصف شخص، لديه آلاف المتابعين على صفحته، بالناشط الاجتماعيّ، فيما أهله وزوجته وأطفاله لا يرونه إلّا صدفة!؟
 

أضيف بتاريخ: 21/04/2017