مقالات داخليّة

معالم ومنطلقات استهداف الدين في العقل الأمريكي (الجزء الثاني)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم ومنطلقات استهداف الدين في العقل الأمريكي (الجزء الثاني)

د. علي الحاج حسن

3-إيجاد الجماعات التكفيرية

لعل من أبرز أوجه استهداف الدين، المحاولات التي تجري منذ أحداث الحادي عشر من أيلول لإيجاد مجموعات متطرفة تأخذ على عاتقها تقديم صورة سلبيَّة عن الدين، وتتمكن القوى الموجودة والداعمة لها من تقديم قيمها وأفكارها حيث يتبين البون الشاسع بين المنظومة القيميَّة التي تقدمها هذه المجموعات والتي يغلب عليها طابع الخشونة وما شابه ذلك، وبين الأمريكي وما يشكّله من إنقاذ للبشرية بقيمه الحداثويَّة، حيث يترتّب على ذلك إسقاط المجموعات التكفيريَّة بما تحمل من قيم والرفع من شأن المخلص الأمريكي[1]. تشير العديد من التحليلات إلى أن المجموعات التكفيريَّة، صناعة أمريكيَّة بالكامل تساهم في خلق الشك واليأس بالمنظومة الدينيَّة وهذا أخطر ما يواجه المنظومة الدينية.

عمدت الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط لناحية القضاء على حركات المقاومة، إلى اتّباع استراتيجيَّة تقسيم المنطقة، واختلاق فاعليين عسكريين غير نظاميّين على شاكلة داعش لمواجهة الجيوش العربيَّة واستنزافها من دون الاضطرار إلى تجاوز المعاهدات والشرعيَّة الدوليّة، فأدخلت المنطقة في حروب لتتفتت من تلقاء نفسها[2]. طبعًا الشواهد على هذا المدعى كثيرة جدًا وقد نُشر الكثير منها في وسائل الإعلام والتواصل على اختلافها.

كما يبيّن تحقيق نشره موقع غلوبال ريسيرش الكندي عن تنظيم داعش، أنَّ الأيادي الأمريكيَّة الخفيَّة في صناعة التنظيمات التكفيريَّة حيث جاء في التقرير أن: داعش صنيعة المخابرات الأمريكية، وأجندة واشنطن لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا تتمثل بدعم الإرهابيين. ويضيف التقرير: لم يكن اجتياح قوات "داعش" للعراق ابتداء من حزيران 2014، سوى جزء من عملية استخبارية مخطط لها بعناية، وتحظى بدعم سريّ من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و"إسرائيل".... و"تنظيم الدولة" يحظى بحماية الولايات المتحدة وحلفائها...[3]

أما عن أهداف صناعة التنظيم الإرهابي فيشير الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك إلى أن واشنطن وحلفاءها هم الذين أنشأوا جماعة "داعش" لمواجهة حزب الله في لبنان. ويقول في تصريح لقناة (CNN): "الهدف من داعش هو تدمير "حزب الله"، وقد بدأنا ندعم داعش من خلال التمويل من أصدقائنا وحلفائنا وجهزناه لمحاربة حزب الله"[4].

إنَّ قراءة متأنية لواقع المنطقة ومجريات الأحداث فيها، تؤكّد أنَّ ما تفعله أمريكا ليس هدفه القضاء على طفلها المدلل "داعش"، ولكنها تريد جر الدول العربية إلى حروب تكون نتيجتها إنهاك قواها، وكذلك الاستفادة من شراء أسلحتها وترويجها بهدف الربح وهى لن تستغني عن خدمات هذا الوحش المتطرّف فهو الشوكة التي زرعتها في ظهر المسلمين، ومن خلالها ستكون قادرة على سلب أموالهم لشراء السلاح وتشتيت شملهم وتخويف أنظمتهم المتهالكة، لا بل والأهم من ذلك تقديم صورة بشعة عن الدين الذي أعلنوا أنهم ينتمون اليه... حتى لو انقلب السحر على الساحر..

أضف إلى ما سبق، وفي سياق الاعترافات والتأكيد على مرجعية الولايات المتحدة الأمريكية للجماعات التكفيرية، يتحدّث الصحافي الألماني كريستوفر رويتر، مراسل مجلة دير شبيجل الألمانية فيقول في كتابه «السلطة السوداء»: "لا يعود تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية إلى فقهاء وعلماء مسلمين، بل إلى جنرالات وضباط استخبارات علمانيين في حزب البعث العراقي بمساعدة غير مباشرة من الجيش الأمريكي". وذكر رويتر أن داعش بدأ بعد غزو العراق عام 2003 تحت إشراف رئيس الإدارة الأمريكية السابق في العراق بول بريمر[5].

وفي الخلاصة يتبين أنّ المتضرر الأكبر من نشاط هذه المجموعات، هو الإسلام وقيمه؛ بمعنى أنّ الصورة التي قدموها للإسلام لا يمكن عدّها أنموذجًا عن الإسلام الحقيقي الأصيل، بل هو النسخة الأمريكيَّة منه.   

 

4-استهداف الحجاب

تمايزت الاستراتيجيات الأمريكيّة في تعاملها مع التحدّيات بالأخص مع الشأن الديني والحجاب على وجه التحديد، فابتعدت عن العلمانيّة الفرنسيّة المحاربة للدين بشكل عام، وكذلك عن العلمانيّة البريطانيّة ببصماتها المبشّرة بقيم المسيحيّة البروتستانتيّة.

تتمحور الاستراتيجيَّة الأمريكيّة في مسألة الحجاب، حول فكرة أساسيّة مفادها، بأن لا جدوى من خوض الحرب مباشرة ضدَّه، فالمواقف المباشرة والحادَّة التي توجّهت للحجاب قد جعلت منه إشكاليّة كبرى اتسعت مجالاتها في الإعلام وميادين الثقافة، حتى استقرت في صلب الصراع بين الإسلام والغرب، لما تثيره من حفيظة لدى المجتمعات المسلمة.

تدعو هذه الاستراتيجية، إلى تغلغل قيم الليبراليّة في المجتمعات المسلمة، والعمل على غرسها في عقول وقلوب المسلمات بصورة خاصّة، من خلال الترويج لمفاهيم اجتماعيَّة تمّ إعدادها بإتقان تحت لافتة «تمكين المرأة»، ولاسيّما، لجهة حريّتها في اختيار نوعيّة اللباس والتجمّل والاستهلاك والسلوكيّات والآداب والضوابط القانونيّة، وأنّ النجاح في تحقيق ذلك، من شأنه الإسهام في تحجيم مكانة الحجاب في وعي المرأة المسلمة، والعمل على إزاحته عن مكانته بوصفه حارسًا من حرّاس هويّتها وما يهدّدها من قيم وأفكار ومبادئ تتعارض معها إلى حدّ التناقض.

تعمل القوّة الناعمة الأمريكيّة على دفع المرأة تدريجيًّا نحو تغيير ثقافيّ اجتماعي قيميّ سلوكيّ، يبدأ باللاوعي ويصل إلى الدفع نحو اختيار الموضة والأزياء التي يريدها الغرب تحت تأثير أدوات التسويق الإعلاميّ التي تعزّز من سريان روح الاستهلاك والشراء بدون وعي عبر ثلاثيّة الإعلانات المؤلّفة من «قوّة التسويق العصبيّ» و«قوّة العلامات والماركات التجاريّة» و«جاذبيّة وسحر الإعلانات»[6].

ويمكن تحديد عناصر الاستراتيجية الأميركيّة الناعمة لجهة الحجاب، بالآتي:

1. إحداث تغيير تدريجيّ اتجاه قيم تتعلّق بالحجاب والعفّة والحشمة والاختلاط.

2. الترويج لأدبيّات ومعايير تربط ما بين تمكين المرأة وبين حرّيّتها في اختيار الملبس.

3. جذب عقول وقلوب الفتيات المسلمات نحو قيم الغرب وأنماط حياته.

4. التسويق لحجاب ليبرالي تحت مسمى «المسلمة العصريّة».

5. بثّ روح الاستهلاك لتصاميم وملبوسات غربيّة.

يبدو جليًّا، حجم النعومة الأميركيّة في التعامل مع مسألة الحجاب، قبالة الخشونة الفرنسيّة التي بدت بقوانينها المناهضة للحجاب بشكل مباشر من دون مواربة. فمن جهة أميركا، حُسِم الصراع حول مفهوم العلمانيّة على أنّها «علمانيّة حياديّة» تقوم على احترام رموز الدين في المجتمع مع فصله الوظيفيّ عن مؤسّسات الدولة، وعدم محاربة الدين بوصفه هويّة ومؤسّسة دينيّة أو اجتماعية خاصّة، وفي ضوئه قبلت الدولة الأميركيّة لباس المحجّبات المسيحيّات والمسلمات في المجتمع والمؤسّسات الأميركيّة كمواطنين في دولة متساوين في الحقوق، لا كأعضاء في أديان تطالب بالمشاركة في السلطة ووظائف الدولة من منظور دينيّ[7].

 

5-صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي

تكوَّنت الصورة النمطيَّة للإسلام والمسلمين في الغرب عبر قرون طويلة حكمتها قضية الصراع بين الشرق والغرب ومحاولة الأخير إسقاط النموذج الإسلامي بهدف النيل من المسلمين. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بدأ الاهتمام الأمريكي بالإسلام وتعاظم مع محاولة الغربي الربط بين الإسلام والإرهاب في محاولة لتشويهه وإسقاطه.

تحدث "دييبر سنغاس"  في كتابه "الصراع داخل الحضارات" مؤكّدًا أن النظرية التي تصور الإسلام في صورة الشيطان، بدأت تروَّج في الغرب حيث أُريد منها التأكيد على قضية الصراع بين الشرق والغرب، وقد أراد الإعلام من خلال الترويج لها التأكيد على استبدال الصراع بين الغرب والشيوعي إلى نوع من الصراع بين الغرب والإسلام؛ فالشيوعي عدو للغرب ومن ثم الإسلام بعد أن انكفأت الشيوعية[8]. من جهة أخرى ساهم الإعلام في تقديم صورة عن المسلمين كان يغلب عليها طابع الخوف والاستهزاء. فالأمريكي أصبح يخاف من أناس لا يحترمون قوانين المرور ولا يلتزمون قوانين الهجرة ولا يدفعون الضرائب، ولا يقفون في صف منتظم، وليسوا مهذبين ومؤدبين[9]،... ولم تتوقف الصورة عند التفاصيل والجزئيات بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث الإسلام هو القتل من دون رحمة ولا شفقة ولا مراعاة لأبسط الحقوق الإنسانية والأخلاقية. وبشكل عام تحدث البعض معبرًا أن نظرة الغربي للإسلام كانت مبنية على أنه التطرف واللاإنسانية والتطلع إلى القوة[10].

وفي البحث عن أسباب النظرة الغربية للإسلام والمسلمين يمكن الإشارة إلى أبرزها:

  1. لعب المستشرقون من أمثال "برنارد لويس" و "صموئيل هنتنغتون" و "غوستاف فون غرونبون" وأمثالهم، دورًا  كبيرًا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد كانوا يهدفون إلى: الحيلولة دن تسرب مبادئ القرآن وتعاليمه إلى شعوبهم، التقليل من أهمية القرآن عند المسلمين وقد أشار غلادستون إلى ذلك عندما قال: "ما دام هذا القرآن موجودًا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون في أمان"[11].
  2. لعب الإعلام الأمريكي دورًا في تشويه الحقائق عن الإسلام وتقديمها على غير صورتها الحقيقية. تقدم هذه الوسائل المسلمين في صورة تتسم بالسلبية، فكل مسلم هو متخلف وخطير وإرهابي ويشكل تهديدًا للحضارة الغربية. وفي دراسة فإن نسبة الأخبار السلبية عن المسلمين التي تقدمها إذاعة صوت أمريكا بلغ 52.79% من مجموع الموضوعات والأخبار[12].

ويعمل الإعلام الأمريكي الموجه إلى تحطيم الروح المعنوية والتأثير في آراء وعواطف ومواقف المسلمين مساهمًة منه في تحقيق أهداف التغريب، لا بل تبالغ في تزيين القول وتشويه الحقائق، معتمدة على تقنيات المعلومات المتطورة وأساليب الإبداع التمويهية، والدفع باتجاه الإحساس بالنقص والتشاؤم وزرع الهزيمة النفسية بقصد تشكيل العقل والفكر[13].

  1. يساهم العدو الصهيوني في تشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلال ما يشكله من رافد ومغذٍ للإعلام الأمريكي. فقد دأب الصهيوني الترويج للإسلام المتطرف، لا بل وشنّ حملات إعلامية لضرورة مواجهة التطرف الإسلامي مستندًا إلى صوابية رأيه بما حدث في الحادي عشر من ايلول عام 2001. وفي هذا الإطار عمل الصهيوني على التغلغل والسيطرة على الإعلام الأمريكي وامتلاك المحطات التلفزيونية الرئيسية حتى أضحى يمتلك أهم ثلاث محطات تلفزيونية، عدا عن امتلاكه للعديد من الوسائل الإعلامية البارزة من صحف ومجلات ومحطات إذاعية[14]. تشير الدراسات إلى أن 85% من الشعب الأمريكي يتلقى أخباره من مصادر محلية، وأن أربع شبكات تلفزيونية أمريكية تشكل في مجموعها أكثر من 95% من الأخبار. وهذه الشبكات هي CNN  وتملكها شركة "تايم- وارنر" التي يرأسها "جيرالد ليفين" اليهودي، وشبكة ABC  وتملكها شركة والت ديزني التي يرأسها "مايكل ايزنار" اليهودي، وشبكة CBS وتملكها شركة "وستنجهاوس" ويرأسها إيريك وابر" اليهودي ومن ثم شبكة NBC وتملكها شركة "جنرال اليكتريك" ويرأسها "اندرو لاك" اليهودي. وهذا يعني كما أسلفنا أن 95 % من الأخبار والبرامج يديرها ويقدمها يهود داعمون للصهيونية. يضاف إلى ذلك أنّ لليهودي الحصة الأكبر من الصحف اليومية والمجلات ودور النشر [15].

أخيرًا فإن استهداف الدين ومفرداته دخل الاستراتيجيات الأمريكية على الطريقة الناعمة، فقدمت تلك الإدارة مشاريع وخطط قادرة على سلب الإسلام من أتباعه وزرع قيم أخرى تتناقض معه، معتقدة أنها قادرة بتلك الوسيلة على تحويل الوجهة نحو الأهداف التي رسمها العقل الاستراتيجي الأمريكي. مع العلم أن الأحداث التي شهدها العالم في العقد الأخير تثبت بما لا يدع مجاًل للشك أن تلك المحاولات الأمريكية كانت فاشلة إلى حدود بعيدة، فهي قدمت طروحات وخطط لا تنسجم من الهوية الإنسانية والدينية للشعوب المعتقدة فخاطبت الغريزة ورفعت من شأن المصلحة والمنفعة فكُتب لها الفشل. 

 

 

 


[1]  في هذا الشأن يمكن مراجعة دراسة "كشف مستقبل الحرب الطويلة – الدوافع والتوقعات وآثارها على الجيش الأمريكي" الصادر عن مؤسسة راند للدراسات الاستراتيجية الصادر باللغة العربية عام 2016.

[2]  الشرق الأوسط وخرائط الدم، د. طارق عبود، ص 448.

[3] د. طارق عبود، المصدر نفسه، ص 482.

[4]  قناة العالم 23/2/2015.

[5]  غزو العراق لم يكن الجريمة الوحيدة.. كيف صنعت أمريكا «داعش»؟، أكرم القصاص، 10 /11/ 2017.

[6]  دوافع الشراء، حقائق وأكاذيب، مارتن ليندستروم، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، 2010، ط1.

[7]  راجع كتاب: الحرب على الحجاب، دار المعارف الاسلامية الثقافية، ط1، 2019، ص39-49.

[8]  الصدام داخل الحضارات، دييتر سنغاس، ترجمة شوقي جلالن دار العين للنشر، القاهرةن ط1، 2008، ص202.

[9]  صناعة الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها، علي بن ابراهيم النملة، دار الفكر ن دمشق، 2008ن ص 125.

[10]  الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الإعلام الامريكي والمتغيرات الراهنة، شريفة رزيوق، مجلة الصورة والاتصال، العدد2، 2018، ص83-98.

[11] علي بن ابراهيم النملة، مصدر سابق، ص 118.

[12]  المصدر نفسه.

[13]  الجاليات الإسلامية في الغرب والتحدي الإعلامي، حسن عزوزي، نشر على موقع  www.muslimworldleague.orgبتاريخ 31/10/2016.     

[14]  الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الإعلام الامريكي والمتغيرات الراهنة، شريفة رزيوق، ص83-98.

[15]  الاعلام الغربي وتشويه حقائق الصراع، نشر على موقع islammemo.cc  بتاريخ 22/11/2016.

أضيف بتاريخ: 28/09/2023