كتب وإصدارات المركز

قراءة في كتاب “الحرب الناعمة المتحورة"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قراءة في كتاب

 "الحرب الناعمة المتحورة"

مُعدّ القراءة: الدكتور علي الحاج حسن

 

"الحرب الناعمة المتحورة"، عنوان الكتاب الجديد الصادر عن دار المعارف الإسلامية الثقافية في طبعته الأولى عام 2022، ومن إعداد مركز الحرب الناعمة.

يتناول الكتاب في طيَّاته نظريَّة الحرب الناعمة من باب التحليل والتقييم، ويبيّن الأسباب التي دفعت منظّري الحرب الناعمة للبحث عن بدائل أخرى أكثر جداوئيَّة في الوصول إلى النتائج المطلوبة وفي تجاوز تبعات الحروب التقليديَّة.

ظهرت نظريَّة الحرب الناعمة إلى أرض الواقع في تسعينات القرن الماضي، وقد سبق التأسيس النظري لها قبل ذلك بكثير، وقدّم العديد من المفكرين أفكارًا في حقيقة النظريَّة واستراتيجياتها وتكتيكاتها، عدا عن الوسائل والأدوات المناسبة لها. وساهم التطوَّر التقنيّ والتكنولوجيّ بالإضافة إلى الهيمنة الأمريكية وفرضها قيم العولمة على العالم، في أن تأخذ النظريَّة مجراها أثناء التطبيق، فخرج الأمريكي صاحب النظرية ليؤسّس لقواه الناعمة معتمدًا بشكل أساسي على ما يحمل من تسلّط وهيمنة على العالم مؤكّدًا أنّه قادرٌ بواسطتها على تحقيق ما عجزت عنه أشكال الحروب التقليديّة التي عرفتها البشريّة والتي خبرها الأمريكي في الكثير من حروبه حيث أيقن بعجزه عن تحقيق أهدافه بواسطتها.

وإذا كان النجاح الأمريكي في الحروب الناعمة رهن بمقدار الضعف القيمي والهوياتي في الدول المستهدفة، ومقدار الجاذبيّة والإقناع المزيّف في طروحات ومشاريع الجهة المستهدِفة؛ حيث تمكن من خلال الجاذبيَّة والترويج لنمط حياة خاص من إعادة ترتيب أولويَّات الشعوب المستهدَفة، إلّا أن مسار الأمر بدأ يعطي نتائج عكسيَّة عندما استخدم قواه الناعمة الجاذبة في الحروب الناعمة التي خاضها ضدّ محور المقاومة وعلى وجه التحديد في وجه المقاومة الإسلامية في لبنان. تشير الدراسات والتقارير إلى توجّه الأمريكي بشكل مركّز لممارسة حرب ناعمة ضد لبنان بعدما عجزت الآلة الصهيونيَّة والأمريكيَّة المتوحشة عن تحقيق الأهداف؛ وهي أهداف عدائية تندرج ضمن المخطط الصهيوني العام.

عرض الكتاب الذي بين أيدينا وبشكل مفصّل للثغرات المفهومية والتطبيقيَّة في نظرية الحرب الناعمة والتي دفعت النخب والخبراء الأكاديميين والعسكريين للخوض في إشكالات النظرية وعدم جدوائيتها، فتبين أنها يحيط بها الكثير من الإشكالات في: المفهوم وغموضه، وعدم جدوائيتها، وعدم صلاحيتها مع كل الخصوم، وعدم القدرة على قياس نتائجها، وإفراطها في الثقة بجاذبية النموذج الأمريكي [فتبين أنّ الوقائع على عكس ذلك] وإلى ما هنالك من أسباب شكلت الدافع الأساس للبحث عن بدائل حقيقية.

تمحور البحث عن البدائل حول مسائل جوهرية:

  • الاعتقاد بصوابية نظرية القوة الناعمة وكونها أفضل الوسائل الحديثة للتغيير بالأخص وأن التطور التقني والتكنولوجي وما فرضته وسائل المعرفة الجديدة [وسائل التوصل الاجتماعي على وجه التحديد]، قدّم فرصة ثمينة لتجاوز كافة إشكاليات الحروب التقليدية خصوصًا وأنّها تحافظ على التفوّق الأمريكي وتجعله لاعبًا محوريًا.
  • إدراك مقدار التحوّل الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة على مستويات عدّة من أبرزها ظهور قوى جديدة قادرة على مواجهة الحروب الناعمة وتجاوز تداعياتها، عدا عن امتلاكها قوى ناعمة ذاتية قادرة على صناعة التحصين لديها.
  • الاعتقاد بإمكانية الدمج بين مجموعة كبيرة من أشكال الاستهداف على سبيل التكامل وأداء مهمات تجعل الخصم مربكًا عاجزًا عن الإتيان بأيّ ردة فعل. ومن هذا المنطلق بدأ الأمريكي يؤسّس لنظريّته في كيفيَّة مواجهة ما أطلق عليه "مكافحة حركات التمرّد"، مؤكّدًا أنّ إخضاع الخصم لا يحصل إلا من خلال القضاء على كافّة أشكال القوة الموجودة عنده.

بناءً على ما تقدّم كان التوجّه لتطوير نظرية الحرب الناعمة، مما يجعلها أكثر فعاليّة في الوصول للأهداف، فظهرت أفكار ونظريّات جديدة حوّرت المفهوم وطوّرته ورفدته بكل أساب النجاح، فكانت نظريات الحروب الناعمة المتحورة.

بعبارة أخرى الحرب الناعمة المتحورة التي تناولها الكتاب هي النسخة المطّورة عن نظرية الحرب الناعمة، انطلاقًا من كافّة المتغيّرات التي يعيشها العالم، والتوجّه نحو الأساليب التي تضمن النتائج وتضع الخصم في مأزق عدم القدرة على اتّخاذ القرار المناسب.

يضيء الكتاب على مجموعة متنوّعة من أشكال الحرب الناعمة المتحورة مبيّنًا المفهوم والنطاق والاستراتيجيات المعمول بها، بدايةً من الحرب الذكية، إلى الحرب المعرفيَّة، الإلكترونية والسيبرانية، وحرب الأفكار، والقدرة على الإرغام، وحرب الوعي، والحرب الطويلة، وغيرها من أشكال الحروب التي تندرج في السياق نفسه.

لعل النقطة المشتركة في كافة أشكال الحرب الناعمة المتحوّرة، اعتمادها استراتيجية المنطقة الرمادية التي يُراد منها: تقييم الأساليب البديلة التي يُعتمد عليها من أسمتهم امريكا بـ "المنافسين" ومواجهتهم، حيث يرى الأمريكي بأن هناك من ينافسه ويتحدّى إرادته ويهدّد قواعد النظام الدولي، مستخدمين أدوات غير عسكرية، وهذا ما يفرض اللجوء إلى مجموعة من الإجراءات الفاعلة ضد الخصوم.

أخيرًا، يبدو أنّ الأمريكي بات مقتنعًا أكثر من أيّ وقت مضى بتراجع نموذجه وتدهور قيمه التي شكلت لعقود عديدة مصدر قوّته الناعمة، فتراجعت جاذبيَّة الأمريكيّ وظهرت إخفاقاته، فأضاف لسلوكه العدائي ضد الشعوب كل ما يتّسم بـ اللاإنسانيَّة، وما إضافة الحرب الاقتصادية والتجويع والإفقار والفوضى إلى لائحة حروبه المتحورة إلّا دليل إضافيّ على ما يحمل من شرّ للشعوب التي وكما يظهر في الكثير من النماذج بالأخص في لبنان أنّها شعوب فهمت حقيقة النظام الأمريكي وأدركت أنَّ ما تحمله من قيم وما ترسمه من هويّة لذاتها هو السبب الأساس لمواجهة المعتدي في أيّ شكل من أشكال الحروب.   

أضيف بتاريخ: 04/10/2023