مقالات عامة

المنبر الحسينيّ.. ريادة في صناعة الإنسان والحياة.

 

المنبر الحسينيّ

ريادة في صناعة الإنسان والحياة

الدكتور أحمد الشامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كلّ ما عندنا هو من عاشوراء، بهذه الكلمات القصار اختصر الإمام الخميني(قدس سرّه) أطروحة ثورة الإمام الحسين(ع) للحياة. فما من ثورة في العالم تضاهيها، إذ كلّما أوغلت عمقاً في الماضي صارت أكثر حضوراً وتأثيراً في الحاضر، كما في صناعة المستقبل.

إنّ هذه الملحمة التاريخيَّة، التي حصلت أحداثها أواخر القرن السابع ميلادي (61هـ-680م)، وفي صحراء نائية من نواح العراق، وعلى يد طاغية أمكن بتكبّره ومكره القضاء على الثوار الموالين لأهل البيت(ع)، بمن فيهم طفلهم الرضيع، تاركًا لرمال صحراء كربلاء مهمّة طمس الحقيقة، ودفن آثار الجريمة، فإذا بأبناء جيل القرن الواحد والعشرون الذي يطلق عليه صفة الحداثة وما بعدها، يجلسون في حضرة المأتم الحسيني، باكين ونادبين، وكأنّ الثورة تحدث الآن بكل مشهديَّاتها، محيلين دموع مآقيهم وألم الضلوع صرخة استجابةٍ لقائدهم وهو يُردِّد على الملأ نداء طلب النصرة، فيغيّرون مجرى الأحداث والتاريخ، ويصنعون النصر تلو النصر، محقّقين صدق مقولة سيّدتهم زينب(ع) بطلة كربلاء: ما رأينا إلّا جميلًا.

طيلة عقودٍ مضت، والموالون لأهل البيت(ع) في لبنان يُقيمون المآتم لإحياء ذكرى ملحمة كربلاء، في سلوكٍ شعبيٍّ يتوارثونه من جيلٍ إلى جيلٍ، انجدل فيه الدينيّ بالاجتماعي والسياسيّ، فغدا معينهم الأفعل على حفظ وجودهم وهويّتهم الإيمانيَّة الجهاديَّة، وليكونوا في صلب حركة التاريخ وصُنّاعه بعدما كانوا جماعةً منفيّةً مضّطهدة، على أطراف الدولة الأمويّة. 

لا تزال وستبقى واقعة كربلاء -إن شاء الله- وعلى الرغم مما تواجهه من حروب (صلبة وناعمة)، هي المناسبة الأكثر جاذبيّة لدى الموالي لأهل البيت(ع)، وفئة الشباب منهم على وجه التحديد - (91.4%) يرونها المناسبة الأهم والأكثر جذبًا لهم - فهي الحاضر الأكبر في ذكرى عاشوراء إلى جانب ذكرى استشهاد الأئمة(ع) وفي ذكرى الوفيّات العامة. فالموالي يجلس في حضرة المنبر الحسينيّ حبًّا، وهو يأمل أن يوفّق بالحد الأدنى بنيل ثواب المواساة، فكيف إذا استطاع أن يتزوّد بما يدعم هويّته وشخصيّته ووعيه، ويقوّم سلوكه.

أضيف بتاريخ: 25/07/2023