مقالات عامة

القدس بين الأصالة الإسلاميَّة والتهويد

بسم الله الرحمن الرحيم

القدس بين الأصالة الإسلاميَّة والتهويد

الشيخ حسن أحمد الهادي

 

قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"[1] .

 

القدس الأرض المباركة

القدس‏..‏ أولى القبلتين وثالث الحرمين‏,‏ ومسرى الرسول(ص),‏ هي كلمة تعني الطهارة والنزاهة والتشريف‏;‏ فهي المدينة المقدّسة على مرّ العصور‏,‏ وأرض النبوّات، وصفها الله عز وجل في القرآن الكريم- في أكثر من موضع- بأنها الأرض المباركة والأرض المقدّسة.

قال تعالى عن إبراهيم(ع): "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ"[2]، وقال: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ"[3]، وقال على لسان سيدنا موسى(ع): "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"[4].

 

فضل العبادة في بيت المقدس

المسجد الأقصى هو أقدم المساجد التي عُمرت لعبادة الله وحده بعد المسجد الحرام؛ ولذا كثر تردّد الأنبياء جميعًا عليه وصلاتهم فيه؛ وكما ورد في التاريخ: بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك[5]،

وفي فضل العبادة فيه ورد العديد من الروايات منها:

قال أبو جعفر(ع) لأبي حمزة الثمالي: "المساجد الأربعة هي المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة، والنافلة تعدل عمرة. وروى الشيخ الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه عن الإمام علي عليه السلام قوله: "صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة ألف صلاة.

 

شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى:

إنَّ أوَّل من شدّ الرحال إلى القدس وصلّى في مسجدها النبيُّ محمدُّ(ص) في إسرائه إليه ليلة الإسراء كما ثبت في القرآن الكريم والسنّة المشرفة. وشدُّ الرحال إليه إنّما هو تعظيم وتقديس لهذا المسجد كما في تعظيم كلٍ من المسجد النبويّ في المدينة والمسجد الحرام بمكة، عن رسول الله(ص): لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاّ إلَى ثَلاثَةِ مَساجِدَ: مَسجِدِ الحَرامِ، ومَسجِدي ومَسجِدِ الأَقصى.

 

بيت المقدس قصر من قصور الجنة:

عن الإمام عليّ(ع): أربَعَةٌ مِن قُصورِ الجَنَّةِ فِي الدُّنيا: المَسجِدُ الحَرامُ، ومَسجِدُ الرَّسولِ، ومَسجِدُ بَيتِ المَقدِسِ، ومَسجِدُ الكوفَةِ.

 

بيت المقدس القبلة الأولى

في السنوات الأولى من البعثة - وبالتحديد تلك التي قضاها النبي(ص) والمسلمون في مكة - وكذلك في السنوات الأولى بعد الهجرة كان بيت المقدس هو قبلة المسلمين، فكان النبي(ص) والمسلمون الأوائل يصلّون في هذه السنوات إلى جهة بيت المقدس، ثم نزل الوحي على النبي(ص)، وأمر بتحويل القبلة باتجاه الكعبة أي المسجد الحرام. قال الله تبارك وتعالى:

"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"[6]

وهذه الآية التي فيها حكم تحويل القبلة قد عرفت بآية القبلة، وهناك من ذكر أن آيات و143 و150 من سورة البقرة تشير إلى هذا المقصد، كما أن بعض المفسرين فسروا آيات 142 ـ 144 لهذا المعنى.

فبعد هذه القضية قام اليهود وبعض المسلمين الذين ليس لديهم بعد نظر في الأمور بالاستهزاء والانتقاص من هذا الحكم، فردًّا عليهم نزلت هذه الآية: "سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"[7].

ونقل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة لم يغيّر مكانة القدس بين المقدسات الإسلامية إذا ظلت كما هي أولى القبلتين وثالث الحرمين. بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا بألف صلاة، وفي بيت القدس بخمسمائة صلاة».[8]

 

المسجد الأقصى ثاني بيتٍ لله تعالى في الأرض:

قرر القرآن الكريم أن الكعبة أول بيت بُني على هذه الأرض للعبادة فقال تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَـٰلَمِينَ"[9]، ولقد قرّر الحديث الصحيح القُرْب الشديد تاريخيًّا بين بناء المسجد الحرام وبناء المسجد الأقصى:

عن أبي ذر أنه سأل رسول الله(ص): "أي مسجد وضع في الأرض أوَّلًا؟ قال: المسجد الحرام. قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثمّ أينما أدرَكَتْك الصلاة بعد فصلّه، فإن الفضل فيه".

 

القدس في الفكر الإسلامي الأصيل

بيان الإمام الخميني في تسمية يوم القدس: بعد أن احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1979م / 1399هـ، أصدر الإمام الخميني(قده) في يوم 13 رمضان 1399 هـ ـ 7 آب/اغسطس 1979 م بيانًا طالب فيه باعتبار آخر جمعة من شهر رمضان يومًا عالميًا للقدس، فجاء في بيانه:

"إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين، لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي، في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها.

وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم - الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضاً أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني - وتسميتها بيوم القدس العالمي وذلك خلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين"

وقد ركّز الإمام الخميني(قده) على استنهاض الأمة وإحياء قواها من أجل قيامها بواجب الجهاد وتحرير القدس وفلسطين من خلال إعلان "يوم القدس العالمي" في آخر يوم جمعة من شهر رمضان في کل عام، لتنبيه الأمّة وتحذيرها من خطر إسرائيل، ولتحضير الأمة الإسلاميّة کلّها لليوم الذي سيتمّ فيه تحرير القدس وکل فلسطين. يقول الإمام:

- "إن يوم القدس يوم عالمي، وليس يومًا يخص القدس فقط، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين".[10]

- إنَّه اليوم الذي يجب أن ينهضوا وننهض فيه لإنقاذ القدس.

- "يجب على المسلمين إحياء يوم القدس الذي هو مجاور لليلة القدر وجعله أساسًا ومبدأ ليقظتهم وانتباههم" وفي خطاب آخر للأمة الاسلاميّة بتاريخ ٣١/٧/١٩٨١م قال الإمام: "جدير بالمسلمين في يوم القدس الذي هو من أواخر أيام شهر الله الأعظم أن يتحرّروا من أسر وعبوديّة الشياطين الکبار وقوى الاستكبار، وأن يرتبطوا بالقدرة اللامتناهية لله وأن يقطعوا أيدي مجرمي التاريخ عن دول وبلاد المستضعفين".

- "إن يوم القدس يوم يجب أن يتعين فيه مصير الشعوب المستضعفة، لابد للمستضعفين أن يبرزوا شخصيتهم أمام المستكبرين".

- "يوم القدس هو يوم الإسلام ويوم إحياء الإسلام، فلابد من إحيائه وتنفيذ قوانينه وأحكامه في جميع الأقطار الإسلامية".

- "يوم القدس يوم ننبّه فيه القوى العظمى بأنّ الإسلام لن يقع بعد هذا تحت سلطتكم بواسطة عملائكم الخبثاء. يوم القدس يوم حياة الإسلام، ولابد أن يستيقظ فيه المسلمون ويشعروا بقدرتهم المادية والمعنوية".[11]

 

أمَّا الإمام الخامنئي(دام ظلّه) فقد أعلن "يوم القُدس يومًا للعالم الإسلامي". وإنّ "حُلول يوم القُدس العالمي يُذكِر المسلمين الغَيارَى في العالم، بالواجب المُبْرَم في الدِّفاع عن الشَّعب الفلسطيني المظلوم ودَعْمِه".

ويقول: "على العالَم الإسلامي إحياء يوم القُدس. لا تَسمح الكُتَل المُسلمة لِبعض الحكومات التي باعَتْ نفسها بإذابة قضيّة فلسطين قطرة‌ً قطرةً". و"إذا أَحيَا العالَم الإسلامي اليوم العالمي للقدس بِالمعنى الصَّحيح للكلمة، فَسَوف يَهزِمُ العدوَّ هزيمةً كبيرة".[12]

 

أطماع يهود في القدس وخطر تهويدها:

كثُرت تصريحات المسؤولين اليهود في قضيّة تهويد القدس منها:

- (إنّ حركة رابطة الدفاع اليهودي ستخوض صراعًا حادًا من أجل استعادة الهيكل وإزالة المساجد بما فيها المسجد الأقصى) الحاخام شلومو غورين.

- (إنّه لا يناقش أحدًا في أنّ الهدف النهائيّ لنا هو إقامة الهيكل، ولكن لم يحن الأوان بعد، وعندما يحين الموعد لابد من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى ونبني الهيكل على أنقاضه) وزير الأديان اليهودي.

- (لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل) بن غوريون.

وقام اليهود بالعديد من الأعمال سعيًا لتكريس التهويد في القدس نوجز منها:

أن اليهود قد عملوا على خلخلة البنية السكانيّة للمدينة منذ منتصف القرن الميلادي الماضي، حيث نشطت الهجرة اليهوديّة إليها لزيادة عدد سكانها من اليهود. وأما في القرن الماضي فوصلت الهجرة اليهودية إلى أوجّها وذلك أثناء الانتداب البريطاني، وحين انتهت الحرب العربية ـ اليهودية عام 1368هـ/1948م استولى اليهود على 66.2% من المساحة الكلّية للقدس. وأما البلدة القديمة فظلّت بأيدي المسلمين. وأعقب ذلك حرب 1967م فاستولى اليهود على ما تبقى من القدس ووسّعوا مساحتها على حساب باقي مدن الضفة الغربيَّة الأخرى حيث جعلوها من 13 كم إلى 108 كم مربع وذلك ضمن مشروع القدس الكبرى. وفي عام 1387هـ/1967م أقرّ الكنيسيت اليهودي قرار ضم القدس، أما في عام 1401هـ/1980م فقد أقر القانون المسمى بالقانون الأساسي للقدس وتم إعلانها عاصمة لدولتهم.

 

وجوب الدفاع عن القدس

يجب على كل ذي بصيرة أن يولي القدس والقضيّة الفلسطينيّة من جهده وماله وعلمه ما يوفي بمكانتها; فهي تجسد الهويَّة الإسلاميَّة والعربيَّة التي يجب أن يبذل من أجلها كل ما أوتي من جهد للذود عنها; فكل جهد يُبذل هو زرع للأمل بداخل النفوس القانطة، ومحاولة تذكير بأنّ النصر ليس ببعيد طالما توافرت آلياته; حتى تعود لنا مدينة السلام التي صارت على أيدي المحتل الغاصب مدينة للحرب ومأوى لتدمير الإنسان والبنيان.

إنَّ العدوان الأثيم المتكرر على هذه المدينة المباركة والمحاولات الحثيثة لتغيير هويتها ووجهها العربي والإسلامي, يجب أن يواجه بكل وسيلة ممكنة، ونصرة الأقصى واجبة علينا وبكل وسيلة؛ بالسلاح والمقاومة والجهاد والوحدة، وبالدعاء والمساندة المادية التي تثبت رباط المقدسيين، كما أنَّ الوقوف أمام مخطّطات التطبيع مع العدو الصهيونيّ واجبة في ظل الضغوط والمؤامرات التي تمارسها قوى الاستكبار والعداء للإسلام، والأوهام التي يجري وراءها عملاء الاستسلام ووكلاء الخيانة، الذين لازالوا يلهثون وراء السراب ويتذللون للصهاينة لاستجدائه، ثم هم يشهرون السلاح في وجهة المقاومة الباسلة حماية للصهاينة وامعانا في مهاوي الخيانة والعمالة، فعسى الله ان يأتي بالفتح او أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

 

فكر الإمام الخميني(قده) هو المنطلق

ما أحوجنا في هذا العصر للعودة إلى دراسة فكر الإمام الخميني(قده) لإحياء المواجهة مع الصهاينة والدفاع عن القدس. يقول الإمام الخميني(قده): "إنَّ معاهدة كامب ديفيد وأمثالها تهدف إلى منح الشرعية لاعتداءات (إسرائيل) وقد غيرت الظروف لصالحها.

ويقول قدس سرّه أيضًا: "إنَّ كل موقف يقوّي (إسرائيل) لن يكون مضرًا بالفلسطينيين والعرب فقط بل سيكون مضرًا بكل بلدان المنطقة وسيؤدّي إلى تقوية كل القوى الرجعيّة في المنطقة".

ويقول قدس سرّه: "إنَّ (إسرائيل) غاصبة، ويجب أن تغادر بأسرع وقت وطريق الحل الوحيد هو أن يقوم الأخوة الفلسطينيّون بالقضاء على مادّة الفساد هذه بأسرع وقت".

ويقول قدس سرّه: "على البلدان الإسلاميَّة أن تدافع بكلّ قواها عن الأهداف الفلسطينيَّة وأن تدافع عن الحركات التحرّريّة في العالم".

ويقول الإمام الخميني(قده): "إنني اعتبر مشروع الاعتراف بـ (إسرائيل) بمثابة الكارثة بالنسبة للمسلمين وبمثابة الانفجار بالنسبة للحكومات وإنني اعتبر الإعلان عن معارضة ذلك فريضة إسلاميَّة كبيرة".

ويقول قدس سره: "ينبغي أن نقدم الدعم لتظاهرات وانتفاضة الشعب الفلسطينيّ مقابل ظلم (إسرائيل) ليتغلّب على هذا الغول الغاصب والمفترس".

 

مراسم هذا اليوم

من أهداف إحياء هذه المناسبة

  • إيقاف مشروع حذف فلسطين من خارطة الجغرافيا العالمية.
  • المطالبة بالحقوق القانونية للشعب الفلسطيني.
  • تجسيد لوقوف المظلومين بوجه الظلم والظالمين.
  • ليشعر الفلسطينيون بوقف الشعوب إلى جانبهم.
  • لتعبّر الشعوب عن إرادتها ورأيها تجاه القضية الفلسطينية.

 

يوم القدس العالمي في العالم

تقام مراسيم يوم القدس العالمي في مختلف الأرجاء من خلال تنظيم مسيرات، منها: في مالزيا، والهند، وباكستان، وأندونيسيا، وتركيا، وأمريكا، وكندا، والنرويج، وأذربيجان، والسودان، وبريطانيا، والبحرين، والبوسنة والهرزك، وتونس، وباكستان، وإستراليا، وألمانيا، ورومانيا، وكويت، وإسبانيا، وجنوب أفريقيا، والسويد، وفنزويلا، وألبانيا، واليونان، وتفيد وكالات الأنباء أن هذه المراسيم تقام في أكثر من 80 دولة إسلامية وغير إسلامية.

 

عالمية يوم القدس

إنَّ إعلان اليوم العالمي للقدس من قبل الإمام الخميني(قده)، كان قد حدّد موقف الثورة الإسلاميّة في إطار مشروع استراتيجي للتصدي لمخطّطات الصهاينة التي تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني وإزالة كافّة المظاهر الإسلامية في هذه الأرض المقدسة. ولا يخفى أنّ مثل هذه الخطوة تشير إلى حنكة سياسية لقائدٍ فذّ، حيث دخلت دعوته لمقارعة الباطل في آخر جمعة من شهر ضيافة الله، إنّه يوم تضامن المسلمين وأحرار العالم في مواجهة كيان يطمح للهيمنة على العالم بأسره، ويهدّد الأمن والسلام العالميين. يكتسب مشروع اتخاذ يوم عالمي للقدس، إحياءً للقضية الفلسطينيّة، أهميّته كونه يضع رمزًا دينيًّا بارزًا في خدمة الأهداف الفلسطينيَّة قبالة الرؤية الوطنيَّة والقوميَّة الضيقة.

وبناءً على ذلك استطاعت مبادرة الإمام الخميني(قده) هذه، أن تنقل تسوية الأزمة وإدارتها من المستوى الحكومي والرسمي، إلى أوساط الشعوب والجماهير والاستحواذ على توجّهات الرأي العام العالمي.. كما أنّ انتفاضة الشعب الفلسطيني تشكّل هي الأخرى أحد المظاهر الإسلاميّة في المطالبة بالحق المستلهمة من الثورة الإسلاميَّة، والتي اكتسبت زخمًا مضاعفًا من النجاح الباهر الذي حقّقته المقاومة الإسلاميّة في لبنان بطردها للصهاينة من أراضيها.

الإعلان عن يوم القدس العالمي من قبل الإمام الخميني(قده) في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، بشّر بحركة مختلفة لتصحيح مسار نضال الشعب الفلسطيني. ويكفي أن نلقي نظرة إلى النداء الذي أصدره سماحة الإمام بهذه المناسبة لنتعرف على أهمية رؤية الإمام في هذا المجال:

إذا ألقينا نظرة إلى التحوّلات السياسيّة والثقافيّة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما القضايا الهامة نظير القضيّة الفلسطينيّة، ندرك بأنّ الثورة الإسلاميّة استطاعت أن تحتل موقعًا متميّزًا – كونها نموذجًا وشكلًا جديدًا من النضال المدني والشعبيّ– في أوساط المسلمين وحركات التحرير في مختلف أنحاء العالم، والاضطلاع بدور إيجابيّ للغاية في صحوة المسلمين وأصحاب الفكر الحر.

ولعلّ هذا ما يدعو للبحث والتأمل في المكانة الخاصة التي تحتلها القضية الفلسطينيّة في فكر الإمام الخميني(قده) ومواقفه، وقد تجلّى ذروة هذا الاهتمام في الإعلان عن يوم عالمي باسم "يوم القدس"، نظرًا للأهميّة البالغة التي يحظى بها هذا الاهتمام بالنسبة للقضيّة الفلسطينيّة دون شك.

أوَّلًا: إنّ مبادرة الإمام الخميني(قده) الخالدة في الإعلان عن اليوم العالمي للقدس، تمثّل تأكيدًا على معارضة العالم الإسلامي بأسره لوجود الكيان المحتل المسمى بإسرائيل. ذلك أنّ هذا اليوم يشكّل سببًا في توادد القلوب ومدعاة للتقارب بين أبناء العالم الإسلامي، وهو ما يعزز دعوة الإمام(قده) إلى وحدة الكلمة، حيث تتحقّق الخطوة الأولى على طريق الوحدة الإسلاميّة وتعبيد الطريق أمام تحقّق الأمة الواحدة بعيدًا عن النـزعة العرقيّة والقوميّة والدينيّة.

ثانيًا: يشكّل يوم القدس أكبر حرب نفسيّة ضدّ الكيان الصهيوني وأكثر وسائل الضغط تأثيرًا يمكن الاستعانة بها للحد من مطامع هذا الكيان، فهو عبارة عن حدث هام يثير الشكوك إزاء مشروعية الكيان الغاصب للقدس.

إنّ الاحتفاء بهذا اليوم من كل عام، وفضلًا عن أنّه يحثّ العالم الإسلاميّ على الاقتراب من الفكر الاستراتيجيّ لسماحة الإمام، يلفت أنظار شعوب العالم أيضًا إلى هزالة الكيان الصهيونيّ وعدم مشروعيّته، ويضيء قلوب المؤمنين بنور الأهداف الفلسطينيّة. أضف إلى ذلك أن منظر مئات الآلاف من المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم، يبث الخوف والرعب من الناحية النفسية داخل هذا الكيان.

ثالثًا: إنَّ يوم القدس العالمي أخرج القضيّة الفلسطينيّة من إطارها القومي وأضفى عليها بعدًا إسلاميَّا وعالميًّا.. فكما هو واضح أنّ الكيان الصهيوني كان يحرص دائمًا على إظهار الصراع وكأنه صراع عربي إسرائيلي. غير أنّه ومع إعلان الإمام الخميني(قده)، بوصفه شخصيّة علميّة ودينيّة بارزة على صعيد العالم الإسلاميّ، عن هذا اليوم نُفخَت روح جديدة في الجانب الإسلامي المنسي والمحتضر من النضال ضد إسرائيل، وقد أدى ذلك إلى أن يفكّر المناضلون الفلسطينيّون بالخيار الإسلامي وبخيار المقاومة بدلًا من خيارات التوجّه اليساري والقوميّ وحتى التوجّه إلى الغرب وخيار المساومة.

 

 


[1]  سورة الإسراء، الآية 1.

[2] سورة الأنبياء، الآية 71.

[3] سورة الأنبياء، الآية 81

[4] سورة المائدة، الآية 21.

[5] الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل 1/239.

[6] سورة البقرة، الآية 144.

[7] سورة البقرة، الآية 142

[8] مجمع الزوائد، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ، 4/7.

[9] سورة آل عمران، الآية 96.

[10] ويكيبيديا الشيعة.

[11] ويكيبيديا الشيعة.

[12] ويكيبيديا الشيعة.

أضيف بتاريخ: 14/04/2023