مقالات عامة

الأسلوب الأخلاقي في جهاد التبيين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جهاد التبيين- الأسلوب

السيد حسين قشاقش

 

تعتمد الدول الاستكباريّة اليوم على مفهوم جديد للحرب والنفوذ وهو مفهوم الحرب الناعمة، حيث يكون الغزو فكريًّا ثقافيًا هادئًا بعيدًا عن الخسائر البشريّة والاقتصاديّة، مع تحقيق الأهداف الاستعماريّة المرجوّة، وقد عرّف جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام.."

وكأيّ حرب أخرى، فإنّ الحرب الناعمة لها أدواتها وعناصرها التي تسخّرها لتحقيق أهدافها المرسومة، وتكون هذه القوى وأفعالها منسجمة مع الماهيّة الناعمة للحرب، فتحافظ على تلك السنخيّة، بعيدًا عن العنف وإثارة حفيظة الطرف المستهدف، كالقيم الأميركيَّة وجاذبيَّة الرموز الأميركيَّة وصورة أميركا وشرعيَّة سياساتها الخارجيَّة وتعاملاتها وسلوكيَّاتها الدوليَّة.

يرى الإمام الخامنئي (دام ظلّه) أنّ الحرب الناعمة، هي الحرب بواسطة الأدوات الثقافيّة والتغلغل والاندساس والكذب وبثّ الشائعات، بواسطة الأدوات المتطوّرة الموجودة حاليًّا، وهي حرب طويلة الأمد، غير منظورة وغير ملموسة، معقدة وواسعة وشاملة. وأمام هذه الحرب يرى الامام الخامنئي (دام ظلّه) أنّ جهاد التبيين هو السلاح الأكثر فعاليّة في المواجهة، وقد وردت قضيّة التبيين في العديد من النصوص الدينيّة القرآنيّة والروائية، فالمصطلح يحكي قضيّة شرعيّة إسلاميّة.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ [1] حيث تذكر الآية الكريمة أنّ التبيين كان وظيفة الأنبياء، وقد ربط الإمام الخامنئي دام ظلّه وظيفة الأنبياء بوظيفة العلماء في عصرنا الراهن كون العلماء ورثة الأنبياء كما ورد في الأحاديث الشريفة.

كما أعطى الإمام الخامنئي دام ظلّه حكم الفريضة والوجوب لجهاد التبيين وأمر بكونه فوريًّا وحتميًّا، إلّا أنّه حفظه الله لم يترك القضيّة بهذا المستوى النظري فقط بل قام بتبيين عدّة قضايا ترتبط بالأداء الصحيح لهذه الفريضة، ومن تلك القضايا مسألة أسلوب التبيين.

وكان ممّا تعرّض له القائد هو التبيين باتّباع أسلوب أخلاقي يحكي طبيعة وماهيّة الفكر الراقي الذي يحمله الذين يؤدّون فريضة التبيين.

فاليوم نرى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة سهلة بيد كلّ أحد، ونشاهد يوميًا مئات المشاركات من كلّ حدب وصوب، ويشوب كثير منها الكذب والخداع والمراء واللاأخلاقيّة...

وقد ينجرف بعض الشباب المتحمّس إلى محاكاة تلك الأساليب للردّ عليها بالمثل، فيتّبعون نهجًا مشابهًا ليقعوا في ترويج مناهج الغرب التي أرادها عبر اللاأخلاقيّة واللادينيّة.

من هنا، يرى الإمام الخامنئي دام ظلّه أن جهاد التبيين ينبغي أن يتمّ باتباع منهج إسلامي أخلاقي بعيدًا عن الخداع والكذب، فيقول:

"بالطبع، إن المبدأ الحاسم في هذا الشأن هو ضرورة اتباع نهج أخلاقي في أداء هذا العمل، علينا أن نجتنب بشدة ما يفعله بعضهم في الفضاء المجازي أو المطبوعات والمقالات وهنا وهناك من مواجهة للرأي العام بالسّباب والافتراء والخداع والكذب"[2].

 

وفي معرض ذمّه للنهج غير الأخلاقي في التعاطي مع القضايا يقول:

"إنني أشاهد أحيانًا جماعة وأناسًا وشبابًا قد يتسمون بالإيمان والصلاح، ولكنهم إذا ما عارضوا شخصًا أو اجتماعًا، أثاروا الضجيج والصخب وقاموا بإطلاق الشعارات والهتافات، وأنا لا أؤيّد مثل هذه الممارسات التي لا طائل من ورائها، ولطالما أوصيت الذين يقومون بهذه الأعمال بالإعراض عنها منذ زمن بعيد. فأن تشاركوا في مجلس، ولأنكم لا تقبلون بالمحاضر - وقد يكون الحق معكم أو قد لا يكون - تعملون على إفشاله وتعطيله وبعثرة الأمور فيه، فهذه ممارسات لا فائدة ولا جدوى فيها. وإنما الفائدة تكمن في التبيين والعمل الصائب المتسم بالحنكة والفطنة، وهذا هو الذي يجلب النفع والفائدة. وأحيانًا ما يقوم البعض بهذه الممارسات عن سوء نية، ويحمّلون مسؤوليتها الشباب المؤمن الولائي، فكونوا على حيطة وحذر تجاه ذلك"[3].

 

ففي كلام القائد هنا إشارة مهمّة إلى قضيّتين:

أوّلًا: أنّ الردّ على الآخرين بأسلوب همجي، غوغائي، لا أخلاقي، ليس فيه نفع للقضيّة، فمن جهة لن يكون مقنعًا للخصم، ومن جهة أخرى لن يستميل البيئة المؤيّدة، وعليه يكون خطابًا غير نافع وغير مفيد بل قد يحمل آثارًا سلبيّة على المجتمع الإسلامي وقضاياه.

ثانيًا: أنّ العدوّ قد يلجأ إلى حيلة وخدعة هي استدراج الشباب المؤمن إلى مجاراته في الخطاب الهابط واللاأخلاقي، ثمّ يعود ليستخدم ذلك كمادّة للهجوم على الشباب المؤمن وتحميله مسؤوليّة الخطاب وإظهاره بمظهر الغوغائي للآخرين، مستفيداً من جيوشه الالكترونيّة ومرتزقته عبر وسائل التواصل.

لذا فإنّ المنهج الإسلامي في التبيين هو المنهج الأخلاقي الهادئ، المنطقي، المؤثر، والإنساني، وفي هذا المجال يقول الامام الخامنئي دام ظلّه:

"إنَّ أي حركة تنويريَّة يجب أن تتمّ بعيدًا عن أي صخب وضوضاء لأن ذلك يؤثّر سلبًا على الكلام المنطقي أيضًا "[4].

من هنا، ينبغي على الفئة المؤمنة الفاعلة والمؤثّرة على وسائل التواصل الاجتماعي بخاصّة الشباب، اتّباع المنهج الأخلاقي في التبيين والنقاش بما يعكس صورة الدين الذي نؤمن به، والنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله الذي نتّبعه، فرسول الله (ص) كان صاحب الخلق العظيم، الذي يخضع الجميع لفضائله، أمّا خلاف ذلك فهو منهج ضعيف غير مؤثر وغير مفيد.

 

 

 

 


[1] سورة إبراهيم، الآية 4

[2] في لقاء مع ممثّلي الهيئات الطالبيّة الجامعيّة، 27/9/2021

[3] في مراسم تخريج دفعة من الضباط في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام)، 24/5/2016

[4] لدى استقباله قادة حرس الثورة الاسلامية ومسؤولي ممثليات الولي الفقيه في الحرس، 4/7/2011

أضيف بتاريخ: 05/05/2023