مقالات عامة

الثورات الملوّنة

الثورات الملوّنة

بقلم السيد حسين قشاقش

المقدِّمة
تسعى الدول الغربيّة وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركيَّة إلى تكريس هيمنتها الدائمة على شعوب وحكومات باقي الدول، وتُرى الدول الشرقيّة بخاصَّة دول الشرق الأوسط من الأهداف الرئيسيّة للدول الغربيّة، فلا تتوانى تلك الدول عن بذل الجهود وابتكار الأساليب المختلفة لبلوغ غاياتها بدءًا من الحروب الدمويّة التي كانت عمدة الغزو الاستعماري والتي لا تزال متّبعة حتى اليوم في عدّة دول، وصولًا إلى الحرب الناعمة التي تمارسها هذه الدول من خلال محاور مختلفة ومتنوّعة.

لم تنجح الحروب العسكريّة في بعض ساحات الصراع التي خاضها الأمريكيّون، فكان لا بدّ لهم من ابتكار وسائل غير عسكريّة توصلهم إلى الهيمنة على حكومات وشعوب تلك الدول. فكانت فكرة الثورات الملوّنة التي يصبح فيها بعض مواطني دولة ما (سواء عن قصد أو غير قصد) أداة في تكريس الهيمنة الغربيّة، دون أن تكلّف الدول المهيمنة أيّ خسائر في جنودها أو تثير سخط الرأي العام بسبب الحروب والقتل.

فما هي الثورات الملوّنة؟ وما هي أهدافها؟ والخطوات التي تتبعها؟

الموضوع
الثورات الملوّنة هي تلك الأعمال الاحتجاجيّة اللاعنفيّة التي تقوم بها شرائح من المجتمع المدني في دولة ما بهدف الإطاحة بالحكومة أو النظام السياسي القائم. وقد تمّ تطبيق هذه الثورات في عدّة دول منها ثورة الزهور في جورجيا، الثورة البرتقاليّة في أوكرانيا، ثورة التوليب في قيرغيزيا، الثورة الخضراء في إيران، ثورة الأرز في لبنان....

تهدف هذه الثورات الملوّنة إلى التخلص من النظام القائم (حكومة أو نظام سياسي) بشكل سلمي تمامًا من دون التورّط بنشوب نزاع مسلّح.

إنَّ لهذه الثورات الملوّنة قواعد وخطط ومراحل تنطلق منها وتتبعها، فهي ثورات منظّمة وليست وليدة انفعال شعبيّ أو حزبيّ، ومن أبرز أركانها وطريقة عملها:

1- يلاحظ أنّ هذه الثورات تقع في أنظمة معارضة للولايات المتحدة، فلا نجدها في الدول الغربيّة، كما لا نجدها في الدول الشرقيّة الموالية للغرب، كدول الخليج مثلًا، ممّا يؤكّد أنّ هذه الثورات إنّما هي أداة استعماريّة حديثة يستخدمها الغرب لتحقيق أهدافه.

2- الاستفادة من حادثة خاصّة للانطلاق منها، مثل محاربة الفساد وحماية الحريات..، وأهمّ الأحداث التي يمكن للثورات الملوّنة استغلالها كشرارة للبداية هي الانتخابات، حيث يكون الفريق الخاسر وجمهوره في أعلى درجات الغضب وعلى أتمّ الاستعداد للثورة. فيتمّ ادعاء التزوير في الانتخابات وتُرفض تلك النتائج، وقد يعمد الفريق الخاسر لبثّ ادّعاءات التزوير قبل انتهاء عمليّات الفرز ليكون ادّعاؤه أكثر مقبوليّة لدى الجمهور.

3- تنظيم مظاهرات شعبيَّة سلميَّة وتجنّب الصدام المسلّح، إذ أنّ الصدام المسلّح سيعطي النظام الحاكم ذريعة للاشتباك والقتل، ولن تكون الفئات المدنيّة أقوى تسليحًا من الجيش والقوى الأمنيّة، لذا فالصدام المسلّح لا يفيد الثورة الملوّنة.

4- الاستفادة من شعار خاصّ أو لون معيّن، بحيث تهدف رموز الألوان البرّاقة إلى تغطية أهداف العمل التخريبيّ الذي تمارسه تلك المجموعات.

5- توغّل النشطاء تحت غطاء منظّمات غير ربحيَّة ومساعدات إنسانيَّة، وهنا يبرز دور المنظّمات غير الحكوميّة ومنظّمات المجتمع المدني، فتبدأ هذه المنظمات تحت شعار العمل الإنساني واسترداد الحقوق، لتحظى بثقة شريحة من المواطنين وتُقنع الجمهور أنّها البديل السليم عن النظام الحاكم، فيما تكون في الواقع لوبي يعمل لصالح الجهة الخارجيّة التي تموّله.

6- إعطاء دور أساسي للإعلام في تعظيم الصورة وتحويل بعض الشخصيَّات إلى رموز للثورة، والاهتمام بنقل الأحداث بشكل عاجل إلى وسائل الإعلام المحليّة والعالميّة ومواقع التواصل الاجتماعي، فتمارس الخداع والتضليل الإعلامي وتعمد إلى الاستفادة القصوى من الأكاذيب والإشاعات.

7- تعمّد نقل الاعتراضات إلى مواجهة سلميّة مع القوى الأمنيَّة والمراكز العسكريّة واستدراجها إلى إطلاق النار واستهداف "الثوّار" بهدف تأجيج مشاعر الغضب واستقطاب شريحة أوسع من المواطنين، كلّما سالت الدماء أكثر كلّما استقطبت الثورة جمهورًا أكبر.

8- إعادة الانتخابات بدعم وإشراف من القوى الخارجيَّة، فتفرض القوى "الثوريّة" شروطها على النظام في كيفيّة إدارة الانتخابات والرقابة عليها، بعد أن تكسب جمهورًا جديدًا خلال الأحداث الدامية التي حصلت في الشارع، فتكسب الانتخابات كما حصل في جورجيا وأوكرانيا، وإلّا تستمرّ المظاهرات وأعمال الشغب.

9- انتاج هيئة ثوريّة انتقاليَّة تسيطر على الوضع منعًا لشياع الفوضى وتحصل على الشرعيَّة الدوليَّة باسم شرعيَّة الشعب، وتبدأ مرحلة تحويل الدولة ومؤسّساتها من ممانعة للغرب والولايات المتحدة إلى دولة مرُتهنة لها وللمؤسّسات الدوليّة الماليّة والسياسيّة.

الخلاصة
هذه الخطوات التنفيذيّة للثورات الملوّنة يمكن اتّباعها إجمالًا وتطبيقها في مختلف الدول مع ترك مساحة مرونة تلاحظ خصوصيَّات كل دولة، من هنا فإنّ لبنان الذي يقع على خطٍّ متقدّمٍ في الصراع مع الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكيّة، هو من الدول الأكثر عرضة لهذه الاستهدافات الناعمة، بخاصَّة بعد فشل الخيارات العسكريّة، وما ثورة الأرز عام 2005م، وحراك عام 2015م، وثورة تشرين عام 2019م إلّا حلقات في سيناريو ثورات ملوّنة تريد نقل لبنان من الممانعة إلى الارتهان.

عليه ينبغي الانتباه بشكل كبير، بخاصَّة في الفترة القليلة المقبلة الفاصلة بيننا وبين الانتخابات النيابيّة المرتقبة، والتي يبدو أنّ الأمريكي وحلفاءه يعِدّون العدّة لها، وينبغي ترصّد إشارات مرحلة ما بعد صدور النتائج التي إن لم تأت في صالحهم فإنّ سيناريو ثورة ملوّنة - تشارك فيها القوى الحليفة للغرب أي القوى والشخصيَّات الخاسرة في الانتخابات من مجموعات الحراك المدني والمنظمات غير الحكوميّة - ليس ببعيد.

والحمد لله ربِّ العالمين

أضيف بتاريخ: 28/03/2022