الإلحاد والتحدّيات المعاصرة
الشيخ حسن الهادي
الحمدلله رب العالمين، وصلّى الله على نبي الإسلام محمد(ص) وعلى آله الأطهار الميامين، وبعد...
الإلحاد: الميل عن الاستقامة، يقال: ألحد في دين اللَّه، أي حاد عنه وعدل إلى غيره[1]، ومنه: قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَايَخْفَوْنَ عَلَيْنَا». {فصّلت، الآية 40}. وألحد فلان: إذا ترك القصد ومال إلى الظلم[2]. وألحد بمعنى: مالَ، وعدل، ومارى، وجادل، وجار، وظلم[3]، ولحد الرجل في الدين لحداً، وألحد إلحاداً: طعن[4]. والإلحاد ضربان: «إلحاد إلى الشّرك بالله، وإلحاد إلى الشّرك بالأسباب. فالأوّل يُنافي الإيمان ويبطله، والثّاني يوهن عراه ولا يبطله»[5].
وقد استُعمل لفظ الإلحاد في القرآن الكريم في عدة موارد في المعنى اللغوي نفسه؛ أي الميل، نذكر منها؛ قوله - تعالى -: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْـحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} {الأعراف: 180}
ففي قوله تعالى: ﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ يقول السيد الطباطبائي: اللحد والإلحاد بمعنى واحد وهو التطرّف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين[6]. وكذا فسّر الإلحاد بالميل أيضاً في تفسير قوله تعالى: ﴿ إنَّ الَّذِينَ يُلْـحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾ {فصلت: 40} سياق تهديد لملحدي هذه الأمة، يقول: والإلحاد الميل[7].
وكذا في قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } {الحج: 25}، فقد جاء الوعيد الإلهي لمن يلحد في الحرم لما يمثّل ميلاً وانحرافاً عن الحق والصواب من ساكنيه في ذلك الوقت في المعتقد والسلوك، كالكفر به سبحانه، ومنع المؤمنين من دخول المسجد الحرام.
وظاهر بعض الروايات أنّه ارتكاب كلّ شيء نُهي عنه حتى شتم الخادم فيه(الحرم)؛ منها: رواية الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، فقال: «كلّ الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً»[8].
ومنها: ما رواه أبو الصباح الكناني ، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قوله عزّوجلّ: «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، فقال: «كلّ ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أحدٍ أو شيء من الظلم فإنّي أراه إلحاداً؛ ولذلك كان يتّقى أن يسكن الحرم»[9].
وبذلك يتبيّن أن استخدامات كلمة الإلحاد ومشتقاتها في القرآن الكريم تتفق في المعنى العام مع استعمالات هذه الكلمة في اللغة العربية، حيث شملت الدلالة على انحرافات متعلّقة بالعقيدة والسلوك المرتبط بها، والميل عن الحق.
وأما في الفقه، فقد ورد الحديث عن الإلحاد عند الفقهاء في مواضع متعدّدة وبمعاني مختلفة بعض الشيء، فقد فسّره الشيخ الطوسي بالعدول عن الحقّ فيه[10]. وهو صادق على مَن يخرج من الدّين الحقّ إلى غيره من الديانات الاخرى، وعلى مَن يطعن فيه ولا يستجيب لأوامره ونواهيه.
وعليه، فالملحد إمّا أن يكون من الأصل على الشرك أو الكفر، فتلحقه جميع أحكام الكافر أو المشرك الواردة في الفقه، أو يكون مسلماً من أوّل الأمر فيلحد، وهذا ما يسمّى بالمرتدّ، وتترتّب عليه أحكام الردّة من العقوبات وما شابه ذلك، أو يكون ذمّياً فيلحد، أي يطعن في الدّين جهاراً، فينتقض بذلك عهده. وبالنتيجة فالإلحاد في الدين بمعنى العدول عن الدين الحقّ إلى غيره.
وجاء في المعجم الفلسفي: الإلحاد مذهب من ينكرون الألوهية، والملحد غير مؤلِّه، وهذا معنى شائع في تاريخ الفكر الإنساني[11]. وهذا الوضع إنّما جرى عليه الاصطلاح لدى الكتَّاب المعاصرين؛ إذ قصروا الإلحاد على إنكار وجود الخالق.
وهذ ما نلحظه عند المقارنة بين نمط الإلحاد في الفضاء الغربي، وحالته في الفضاء العربي الإسلامي، فالملحدون في سياق التاريخ الغربي هم من المنكرين فعلاً لوجود الخالق، أما في السياق العربي الإسلامي فكثير ممن اتهم بهذا الوصف ليس منكراً في الحقيقة لوجود الخالق -تعالى- وإن أدّى قوله بالملازمة إلى إنكار الخالق إذ إن إنكار المقدّسات كالنبوة يؤدّي بالضرورة إلى إنكار النبي وإنكار النبي يؤدّي إلى إنكار الخالق-، وإنما كثيرمنهم من أصحاب المنكرات العقدية، كانكار النبوة والوحي...، وإلى هذا يشير عبدالرحمن بدوي منبّهاً إلى طبيعة الإلحاد في الفضائين الغربي والعربي بقوله: إذا كان الإلحاد الغربي بنزعته الديناميكية هو ذلك الذي عبرعنه نيتثه حين قال :(لقد مات الله ، وإذا كان الإلحاد اليوناني هو الذي يقول: )إن الآلهة المقيمين في المكان المقدس قد ماتت( فإن الإلحاد العربي هو الذي يقول:(لقد ماتت فكرة النبوة والأنبياء)[12].
وبالنتيجة: « فالْمُلْحِد إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الأصْل عَلَى الشِّرْكِ فَحُكْمُهُ يُنْظَرُ تَحْتَ عِنْوَانِ "إِشْرَاك" أَوْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَيُلْحِدُ، أَيْ يَطْعَنُ فِي الدِّينِ جِهَارًا، فَيَنْتَقِضُ بِذَلِكَ عَهْدُهُ، وَيُنْظَرُ حُكْمُهُ تَحْتَ عِنْوَانِ "أَهْل الذِّمَّةِ". أَوْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَيُلْحِدُ فَيُنْظَرُ حُكْمُهُ تَحْتَ عِنْوَانِ "ارْتِدَاد". وهوَ مَنْ يَطْعَنُ فِي الدِّينِ مَعَ ادِّعَاءِ الإْسْلاَم، ِ أَوِ التَّأْوِيل فِي ضَرُورَاتِ الدِّينِ لإِجْرَاءِ الأهْوَاءِ، فقد مَال عَنِ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ، إِلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، لكن باللحاظ العملي[13]. ويضاف إلى هذه الأصناف ما ذكره الزمخشري حيث اعتبر أن الملحد من أمال مذهبه عن الأديان كلها، ولم يمله عن دين إلى دين[14]، فالملحد طبقاً لهذا المفهوم لا ينتمي إلى دين من الأديان ولا يلتزم بشرعة من الشرائع.
بهدف الاختصار لم نتعرّض هنا للإلحاد عند الفلاسفة الغربيين، وبعض فلاسفة اليونان، واكتفينا بالإطلالة على المعالم العامة لخطاب الملحدين الجدد، وبهذا نكون قد أشرنا إلى ما يطرحه الملحدون الجدد في خطابهم، ومن خلالهم نستشعر الخلفيات الفلسفية والفكرية التي تتداخل مع مقولات المفكّرين والفلاسفة الغربيين، خاصة وأنّ قسماً كبيراً من أطروحة الإلحاد الجديد يتماهى مع المبادىء والأفكار االفلسفية الغربية، لكن بلغة وخطاب عدائي مختلف عن الطرح الفلسفي القديم والجديد، وفيما يلي نماذج من هذا الخطاب:
- إشكالية الخطاب الأخلاقي: إن أكثر ما يشكل تحدّياً أمام الإلحاد الجديد هو تأسيس خطاب أخلاقي يكون بديلاً للأخلاق الدينية، وما يسبب هذا التحدي هو محاولة إيجاد تفسير مادي لما هو بطبعه غير مادي؛ فالقيم الأخلاقية لا تنتمي إلى الطبيعة وعالم المادة، فالحق، والخير، والعدل، والإحسان، والرحمة... وغيرها من القيم ليست صفات موجودة في المادة، "وقد أدرك الفيلسوف الوجودي ، (جون بول سارتر)، مبلغ الإحراج الفكري في مسألة أصل التمييز الأخلاقي بين الخير والشـر، ولذلك قال: يجد الوجودي حرجًا بالغًا في ألّا يكون الله موجودًا، لأنه بعدم وجوده تنعدم كلّ إمكانية للعثور على قيم في عالم واضح، لا يمكن أن يكون هناك خير بدهي؛ لأنّه لا يوجد وعي لانهائي وكامل من الممكن التفكير فيه، ولم يُكتب في أيّ مكان أنّ الخير موجود، ولا أنّ على المرء أن يكون صادقًا أو ألّا يكذب"[15]. وهو ما يتحدّث عنه الباحث الأميركي اللاأدري ديفيد برلنسكي بوضوح في قوله: "إذا كان الإله غير موجود فكلّ شيء مباح" و"إذا لم تكن الواجبات الأخلاقية مأمورة بإرادة الله، ولم تكن في الوقت ذاته مطلقة، فإن (ما ينبغي أن يكون) هو ببساطة ما يقرّره الرجال والنساء، لا يوجد مصدر آخر للحكم، هل هذه إلا طريقة أخرى للقول بأنه طالما أن الإله غير موجود، فكل شيء مباح؟"[16].وبناءً عليه - وبالاستناد إلى عشرات الدراسات في هذا المجال- تتضح الكثير من الرؤى والأفكار والتشريعات التي انتشرت في العالم الغربي، وتوهّموا أنها تدخل في نظام القيم المجتمعي؛ وذلك لأنّ جميع المقاربات لموضوع الأخلاق تتسق مع الرؤية المادية للإنسان، وتؤدّي إلى النسبية التي لا تصبح معها الأخلاق معيارية. ولهذا تراهم يصرّحون -مثلاً- بأن قتل النفس بالإجهاض فعل أخلاقي ومشـروع طالما ليس هناك ألم، وكذا تشرّع القوانين ما يُسمى بالزواج المثلي، والشذوذ الجنسي حق، وحتى ممارسة البشر للجنس مع الحيوانات والبهائم طالما لا تتضمّن أذيّة من أي نوع للحيوان فهي أمر طبيعي ومقبول في إطار حميمية العلاقة بين الحيوانات والإنسان...، واللائحة تطول. والسبب الرئيس في هذا كله أنهم لا يستطيعون توفير قاعدة موضوعية لأحكامهم الأخلاقية.
- الخطاب العدائي للملحدين الجدد: يظهر بوضوح لمن يتتبّع الخطاب الذي يقدّمه الملحدون الجدد اللغة العدائية والقاسية والبعيدة عن العلمية، للدين، وللتدين، ولقضيةالإيمان بالله، إذ يطغى عليها الأحكام الغليظة والتوصيفات اللاموضوعية التي لا تستند إلى أدلة وحجج أو براهين بحسب ما اعتاد أهل الفكر والفن.
ويتبيّن بوضوع لمن يتتبّع ويقرأ كتب وخطابات الملحدين الجدد حجم الأزمة التي يعيشها هؤلاء وأسلافهم من الدين؛ ولهذا ينطبق عليهم بحق مصطلح ميلشيات الإلحاد، وقد تصيّدت من كتاب (كتاب ميليشيا الإلحاد؛ مدخل لفهم الإلحاد الجديد) بعض كلماتهم التي تعبّر عن هذه الأزمة في الخطاب والفكر والسلوك، وما ذلك إلا لأنهم ينطلقون في تعاملهم مع الدين من رؤية ترى فيه منبعًا للشرور والكوارث والقوارع البشريّة، وأنه من الواجب السعي بجدية في محاربته وفق الأدوات المتاحة والممكنة.
نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- يقول سکوت هان وبنجمن وكر: حقًّا لقد ذهبت أيام الإلحاد المؤدّب.
- وهذا كريستوفرهيتشنز والذي جعل لكتابه الشهير (God is not Great) عنوانًا فرعيًّا يقول فيه: (كيف يسمم الدين كل شيء) ، ويؤكّد هذا ما يقوله في مقدمة الكتاب: (هنالك بالتأكيد طرق متعدّدة تكشف أن الدين ليس فاقدًا للحس الأخلاقي فحسب، بل يدفع دفعة إيجابية للفساد الأخلاقي.
- ويقول ريتشارد دوكنز بصراحة: (أتمنى حقاً حقاً أن أرى الدين يزول تمامًا).
وبغض النظر عن الدين الذي يقصده هؤلاء وغيرهم، إلا أنه يكشف عن الرؤية والتوجهات التي يحملونها عن مطلق دين ينتمي إلى السماء ومع كل هذه العدائية لا يمكن لا للملاحدة ولا لغيرها طمس قيم الدين الإنسانية أو تشويهها، ولهذا تجد على الضفة الأخرى للإلحاد الجديد مثل مايکل شرمر، (رئيس تحرير مجلة "الشكاك" (Skeptics)) يقول بعد ذكره لشيء من الشرور التي فُعلت باسم الدين: ولكن في مقابل أي من هذه المآسي الضخام فهناك عشرة آلاف من الأعمال الشخصيّة الطيّبة، والاجتماعيّة الخيرة والتي لا يتم رصدها... الدين مثل غيره من المؤسّسات الاجتماعيّة ذات العمق التاريخي والتأثير الثقافي لا يمكن أن يختزل في مثل هذه الثنائيّات الواضحة إما خير أو شر[17].
أمام هذا الواقع بات من الضروري تسليط الضوء على الكثير من المغالطات والشبهات التي أثيرت في هذا العالم حول الدين باسم الإلحاد، والإشارة إلى بعض ما يمكن أن يفيد في المواجهة والمعالجة لظاهرة الإلحاد التي باتت تتسرّب تدريجياً إلى المجتمعات الإسلامية، وإن تستّر الكثيرون من أهلها بالتقية الاجتماعية. والأهم من ذلك كلّه هو المسؤولية الكبيرة التي يجب أن يتحمّلها أهل العلم والفكر والثقافة من المسلمين، إن كان لناحية تحصين جيل الشباب من ما يزيّن لهم من شبهات ترتبط بضعف الفكر الديني وقصوره عن معالجة ومواجهة التحدّيات المعاصرة أمام المد التكنولوجي المادي والغربي، أو كان لناحية العودة العلمية إلى إلى منهج القرآن وخطابه مع النماذج الشبيهة في التاريخ، وتقديم خطاب داخلي جديد وأصيل ومعاصر في التعبير عن قضايا الدين فيما يتعلّق بالأفراد والمجتمعات ومتطلّبات الحياة الإنسانية في أرجاء المعمورة.
ولا بد من الاعتراف ، بأن أكثر الجهات التي أسهمت في صياغة الأفكار والمناهج الملوّثة بشبهة الإلحاد في بلادنا، هي"الفكر الغربي" وبعبارة أوضح المستغربون، الذين برعوا في إقناع الناس أنّ الأوروبيّين يتربّعون فوق قمّة الحضارة، وفي إقناع الشرقيين أنهم يحتاجون إلى الغربيّ حتى يمنحهم الحضارة.
وبذلك، غدت أطروحات الغرب حدودًا وقيودًا للفكر، سواءً لدى الغربيّين أو الكثير من الشرقيّين. وبالتحديد، حين صيغت هذه الأفكار على شكل مناهج ومواد تعليميّة، تنهل منها شعوب الغرب فتزداد شعورًا بالتفوّق والتميّز والعظمة، كما تنهل منها شعوب الشرق فيزداد شعورها بالدونيّة. لقد بات النموذج الغربيّ هو الأمثل الذي لا مجال أمام الشعوب التوّاقة إلى التقدّم سوى سلوكه بكلّ دقّة ومطواعيّة.
فبات من العقلانيّة القول، بأن واحدة من أكثر التفسيرات لتردي أحوال مجتمعاتنا، أن النخب الحاكمة والمؤثرة قد تعرّفت على نفسها من خلال عدسات الغربيين، فراحت تجاهر بموافقتها العمياء على التشخيص الأوروبيّ لمشكلات الشرق المتردّي، وقبولها ما يقدّمه من علاج. وهنا، نستعير تعليقًا للكاتب المغربيّ "رشيد بوطيّب" يقول فيه: إنّ ما نشهده من قراءات مغلوطة قد ساهم في خلقها آراء لشخصيات تغرّبت عن ثقافتها وهويّتها العربيّة والإسلاميّة، ومكّنتها الميديا والنخب الغربيّة من أن تسجل لها حضورًا إعلاميًّا قويًّا[18].وقد سبق أن قال فيهم" اللورد كرومر" المندوب السامي البريطانيّ على مصر: إنّ هؤلاء هم حلفاء الأوروبيّ المصلحون[19].
ختاماً: من الواضح أن الدين الإسلامي هو مشروع لتغيير حياة الأمّة في مختلف الأبعاد التي تهمّ الحياة الإنسانية بكل متطلّباتها، ومن المعلوم أن العلماء والمفكّرين ومن بعدهم المراكز العلمية والفكرية والحوزات العلمية، قد أخذوا على عاتقهم وظيفة التصدي في تبليغ الرسالة، وتفسير الدين بما هو منظومة متكاملة للحياة، وشرح النظريات الدينية المختلفة، وبالتالي فمن يريد فهم الدين ونظرياته لا بد أن يسأل المفسّر الرسمي له... فهل يا ترى نملك المقدِّمات الكافية للتصدي لهذا الواجب؟؟
وبناءً على توافقنا جميعاً في الماضي والحاضر بأن للدين نظرياته في مختلف مجالات الحياة الفردية والعامة، لا بد من السعي الجدّي للانسجام مع أنفسنا في هذا المجال: فالدين المعني بإدارة المجتمع لابدّ له من نظريات ودراسات في هذا المجال. والدين المتصدّي للشؤون السياسية والدولة والحكم يجب أن يضع مناهجه وأنظمته لبناء وإدارة الدولة. والدين المعني بالإقتصاد لا بدّ له من تشريعات وأنظمة مالية واقتصادية، تواكب النظام الاقتصادي والمالي الحالي، وكذا الحال في بقية المجالات.
إن البشرية - اليوم- تعاني من أزمات حادّة ومعضلات صعبة ومشاكل جمّة، فبالرغم من التطوّر العلمي والتقني الذي يشهده عالمُنا المعاصر، نرى في المقابل انحرافاً أخلاقياً وتربوياً خطيراً أبعد المجتمع البشري عن صوابه، وجعل البشرية تُنْخرُ من داخلها، وأدّى إلى فقدان الإيديولوجية والنظرة الصحية إلى السلوك الإنساني، وهذا ما ينبيء عن الحاجة الأكيدة لمواكبة علمية منهجية أصيلة تلبّي كل حاجيات المجتمع المعاصر.
ولهذا فنحن نحتاج إلى إعادة النظرة في تحديد المنهج المعرفي للدخول في العلوم، ومعالجة النقص الموجود في المناهج، الناقصة أحياناً، والقاصرة أحياناً أخرى، ولا بدّ من توسعة الرؤية للدين في مختلف المجالات والفروع. فنحن لا نعيش مشكلة نص ديني، بل تكمن مشكلتُنا في فهم النص وقراءته وتثميره في مجال التشريع والتصدّي الفكري في مواجهة الإشكاليات والتعقيدات التي تواجه منظومتُنا المعرفية والثقافية في هذه المرحلة.
والحمدلله رب العالمين
[1] الجوهري، الصحاح في اللغة، ، ج۲، ص۵۳۴.
[2]ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۵، ص۲۳۶.
[3]القاموس المحيط، ص404. المصباح المنير: 2/106.
[4]الفيومي ، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398ه:ج 2/106.
[5]الأصفهاني، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان داوودي، قم المقدّسة، نشر طليعة النور؛ مطبعة سليمان زاده، 1427هـ.ق.
[6]: الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، لات، ج20، ص109-110، تفسير سورة الأعراف
[7]الطبطبائي،محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، تفسير سورة فصلت.
[8] الحر العاملي، الوسائل، ج۱۳، ص۲۳۱، ب16 من مقدّمات الطواف، ح ۱
[9] الحر العاملي، الوسائل، ج۱۳، ص۲۳۲، ب 16 من مقدمات الطواف، ح ۳
[10] - الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد قصير العاملي، ط1، إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ.ق.ج۷، ص۳۳
[11]المعجم الفلسفي، ص20
[12] عبد الرحمان بدوي، تاريخ الإلحاد في الإسلام،ص5. ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية 1980
[13]الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة، مجموعة مؤلفين، ج6، ص 180/ نسخة إلكترونية. صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ) .. الطبعة الثانية، دارالسلاسل - الكويت .
[14]الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1385ه-1966م ، ص584.
[15] د. سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله، http://www.aricr.org/ar/evil
[16] إسماعيل عرفة، الأخلاق والالحاد، http://midan.aljazeera.net/intellect/philosophy
[17] هذه الشواهد مقتبسة:عن كتاب ميليشيا الإلحاد؛ مدخل لفهم الإلحاد الجديد، تأليف عبدالله بن صالح العجيري، ط.أولى 2014م مركز تكوين للدراسات والأبحاث
[18]موقع قنطرة الألماني، رشيد بوطيب، الجدل حول الحجاب في أوروبا - حقد على الحجاب أم تاريخ منسيّ للمرأة الغربيّة؟، عام 2011.
[19]موقع ساسة بوست، أحمد عامر، اللورد كرومر، مؤسّس مصر الحديثة، 2/3/2016.