الإعلام المقاوم وقضايا الأمّة - قناة المنار أنموذجًا
د. محمد أ. الحسيني[1]
يطرح الحديث عن الإعلام المقاوم، في خضم التحدّيات التي تواجه قضايانا أمام الهجمة المسعورة التي يشنّها الإعلام المعادي، مجموعة من الإشكاليات حول وظيفته ودوره وأثره وآليّاته وبرامجه فضلًا عن العاملين فيه والتقنيات المستخدمة والمضامين المطلوبة، إلى غير ذلك من مقوّمات توفّر للإعلام المقاوم القدرة على المواجهة، وهي مواجهة غير متكافئة بطبيعة الحال، نظرًا إلى الحشد الذي استطاع الغرب تنظيمه وللتمويل الهائل الذي يؤمّنه لوسائط الاتّصال المختلفة، وفي المجالات كافّة.
أولًا: إشكالية ميثاق الإعلام العربي
أتاح تطوّر ميدان الاتّصال الفضائي الانتقال من عمليّة الإستكشاف الخارجي للفضاء إلى الاستخدام الداخلي، فشكّل استخدام الأقمار الصناعيّة في مجال الاتّصالات ثورة في الحقل الإعلامي، كما في التقدّم العلمي، وفرصة لانتشار الفضائيات العربيّة والإسلاميّة، ما وفّر للمشاهد العربي من إمكانيّة التحرّر - إلى حدّ ما - من قبضة الفضائيات الأجنبيّة بعدما كانت، إلى وقت قريب، المتنفّس الوحيد الذي يعود إليه الرأي العام العربي والإسلامي لمعرفة ما يحدث في العالم، ودائمًا من وجهة نظر غربيّة.
على الرغم من ظهور الأقمار الصناعيّة الخاصّة بالفضائيات العربيّة، في أوائل التّسعينيّات من القرن الماضي، والتكاثر العددي للفضائيات العربيّة إلّا أنّ معظم الدّول العربيّة يفتقد إلى نظم وقواعد ترعى تنظيم محتوى البث الإعلامي، إلّا في ما يتعلّق بمدوّنات أخلاقيّات المهنة تلتزم بها كلّ مؤسسّة إعلاميّة داخليًا وفي نطاقها المحلي، ولكنّها غير ملزمة في ما يتعلّق بالبثّ العابر للقارات، إذاعيًا وتلفزيونيًا وإلكترونيًا.
وقلّ ما نجد إطارًا قانونيًا متكاملًا في دولة عربيّة - باستثناء لبنان- يرعى ممارسة الاتّصال السمعي والبصري بحقليه العام والخاص، ما يفرض إيجاد مرجعي مشترك للبثّ والاستقبال التلفزيوني والإذاعي الفضائي على صعيد المنطقة العربيّة، لا سيّما مع بروز قنوات أجنبيّة تبثّ باللغة العربيّة تروّج للانحلال الأخلاقي والإجتماعي وممارسات وعادات غريبة عن ثقافتنا وهويتنا القوميّة والوطنيّة والدينيّة.
لكن جرى محاولة، في العام 2008، بتبني ميثاق أُطلق عليه "الميثاق العربي للقنوات الفضائيّة" هدف إلى تنظيم البثّ الفضائي، والتي عدّت من أسس "الرؤية الشاملة للمصالح العليا للوطن العربي". وتضمّن هذا الميثاق بندًا ينص على منع أصحاب القنوات الفضائية بث أي محتويات من شأنها المسّ برموز الدول الأخرى، واحترام الحق في التعبير عن الرأي، وتفعيل الحوار الثقافي، إلا أن الشيطان يكمن في تفصيل عبارة "المصالح العليا للوطن العربي"، بما تعنيه من تقييد للحريات الإعلامية، بحيث عُدّ القيام ببث أي نشاط لقوى معارضة في دولة عربيّة، أو الحديث عن لقاء مع شخصيات معارضة لأي سلطة في عربيّة يمثّل "تأثيرًا سلبيًا على السّلم الإجتماعي والوحدة الوطنيّة والنظام العام والآداب العامة، أو خرقًا لاحترام مبدأ السّيادة الوطنيّة لكلّ دولة على أرضها؛ وفي المقابل جرى إطلاق اليد أمام الرسائل التي تخدم الاتّجاهات الغربيّة بمختلف مضامينها السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وغير ذلك من مضامين تروّج للنمط الغربي كأسلوب حياة وفكر وانتماء.
ثانيًا: الهوية الإسلاميّة للإعلام المقاوم
عُدّت المقاومة الإسلاميّة في لبنان، على مستوى التصنيف والعنوان، واحدة من التنظيمات الإسلاميّة المنتشرة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، والتي كانت بمعظمها تتعارض بسياستها والأنظمة الحاكمة التي سارت في خيار التسوية بعد مؤتمر مدريد في العام 1990، أو على الأقل صُورت المسألة بهذا الشكل بهدف إيجاد مسوّغات للتدخّل الأمريكي الميداني المباشر في المنطقة؛ وبذلك صُنفت المقاومة الإسلاميّة حركة إرهابيّة، وعدّت عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي أعمالًا إرهابية، ومُهّد لذلك بضخ إعلامي عالمي ممنهج ومدروس، شاركت به وسائل الإعلام ووسائط الاتّصال العربيّة بشكل فعّال.
في المقابل، عملت المقاومة الإسلاميّة على منهج موازٍ، فواصلت نشاطها العسكري بزخم أكبر، واقتحمت معترك العمل السياسي بدخول ممثليها إلى البرلمان في العام 1992، ورفعت من مستوى عملها الاجتماعي عبر المؤسسات الخدماتية والتربوية والثقافية، وترافق ذلك مع تزخيم إعلامي أخذ أشكالًا متعدّدة، فاتجهت لتوثيق عملياتها العسكرية عبر الإعلام الحربي وتأسيس إذاعة النور وقناة المنار فضلًا عن إصدار المنشورات التوجيهية والمجلات والمواقع الإلكترونية المختلفة.. وكلّ هذه المنظومة لم ينفك بعضها عن بعض في مواجهة شيطنة المقاومة باتجاه أنسنتها وتكريس هويتها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة.
إزاء ذلك سعى العدو الإسرائيلي لضرب هذه المنظومة التي بلورت خطابًا سياسيًا وأداء إعلاميًا مميّزًا في لبنان والمنطقة، فشنّ عدوان "تصفية الحساب" في تموز 1993، وبعدها عدوان "عناقيد الغضب" في نيسان 1996، وكان الهدف تدمير قدرات المقاومة الحيويّة، وإيجاد ضغط داخلي سياسي وشعبي للتخلي عنها، وارتكب العدو خلال هذين الحربين مجازر كثيرة بحق المدنيين، ولا سيما في بلدة قانا.
استفادت المقاومة وإعلامها من الصدمة التي أحدثتها المجازر الإسرائيلية لدى المجتمع العالمي، لتقوم قناة المنار بمهمة فائقة الأهميّة في عكس النتائج المتوخاة من العدوان، ودخلت للمرة الأولى الإعلام الفضائي خلال عدوان نيسان العام 1996، في نشرة إخباريّة موجزة مخصّصة - كان لي الشرف بأن أكون رئيس تحريرها - لنقل ما يجري على الأرض من مواجهات، وتمّ بثّ هذه النشرة بوساطة الأقمار الصناعيّة عبر وزارة الإعلام اللبنانيّة، ولم تكن أي محطة لبنانية آنذاك قد حازت على ترخيص للبث الفضائي باستثناء قناة الـ LBC ولكن من دون بثّ. ولا ننكر أنّ الوكالات والفضائيّات العربيّة والعالميّة - بعد تبدّل المزاج العالمي وشعوره بالإحراج حيال الهمجية الإسرائيليّة - أسهمت في ترويج المواد الإعلاميّة ضد "إسرائيل" من خلال نقل الصور والمشاهدة المروّعة عن المجازر التي ارتكبتها.
بعد العام 1996، دخل الإعلام المقاوم مرحلة جديدة، لا سيّما مع تحوّل هوية المقاوم الإسلامي في لبنان من صورة "الإرهابي" إلى صورة "الثوري"، ومن "الشيطنة" إلى "الأنسنة"، فأصبح خبر عمليات المقاومة الخبر الأول على القنوات اللبنانيّة والفضائيات العربيّة، حتى أن الإعلام الإسرائيلي نفسه أدى دورًا كبيرًا في نقل رسالة المقاومة إلى جمهوره، لا سيّما مع نقل خطابات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حين نصر الله مباشرة أو عرض مقتطفات منها ووضعها على مشرحة بحث عند المحلّلين في القنوات الإسرائيليّة. فبدل أن يندفع مجتمع المستوطنين إلى التعبئة السّلبية، عمل إعلام العدو على تعميم الحسّ بالهزيمة والخوف، خصوصًا أنّ نتائج الحربين أظهرت انتصارًا للمقاومة وهزيمة "إسرائيل"، وتكرّست هذه الصورة في التحرير في أيار العام 2000، وهو التاريخ الذي شهد انطلاق المنار كقناة فضائية.
تكرّر هذا السيناريو العدواني، في تموز العام 2006 في حرب الـ 33 يومًا، ولكن مع حشد عسكري وإعلامي أكبر وأوسع، وكانت المنار واحدة من الأهداف الرئيسة على لائحة التدمير. وكما كانت النتائج الميدانيّة لمصلحة المقاومة استطاعت المنار أن تنجح في اختبار البقاء، وكانت الشاشة التي تخلّدت في وجدان الناس مع استمرار بثّها ونقلها خطابات ولقاءات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله، وعرضها مشاهد العمليات وقدرتها على استضافة الشخصيات وإنتاج التقارير والتحقيقات ومواكبتها أخيرًا فرحة الناس بالانتصار والعودة إلى منازلهم. وهكذا حصل مع دخول حزب الله في المواجهات ضد التكفيريين في سوريا، فقد كانت المنار منذ تأسيسها، وحتى اليوم، جنبًا إلى جنب مع المقاومين في الميدان، وقدّمت في سبيل ذلك عددًا غير قليل من الشهداء.
ثالثًا: المنار والعالم العربي والإسلامي
تحوّلت قناة المنار إلى فضائية، في أيار من العام 2000، لتأخذ موقع الصدارة بين الفضائيات التي لم تأخذ جانب الحياد، السّلبي منه أو الإيجابي، تجاه قضايا الأمّة. فهي قناة ملتزمة مباشرة بالصراع العربي - الإسرائيلي، كونها محطة إعلاميّة ملتزمة بنهج المقاومة، وعلى تماسٍ يومي مع جنود الاحتلال في الجنوب والبقاع الغربي في لبنان، ومع المقاومة الفلسطينية ومع التكفيريين لاحقًا في سوريا.
نجحت المنار، من خلال شاشتها، أن تقلب الصورة التي أريد أن توسم بها المقاومة، فتحوّلت عند الجمهور اللبناني والعربي والعالمي في بعض أجزائه المتفرقة إلى حركة تحرريّة محقّة لا إرهابية، ورسّخت في الذاكرة الشعبيّة مشاهد اقتحام مواقع الاحتلال ورفع رايات المقاومة على تحصيناتها في الدبشة وسجد والأحمدية وبيت ياحون، فضلًا عن مشاهد المواجهات والعمليات الاستشهاديّة وأبرزها مواجهة أنصاريّة الشهيرة العام 1997 وأشلاء وحدة الكومندوس البحري الإسرائيلي.
أضف إلى ذلك تأثير الجانب الإنساني من خلال عرض وصايا الشهداء وإنتاج البرامج الإخباريّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تركّز على تظهير المقاومة بمجاهديها وشهدائها وجرحاها ومجتمعها الحاضن، من دون أن نغفل ما لعمليات تحرير الأسرى من معتقل الخيام، ولاحقًا من سجون الاحتلال داخل فلسطين المحتلة، من أثر على إضفاء مشروعيّة هذه المقاومة وأحقّية أهدافها وثباتها على المنطلقات في تحرير الأرض والإنسان في مواجهة الاحتلال والظلم.
لقد كان للمنار تأثيرها البالغ في الجمهور العربي والإسلامي في المغرب والمشرق، فضلًا عن الجاليات اللبنانية والعربيّة والإسلاميّة في دول المهجر، ولا سيّما في أوروبا. وأدّى هذا التأثير إلى خلق رأي عام لدى الناس وكشف الكثير من الجوانب التي كانت ملتبسة لديهم بسبب التشويه الإعلامي والدعائي الذي مارسه الإعلام الغربي بحق المقاومة لصالح "إسرائيل" وخيار التسوية أو ما سمّي السّلام.
كما كان للمنار تأثيره المباشر على الجمهور الفلسطيني، على مستوى مضامين الرسائل والمواد الإعلامية التي لها علاقة بالمقاومة من جهة، وعلى مستوى اقتباس التجربة الإعلاميّة من جهة ثانية، من دون أن ننسى حضور المنار عبر مراسليها في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة العام 1948. أما على المستوى الفني والتقني، فقد استفادت القنوات الفضائيّة الأخرى من تجربة المنار على مستوى البناء والمعالجة والتوجيه، إلى جانب تخريجها لمجموعة من الإعلاميين الذين يحتلّون، اليوم، مواقع أساسيّة في القنوات الفضائية المختلفة اللبنانية والعربيّة والإسلاميّة.
رابعًا: شعارات المنار
اتّخذت المنار العديد من الشعارات (Slogans) التي جاءت مواكبة للواقع؛ فهي "قناة المقاومة والتحرير" بعد انتصار المقاومة العام 1996، وهي "قناة العرب والمسلمين" حين اعتلائها صهوة الإعلام الفضائي وتبنّيها قضية القدس الشريف والمقاومة الفلسطينية والانتفاضة، و"لولا المنار لضاع الانتصار" الذي وثّق لمجريات التحرير العام 2000..
هذه الشعارات لم تأتِ من خلفية شعبويّة تعبويّة؛ بل جاءت ترجمة فعليّة لسياسات اتبعتها إدارات القناة المتعاقبة، ومن خلفها قيادة حزب الله والمقاومة. وهي بعد أن تخطّت مختلف التحدّيات التي فرضتها الأوضاع السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة، ولا سيّما في مرحلة المواجهة مع التكفيريين وتعرّضها ومراسليها للعدوان المباشر، كانت المنار بحجم التحدّي، لتعود صرحًا إعلاميًا وطنيًا مقاومًا بنهج متطوّر تقنيًا وفنيًا وعلى صعيد الخطاب الإعلامي والسياسي، وهو ما يميّز سياستها الراهنة تحت إدارة الحاج ابراهيم فرحات، حاليًا، ليكون الشعار "وضوح الرؤية".
خامسًا: حظر البث الفضائي للمنار
شكّلت المنار مركز استقطاب محوري للإعلام المقاوم، كما قامت بدور فاعل في ترويج رسالة المقاومة وأهدافها في لبنان والمنطقة والعالم، وإبراز نتائجها المرحلية وآثارها الستراتيجية من خلال الشاشة، فسعت الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" وأوروبا والأنظمة العربيّة المنخرطة في قطار التسوية والاعتدال بحسب التسمية الأمريكية، إلى العمل على حظر البث الفضائي للمنار. وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت نار الهجمة على القناة، حين تقدّم رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهوديّة في فرنسا "روجيه كوكورمان"، بشكوى أمام المجلس الأعلى البصري والسمعي في فرنسا بتاريخ 12/11/2003، على خلفية قيام المنار بعرض مسلسل "الشتات" يتحدث عن بروتوكولات حكماء آل صهيون. وتوالت الضغوطات السياسية لوقف بث القناة على القمر الصناعي الأوروبي Eutelsat حتى اتخذ المجلس بتاريخ 12/7/2004 جملة إجراءات رقابية ضد قناتي المنار والعالم.
على الرغم من أن إدارة القناة راسلت المجلس الفرنسي وأبدت استعداداتها الكاملة القانونيّة والرسميّة بما يستجيب مع الشروط الفرنسيّة للبث الفضائي، إلّا أنّ الضغوطات استمرت بذريعة تهجّم القناة على "إسرائيل"، واستخدامها عبارات صُنفت على أنها معادية للساميّة، فوجّه المجلس الفرنسي بتاريخ 30/11/2004 إنذارًا مرفقًا بطلب عاجل لشركة Eutelsat بوقف بثّ خدمات المنار على القمر الصناعي. تلا ذلك كتاب من رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، بتاريخ 7/12/2004، يؤكد على قرار الوقف الفوري. ولم يكتفِ المجلس بذلك؛ بل رفع دعوى جزائية على القناة بشخص مديرها العام بتهم التحريض على التمييز العنصري والكراهية.
في إجراء مفاجئ، أوقف بثّ القناة على قمر المؤسسة العربيّة للاتصالات الفضائيّة (عربسات)، بتاريخ 4/12/2015، وكانت الذريعة "خرق القناة ميثاق الشرف الإعلامي، وعدم الالتزام بالأخلاق المهنية والمس بالرموز المحترمة.."، وذلك بعد حوار أجرته القناة مع السياسي اللبناني "شاكر البرجاوي"، والذي هاجم فيه السعودية على خلفية حربها على اليمن.
شكّلت هذه الخطوة خرقًا مباشرًا للقوانين التي ترعى وتحفظ حق بث وتقديم الخدمات الإعلاميّة، واندرجت في إطار خطة تهدف إلى حصار المنابر الإعلاميّة التي تدعم محور الممانعة، لا سيّما أنه تزامن ذلك مع قرار الكونغرس بإدراج المنار ضمن لائحة العقوبات الأمريكيّة. ومذ ذاك، تحوّلت المنار إلى البثّ الأرضي، ولكنها فعّلت من بثها عبر شبكة الانترنت من خلال موقعها الإلكتروني الذي يتصدّر اليوم مراتب متقدّمة في المواقع الإخبارية في لبنان والمنطقة العربيّة والإسلاميّة والعالم، ولا سيما في أوروبا.
سادسًا: رؤية أفضل للمستقبل
المطلوب إنشاء صناعة إعلاميّة رساليّة حضاريّة ومتطوّرة، في مجال الإنتاج والبثّ، بما يتلائم والتطوّر التكنولوجي، وعلى مستوى الشكل والمضمون وتنوّع الرسائل التي تطال الشرائح المستهدفة العمريّة والعلميّة والثقافية كافّة. ولا يكون ذلك إلا بإرساء ميثاق إعلامي عربي - إسلامي، يأخذ على عاتقه تحقيق مجموعة من الأهداف، تدخل في إطار مقارعة الحرب الناعمة التي تستهدف وجودنا، وأهم هذه الأهداف:
- توحيد الجهود في دعم القضايا الوجوديّة، في مجتمعاتنا ودولنا العربيّة والإسلاميّة، في مواجهة قوى التسلّط والإستكبار الداخلية والخارجية.
- التركيز على دعم الحقّ الإنساني في الحرية الشخصية والطابع المتنّوع للتعبير عن الأفكار والآراء، مع تلافي الإنحدار إلى إثارة النعرات العرقيّة والدينيّة والمذهبيّة.
- التركيز على فضح كل ما من شأنه الترويج للأفكار والمعتقدات والإتجاهات المشبوهة، ولا سيّما لجهة تبرير التطبيع مع العدو الصهيوني تحت أي عنوان.
- تشجيع الإنتاج التلفزيوني بمجالاته الثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة والتاريخيّة والجيوسياسيّة كافّة.
- ضرورة التوجيه الذكي في فضح جرائم وسياسات وأهداف العدو من خلال سياسة كشف الوقائع، ونبش الذاكرة من خلال الاستشهاد بالمحطات التاريخيّة التي تبيّن الوجه الإرهابي البشع لقوى الاستكبار، وهناك شواهد كثيرة لا تحصى في هذا المجال.
- اعتماد سياسة المنافسة الإيجابية بين وسائط الاتّصال، ولا سيما الفضائيات التلفزيونيّة والمواقع الإلكترونيّة.
- تشجيع عمليات التبادل في الإنتاج والخبرات الإعلامية على المستويات البشريّة والتقنيّة والفنيّة.
- الاتّجاه نحو الإنتاج الهادف الذي يتجلّى في رسائل قصيرة سهلة الإستهلاك الذهني، سواء كان مصورًا أم غرافيكيًا، وهو ما يميذز الإعلام الجديد في هذه المرحلة.
- عدم إغفال أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في دعم اتجاهات الإعلام المقاوم، مع ضرورة تخصيص مؤتمر خاص في هذا المجال.
خاتمة
استحقت المنار، بجدارة، أن تكون الرافد المكمّل للمقاومة بحسب تعبير سماحة السيد نصرالله، الذي أكد في لقاء خاص مع العاملين في القناة أن "المنار بعامليها على خط الإعلام لا تختلف عن المقاومة بمجاهديها على خط النار". إذن هما مساران لا ينفصلان في معادلة المواجهة، ليس فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي بل في مواجهة المؤامرات التي تستهدف أصل وجود المقاومة وديمومتها، ومن هنا يمكن لنا أن نقدّر جوهر وجود الإعلام المقاوم ومحوريته، والذي تشكّل قناة المنار درّة التاج فيه.
المصادر والمراجع:
- محسن، محمد ومزنر، عباس، صورة المقاومة في الإعلام، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، ط1، 2001
- كرنيب، حسين، الإعلام الفضائي بين القانون الدولي وصراع النفوذ - المنار نموذجًا، بيروت: دار الولاء للطباعة والنشر، 2018
[1] - كاتب وباحث وإعلامي مخضرم، مسؤول اللجنة الفنية في تلفزيون المنار- لبنان.