مقالات عامة

ناصحٌ أمين لزوّار الأربعين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ناصحٌ أمين لزوّار الأربعين

السيد حسين قشاقش

 

ورد في الروایة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ع أَنَّهُ قَالَ: عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ الْخَمْسِينَ وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَالْجَهْرُ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.[1]

 

لا يخفى عن أتباع أهل البيت عليهم السلام تلك الشعيرة العظيمة، وهي المشي إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام في أربعينه يوم 20 صفر من كلّ عام، وقد ورد الحثّ في الشريعة المقدّسة على استحباب المشي إلى زيارته عليه السلام وما لذلك من الأجر والثواب الجزيلين عند الله تعالى، فقد ورد في الرواية عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع:

 "يَا حُسَيْنُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى إِذَا صَارَ بَالْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْمُفْلِحِينَ وَإِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى"[2].

هذا ويزحف ملايين المحبّين للإمام الحسين عليه السلام سنويًّا إلى كربلاء المقدّسة إعلانًا للحزن والمواساة لسيّد الشهداء عليه السلام، وتعزيةً وتسلية لقلب مولاتنا السيّدة الزهراء عليها السلام على ما جرى على ولدها وأهل بيته من أمّة تدّعي الوصل برسول الرحمة محمّد صلّى الله عليه وآله.

انطلاقًا من هذه المسؤوليّة وهذه المناسبة العظيمة عند شيعة أهل البيت عليه السلام، نضع بين أيديكم زوارنا الكرام جملة من النصائح والتوصيات التي تسهم في تصويب الهدف واستثمار الجهد والتعب فيما يُرضي الله عزّ وجلّ ويُرضي إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

 

  • الإخلاص في النيّة، فأنت تتوجّه إلى عزاء الحسين عليه السلام ومواساة أمّه الزهراء سلام الله عليها، قربةً إلى الله تعالى، بعيدًا عن أي عناوين دنيويّة أو شخصيّة.
  •  مراعاة كامل الضوابط الفقهيّة والشرعيّة بشكل آكد عن بقيّة الأيام: فيحذر الزائر من الوقوع في الاختلاط المحرّم، أو النظر المحرّم، أو الغيبة وغيرها من المعاصي.
  • أن تلتفت الأخوات الزائرات إلى طريقة لباسهنّ ومشيتهنّ، ويحذرن من كلّ ما يلفت نظر الرجال، فيبتعدن عن الاختلاط، والدخول في أماكن الازدحام وغيرها.
  • أن يحافظ الزائر على الوقار أثناء المشي، فلا يستعجل لقطع المسافة فقط، فهو يستطيع قطعها بالسيّارة بشكل أسرع! ولكنّ المقصود من المشي هو استحضار الحزن والمصيبة أثناءها، فليكن ذلك بطريقة تتناسب مع المصيبة والمناسبة.
  • الاستحضار الدائم للحزن على مصاب أبي عبد الله عليه السلام، وذلك طوال أيام وساعات المشي، فيجتنب المزاح والانشغال بأمور الدنيا والتقاط الصور التذكاريّة والاستغراق على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • أن يحافظ على طهارته الماديّة والمعنويّة، فيُبقي على بدنه ولباسه طاهرًا، كما يبقى على حالة الوضوء دائمًا، إذ للوضوء بركة معنويّة خاصّة لا ينبغي أن يخسرها "قَالَ الإمام الصَّادِقُ عليه السلام إِنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْخُذُ فِي حَاجَةٍ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ كَيْفَ لَا تُقْضَى حَاجَتُه"‏[3]
  • أن يلتفت إلى أوقات الصلاة فيُحافظ على إقامتها في أوّلها، وينظّم أمره بحيث يتوقّف قبيل وقت الصلاة في مكان فيستريح ويتهيّأ لإقامتها مع مستحبّاتها وبروحيّة خاصّة، فهي صلاة العابر إلى الحسين عليه السلام.
  • أن يكون ذات مسيره ومشيه رسالة تبليغيّة للآخرين، في كيفيّة تواصله وتراحمه معهم، وشكره للباذلين وخدّام الزوار على مودّتهم وجهودهم.
  • أن يبتعد عن الجدال والنقاش فيما يثير النزاعات والخلافات بخاصَّة الحزبيّة والمذهبيّة.
  • الابتعاد عن تناول الطعام أثناء المشي فهو من الأمور المكروهة التي نهى الشارع عنها، فقد ورد عن النَّبِيّ صلوات الله عليه أنَّه قال: الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ[4]؛ بل يختار الزائر مكانًا مناسبًا يجلس فيه ويتناول طعامه بهدوء ووقار.
  • أن لا يُقحم الزائر نفسه في التزاحم على الطعام، فتلك مظاهر مسيئة للزوّار والمناسبة، فلا ينبغي أن يتهافت الناس ويتزاحموا على طعام خَشية نفاذه! بل يكتفي بالميسور الذي يصل إليه أو يشتري عند الحاجة.
  • عدم الإكثار من الطعام وعدم تنويعه بطريقة لا تتناسب مع مظاهر الحزن التي ينبغي أن يكون عليها الزائر الكريم،  فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً أَرَادُوا الْحُسَيْنَ عليه السلام حَمَلُوا مَعَهُمُ السُّفَرَ فِيهَا الْحَلَاوَةُ وَالْأَخْبِصَةُ وَأَشْبَاهُهَا لَوْ زَارُوا قُبُورَ أَحِبَّائهِمْ مَا حَمَلُوا مَعَهُمْ هَذَا»[5]

وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله (عليه السلام): ... تَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَکُمْ لَیَذْهَبُ إِلَى قَبْرِ أَبِیهِ کَئِیباً حَزِیناً وَ تَأْتُونَهُ أَنْتُمْ بِالسُّفَرِ! کَلَّا حَتَّى تَأْتُونَهُ شُعْثاً غُبْرا[6]

  • عدم تخصيص مضيف لفئة محدّدة أو جنسيّة محدّدة، فلتكن المضائف لجميع زوّار الإمام الحسين عليه السلام، ومن ناحية الزائر فلا يكون همّه معرفة المضائف الأكثر راحة أو التي تقدّم أفضل الطعام، فهي زيارة مصيبة وليست رحلة ترفيهيّة!
  • أن يستأنف الزائر حزنه على الإمام الحسين عليه السلام وما جرى عليه في كلّ محطّة من محطّات حركته، بخاصَّة حينما يتشرّف بالنظر إلى القبّة الشريفة ويهمّ بالدخول إلى حرم سيّد الشهداء عليه السلام، فلا ينشغل في تلك اللحظات الاستثنائيّة بالأمور الدنيويّة كالتصوير والتوثيق والبث المباشر، بل عليه أن ينسى كلّ ما حوله ويجعل عينه نصب إمامه وقلبه في تعزيته عليه السلام.
  • أن يلتفت إلى الحدود الشرعيّة أثناء الدخول في أماكن الازدحام، فتمتنع الأخت عن اقتحام الازدحام الذي يؤدي الى الاختلاط والتماس مع الرجال الأجانب، كما يمتنع الشاب عن الازدحام والاختلاط بين النساء او افتعال ما يؤدّي إلى إيذاء الزوار من تدافع وغيره، فأيّ زيارة تلك التي تكون مشوبة بالمحرّمات لا سمح الله؟! بل نقول أكثر من ذلك، حتّى لو كان الدخول إلى حرم الإمام عليه السلام يوم الاربعين صعبًا إلّا بارتكاب المحرّم، فإنّ اللازم هو الزيارة من خارج الحرم حتى تسنح الفرصة، ولا يجوز ارتكاب المحرّم.

 

ختامًا، هنيئًا لمن يوفّق لزيارتهم سلام الله عليهم، مع معرفتهم ومعرفة حقّهم، وضمن الضوابط الشرعيّة والفقهيّة والمعنويّة والروحيّة والأخلاقيّة. والسلام..

 


[1]  الشیخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج‏6، ص: 52

[2]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج‏6، ص: 43

[3] الحر العاملی، وسائل الشيعة، ج‏1، ص: 375

[4] الشیخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص: 149

[5] كامل الزيارات/ص129

[6]  كامل الزيارات/ص130

أضيف بتاريخ: 24/08/2023