الإمام علي بن أبي طالب(ع) وريادة نهج التسامح والإصلاح

الإمام علي بن أبي طالب(ع) وريادة نهج التسامح والإصلاح

الشيخ حسن الهادي

ملخّص
يتناول هذا البحث بالتتبّع التاريخي والتحليل والتوصيف جانبًا من تاريخ وسيرة الإمام علي(ع) في قضيتين بارزتين في منهج الإمام علي(ع) في التعامل مع الإسلام وقضايا الأمة الإسلاميّة؛ وهما التسامح والإصلاح الشامل، ولا سيما في تعامله مع المعارضة الداخليَّة التي سعى أصحابها إلى إسقاط الإمام علي(ع) وحكومته، وإضعاف نهجه المنتمي إلى رسول الله(ص)، والبارز في معالم هذا المنهج الإيجابيّ قيامه على الصبر والبصيرة والوعي، إلى جانب الحزم والشجاعة وعدم القبول بأنصاف الحلول على حساب الإسلام والمسلمين، حيث عمل مبكّرًا  على استصلاح الطاقات الإداريَّة والسياسيَّة الكامنة في ذات الأفراد، إضافة إلى تنمية وتعزيز القيم الدينيَّة والقواعد العامّة في فكره، بهدف إعداد مواطنين يستشعرون المسؤوليَّة ويدركون الواجب، وإعداد الكوادر من ذوي الخبرة والكفاءة في إدارة شؤون المجتمع والناس. ويُستشف هذا المنهج من مجموع التوجيهات والتعليمات السياسيَّة والأخلاقيَّة الواردة في خطب وكتب وحكم نهج البلاغة في تربية عامة الناس، بخاصة المسؤولين الحكوميين، لاسيما مالك الأشتر عهد الإمام علي(ع)؛ فهو يشتمل على مضامين دينيَّة تربويّة وإداريّة جمّة، صدرت في سبيل إصلاح شؤون المجتمع، وتوفير المتطلّبات العامّة والرفاه الاجتماعي، إضافة إلى تقوية الجوانب الدينية والأخلاقية لدى الناس، وتركيز المبادىء والأساليب التطبيقية في ميادين السياسة والاجتماع.
 
المقدمة
قدّم الإمام علي بن أبي طالب(ع) أنموذجًا فريدًا في الطاعة والتسليم والولاء لرسول الله(ص)؛ الذي تربّى في كنفه ونهل من علومه، وعاش معه كلّ مراحل الدعوة والرسالة. وكما كان العبد الفقير الخاضع المتذلّل بين يدي الله تعالى، والقائد الشجاع والحكيم الذي لا يخشى في الله لومة لائم في الدفاع عن الإسلام والمسلمين؛ ولهذا كان متسامحًا مع الجميع وحريصًا على حفظ الإسلام وأمور المسلمين بعد وفاة رسول الله(ص). وعندما آلت إليه الحكومة والخلافة، كان رجل الإصلاح والتسامح أيضًا فلم يتعامل مع معارضيه بالأمس واليوم بالانتقام والتشفّي، بل كانت حركته الإصلاحيَّة في المجتمع والإدارة والسياسة وكل مواقفه تستند إلى القرآن ونهج رسول الله(ص)؛ حيث إقامة العدل والقسط، ومواجهة الظالمين، ونصرة المظلومين والمستضعفين، وإعادة كل الحقوق إلى من يستحقّها. فقدّم أنموذج الحاكم صاحب المشروع الإصلاحيّ المتكامل في الدولة والمجتمع، وحفظ حقوق الناس. وعندما اضطُر إلى مواجهة المعارضة والفتن الداخليّة التي فتكت بالمجتمع الإسلامي؛ كفتنة الناكثين والقاسطين والمارقين الخوارج، وهي الفتنة الأكثر خطورة وضررًا على المجتمع الإسلامي، كان تعامله مع كل أحداثها وشخصيّاتها القريبة والبعيدة، بغاية الصبر والحكمة والاستيعاب كما يظهر من نصوصه وتوجيهاته الكثيرة لهذه الفئات، وكان همّه دائمًا الاعتصام بحبل الله ورصّ الصف الداخليّ والسعي الدائم للإصلاح السياسيّ والدينيّ، مع أنّ منطلقات المعارضين لم تكن كذلك.

محاور البحث
نتناول في هذا البحث المنهج الريادي للإمام علي(ع) في التسامح والإصلاح وأُسس التعامل مع المعارض والمخالف السياسي في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإمام علي(ع) في ظل التربية النبويّة.
المبحث الثاني: حكمة الإمام علي(ع) في التعامل مع مرحلة تولّي الخلفاء للحكم: بالتركيز على الأولويَّات السياسيَّة التي اعتمدها الإمام وأصحابه مع الخلفاء الذين تولّوا الحكم.
المحور الثالث: مرحلة حكومة الإمام علي(ع) بالتركيز على تجربته في الحكم وأسلوبه في التعامل مع المعارض والمخالف السياسي.

المبحث الأول: الإمام علي(ع) في ظل التربية النبويّة
1. الإعداد النبويّ لعلي(ع):
كان النبيّ(ص) يتردّد كثيرًا على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليًّا(ع) بعطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمِله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية[1]. ومن المعروف تاريخيًّا أنّ رسول الله(ص) أخذ عليًّا (ع) فضمّه إليه للتخفيف عن عمه أبي طالب بسبب أزمة اقتصاديَّة أصابت قريش، وكان عمره يومئذ ستة أعوام، فلم يزل عليّ مع رسول الله(ص) حتى بعثه الله نبيًّا، فاتّبعه عليّ(ع) وآمن به وصدّقه[2]، وقال رسول الله(ص) بعد أن اختار عليًّا(ع): قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليًّا[3]. وهكذا عاش عليّ(ع) منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله(ص)؛ حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه(ص) وفقًا لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ ، ولهذا فلم يُرَ الإمام علي(ع) بعيدًا عن رسول الله(ص) إلا نادرًا، وما من أمر حدث إلّا كان لعليّ مَعْلَم فيه وأثر، وللتأكيد على هذا اختاره النبي(ص) أخًا له لتزداد هذه العلاقة وثوقًا ومتانةً، وقال في ذلك: علي مني وقال جبرائيل: وأنا منكما ([4]). وقد ورد عن أبي سعيد الخدري قوله: كانت لعليّ درجةلم تكن لأحد من الناس ([5]).

2. تربية علي وتعليمه: يتجلّى اهتمام رسول الله الله(ص)  بتربية علي وتعليمه واعداده للإمامة والقيادة في العديد من النصوص والمواقف، وقد عبّر الإمام علي(ع)  نفسه عن هذه الصحبة بقوله: وقد علمتم موضعي من رسول الله(ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة ([6]). وما يدلّ على انتقال علم رسول الله(ص) وعمله إليه وتجلّي كمالاته فيه، وهو ما أشار إليه(ع) بقوله: وكان لا يمرُّ من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته ([7])  ، وقوله(ع) لأني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتُّ ابتدأني ([8]). وقوله(ع): والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ([9]) ولهذا وصفه رسول الله(ص) بأعلم الناس حيث قال(ص): علي أعلم الناس بالكتاب والسنة ([10]). وإلى هذا يشير الإمام(ع) بقوله:... فما نزلت على رسول الله(ص) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلَّمني تأويلها، وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال، ولا حرام، ولا أمر، ولا نهي، كان أو يكون منزلاً على أحد قبله، من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنسَ حرفاً واحداً...([11]). وقد صرّح (ع) بقوله: وإنّي لعلى بيّنة من ربّي ومنهاج من نبيّي، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألفظه لفظاً[12]. ولعلّ هذا هو الذي جعل ابن أبي الحديد المدائني يصف الإمام علي(ع) بأنّه أصل علم الفقه وأساسه، فقال: ومن العلوم علم الفقه، وهو(ع)  أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه، وشرح ذلك قائلاً: وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر، وأما فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، وكلاهما أخذ عن علي(ع) ، أما ابن عباس فظاهر وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وكذا فقهاء المذاهب الأربعة فقد تتلمذوا على الإمام جعفر الصادق مباشرة أو بالواسطة، وقرأ جعفر على أبيه(ع)  وينتهي الأمر إلى علي(ع) ([13]).

3. في الدعوة والجهاد إلى جانب رسول الله: حضَّ اللّه  سبحانه وتعالى المسلمين على الشجاعة والثبات في تبليغ الدعوة وفي الجهاد في سبيلها، قال اللّه تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً }[14] و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ }[15]، ولأن القادة هم القدوة لجنودهم، اقتدى علي  بشجاعة الرسول في الدعوة إلى الله والقتال في سبيله، وتتمثّل شجاعته في مواقف متعددة أدّت إلى انتصار المسلمين، فمثلاً في غزوة بدر الكبرى كان عدد جيش كفار قريش يساوي ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، ومن المتعارف عليه أن تكون الغلبة للأكثر عدداً، لكن علياً  استطاع أن يقتل نصف قتلى المشركين وبعضهم من الكبار عندهم ما غيّر موازين المعركة وحسم النصر لصالح المسلمين في معركة غيّرت مجرى الأحداث في التاريخ الإسلامي.

 وشارك  إلى جانب بدر في كل غزوات ومعارك رسول الله  عدا تبوك، دفاعاً عن الإسلام وفي الدعوة إليه،  منها : يوم بني النضير، ويوم الخندق حين تحزّبت الأحزاب ضد رسول الله، حيث تصدى علي  لقادتهم وقتل عمرو بن ود العامري الذي تحدّى المسلمين بغطرسته وعنفوانه، وكان يُعد بألف فارس، وكان قتله سبباً لهزيمة أحزاب المشركين في الخندق، وحينها قال رسول الله  قوله الشهير:> برز الإيمان كله إلى الشرك كله <. وكان  إلى جانب رسول الله  في خيبر، وتؤكّد الأخبار أنه لما أقبل علي  بالراية يهرول وخلفه الناس، فركّز رمحه قريباً من الحصن، وأشرف عليه حبر من الأحبار فقال: من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي:غُلبتم وما أُنزل على موسى، ولما دارت المعركة بينهم حزّ علي رأس مرحب قائد جيش اليهود فتراجع اليهود مهزومين واختبئوا خلف الحصن، فقلع × باب خيبر وقاتل اليهود حتى هزمهم. وإلى هذا أشار ابن أبي الحديد في قصيدته قائلاً:
يا قالع الباب الذي عن هزه          عجزت أكفٌ أربعون وأربع

وانتصر المسلمون يوم حنين حين قتل علي أبو جرول حامل راية المشركين إلى حنين.

وبغض النظر عن كل هذه المعارك والغزوات، يمكن القول أن مبيت علي  على فراش النبي- لما أجمعت قريش على قتله-  فداءً له  يعبّر عن أعلى درجات الشجاعة والتضحية والفداء.

المبحث الثاني: حكمة الإمام علي في التعامل مع مرحلة تولّي الخلفاء للحكم:
أولاً: مشاركة أصحاب الإمام علي(ع) في السلطة القائمة:
أبدى الإمام علي(ع) تعاوناً واضحاً مع الخلفاء في إطار حفظ مصالح الإسلام[16] في الجوانب السياسيّة والعسكريّة، فقد تقلد بعض كبار صحابته مناصب عسكرية ومواقع سياسية، مثل الفضل بن العباس، الذي تولّى منصباً عسكرياً في جيش الشام، وتوفي في فلسطين سنة (18هجري)[17]. وحذيفة وسلمان اللذين تولّيا على التوالي الحكم في المدائن"[18]. وعمّار بن ياسر الذي تولى الحكم على الكوفة بعد سعد بن أبي وقّاص[19]، وهاشم المرقال الذي كان في طليعة المخلصين من شيعة الإمام علي (ع) واستشهد في صفين[20]، فقد تسنّم منصباً عسكرياً رفيعاً في عهد الخلفاء الثلاثة، وهو الذي فتح إقليم آذربيجان في سنة (22 هجري)[21]، وعثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان اللّذان بعثهما عمر بن الخطاب في مهمة وضع قياسات للأراضي العراقية[22]. وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وهو من شيعة أمير المؤمنين (ع) وقد استشهد ابنه في معركة الجمل[23]، من طليعة القادة العسكريين، وعلى يديه تمّ فتح إصفهان وهمدان[24].  وكان جرير بن عبد الله البجلي[25] وقرظة بن كعب الأنصاري[26] من رجال أمير المؤمنين عليّ (ع) في خلافته، وكان لهم في عهود الخلفاء الثلاثة مناصب إدارية وعسكرية، فجرير فتح منطقة الكوفة[27] وكان على عهد عثمان حاكماً على همدان[28]، أما قرظة بن كعب فقد فتح الريّ في عهد عمر بن الخطاب[29].

ثانياً: الإمام علي(ع) وحفظ مصلحة الإسلام: بعد أن استقرّت مسألة الخلافة، وبايع النّاس أبا بكر وانتهى كلّ شيء، ابتعد أمير المؤمنين ولم يبدر منه أيّ تهديد أو موقف معارض، وقد صرّح مخاطباً الناس: "ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين"، ـفما دمتُ أرى أنّه لا يُظلم أحد، فإنّني لن أقوم بأيّ عملٍ ولن أعارض أبدًا[30]. وبهذا يكون الإمام علي (ع) أحرص النّاس على سلامة الرّسالة وسلامة المجتمع الإسلاميّ وأكثرهم التزامًا بها، ولعلّ هذه الحالة الّتي حدثت في المجتمع الإسلاميّ، هي الّتي أشار إليها رسول الله (ص) حين أوصى تلميذه الفذّ بالصبر عند وقوعها[31]. وقد شرح الإمام موقفه في هذه المرحلة من خلال الكتاب الّذي وجّهه إلى أهالي مصر، عبر مالك الأشتر عندما ولاّه إمارتها، حيث جاء فيه: "فأمسكت يدي، حتّى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم، فنهضت في تلك الأحداث"[32]. ولهذا نجد أنّ مواقف أمير المؤمنين(ع)  في السنوات الـ 25 مدة الخلافة السابقة على حكومته، تحكي عن التدخّل الفعّال والدّعم والعون الناتج من الحرص الكبير على الإسلام ومجتمع المسلمين. فإنّ أجوبة وإرشادات هذا الإمام لخلفاء زمانه، فيما يتعلّق بالقضايا السّياسيّة والاجتماعيّة والدينية وغيرها، قد نُقلت في نهج البلاغة وغيرها من كتب الحديث والتّاريخ، وهي شاهدة على عدم تردّده في هذا النهج.  ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما أشار به الإمام علي (ع) على عمر لدى استشارة الأخير حول الذهاب بنفسه إلى جبهات القتال وقيادة الجيوش هناك: "... إنك متى تسِرْ إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفةٌ دون أٌصى بلادهم وليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلاً محرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فإن أظهره الله فذاك ما تحبّ وإن تكن الأخرى كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين"[33].

واستشار عمر الإمام علي (ع) عندما أراد الشخوص لقتال الفرس بنفسه قال الإمام (ع) له: "... فكن قطباً، واستدر الرّحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك أنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك، وطمعهم فيك"[34].

وفي خلافة عثمان، كثُرت الاعتراضات عليه في نهاية الأمر، وبدأ النّاس يُخالفونه ويعترضون عليه كثيرًا، وتقاطروا من مصر ومن العراق ومن البصرة ومن أماكن أخرى، وفي النّهاية تشكّل جمعٌ كبير وحاصروا بيت عثمان وهدّدوه. هنا نجد أنّ الإمام علي يقوم بكمال الإخلاص بما يراه تكليفًا إلهيًّا وإسلاميًّا؛ فيُرسل كلّاً من الحسن والحسين، إلى بيت عثمان من أجل الدّفاع عنه، وكان المخالفون يُحاصرون بيت عثمان ويمنعون دخول الماء إليه، وكان علي يُرسل له الماء والطعام ويُفاوض مرّاتٍ ومرّات أولئك الّذين غضبوا على عثمان، لعلّه يُهدّئ من روعهم. وحتى بعد حادثة مقتل عثمان، لم يتحرّك أمير المؤمنين عليه السلام نحو السّلطة والإمساك بالحكومة. حيث صرّح للناس قائلاً: "دعوني والتمسوا غيري"[35].  ويصف أمير المؤمنين(ع) دوره في هذه المرحلة عندما جاؤوا إليه بعد مقتل عثمان وبايعوه بالخلافة، قال: "وأنا لكم وزير خيرٌ منّي أمير"[36].[37].

وبالخلاصة فقد كانت حركة علي (ع) إصلاحية في هدفها وليست انقلابية، فهي لأجل مصلحة الأمة، لا بحثاً عن ملك ودنيا، فالإمام كان يبحث عن إصلاح الأوضاع، ولم يسع إلى استلام الحكم كهدف لمعارضته وعن هذا الوضع يقول الإمام علي (ع): (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك)[38]
 
المحور الثالث: مرحلة حكم الإمام علي(ع) وأسلوبه في التعامل مع المعارض والمخالف السياسي:
مدخل سادت الفوضى أرجاء المدينة بعد مقتل عثمان، فاتجهت الأنظار والآراء إلى الامام علي(ع)؛ وخاطبه كبار الصحابة قائلين: "لا بدّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحقّ بهذا الأمر منك؛ لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله’[39]، وقالوا له أيضاً: "لا بد للناس من إمام، ولا نعلم أحداً أحق بها منك"[40]، و"بايع فإنا لا نرضى إلا بك"[41]. وتحرك الألوف من المسلمين نحو الامام علي(ع) ليطلبوا منه إمساك زمام القيادة ، ولكنه الامام عليه السلام رفض هذه المطالبة، وقال لهم: "أيها الناس أنتم مستقبلون أمراً له وجوه، وله ألوان، لا تقوم به القلوب ولا تثبت له العقول، لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت به، إني لكم وزير خير من أن أكون أميراً([42])، وإني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم، ألا وإني من أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه"[43]. فقبل الخلافة خشية منه على الدين والمسلمين من الفتنة والتمزّق[44]. وحرص الامام (ع) على أن يتلقى بيعته في المسجد، وفي اليوم التالي سار الامام نحو المسجد تحفه جماهير المسلمين من المهاجرين والانصار وغيرهم، ثم اعتلى المنبر وخاطبهم قائلاً: " يا أيها الناس، إنّ هذا أمركم ليس لأحدٍ فيه حقّ إلا من أمّرتم، وقد افترقنا بالأمس وكنت كارهاً لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون الامام عليكم، ألا وإنه ليس لي أن آخذ درهماً دونكم، فإن شئتم قعد لكم، وإلا فلا آخذ على أحد". فهتفوا بصوت واحد: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس وقالوا: نبايعك على كتاب الله، فقال(ع): اللهم اشهد عليهم([45])، فبايعه عامة المسلمين وكبار الصحابة[46]. وبلغ  سرور الناس بهذه البيعة أقصاه، ووصف الإمام(ع) ذلك بقوله: " وبلغ سرور الناس بيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها اللامام علي(ع)ل، وحَسَرَت إليها الكِعاب "([47]).  ومع كل هذا الإقبال على البيعة فقد حرص الامام (ع) على عدم إجبار أي من معارضيه على مبايعته بالقوة، وإعطائهم مطلق الحرية في مواقفهم[48]. وهكذا انطلقت الحكومة العلوية  وشكّلت استثناءً في تاريخ الحكومات، ويدلّ على هذه الحقيقة، الاهتمام الواسع والكبير الذي أولاه علماء البشرية وحتى غير المسلمين لهذه الحكومة قصيرة العمر، التي لعبت دوراً مصيرياً؛ لذلك تمّت دراستها من أبعاد مختلفة؛ منها ما هو كلامي، وسياسي، وتاريخي، وعسكري وغير ذلك؛ ما أدّى إلى وجود آثار كبيرة وضعت أمام أصحاب الرأي والنظر حولها، سنسلّط الضوء على جوانب منها، لا سيما فيما يتعلّق بمنهج الإمام في التعامل مع الآخر.

أولاً: المرتكزات والأسس: نسلّط الضوء فيها على بعض الأسس والمرتكزات التي أرساها الإمام(ع) في ممارسة الحكم وإدارة الدولة:
1. اتباع الدين وتطبيق أحكامه:
للدين تأثير فاعل في الحياة الفردية، والعائلية والاجتماعية للمرء. والامتثال لأحكام وتعاليم الدين، يُصلح أخلاقه وسلوكه، والإيمان بالله وذكره يبعث السكينة والاستقرار في قلب الإنسان، ويدفع عنه قلق واضطرابات الماضي والمستقبل. ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾. وقال علي (ع) في وصفه لتأثير الإيمان بالله وبأصول المعتقدات: "الإيمان مُشْرِقُ الْجَوَادِّ مُضِي‏ءُ الْمَصَابِيحِ"([49]). ووصف الله تعالى الدين بأنّه طريقه المستقيم، فقال: ﴿وان هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾([50]). ولهذا كان الإمام علي (ع) يوصي الولاة والمدراء دوماً بتطبيق أحكام الإسلام ومراعاة الجوانب التربوية والقيم الاجتماعية في إدارة شؤون الناس والمجتمع.  وقد صدر عنه(ع) دعوات وإرشادات متكرّرة إلى الولاة والعمال يدعوهم فيها إلى اتّباع الدين وتطبيق أحكام الله، قال(ع): "فَشَرِّفُوهُ (الدين) وَ اتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ"([51]). وفي موضع آخر، حذَّر من استغلال الدين لأغراض أخرى، وما ينجم عن ذلك من أضرار فادحة، قائلاً: "فإنّك (...) قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ، مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، وَ يُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ، فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وَطَلَبْتَ فَضْلَهُ اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ، وَ يَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَ آخِرَتَكَ، وَلَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ" ([52]).

2. تربية وبناء المسؤولين والمدراء: إنّ الغاية من إقامة الحكومة في الإسلام، تطبيق الأحكام الإلهية، وتوفير المتطلبات المادية والمعنوية للمجتمع؛ وهو ما يتطلّب تربية مدراء واعين ممّن يشعرون بالمسؤولية إزاء القضايا السياسية والاجتماعية؛ وذلك لأن المدير والمسؤول والحاكم الفاقد لصفتي العلم والتقوى، يسوق المجتمع نحو الفساد والضلال وهذا ما يؤكّد الإمام علي (ع) عليه بقوله: "لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَ الدِّمَاءِ وَ الْمَغَانِمِ وَ الأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ"([53]). وقال أيضاً في موضع أخر: "لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ"([54]) لأن "التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ"([55]) يمنع الإنسان من الإثم والمعصية. وهو ما نفهمه من سيرة الإمام علي (ع) التي ركّز  فيها على تربية المسؤولين، والارتقاء بمستواهم على صعيد الفكر والكفاءة، جاء في كتابه لمالك الأشتر – في سياق تطبيق عملية التربية السياسية – قوله: "وَلا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ"([56]).

3. الإشراف والرقابة:  للإشراف والرقابة تأثير لا يستهان به في التربية والتحكم بالسلوك، والإشراف من الأساليب المؤثّرة في التعليم والتربية، خاصّة التربية السياسية وإدارة الشؤون الاجتماعية، وله تأثير فاعل في تهذيب سلوك الفرد. ومن الطبيعي أن الإنسان عندما يشعر بأنه عمله خاضع للتدقيق، يبذل مزيداً من الدقّة في إنجازه، وكما أثبتت التجربة أن المسؤولين الحكوميين إذا شعروا برقابة صارمة من قبل الأجهزة المعنية بذلك، وعلموا أن أعمالهم ستتعرض للتفتيش والمساءلة، فإنهم نادراً ما يقعون في خطأ أو مخالفة. وقد استخدم الإمام علي (ع) في عهد خلافته أسلوب الرقابة والإشراف، واستعان به لإصلاح وتحسين الأمور الاجتماعية. والذي يُفهم من سيرته، أنه كان يراقب مراقبة تامّة أعمال وُلاته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وكان يسارع عند مشاهدة أية مخالفة من أحدهم، إلى توجيه اللوم والتقريع له، أو عزله. وأبرز شاهد على ذلك، كتاب التقريع الذي بعثه إلى عثمان بن حُنيف والي البصرة. وقال في ذلك الكتاب بعد حمد الله والثناء عليه: "فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ"([57]). وهو ما أكّد عليه في كتابه وأوامره (ع) لمالك الأشتر: "ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ"([58]). وقد كانت معظم القرارات التي يتخذها أمير المؤمنين (ع) في نصب وعزل الولاة، تأتي على أساس التقارير الدقيقة والموثّقة التي كانت توافيه. وتجدر الإشارة إلى أنه (ع) كان يستخدم هذا الأسلوب بلا مواربة، وبلا مراعاة للاعتبارات السياسية أو اعتبارات القرابة. فعندما بلغه خيانة أحد أبناء عمّه في أموال الناس، هدده بالقول: "فَاتَّقِ اللَّهَ وَ ارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَ لأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ"([59]).

4. اتباع الحق وممارسته: من الصفات الأخرى التي حرص الإمام علي (ع) على تربية المسؤولين الحكوميين عليها قضية اتّباع الحق والعدالة في المجتمع في كل الظروف، حيث كان يأمر وُلاته وعمّاله برعايته، وان لا يتغاضوا عن الحق أبداً؛ حيث أمَرَ مالك الأشتر بما يلي: "ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ"([60]). وقال أيضاً في أهمية رعاية الحق من قبل الوالي والرعية: "فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَ أَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ"([61]). وقال في مجال العمل بالحق: " وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ"([62]).

5. العدل والقسط قوام الحكم: يشكّل القسط والعدل الهدف الأساس والغاية الواقعية لإقامة الحكومة الدينية، وإذ أخذنا بعين الاعتبار أنّ عمارة الأرض من جملة وظائف الحكومة الدينية؛ كما صرَّح به الإمام (ع) في عهده لمالك الأشتر «فضيلة السلطان عمارة البلدان»[63]. نصل إلى نتيجة مفادها أنّ العمارة والتوسّع من الأجزاء التي لا تنفكّ عن العدالة الاجتماعية، ولا يمكن الادّعاء بأنّ المجتمع قد وصل إلى العدالة الحقيقية من دون التطوّر والنموّ. وهذه حقيقة تحدث عنها الإمام (ع) مراراً، حيث يقول الإمام (ع) «ما عمرت البلدان بمثل العدل»[64]، و«ما حصَّن الدول بمثل العدل»[65]، «وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودّة الرعيّة»[66].بل وإنّ أيّة حكومة، وأيّة سلطة، لا يمكن أن يُكتَب لهما  الاستمرار والدوام، من دون إقامة العدل، والعدل لا يتحقّق من دون العمران في مختلف الجوانب، ومن دون التطوّر والتوسّع، الذي يؤدّي إلى زوال الفقر. ومثلما كانت حياة الإمام علي (ع) كلها عدالة وعملاً بها في الحياة الاجتماعية والسياسية...، كان كلامه، أيضاً، كله دعوة إلى الحق وتحقيق العدالة. وقد أوصى عليه السلام أحد وُلاته بما يلي: "أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ"([67]). واستناداً إلى هذا الأمر، يتبيّن أن من واجب الولاة محاربة الجور والتمييز. وقال الإمام في وصية أخرى له إلى مالك: "وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ"([68]). فتطبيق العدالة بين الناس ورعاية حقوقهم يخلق لديهم الحوافز، ويدفعهم إلى تأييد الحكومة. وفي مثل هذه الحالة يتمكن الحكام من إدارة شؤون المجتمع على نحو أفضل. وجاء أيضاً في موضع آخر من كلامه: "وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ"([69]).

6. الأمانة قوام الحكم والحكام: الأمانة في ضوء الفكر السياسي عند الإمام علي (ع) من الخصائص البارزة  التي يجب أن يراعيها المسؤولون الحكوميون. فكل ما يوضع تحت تصرفهم من مناصب وأموال، إنّما هي لعامّة أبناء الشعب، وهذا يعني أن كل مسؤول حكومي ملزم بحفظ ما في يده من أمانة أبناء الشعب، وتوظيفها بما يعود عليهم من نفع مادي ومعنوي. وهو ما أكّده  الإمام علي (ع) في كتبه ورسائله وتوجيهاته إلى القريب والبعيد من الولاة وغيرهم، حيث وجّه اللوم إلى أحد وُلاته قالئلاً: "(يا أشعث) إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَ لا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ"([70]). وأمر علي (ع) مالك الأشتر في هذا المجال بما يلي: "(يا مالك) فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَةِ وَجْهاً"([71]). وشدّد الخطاب في الكتاب الذي بعثه إلى أحد وُلاته ويلومه فيه في هذا السياق حيث قال: "أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ‏ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أو كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ"([72]). وكذا عندما عمد أحد الولاة المقرّبين إلى الإمام(ع) إلى خيانة الأموال العامّة، أجبره الإمام(ع) على إعادتها لأصحابها، وهدّده بالسيف، وقال بعدها: «والله لو أنّ الحسن والحسين(عليهما) فعلاً مثل التي فعلت؛ ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا منّي بإرادة»[73]. وقد تحدّث الإمام (ع) بنفسه حول مسألة عقيل، فقال: «والله لقد رأيت عقيلاً، وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم؛ كأنّما سودّت وجوهم بالعظلم، وعاودني مؤكّداً، وكرّر عليَّ القول مردداً؛ فأصغيت إليه سمعي؛ فظنّ أنّي أبيعه ديني، واتّبع قياده؛ مفارقاً طريقي، فأحميت له حديدة، ثمّ أدنيتها من جسمه؛ ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرّني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه[74]. ويظهر من سيرة الإمام علي (ع) في الحكم أنّه كان يراقب أقرباءه بدقّة؛ حيث سلب منهم القدرة على استغلال مواقعهم، لا بل كان يذكّر الولاة الذين يُرسلهم إلى النقاط البعيدة بهذه الحقيقة، ويطلب منهم عدم الغفلة عن أقربائهم. جاء في عهد الإمام (ع) إلى مالك الأشتر: «ثمّ إنّ للولي خاصّة وبطانة، فيهم استئثار، وتطاول، وقلّة إنصاف في معاملة. فاحسم مادّة أولئك؛ بقطع أسباب تلك الأحوال... [ثمّ يوصيه] ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك وحامّتك قطيعة. ولا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس؛ في شرب أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنّأ ذلك لهم دونك، وعيبه في الدنيا والآخرة»[75]. وجاء في رسالة وجّهها الإمام(ع) إلى أحد العاملين في الحكومة، جاء في جزء منها: «أمّا بعد فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته؛ فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك. بلغني أنّك جردت الأرض، فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إليَّ حسابك، واعلم أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس»[76].

وبالخلاصة فقد خطى الإمام أمير المؤمنين (ع) بهذا الأسلوب الإداري، خطوة أخرى في طريق الإصلاح الاقتصادي المطلوب في الحكومة الدينية، وتوفير الرفاه العامّ، ورفع سُنّة البطانة والأقرباء؛ هذه البطانة التي حدّدت مصير الناس في عصر الخليفة السابق، وأظهر للجميع الصورة الحقيقية للعدالة الدينية وحكومة الشعب الإسلامي.

ثانياً: سياسات الحكم وأسس التعامل مع المعارضين:
مدخل: طوال مدة الحكم التي مارس فيها الامام(ع) الحكومةلم يكن مستعداً بأي شكل من الأشكال لتقبل أنصاف الحلول بالنسبة إلى تصفية الإنحراف، أو لتقبل أي معنى من معاني المساومة على حساب الأمة، وهذا ما انعكس بشكل جلي في الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والسياسية التي قام بها الإمام. فحكومة الإمام هي امتداد لحكومة رسول الله(ص) التي حاربت الظلم والبغي، وجاءت بالعدل والمساواة، وضربت الامتيازات الشخصية التي تؤدي إلى احتكار السلطة والمال. ومن هنا فقد عزّ على كثير من أثرياء قريش أن يكونوا على قدم المساواة مع أيّ مسلم آخر من غير قريش، وكذلك عز على كثير من العرب أن يكونوا على قدم المساواة مع أي مسلم آخر من غير العرب، وهكذا تولّدت جبهة معارضة في وجه حكومة الإمام علي(ع)، تبدّلت أهدافها بسرعة؛ لتعيد التوتّر والاضطضراب إلى المجتمع الإسلامي، بل هيئت الأجواء للمواجهة العسكرية، وقد تمثّلت هذه المعارضة ببعض الشخصيات التي كانت قريبة من الحكومة سابقاً، وسنقصر الكلام اختصاراً على حركة كل من الناكثين والمارقين والقاسطين في هذا السياق بملاحظة أسلوب الإمام علي(ع) في التعامل معها، وعدم الخوض في كثير من تفاصيلها التاريخية.علماً بأنه قد ورد في أكثر من مصدر إخبار النبي(ص) لعلي(ع) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، في العديد من الروايات، منها:
- روى الحاكم بإسناده عن عتاب بن ثعلبة: حدثني أبو أيّوب الأنصاري في خلافة عمر بن خطاب قال: أمر رسول الله (ص) علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين[77].
-  وروى الحاكم ـ أيضاً ـ بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت النبي (ص) يقول لعلي بن أبي طالب: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات. قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب[78].
-وروى البلاذري بإسناده عن حكيم بن جبير قال: سمعت إبراهيم يقول: سمعت علقمة قال: سمعت علياً يقول: (أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين)، وحدثت أن أبا نعيم قال لنا: (الناكثون أهل الجمل، والقاسطون أصحاب صفين، والمارقون أصحاب النهر)[79].

1. الناكثون، وفتنة الجمل:
النَّكْثُ: نَقْضُ ما تَعْقِدُه وتُصْلِحُه من بَيْعَةٍ وغيرها. نَكَثَه يَنْكُثُه نَكْثاً فانْتَكَثَ، وتَناكَثَ القومُ عُهودَهم: نقضوها[80]. والمراد من الناكثين هم أهل الجمل؛ لأنّهم نكثوا البيعة، واستنزلوا عائشة، وساروا بها إلى البصرة، وهم عسكر الجمل ورؤساؤه.
وهو لقب أطلق على جماعة نقضوا بيعة أمير المؤمنين (ع) بقيادة طلحة والزبير وعائشة، فقاموا عليه بجيش جرار، فوقعت معركة الجمل، وانتهت الحرب بمقتل أكثرهم، وتفرّق الجيش، وأُسر جماعة من الناكثين، ثم عفى أمير المؤمنين (ع) عنهم. ولم تكن للناكثين أيّة أهداف اجتماعية، وإنما دفعتهم مصالحهم الخاصة لذلك،  فقد اتفقت المصادر التاريخية على أن طلحة والزبير كان عندهما رغبة جامحة للوصول إلى السلطة بأي ثمن وأي وسيلة، وهو ما اعترفا به لسعيد بن العاص، عندما سألهما أثناء سيرهما باتجاه البصرة "إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني؛ قالا: لأحدنا أينا اختاره الناس"[81]. وروي أنهما جاءا يطلبان من الإمام(ع) المشاركة في الحكم فلم يتوصّلا إلى شيء، فقد سألاه أن يوليهما البصرة والكوفة، لكنه رفض قائلاً "تكونان عندي فأتحمّل بكما فإني وحش لفراقكما"[82]، كما أنه رفض اقتراحاً قدمه المغيرة بن شعبة له لتولية طلحة اليمن، والزبير البحرين[83]. فقالا: "هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب، وسببنا له القتل، وهو جالس في بيته وقد كفي الأمر، فلما نال بنا ما أراد فعل دوننا وقدم غيرنا"[84]. واستغل معاوية الذي كان يتمتع بسيطرة تامة على الشام، هذه الظروف، فكتب إلى الزبير قائلاً: "لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك، أما بعد، فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجدّ والتشمير، أظفركما الله وخذل مناوئكما"([85]). وخفّ الزبير طرباً لهذه الرسالة، وعزم مع طلحة على نكث البيعة والخروج على الامام(ع)، فادعيا أنهما بايعا مكرهين، ولما علما بتحرك السيدة عائشة قررا الالتحاق بها فجاءا إلى الامام علي(ع) ليستأذناه الخروج إلى العمرة. فقال لهما: نعم والله ما العمرة تريدان وإنما تريدان أن تمضيا لشأنكما([86]). وروي أنه قال لهما: بل تريدان الغدرة([87]).  وقد تنبهت عائشة إلى هذه المنافسة، فقالت: "لا تبايعوا الزبير على الخلافة ولكن على الإمرة في القتال، فإن ظفرتم رأيتم رأيكم"[88]. وأكّد الامام علي(ع) أن طلحة والزبير قاما بإخراج أم المؤمنين من بيتها، وأنهما أقنعاها بمعارضته[89]

كيف تعامل الإمام علي(ع) مع هذه الأحداث، والفئات المعارضة؟
أ. الصبر واستيعاب الآخرين:
في مقابل ما كان يجري من التطورات في مكة، كان الامام علي(ع) حريصاً على وحدة الناس والمجتمع، وعدم تعرّضه للتفكك، والتمسّك بالصبر، فقد صرّح قائلاً: "وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكف إن كفوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم"[90]، كما أكّد(ع): "أن الله عزّ وجلّ جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة، فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل"[91]، وعندما وصلته أنباء عزمهم على الخروج إلى البصرة، قرر الخروج إليهم لإقناعهم بعدم المسير[92]، حرصاً على عدم إصابة الإسلام بالوهن[93].

ب. إيقاف ومنع التمزّق في كيان الدولة: شرع الإمام (ع) بالاستعداد العسكري والسياسي لإيقاف التمزّق في كيان الدولة بعد إعلان معاوية بن أبي سفيان تمرده على الخلافة، وخروجه على إجماع الامة، ولكنّ حال دون هذا التحرّك وصول خبر خروج طلحة والزبير وعائشة على الإمام إلى البصرة وإعلانهم العصيان، فعدل عمّا كان يخططه لمعالجة موقف معاوية، وخرج من المدينة في الأيام الأخيرة من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين[94]، بعد أن بلغه توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة، وخرج على تعبئته التي كان قد تعبى بها إلى الشام من أجل قتال معاوية[95].

ج. الصلاح والرفق أولاً: لقد حدد الامام (ع) أهداف توجهه إلى البصرة، وهو إدراك طلحة والزبير وعائشة، وردّهم[96] "فإن يرجعوا فذاك ما نريد وإن يلجّوا داويناهم بالرفق، وبايناهم حتى يبدأونا بظلم، ولن ندع أمراً فيه صلاح آثرناه"[97]، و"أما الذي نريد وننوي فالإصلاح، إن قبلوا منا وأجابونا إليه... فإن لم يجيبوا... ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر... فإن لم يرضوا ندعهم ما تركونا... فإن لم يتركونا امتنعنا عنهم"[98]، و"الأثرة لأهل الطاعة والحق بأحسنهم سابقة وقدمة، فإن استووا أعفيناهم وأجتبرناهم، فإن أقنعهم ذلك، كان خيراً لهم، وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شراً على ما شر له"[99].

د. إصلاح ذات البين وتجنّب القتال: قبل المواجهة الشاملة في معركة الجمل، بدأ الامام (ع) بعد تمركز قوات الطرفين في منطقة الخريبة، محاولاته العديدة لتجنّب القتال، فكتب إلى عائشة وطلحة والزبير، وأوفد إليهم رسلاً، عسى أن يعودوا لرشدهم ويدركوا خطورة الموقف، مطالباً إياهم بالتعقّل ومراجعة أنفسهم[100]، وناشد عائشة أن تقر في بيتها[101]، وطلحة والزبير أن يتقيا الله[102]، كما دعا طلحة إلى التوبة، وأنّبه على إخراجه عائشة من بيتها[103]، فقالت عائشة لابن عباس: "لا طاقة لي بحجج علي" ([104]).

ه. صبر الإمام حتى اللحظة الأخيرة: بقي الامام(ع) حتى اللحظة الاخيرة يطمح إلى أن يرتدع الناكثون عن غيّهم، فلم يأذن بالقتل رغم ما شاهد من إصرارهم على المضي في الحرب، فقال لأصحابه: " لا يرمينّ رجل منهم بسهم، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح حتى أحدث إليكم، وحتى يبدأوكم بالقتال والقتل "([105])، ولكن أصحاب الجمل شرعوا بالرمي فقُتل رجل من أصحاب الإمام، ثم قتل ثانٍ وثالث.  ودعا الامام (ع) أصحابه إلى عدم البدء في القتال، وإلى ضبط النفس[106]، بالرغم من مقتل ثلاثة من مقاتليه على أيدي قوات من معسكر طلحة والزبير[107].

و. العفو عن المعتدي بعد المعركة: تسامح الامام (ع) تجاه الذين رفعوا السلاح في وجهه، وحرص على عدم معاملتهم بمثل ما عاملوه به، فما ان انقشع غبار المعركة حتى نادى منادي الامام(ع): ألا لا يجهز على جريح ولا يتبع مولٍ ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، وأن لا يؤخذ شيء من أموال أصحاب الجمل إلا ما وجد في عسكرهم من سلاح أو غيره مما استخدم في القتال، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم([108]).

ز. احترام السيدة عائشة: أمر الامام(ع) محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلى وسط ساحة المعركة وينحّوه جانباً، وأن يتعهّد محمّد أمر أخته عائشة، فلما كان من آخر الليل أدخلها محمد البصرة فأنزلها في دار عبدالله بن خلف الخزاعي، وهي مصابة بخدوش في عضدها[109]، وأرسلت إلى من كان جريحاً فضمته في دار، فلم يعرض الامام (ع) لهم بشيء[110].

2.  القاسطون:
كلمة القاسطين في اللغة من الأضداد  كما ورد :قوله تعالى: "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا"، أي: الجائرون من القسوط وهو الجور .والإقساط: العدل. ومنه قوله تعالى: "قائما بالقسط"، وقوله: أقسط عند الله كله، بمعنى العدل[111]. وهو لقب أُطلق على معاوية بن أبي سفيان وأتباعه من أهل الشام وغيرهم الذين حاربوا أمير المؤمنين (ع)ليه في معركة صفين.

كيف تعامل الإمام علي(ع) مع معاوية ومن عارضه من الناس؟
أ.محاولة الإمام منع الحرب:
أرسل الامام(ع) أكثر من مراسلة إلى معاوية وفتح عدّة قنوات لتجنّب الحرب وإعادة معاوية وأهل الشام إلى الجماعة الاسلامية، لكنّ ردّ معاوية كان هو الحرب وأنه ليس بينه وبين الامام (ع) إلاّ السيف([112])

ب. أخلاق علي في الحرب: لما بلغت معاوية أخبار استعداد الامام (ع) للمسير إليه، فبدأ بإعداد العدة، وحثّ الناس على التجمع وكتب لأهل الشام بذلك[113]، وسار إلى صفين، واستقر فيها قبل وصول جيش الإمام(ع)، وسارع بتحريك قواته نحو أعالي الفرات في وادي صفّين لاحتلالها ومنع تقدّم قوات الامام(ع) إلى الشام وحبس الماء عنهم. وتحقق له ذلك بسهولة قبل وصول قوات الامام(ع) إلى صفين. والتقى الطرفان في سهل صفين قرب الرقة، في شهر ذي الحجة من سنة 36هجرية[114]، في تعبئة واستعداد يظهران حرص كل منهما على حسم الأمور لصالحه بسرعة[115]. فطلب منه الامام(ع) أن يسمح لجيشه بالاستقاء، ولكن معاوية أبى ذلك، وأضرّ العطش كثيراً بأهل العراق وازداد الضغط على الإمام لفك الحصار عن الماء، فأذن بالهجوم على شاطئ الفرات، وتمّ إزاحة قوات معاوية عن ضفّة النهر. ولكن الامام(ع) لم يقابل أهل الشام بالمثل، ففسح لهم المجال لأخذ الماء دون معارضة([116])، وبعد أن استقرّ جيشه على ضفّة الفرات، سادت هدنة مؤقّتة بعث خلالها الإمام(ع) مندوبين عنه إلى معاوية وهم بشير بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي، فقال(ع) لهم: " ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة ". 

ج. محاولة جديدة لمنع الحرب والصلح: ما أن حلّ شهر محرم من عام 37 هجرية حتى حصلت موادعة ووقف للقتال، كهدنة مؤقتة على أمل الوصول إل اتفاق بين الطرفين[117]، فسادت أجواء الهدوء والألفة والحوار بين المعسكرين، حاول من خلالها الامام(ع) التوصّل إلى الصلح، ولكن تبين خلال الهدنة عدم مقدرة الطرفين على حسم مواقفهما تجاه الصلح[118]، فقد كانت خطّته (ع) هي الدعوة إلى السلم وجمع الكلمة وحقن الدماء، بينما بقيت دعوة معاوية وأهل الشام إلى رفض البيعة للإمام (ع) والطلب بدم عثمان بن عفّان([119]).

د. لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم:  بعد فشل كل محاولات الصلح، وكثرت المناوشات بين الجيشين، وفي مطلع شهر صفر من عام 37هجرية،  أصدر الامام (ع) أوامره بالاستعداد للقتال[120]. وأوصى جنوده قائلاً " لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم فأنتم بحمد الله عز وجل على حجّة " ثم قال: " فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورةً ولا تمثّلوا بقتيل "([121]).

3. المارقون، او الخوارج:
مدخل

المارقون لغةً: مَرَقَ السهمُ من الرَمِيَّةِ مُروقاً، أي خرج من الجانب الآخر؛ ومنه سمِّيت الخوارجُ مارِقَةً، لقوله عليه السلام: "يَمْرُقونُ من الدين كما يَمْرُقُ السَهم من الرمِيَّة"[122]. وهم الخارجون عن متابعة الحق المصرّون على مخالفة الإمام المفروضة طاعته ومتابعته المصرّحون بخلعه،  وهم الخوارج أهل حروراء والنهروان. وهم من شقّ صف جيش الإمام(ع) عند فتنة التحكيم ورفع المصاحف في صفين، وخالفوا الإمام حينها وقالوا: لا والله لا نحارب القرآن أبداً. ولهذا فإن خطر هذه الفئة أكثر من غيرها، كون قادتها وأتباعها من العبّاد والمتنسّكين الزاهدين بحسب الظاهر، وكما يصفهم عبدالله بن عباس: " لهم جباه قرحة لطول السجود، وأيدٍ كنفثات الإبل، الامام عليهم قمص مرحّضة، وهم مشمرون ". ولأنّ هدف تحرّكهم وثورتهم هو القضاء على الظالمين حسب ما ذكروا. وشعارهم لا حكم إلا لله... الرواح الواح إلى الجنة. وقد حدّد الامام علي (ع) صفاتهم، حيث قال: " ثم أنتم شرار الناس ومن رمى به الشيطان مراميه.. "، فالإمام يخاطب أولئك العبّاد المقدسين الذين نهكتهم العبادة والزهادة بهذه العبارة العنيفة..
وولكنّ فهم الإمام الواقعي لهم والذي استوجب مخاطبتهم بهذه الصفة، هو أنهم برغم مظهرهم الخارجي فإنهم ليسوا في الواقع إلا وسيلة فعّالة بيد الشيطان، وهذا ما يعقّد المواجهة معهم.

سياسة أمير المؤمنين(ع) مع الخوارج:
أ. سياسة المداراة:
لقد عمل المارقون ما في وسعهم لإيذاء الامام (ع) والإساءة إليه. ولكنه استعمل أقصى حد ممكن من المداراة معهم ما داموا لم يشهروا السيف، حتى أنه لم يقطع حقوقهم من بيت المال، ولم يقيّد حرياتهم. وكانوا يأتون إليه أمام الناس فيتجاسرون في حضرته إلى حد توجيه الإهانات الوقحة إليه، ولكنه (ع) كان يعتصم بالحلم ولا يرد الامام عليهم. بل وقال الامام(ع) لهم: "لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا، ولا نبدؤكم للحرب حتى تبدؤونا"([123]) .

ب. محاولة الإمام ردعهم عن القتال: تجمّع المارقون عن الدين قرب النهروان بعد أن التحقت بهم مجاميع من البصرة وغيرها، وحاول الامام(ع) مراراً ردعهم عن فكرتهم وسعيهم للحرب، فلم يجد فيهم إلا الفساد والجهل والإصرار، بل تمرّدوا وتمادوا في غيّهم، وإذ أخذ أمرهم يستفحل أكثر فأكثر فقد وجد الامام(ع) نفسه مضطراً إلى أن يضرب معسكراً في مقابلهم، وكان عددهم قد بلغ حوالي اثني عشر ألفاً، وأصبحوا بشكّلون خطراً جدياً بحيث لا تجوز المهادنة معهم وإرخاء الحبل لهم أكثر من ذلك، وأرسل إليهم ابن عباس مندوباً عنه يناقشهم ويفاوضهم، ولكنه لم يستطع أن يصنع شيئاً معهم وعاد خالي الوفاض.
 فذهب إليهم أمير المؤمنين (ع) بنفسه، وكان حديثه معهم مؤثراً بحيث أن كثيراً منهم ندم على عملهم وطلبوا قبول توبتهم، فأمر الامام (ع) بنصب راية أمام معسكره، وأعلن أن كل من يأوي من الخوارج إلى هذه الراية فهو في أمان. وكان الذين رجعوا وتجمّعوا تحت راية الأمان ثمانية آلاف رجل منهم، أما الأربعة آلاف الباقون فأصروا على موقفهم وأعلنوا استحالة رجوعهم عن عقيدتهم  فعبّأ جيشه ونصحهم كما هو شانه في كلّ معركة، ولمّا انتهى الامام(ع) بعث إليهم رسولاً يطلب منهم قتلة عبدا لله بن خبّاب وقتلة رسوله الحارث بن مرّة، فردوا الامام عليه مجمعين: كلنا قتلناهم وكلنا مستحلٌّ لدمائكم ودمائهم.

ج. بيان عاقبة أمرهم:  خاطبهم الامام(ع) بشكل مباشر مبيّناً عاقبة أفعالهم عسى أن يرتدعوا فقال لهم:" أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة، وصدّها عن الحق الهوى، وطمع بها النزق، وأصبحت في الخطب العظيم، إنّي نذير لكم إن تصبحوا تلعنكم الأمّة غداً صرعى بأثناء هذا الوادي، وبأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ولا برهان مبين " ثم بيّن لهم (ع) أنه كره التحكيم وعارضه، وشرح سبب معارضته بوضوح لهم، ولكنّهم أنفسهم أجبروا الإمام على قبول التحكيم، وأنّ الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنة، وها هو الإمام يعدّ العدّة لملاقاة معاوية ثانية، فلا معنى لخروج المارقين، ولم يصغ المارقون لقول الإمام وطالبوه بتكفير نفسه وإعلان توبته، فقال (ع): " أبعد إيماني برسول الله وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر؟! لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين " .

د. رفع راية الأمان: وفي محاولةٍ أخيرةٍ أمر الإمام(ع) أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية الأمان للخوارج، ويقول لهم: " من جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن.. إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا ". فانصرفت منهم مجاميع كثيرة وقال الإمام لأصحابه: كفّوا عنهم حتى يبدؤوكم بقتال.
 
خاتمة
لقد تربى الإمام علي(ع) في مدرسة رسول الله(ص)، فكان باب مدينة علمه(ص)، وخير من اتخذه قدوة وأسوة، ومع كثرة المواقف التي تعبّر عن شجاعته وحكمته وصبره على امتداد تاريخ الرسالة الإسلامية، إلا أن ما واجهه(ع) بعد وفاة رسول الله(ص) وحتى شهادته (ع)، يعبّر عن قيادته الحكيمة وأنه يمثّل رسول الله(ص) في قيادة الأمة وحفظ الرسالة. فقد وقف إلى جانب الخلفاء، وحث أصحابه على الحضور في الجبهات والساحات المختلفة إلى جانب الخلفاء. وقدّم إنموذج الحاكم صاحب المشروع الإصلاحي المتكامل في الدولة والمجتمع، وحفظ حقوق الناس. ولو لم يكن إلا مواجهة الفتن الداخلية التي فتكت بالمجتمع الإسلامي؛ كفتنة الناكثين والقاسطين والمارقين لكفى، وخصوصاً مواجهته لنكبة الخوارج الفتنة الأكثر خطورة وفتنة في المجتمع الإسلامي.

ففي الموقف الأول عندما واجه قضية الخلافة وقف (ع) بشجاعة وتصميم وعزم وصبر إلى جانب مصلحة الإسلام العليا وتنازل عن ذاته وكل وجوده، ليعطي بشجاعته هذه مثلاً رائعاً وهو أن مصلحة الإسلام وكلمته، هي أعظم من كل شيء في هذا الوجود، وأعظم من كل إنسان مهما كان عظيماً كعلي(ع). ويتضح هذا من موقفه (ع) لما جاء المسلمون لمبايعته بالخلافة قبل أن يتولى المسؤولية الأولى في جهاز الدولة الإسلامية الفتية ، لتكون أداة لمقاومة مظاهر الحيف والانحراف ، ولإرجاع الحقوق إلى أصحابها.
وأما قضية مواجهة الخوارج وغيرهم فهي تحتاج أيضاً إلى شجاعة علي (ع)؛ وذلك لأن هؤلاء كانوا من العابدين الزاهدين، والمصلين الخاشعين، الذين كثرت الثفنات والقروح في أيديهم وجباههم من كثرة السجود...، فإن هذا الموقف الخطير  الذي اتخذه علي (ع) للقضاء على هذه الفرقة ومحاربتها – التي كان ينظر الناس إليهم على أنهم من المسلمين ولاسيما وأنهم أهل عبادة وزهادة وقداسة كما هو ظاهرهم-  ليس أمراً ميسوراً لشخص آخر غير علي كما يؤكّد الشهيد مطهري[124]، لأنه لا يتجرّأ أحد من المسلمين على قتل أفراد مسلمين لا يفارق ذكر الله شفاههم - كما كان ظاهر الخوارج مع كونهم من الفرق الضالة- قال (ع): أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها، واشتد كلبها...[125].

وبهذا يكون الإمام علي(ع) نموذجاً فريداً في تاريخ الإنسانية ممن يتمكن من مواجهة الفتن الداخلية، وبناء الدولة في العادلة في آن واحد.
 
والحمدلله رب العالمين


[1] المجلسي، بحار الأنوار: 35 / 43.
[2] تأريخ الطبري: 2 / 58 ط مؤسسة الأعلمي بيروت، وشرح ابن أبي الحديد: 13 / 198، 104، وموسوعة التاريخ الإسلامي: 1 / 351 ـ 356.
[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 15 ، نقلًا عن البلاذري والأصفهاني.
([4]) حياة الصحابة، ج1، ص559.
([5]) أنساب الاشراف، ج1، ص98.
([6]) نهج البلاغة: الخطبة 190.
([7]) المصدر نفسه الخطبة 208.
([8]) أنساب الأشراف، ج1، ص98.
([9]) المصدر نفسه، ص99.
([10]) الحياة السياسية والفكرية لأئمة أهل البيتi، ص74.
([11]) أصول الكافي، ج1، كتاب فضل العلم.
[12] راجع المعجم الموضوعي لنهج البلاغة: 42 ـ 53 و101 وتصنيف غرر الحكم: 109
([13]) شرح نهج البلاغة، المقدّمة، ص18.
[14] سو رة الأحزاب، الآية 39.
[15]  سورة الأنفال، الآية45.
[16] - انظر ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص133.
[17] - الخطبة 146 نهج البلاغة.
[18] - المسعودي عليّ بن الحسين، مروج الذهب، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (1414هجري) ج2 ص324.
[19] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص155.
[20] - المسعودي عليّ بن الحسين، ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (1414هجري) ج2 ص401.
[21] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص156.
[22] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص152.
[23] - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، الجمل، مكتب الإعلام الإسلامي، مركز النشر، قم (1416هجري) ص342.
[24] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) 157.
[25] - البلاذري أحمد بن يحيى بن جرير، أنساب الأشراف، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت (1394هجري) ج2 ص275.
[26] - ابن الأثير، عز الدين عليّ بن أبي الكرم، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار إحياء التراث العربي بيروت، ج4 ص202.
[27] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص143.
[28][28] - إبن قتيبة، أحمد بن عبد الله بن مسلم، المعارف، منشورات الشرييف الرضي (1415هجري) ص586.
[29] - ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، منشورات الشريف الرضي، قم (1414هجري) ص157.
[30] نهج البلاغة، خ 74.
[31] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج28، ص 210.
[32] نهج البلاغة، كتاب 62.
[33] نهج البلاغة، الخطبة 134.
[34] نهج البلاغة، الخطبة 146.
[35] نهج البلاغة، خ 92.
[36] نهج البلاغة، خ 92.
[37] الإمام الخامنئي، إنسان بعمر 250 سنة، مركز نون للتأليف والترجمة، ص63-64، بتصرّف.
[38] نهج البلاغة، ومن خطبة له  لما عزموا على‌ بيعة عثمان‌، رقم 74.
[39] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج4، ص8.
[40] - أنساب الأشراف ج2، ص206. تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص427.
[41] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص427، 429.
([42]) تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص448 .
[43] - أنساب الأشراف ج2، ص206، 209، 210. تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص427، 428، 434.
[44] - أنساب الأشراف ج2، ص206. الامامة والسياسة ج1، ص73.
([45]) أنساب الأشراف، ج5 ص22 .
[46] -  تاريخ الأمم والملوك، ج4، 427، 429. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص178- 179. 
([47]) نهج البلاغة ، الكلمة  229 .
[48] - أنساب الأشراف ج2، ص207.
[49]  نهج البلاغة، الخطبة 106.
[50]  الأنعام، 153.
[51]  نهج البلاغة، الخطبة 198.
[52]  نهج البلاغة، الكتاب 39.
[53]  نهج البلاغة، الخطبة 131.
[54]   نهج البلاغة، الخطبة 16.
[55]  نهج البلاغة، الخطبة 157.
[56]  نهج البلاغة، الكتاب 53.
[57]  نهج البلاغة، الكتاب 45.
[58]  نهج البلاغة، الكتاب 53.
[59]  نهج البلاغة، الكتاب 41.
[60]  المصدر نفسه، الكتاب 53.
[61]  نهج البلاغة، الخطبة 216.
[62]  (م.ن.)، الكتاب 53.
[63] الليثي الواسطي، علي بن محمد: عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، ط1، لام، دار الحديث، لات، ص357.
[64] م.ن، ص481.
[65] التميمي الآمدي، أبو الفتح عبد الواحد بن محمد: غرر الحكم ودرر الكلم، ط1، بيروت، دار الهادي، 1413هـ.ق/ 1992م، ص382.
[66] الرضي، الشريف محمد بن الحسين بن موسى: نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر؛ مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج3، الرسالة53، ص92.
[67]  (م.ن.)، الكتاب 53.
[68]  (م.ن.)، الكتاب 53.
[69]  (م.ن.)، الكتاب 53.
[70]  نهج البلاغة، الكتاب5.
[71]  (م.ن.)، الكتاب 53.
[72]  (م.ن.)، الكتاب 20.
[73] م.ن، ج16، الرسالة41، ص168.
[74] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، م.س، ج11، الخطبة219، ص245.
[75] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، م.س، ج17، الرسالة53، ص96.
[76] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، م.س، ج16، الرسالة40، ص164.
[77]النيسابوري، المستدرك على الصحيحين،ج 3، ص 139.
[78] النيسابوري، المستدرك على الصحيحين،ج 3، ص 140.
[79]إبراهيم الجويني، فرائد السمطين، ج 1، ص 282.
[80] ابن منطور، لسان العرب،ج 2، ص 196.
[81] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص453.
[82] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1، ص232، ج11، ص10، 16، 17.
[83] - تاريخ اليعقوبي، ج2، ص180.
[84] - الامامة والسياسة ج1، ص54.
([85]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1، ص231  .
([86]) الامامة والسياسة ج1 : 70 .
([87]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1، ص232 .
[88] - أنساب الأشراف ج2، ص229، 265.
[89] - تاريخ اليعقوبي، ج2، ص181. الامامة والسياسة ج1، ص69، 70، 74، 77، 79، 94.
[90] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص446.
[91] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص446. الفتوح لابن الاعثم، ج1، ص93.
[92] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص446، 480.
[93] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص456، 480.
[94] - الامامة والسياسة ج1، ص73. تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص478.
[95] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص455، الاخبار الطوال ص144،
[96] - تاريخ الأمم والملوك، ج4،ص455، 456، 477.
[97] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص487.
[98] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص479، 445- 446، 480.
[99] - تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص460.
[100] - الامامة والسياسةج1، ص73- 74.
[101] - أنساب الأشراف ج2، 239. الفتوح لابن الاعثم، ج2، ص109- 112.
[102] - الامامة والسياسة ج1، ص75، 79. تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص501.
[103] -تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص502، 509. وقعة صفين، ص42. الأغاني، ج18، ص54.
([104]) بحار الانوار، ج32، ص122. والامامة والسياسة، ص90 .
([105]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج9، ص111 .
[106] - - أنساب الأشراف ج2، ص240 تاريخ اليعقوبي تارثيخ، ج2، ص182.
[107] - تاريخ اليعقوبي، ج2، ص182. مروج الذهب، ج2، ص370- 371.
([108]) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص172 و ص183. ومروج الذهب، ج2 ص371 .
[109] - أنساب الأشراف ج2، ص249- 250. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص183.
[110] -  تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص537، 540،
[111] فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج 4، ص 268.
([112]) تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص612. والكامل في التاريخ، ج3، ص284 .
[113] - تاريخ اليعقوبي، ج2، ص187. تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص563.
[114] - أنساب الأشراف ج2، ص299، 302. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص188.
[115] - أنساب الأشراف ج2، ص296، 298، 303. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص187.
([116])  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد لابن أبي الحديد ج3، ص320. والكامل في التاريخ، ج3، ص283 .
[117] - أنساب الأشراف ج2، ص303، 312. مروج الذهب، ج2، ص387.
[118] - الامامة والسياسة ج1، ص110. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص188.
([119]) تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص615. ووقعة صفين، ص195 .
[120] - تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص11- 12- 13- 14، 28- 30، 34- 35، 42، 48.
([121]) تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص622. ووقعة صفين، ص202 .
[122]الجوهري، الصحاح ج 4، ص 1554.
([123]) مستدرك وسائل الشيعة، ج2، ص254، الكامل في التاريخ، ج3، ص334.
[124] الشهيد مرتضى مطهري،من حياة الأئمة الأطهار، ص36 بتصرف.
[125] المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، ص36

أضيف بتاريخ: 07/04/2022