مقالات عامة

فشل حرب تموز السياسية والحرب الناعمة الأميركية في الإنتخابات النيابية 2022

ـ مقدمة:
تكتسي مشاركة منظمات المجتمع المدني في الإنتخابات النيابية العام 2022 أهمية خاصة، بالنظر الى حجم المراهنة الأميركية على نتائجها، والحرب الناعمة التي شنت على حزب الله وحلفائه خاصة بالتيار الوطني الحرب هدف إلحاق الهزيمة بهم، وهو ما اعتبره سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بمثابة "حرب تموز سياسية".

وقد كانت أميركا وحلفائها في الكيان الصيوني والسعودية والإمارات يعتقدون أن الظروف الراهنة في لبنان تشكل فرصة ذهبية لتغيير ميزان القوى لصالحهم، لكن النتائج لم تأتي كما توقعوا،  بل حصد رحزب الله وحلفائه حوالي نصفمقاعد البرلمان، وهو ما تجلى في انتخابات رئاسة ونيابة رئاسة المجلس النيابي وأعضء مكتب المجلس ورؤساء اللجان الإنتخابية، وتلى باعتراف ديفيد هيل السفير السابق في لبنان والمسعد السابق لوزير الخارجية الأميركية في تصريحات ومقابلات حصلت ونشرت بعد الإنتخابات بأيام. فيما منيت الوائح التي دعمتها السعودية وكلفت بإدارة فؤاد السنيورة بهزيمة نكراء وخاصة في انتخابات دائرة بيروت الثانية، حيث فشلت في تأمين حتى حاصل انتخابي واحد، ولم يتمكن رئيس اللائحة خالد قباني من الفوز.

أولاًـ ظروف ومتغيرت العملية الإنتخابية:
جرت الإنتخابات بظل مجموعة معطيات وظروف ومتغيرات أبرزها:

1ـ الإنهيار الإقتصادي والمالي والنقدي:
الذي تسببت به بنسبة كبيرة السياسات الأميركية، يتأكد ذالك من خلال تصريح ديفيد شنكر في ندوة معهد واشنطن حول الدور الأاميركي في افلاس بنك الجمال والضغط على القطاع المصرفي، والدفع لتصنيف لبنان بدرجات سلبية عبر مؤسسات التصنيف الأميريكة،يضاف اليه دفاع أميركا عن الطبقة السياسية والإقتصادية التي رعتها أميركا والسعودية في لبنان بعد اتفاق الطائف في التسعيناتن وتغطية رياض سلامة حاكم المصرف المركزي، ومنع لبنان من الإتجاه إقتصادياً نحو أي دول شرقية وخاصة الصين وروسيا وإيران ورفضها عروض المساعدات وعروض بناء البنيته التحتية وخاصة في قطاعات الطاقة والكهرباء والنفط.

2ـ المال الإنتخابي:
يضاف الى ذلك حجم التمويل الذي بذل ويقدر بمئات ملايين الدولارت. حيث دعمت منصات مالية سياسية عدد كبير من اللوائح وابرزها منصة كلنا إرداة المرتبطة بمنظمة لايف life التابعة لمصارف لبنانية ودولية ومرتبطة بجهات أميركية وفرنسية. ومنصة نحو الوطن المشابهة. وقد تحدثت مصدر صحفية عن إنفاق عشرات ملايين الدولارت بين 30 – 50 مليون دولار، فيما انفق فؤاد مخزومي وحده 16 ملين دولار([1]).

3ـ اصوات المغتربين:
شكل متغير التصويت الإغترابي ودخول المغتربين على خط الإنتخابات تطوراً بارزاً، وقد بلغ عدد المصوتين والمقترعين من المغتربين 142 ألف مقترع من أصل 225 ألف صوت تسجلوا للإقترع، وعكس عاملاً غير متناسب وغير متكافئ، مع عدم قدرة حزب الله وحلفائه على حشد وتعبئة الأصوات في أغلب دول العالم نتيجة الحصار والعقوبات المضروبة على اي تعامل مع حزب الله وحلفائه، وهو ما شكلضغطاً وابتزازاً على جمهورهم الإنتخابي وخاصة في اوروبا وأميركا ودول الخليج وغيرهم. وعلى سبيل المثال لم يحصل حزب الله على أكثر من 1% من الناخبين في دول الخليج، وهو ما يخالف التصويت الشعبي الواسع لحزب الله في لبنان، حيث حصل حزب الله على أعلى أصوات تفضيلية في كل الدوائر قدرت بحوالي 400 ألف صوت دون باقي حلفائه. فيما حصلت القوى الأخرى المدعومة من أميركا والغرب والسعودية والإمارات على أكثر من 80% من أصوات الناخبين في الخليج وأميركا والغرب. وتوزع الباقي على قوى أخرى. وهو ما قلب الموازين في ما لا يقل عن 7 مقاعد على الأقل وفق دراسات الخبراء والإحصائيين.
 
4ـ الإعلام والإعلان الإنتخابي :
يسجل في هذه الإنتخابات دخول هستيري للإعلان الإنتخابي ولوسائل الإعلام على الخط أكثر من كل الدورات الإنتخابية السابقة، وبالرغم من الإنهيار الإقتصادي لاحظ المراقبون حجم الإعلانات على الطرقات بكثافة غير مسبوقة، بلغت حوالي 6 ملايين دولار المبالغ الموثقة بصورة رسمية فيما الدفع "الكاش" للمفاتيح فاق عشرات ملايين الدولارات([2]). يضاف اليها ظهور المرشحين بشكل غير مسبوق على التلفزينات المؤيدة لمنظمات المجتمع المدني بما يخالف القواعد المسموح بها قانونياً لسقف الإعلان الإنتخابي، وعلى سبيل المثال فؤاد مخزومي ظهر في عشرت المقابلات خلال الشهر السابق للانتخابات رغم أن كلفة كل مقابلة عشرات آلاف الدولارات.
 
ثانياًـ فشل الرهانات الأميركية والصيونية والسعودية على نتائج الإنتخابات:
لا يمكن قراءة النتائج إلا من هذا المنظور الواسع والدقيق للمتغيرات المستجدة والذي يختلف عن المحطات الإنتخابية السابقة.

وفي النتائج العملية حصد ما يسمى بتيار منظمات المجتمع المدني وثورة 17تشرين 13 مقعداً، وقد بينت الوقائع في البرلمان إمكانية الفرز والضم والتصنيف ضمن هذه المجموعة والكتلة الجديدة، حيث يمكن تصنيف البعض منهم ضمن تيار المنظمات والسفارات ويأتي على رأسهم النائب مارك ضو المرتبط بالسفارة الأميركية (الأدلة على ذالك مستفيضة أولها تدربه مع منظمات أميركية وآخرها مطالبته أميركا بمعاقبة الدولة اللبنانية وزيارته السفارة الأميركية للقاء عاموس هوكشتاين)، فيما البعض أقرب الى الإتجاهات الشعبية المستقلة ومنهم يساريون لا ينتمون الى منظمات حكومية ولا يرتبطون بالسفارت ولديهم مواقف وطنية وتاريخ نضالي مقاوم رغم انهم شاركوا في حراك 17 تشرين 2019 مثل النائب الياس جرادي.

وقد أكدت جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه ومكتب المجلس حقيقة وجود تمايزات وفروقات كبيرة في مواقف هذه الكتلة الجديدة. وقد تمكن حزب الله وحلفائه من إيصال رئيس المجلس ونائبه وانتخاب أمين سر المجلس وأغلب رؤوساء اللجان الإنتخابية، وهو ما شكل ضربة سياسية للقوات اللبنانية التي رشحت نائبها عن جبيل زياد حواط لمنصب نيابة رئاسة المجلس وحصل على 39 مقعدا فقط، وهو ما أكد عزلتها وفشل الرهان عليها، مع كل الدعم المالي السخي الذي تلقته من السعودية والخليج ودول الغرب.

وفي المعلومات الموثوقة أن أميركا كانت تتوقع فوز ما بين 20 الى 30 مقعداً لمنظمات المجتمع المدني المرتبطة بسفارتها، لكنها بدأت تقلص من طموحاتها بعد خلافات عاصفة استعرت بين قادة مجموعاتها، إلى أن وصل الحال قبيل الإنتخابات بأيام بالسعور بالتململ والإحباطن وقد عكس ذالك تصريح ديفيد شينكر المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي عبر منصة معهد واشنطن عن "نرجسية وشخصانية قادة المنظمات، وأنهم سيأكلون بعضهم بعضًا"([3]).

وبعد الإنتخابات بيومين وبتاريخ 17 أيار 2022 صرح مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل بأن نتائج الإنتخابات أعطت المنظمات مقعد، لكنها غير كافية، فيما حصد حزب الله وحلفائه المقاعد الشيية كاملة.

وقل هيل " علِمتُ أن عدد مقاعد النواب المستقلين يساوي نحو 13 نائبًا ورغم هذا التطوّر غير أنّ هذا وحده ليس عاملًا كافيًا لإحداث تغييرات ويبقى صوتهم مهّم بالطبع ويعتمد نجاحهم على قدرتهم في التحالف وتقديم التسويات([4]).

وفي تحليل ديفيد هيل لأسباب الفشل رغم أن الظروف كانت ملائمة يقول" كان هناك الكثير من التفكير الرغبوي قبل الإنتخابات النيابية اللبنانية، ويوم الأحد 15 مايو/أيار كان الكثيرون يأملون في أن يستغل المستقلون يأساللبنانيين وغضبهم تجاه النخب التي دفعت بلدهم نحو الهاوية الإقتصادية والإجتماعية والإقتصادية. وسرت تكهنات بأنّ النتائج ستوجه ضربة لحزب الله وحلفائه المسيحيين. الواقع الذي ظهر يوم الأحد هو أنه في حين عانى حلفاء حزب الله المسيحيون من انتكاسات إلا أنّ الممارسات الديمقراطية والبنية السياسية الطائفية في لبنان تميلان إلى إحداث حالة من الشلل([5]).

يضاف الى ذلك التصريحات الصهيونية التي شعرت بالإحباط من بقاء حلفاء حزب الله في وضع قوي في البرلمان، من خلال انتخاب الياس ابو صعب حليف حزب الله والعضو في التيار الوطني الحر نائباً لرئيس البرلمان، وهو ما تحدثت عنه الصحف الصهيونية بصراحة ووقاحة([6]).

فيما تم استدعاء السفير السعودي وليد البخاري الى الرياض للتشاور بعد النكسة الإنتخابية التي تعرضت لها السعودية جراء شل كل المرشحين الذين دعمتهم بوجه النواب السنة المحسوبين على حزب الله، ولسحب البساط من تحت أرجل زعامة سعد الحريري، وهو ما فشل تماماً رغم استخدام المال والضغط على دار الفتوى والعلماء السنة للترويج للوائحها([7]).

ـ خاتمة :
مما سبق، يتضح لنا أن المنظمات التي دعمتها أميركا لم تتمكن من إنجاز الأهداف الأميركية والسعودية والصهيونية، وفشلت في إقصاء حزب الله وحلفائه عن المشهد السياسي والبرلماني،وبقي حزب الله أكبر وأهم قوة سياسية في لبنان، وأثبت تماسكه مع حلفائه رغم كل الصعاب والظروف غير المؤاتية لهم بحكم الإنهيار الإقتصادي والحملات الإعلامية الشعواء. وهذا ما يعطي درساً بأن التحكم بنتائج الحرب الناعمة ليست قدراً بيد العدو، فهي معركة، يفوز فيها من يستطيع تحويل التهديدات الى فرص، ويتمكن من إدارة العمليات الناعمة بحكمة وتخطيط والتزام من الشعب بتوجيهات القيادة البصيرة والصابرة.


[1] مخزومي أنفق 16 مليون دولار وحصد "الله، حريري، طريق الجديدة"، بتاريخ 20/5/2022، جريدة الأخبار
[2]  ندى أيوب، ميزانية كل الحملات لا تتجاوز 6 ملايين دولار، الأولوية للدفع كاش على الإعلان الإنتخابي، بتاريخ 29 نيسان 2022، الاخبار
[3] شينكر يفضح حلفاء ادارته في لبنان: انهم نرجسيون وسيأكلون بعضهم البعض، موقع قناة المنار، بتاريخ 14/5/2022
[4] Lebanon's Election Offers No Salvation.17/5/2022. Wilson Centre. link:https://www.wilsoncenter.org/article/lebanons-election-offers-no-salvation
[5] المصدر نفسه
[6] وسائل إعلام إسرائيلية: انتخاب الياس أبو صعب مرشح الحلفاء المسيحين لنصر الله يدل على أن المعسكر المناهض لحزب الله هو أقل تماسكاً، نشر بتايخ 31/5/2022، قناة الميادين
[7] نعم، البخاري استدعي للرياض، بتاري 4/6/2022، جريدة الأخبار

أضيف بتاريخ: 20/10/2022