مقالات عامة

الحرب الذكيّة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحرب الذكيّة[1]

ترجمة الدكتور علي الحاج حسن

 

الحرب الذكيّة هي الحرب التي يُستخدم فيها تركيب من الأدوات والاستراتيجيّات والتكتيكات الموجودة في الحربين الصلبة والناعمة في زمان واحد. الخاصيّة الأساسيّة للحرب الذكيّة استخدام كافّة القدرات العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة لمواجهة العدوّ. يمكن الإشارة إلى الحرب الذكيّة[2] من ناحية كونها جامعة[3] فهي تستخدم الأسلحة المناسبة للهدف، ومن خلال استخدامها لأسلحة ذكيّة ومناسبة بالإضافة إلى عدم إلحاق الضرر بالأفراد والمحيط البعيد عن الحرب والحفاظ على البيئة، تتمكّن من إنزال أكبر ضرر في الهدف المحدّد، بدقّة كبيرة. تارة يكون الهدف الإبادة والقتل [4]، وتارةً أخرى يكون الهدف التعطيل والجرح. وكمثال على ذلك، بدل إيجاد أرضٍ محروقةٍ في الحرب الأمريكيّة على العراق وتدمير مصافي النفط بالكامل، حاول المعتدي توجيه ضربة تسمح له بإعادة تشغيلها والإفادة منها بعد الغزو في مدّة قصيرة. وعلاوةً على جرح الطرف المقابل وتعطيل المقاتلين ورّط باقي الأطراف وعثّر حركتهم. في هكذا حرب، تنتفي الحاجة لكثافة القصف العشوائي والواسع والمكلّف، ويتمّ التخطيط لقصف دقيق للاهداف[5].

يُستفاد في الحرب الذكيّة من الأنظمة والأسلحة الذكيّة[6]، وقد تطوّرت هذه الأنظمة منذ سبعينيّات القرن الماضي (1970)، ثمّ تسارعت عمليَّة تطوّرها فكان لها مكانة خاصّة في ما يُطلق عليه "ثورة في الشؤون العسكريّة".[7]

نذكر من جملة الأنظمة الذكيّة الموجودة، صواريخ كروز بعيدة المدى والذخائر الدقيقة الموجّهة المستخدمة في المقاتلات والمدفعيّة؛ وإذا توافرت معلومات كافية حول الهدف وكانت في متناول اليد، وجرى توزيعها بشكل مناسب، عند ذلك تتمكّن هذه الأنظمة من الهجوم على الهدف بشكل متناسق ممّا يقلّل من الخسائر الجانبيّة[8] إلى الحد الأدنى. أنظمة الهجوم الدقيقة تكشف الأهداف الثابتة والمتحرّكة ذات الخطورة والقيمة العالية، فتدمّرها بدقّة كبيرة وفي أقصر مدة وأقل خسائر جانبية.

الحرب الذكيّة هي تأثير الذكاء الحربيّ للأفراد والمجموعات والشبكات في المعركة، هي حرب تؤدّي إلى إيجاد مهارات عالية التكيّف مع البيئة المحيطة، مع قدرة عالية على اجتذاب الفرص واتّخاذ القرارات المناسبة على جميع الصعد. من هنا تعدّ الحرب الذكيّة حرب معرفيّة، وتبرز في الحرب الذكيّة الحاجة إلى "الذكاء الجمعيّ"[9] بالإضافة إلى الذكاء الفرديّ.

الحرب الذكيّة هي القدرة على تطبيق التهديدات الذكيّة، وهي على علاقة مباشرة بالقوّة الذكيّة. الحرب الذكيّة هي جيل جديد من الحروب والتي تختلف عن أجيال الحروب الأخرى في القدرة على الاستفادة من الذكاء الفرديّ والجمعيّ، بالإضافة إلى الذكاء الصناعيّ وإيجاد نوع من "الذكاء الحربيّ".

"الذكاء الحربيّ" ليس سوى تأثير ذكاء الأفراد والمجموعات في المعركة، وهي حرب تؤدّي إلى إيجاد مهارة التكيّف مع البيئة المحيطة وقدرة عالية على اجتذاب الفرص واتّخاذ القرارات المناسبة على كافّة المستويات. الحرب الذكيّة ليست الحرب التي تحصل عن طريق السلوك، والهيكل والأدوات والتكنولوجيا الحديثة فقط، بل تحصل أيضًا نتيجة تفاعل وتركيب أنواع الحروب. وبعبارة موجزة، هي حرب تبحث عن الآثار الاستراتيجيّة لكلّ إجراء؛ لذلك تعدّ حربً مؤثّرة، وتستفيد هذه الحرب من مجموعة متنوعة من المستويات غير المتجانسة، لذا فهي حرب غير متجانسة.

تقدّم الحرب الذكيّة إجابات مُقنعة واستدلاليّة على الحاجات المعرفيّة للأفراد والمجموعات العسكريّة وغير العسكريّة؛ لذلك تعدّ حربًا معرفيّة. ويقول البعض إنّ المعارك والحروب الذكيّة هي حرب الفكر الأفكار، ويعبّر "صاموئيل هانتنغتون"[10] في كتابه "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالميّ":

"النصر لن يظهر بشكل كامل أو قطعيّ، ولن يرتبط على وجه اليقين بالنجاحات العسكريّة كما هو الحال في أكثر حالات التمرّد. إنّ علاج الأمراض السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة مفيد، إلّا أنّه لن يكون مصيريًا. إنّ الأمر الهامّ وقبل أيّ شيء آخر، الانتصار في حرب الأفكار، لا ينبغي أن يظنّ شخص أن بإمكان العالم المتطوّر الانتصار في هذه الحرب في المستقبل القريب". (هانتنغتون، 1388: 29).

صحيح أنّ الجيوش اليوم تمتلك تجهيزات متطوّرة كافية لهزيمة الدول؛ إلّا أنّ هذه التجهيزات ليست أدوات مناسبة لمحاربة الأفكار. يرتبط الانتصار في الحرب اليوم بمستوى جذب الشعوب الأجنبيَّة إليك ومساعدتهم لك في إيجاد حكومات قويّة تابعة. ومن جهة أخرى، فإنّ الاعتماد الصرف على جذب القلوب والأفكار لا يمكن أن يشكّل عاملًا قطعيًّا للوصول إلى الأهداف في الظروف الحاليّة من دون تقوية البنية العسكريّة؛ لذلك تشتمل هذه الحرب على نوع تركيب استراتيجيّ متعدّد الأوجه ومعقّد لمواجهة العدوّ.

يعمل هذا التركيب الاستراتيجيّ وبالاستعانة بالبيانات المركبة الصلبة والناعمة المتنوّعة، بالاضافة إلى العديد من السيناريوهات العملياتيَّة على إدارة العمليّة الداخليّة في بلد العدوّ، وجذب الرأي العامّ نحو رؤية خاصّة لقضايا الأمن القوميّ، وفي النهاية التأثير على مراكز صنع القرار في اتّخاذ القرارات الجمعيَّة الداخليّة وسَوْق العدوّ نحو أدوات منها الاتهامات الكاذبة والمزيفة، والصور المغلوطة، والحصار وغيرها، ممّا يؤدّي إلى انزواء البلد المستهدف على المستوى الدّوليّ.

ثمّ تبدأ عمليّة تلقين الرأي العامّ في البلد المستهدف بأنّ المقاومة والصمود أمام مشيئتهم يُحمّلهم تكاليف باهظة لن تكون في مصلحتهم على الإطلاق. يعمل العدوّ لزرع الشك وخلق بيئة مُحبطة تنعدم فيها الثقة عن طريق إيجاد أجواء رماديّة ومبهمة. يؤدّي هذا الأمر إلى وجود ظروف تجعل البلد المستهدف في موقع ضعف فيقتنع أهل البلد ونُخبه بعدم جدوى استراتيجيّة المقاومة والصمود وأنهم في ظل الوضع المتأزم، عليهم إعادة النظر في سلوكهم، والعمل طبقًا لنماذج العدو السلوكيَّة.

يُستفاد في هذه المرحلة من التصدّع بين النُخب لزيادة وتيرة النزاعات والخلافات الداخليّة، وفي مرحلة لاحقة تزداد الضغوطات الصلبة، فيستعين العدوّ بكافّة الخيارات المتاحة (الحصار الاقتصاديّ والتهديد العسكريّ) للانتصار في الحرب. ومن ثم، تبدأ عمليّة خلق إجماع دوليّ ضدّ البلد المستهدف. إنّ جميع هذه المراحل والأدوات هي من أجل إلزام البلد المستهدف بالحركة وفق ما يريده العدوّ، وفي النهاية، وعند عدم الالتزام، تُسحب المشروعيّة السياسيّة من البلد. تجدر الإشارة إلى أنّ الإجراءات تلك قد لا تجري طبق الترتيب المذكور، بل قد تحصل جميعها في وقت واحد.

عملت أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م على مواجهة خصومها بأسلوب جديد، فمارست حروبًا غير متجانسة. سَعت أمريكا في هذا الإطار وبشكل ذكيّ إلى تضخيم القوّة التي لا تمتلكها لتضفي شرعيّة على سلوكيّاتها اللاحقة ضدّ خصومها (ﭼو كامى، 1389: 148-153).

ومن هنا، عمدت إلى رسم صور جاذبة لها وإلى خلق صور مشوّهة وغير مبرّرة لخصومها، وإلى استخدام واسع لحروب الشبكات[11] على أنها حرب المعلومات[12] في المجتمعات. (يتمّ توجيهها نحو المجتمع والأهداف غير العسكريّة). (رفيع، قربى، 48: 1392).

تجدر الإشارة إلى أنّ أمريكا قدّمت صورًا مختلفة عن نفسها في حقبتين زمنيّتين، الأولى بين العام 1991 والعام 2003، والثانية من العام 2003 وإلى وقتنا الحاضر، وكان التركيز الأمريكيّ في المرحلة الأولى حول محوريّة عمليّة قاعدة التأثير وفي المرحلة الثانية حول محوريّة الحرب غير النظاميّة (جلالى، 1391، 25)[13].

 

 


[1]  مترجم من كتاب "دفاع هوشمند در انديشه امام خامنه اى (مد ظله العالى)"، تأليف رحمان لطفى مرزناكى، انتشارات آواى ىسبحان، 1394 ه.ش [2016م]

[2]  كان باراك أوباما قد عرض مصطلح الحرب الذكيّة أيضًا، في هذا الشأن يمكن الرجوع إلى" باقرى ﭼوكامى، 1389.

[3] من خلال استخدام كافّة القوى الناعمة والصلبة استحضار جميع أنواع الحروب العسكريّة وغير العسكريّة وجميع الأدوات التي تحتاج إليها هذه الحروب

[4] كما هو الحال في هندسة القيم.

[5] في هذا الشأن راجع: Kapoor, 2010, 53.

[6] Precise weaponry systems

[7] [Revolution in Militancy Affairs (RM)( راجع في هذا الشأن: محمّدي 1384: 37)]

[8] Lateral Damages

[9] Collective intelligence

[10] Samuel Huntington

[11] حرب الشبكات هو العنصر المحوريّ في حرب عصر المعلومات والذي يدور حول اشتراك المعلومات، حيث يتمّ تدوير المعلومات عن طريق وسائل التواصل والإعلام ممّا يؤدّي لإيجاد ارتباط بين مختلف الأفراد. ويضمن التعاون واشتراك المعلومات في حرب الشبكات،  أن العمليات العسكرية، وكل الثروات المناسبة، يتم وضعها بسرعة تحت تصرف القادة. (حيدرى، 1391: 115). وتبيّن حرب الشبكات ظهور نمط جديد من الحروب على المستوى الاجتماعيّ، وهي حرب أصغر من الحرب التقليديّة. قد يتمركز نشاط حرب الشبكات حول الرأي العامّ أو النخب أو كلاهما وتشتمل على الدبلوماسيّة، الإعلام، العمليّات النفسيّة، التخريب والتهديم السياسيّ والثقافيّ، الخداع، التدخّل في وسائل الإعلام المحليّة، العبور من الفلاتر الوقائية والامنية لشبكات المعلوماتية وقواعد البيانات والسعي لدعم الأفراد والمجموعات المعارضة على الشبكات الالكترونية (ناجى راد، 1384: 240)

[12] حرب المعلومات، عبارة عن الإجراءات المتّخذة للوصول إلى الأفضليّة على مستوى المعلومات والتي تترك تأثيرها على المعلومات والانظمة الاستخباراتية للعدوّ، وتتلقّى الدعم من الاستراتيجيّة الوطنيّة العسكريّة وفي الوقت عينه ترفع من مستوى المعلومات الذاتيّة وتدافع عنها (كلية الفكر، 1388: 246)

[13] الحرب غير المنظمة (Irregular warfare) هي حرب عنيفة بين قوى حكوميّة وأخرى غير حكوميّة بهدف اكتساب الشرعيّة والتأثير على الناس. وتدعم هذه الحرب الأساليب غير المباشرة وغير المتعارف عليها، ومع ذلك قد تستخدم الأسلحة العسكريّة والامكانيات الأخرى لتفتيت قوى العدوّ وإضعاف إرادتها وتفوّقها (رشيد ومعاونوه، 9: 1393).

 

أضيف بتاريخ: 20/11/2023