مقالات عامة

الشباب الشيعيّ، كيف صنعوا التغيير؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشباب الشيعي، كيف صنعوا التغيير؟

د. أحمد الشامي

 

يرى المفكر الفرنسي" فرنسوا تويال" في كتابه الشيعة في العالم، أنّ التطوّر الكبير لدور الشيعة في لبنان إنّما يرتبط بمتغيّر جوهريّ حدث عندهم تمثّل في استعادة الدين وعلماءه لدورهم التاريخي في هذا البلد، ولعلاقتهم العميقة مع المرجعيَّة الدينيَّة في إيران.

فمن مسلّمات القول، بأنّ النمو المضطّرد لدور الشيعة في لبنان هو عميق الصلة بتلك الاستجابة العمليّة التي حدثت بينهم مع أطروحة الإمام الخميني(قده) حول ولاية الفقيه، فوحدة القيادة انعكست على فعاليّة خطابهم الديني والأداء، ما جعلته هادفًا ومؤثّرًا لتحقيق رؤية واحدة وجامعة على مستوى صناعة التغيير.

كما يُفهم التطوّر الملفت لناحية انجذاب الشباب الشيعي في لبنان نحو الدين، بعدما ابتعدوا عنه طيلة عقود طويلة حيث انتشرت بينهم الفكرة الماركسيّة بأنّ الدين أفيون الشعوب، وذلك بعدما عاد الدين وخطابه ليأخذ دوره القيادي، فغدا علماء الدين والمبلّغين عامّة في تعبيرهم العملي عن التزامهم بخطّ الولاية إنّما يكمن في مدى انخراطهم بقضايا المجتمع وتحدّياته العقائديّة، والسياسيّة والاجتماعيّة، بما فيها التواجد في ميادين المواجهة والساحات.

تاريخيًا، سبق أن كان في لبنان – بحسب المؤرّخ محمد علي مكي - محاولة جادّة خلال العهد المملوكي، حين سعى الفقيه الشهيد محمد بن مكي الجزيني العاملي (734-786هـ) لإحياء مسألة "نائب الإمام".

حيث من الثابت بأنّ الشهيد الجزّيني[1] هو في مقدّمة من عمل على تنظيم علاقة الأمّة بالفقيه من خلال شبكة من الوكلاء الذين ينوبون عنه في تنظيم شؤون الناس في دينهم ودنياهم. وبسبب هذا العمل بمدلولاته السياسيّة قضى المرجع الجزيني حياته قتلًا على يد السلطة المملوكيّة فانفرد بحيازة لقب الشهيد الأوّل.

أما في العصر الحالي، ومع إعادة العمل بمبدأ ولاية الفقيه، ترسّخت أكثر المشروعيّة الدينيّة للأداء السياسيّ والاهتمام بالشأن العام. فبحسب أطروحة الإمام الخميني(قده) الذي أوردها في كتابه الحكومة الإسلاميّة، يرى بأنّ دور العالم الفقيه مماثل لدور الأنبياء والأئمة، إذ لا ينحصر في بيان المسائل والأحكام، بل يتعدّاها إلى إقامة نظام اجتماعي عادل وتطبيق الأحكام والقوانين. وبذلك استطاع الطرح أن يُرسي موقعًا متقدّمًا لدور عالم الدين الحائز على شرائط جرى تعيينها بدقة، وهذا ما يجعله قائدًا يعود إليه المؤمنون في الاسترشاد الديني والسياسيّ، من منطلق الالتزام بالتكليف الشرعي.

لقد بدأت في لبنان مصاديق هذا الالتزام مع قرار جريء وواع اتّخذه شباب ينتمون إلى أُطر إسلاميّة متعدّدة بالذوبان في إطار واحد وجامع بناءً لتوجيهات الإمام الخميني(قده)، فكان تأسيس حزب الله وإعلانه عن هويّته الإيمانيّة الجهاديّة المُقاومة عقب الاجتياح الإسرائيليّ عام 1982، والذي أكّده في رسالته المفتوحة عام 1985، حيث أعلن فيها الالتزام بالولي الفقيه، كونه قيادة واحدة وحكيمة وجامعة للشرائط.

إنَّ من يقرأ التجربة الشيعيّة الحديثة خلال العقود الماضية، يُدرك كم استطاع هؤلاء الشباب أن يُحدثوا التغييرات الكبرى على مستوى صورة لبنان وهويّته، ويُدهشون القريب كما العدو، إذ ما عاد لبنان كما كان منذ نشأته بأنّه القوي بضعفه، والضعيف بثقافته وهويّته أمام الليبرالية الغربيّة ونماذجها. ولذلك، بات هؤلاء الشباب موضع الاستهداف الأول، وهم يتطلّعون إلى الدين في الخطاب والأداء بأن يكون على مستوى تعاظم التحدّيات التي يواجهونها.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 


[1] نسبة إلى بلدة جزين العامليّة التي كانت حاضرة علميّة شيعيّة في لبنان.

أضيف بتاريخ: 13/02/2024