الحرب الناعمة وتأثيراتها الاجتماعية
منذ ان شكلت الحرب الناعمة استراتيجية سياسية للولايات المتحدة وهي تسعى عبر وسائل وادوات متعددة لفرض سيطرتها على الآخرين والترويج للنمط السلوكي والقيادي الامريكي. وقد وجد الامريكي في الحرب الناعمة، الطريقة المثلى لاخضاع الآخرين والسيطرة على عقولهم، لذلك كان يفهم الحرب الناعمة على انها القدرة على تغيير رغباتهم وجعلهم يريدون ما يريد1 . ولكن كيف يحصل ذلك؟ الواضح من خلال الكتابات والدراسات الصادرة عن الامريكي ان جعل الآخر خاضعاً بالكامل يتوقف على تغيير القوالب والانماط الماهوية للمجتمع وتغيير القيم الحاكمة بالاخص تلك التي تستند الى مصادر قوة معينة داخل المجتمع2 .
يعتمد هذا الفهم للحرب الناعمة وبشكل اساسي على مقومات الثقافة والقيم السياسية الخارجية ويستخدم عناصر الجذب والاستقطاب والتأثير غير المباشر ويترتب على هذه العناصر، الاقتناع والاندماج الكامل بمقولات وقيم المعتدي، لذلك كان جوزيف ناي يصرح بوضوح ان الحرب الناعمة تعتمد على ما يجري في ذهن وعقل المتلقي3 ، لان العمل على ما يجري في الذهن يؤدي الى الاقتناع والامتثال وبالتالي التقليد الاعمى للآخر من دون التركيز على مستوى التناسق بين القيم الذاتية والقيم الوافدة.
بناءً على ما تقدم، فللحرب الناعمة اهداف عديدة ترتبط بشكل مباشر بما يريده المعتدي، فإن رغب في الترويج لقيمة ما او سلعة او سياسة معينة، كانت الادوات طيعة بيده بشرط ان يقدمها بشيء من الجاذبية والرمزية. ولعل ابرز تأثيرات هذه الحرب هي التي تطال الاسرة والمجتمع، باعتبار ان الخضوع لما يريده الآخر يتوقف على مدى التغيير القيمي والثقافي الذي يحصل في المجتمع. طبعا ليس بوسع هذا المقال الاحاطة بكافة هذه التأثيرات لذلك نكتفي بالاشارة الى البعض منها:
أ- تغيير السلوكيات: تؤثر الحرب الناعمة على مستوى سلوك الفرد والمجتمع ويترتب على ذلك حالة من الانبهار والضياع والابتعاد عن الهوية الحقيقية للمجتمع. من هنا نرى ان الامريكي كان يشدد على ان " خلق التفضيلات والصور الذهنية للذات عن المصادر الرمزية والفكرية يؤدي الى تغييرات سلوكية عند الآخرين"4 .اما آثار تغيير السلوك فهي عديدة من جملتها عدم الاقتناع بالمباديء والاسس والمعتقدات الموجودة، ورفض الهوية الذاتية بكل معانيها والاندماج مع ما يريده الآخر، ولعل ابرز ما يشار اليه كشاهد على ذلك، السلوكيات العامة في بعض اطياف المجتمع التي يقف الانسان حائراً امامها باعتبار عدم حكايتها عن القيم الذاتية.
ب- الانهزام النفسي والمعنوي :فقدان الثقة بالقدرات والامكانيات الذاتية. لذلك كان الامام الخامنئي (دام ظله) يُشدّد خلال احاديثه عن الحرب الناعمة على الابعاد المعنوية والمعرفية...:"وما يسمى اليوم بالحرب الناعمة يتقدم العدو نحو الخنادق المعنوية ليدمرها؛ يتقدم نحو الايمان والمعرفة والعزيمة" .5
ويتمكن العدو من هزيمة الآخر عبر الانبهار بما يمتلك من قيم ومخزون ثقافي وعبر الحط من قيمة ما يمتلك الآخر، وينتج عن ذلك عدم الانتاج وعدم العزيمة على التغيير والتمسك بالجذور. يقول الامام الخامنئي (دام ظله): " في الحرب الناعمة يكون الهدف هو الشيء الموجود في قلوبكم وفي اذهانكم وفي عقولكم اي ارادتكم..." 6
ج- الترويج للباطل: يتوقف تغيير السلوك والانهزام النفسي في المجتمع، على مبدأ يعتمده العدو في حربه ألا وهو الترويج للباطل، فالترويج هذا عبارة عن تكتيك يساعد في الانحراف عن القيم الحقيقية والمعتقدات السليمة، ومن هنا جاء كلام الامام الخامنئي(دام ظله) : " الحرب الناعمة ترفع شعارات ودعايات محقة بالظاهر ولكنها باطلة في الباطن وتخلط الحق بالباطل..." .7 وتؤدي الدعاية المحقة بالظاهر الى الاعتقاد بقيم فاسدة الباطن، فكم سمعنا عن الترويج للديمقراطية وحقوق الانسان والحريات والاستقرار... على السنة المعادين للشعوب الاسلامية لكن لم يكن الهدف من وراء ذلك سوى سلب هذه الشعوب عزتها وكرامتها والاستيلاء على خيراتها.
اخيراً، الحرب الناعمة حرب حقيقية تترك آثارها على الفرد والمجتمع وتُغيّر السلوك والقيم الاجتماعية فتتحقق على اساس ذلك اهداف المعتدي الاخرى بدءً من السيطرة وتعميم نموذجه والاستيلاء على الثروات والمقدرات الاجتماعية وغيرها.
- الحرب الناعمة، محمد حمدان، ص26
- الحرب الناعمة، قراءة في اساليب التهديد وادوات المواجهة، ص 144
- مجلة آفاق المستقبل،2010، مقابلة مع جوزيف ناي،
- القوة الناعمة ودورها في توجهات السياسة الخارجية الايرانية، احمد الخفاجي، ص 17.
- من كلام له 24/9/2009
- من كلام له 6/8/2012
- من كلام له 26/10/2011
أضيف بتاريخ: 03/04/2018