مقالات عامة

المسجد، مقرّ عمليّات التبيين

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسجد، مقرّ عمليّات التبيين

بقلم السيّد حسين قشاقش

 

من المُتعارف وجوده عند مختلف الأديان السماويّة وغيرهم هو تحديد كلّ دين لمكان خاصّ يُتّخذ للعبادة، حيث يذهب الأفراد والجماعات لأداء عباداتهم في أوقات محدّدة، تختلف باختلاف الأديان والمذاهب، فيكون ذلك المكان هو البقعة التي يمارس فيها المتديّن طقوسه العباديّة حسب المسنون في دينه، فهل المسجد في الإسلام هو مكان للتعبّد فقط كما في بقيّة الأماكن العباديّة للأديان الأخرى؟

 

في الواقع، إنّ المتتبّع لأدبيّات الإسلام وروايات النبي العظيم محمد(ص) والأئمة الطاهرين من ذريته( فيما يخصّ المسجد ودوره في بناء الحضارة الإسلاميّة والخلافة الإلهيّة على الأرض، لَيعلمُ أنّ المسجد هو مركز انطلاق لكلّ الأعمال الإنسانيّة الحضاريّة في كلّ زمان ومكان، وهو ما أكّد عليه الإمام الخامنئي(دام ظلّه) في مناسبات عديدة، وكإطلالة على هذا الدور العظيم للمسجد نستعرض الحديث التالي، فقد ورد في الرواية عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) أنّه كَانَ يَقُولُ:

 

‏ "مَنِ اخْتَلَفَ‏ إِلَى‏ الْمَسْجِدِ أَصَابَ إِحْدَى الثَّمَانِ: أَخاً مُسْتَفَادًا فِي اللَّهِ أَوْ عِلْمًا مُسْتَطْرَفًا أَوْ آيَةً مُحْكَمَةً أَوْ سَمِعَ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى أَوْ رَحْمَةً مُنْتَظَرَةً أَوْ كَلِمَةً تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى أَوْ يَتْرُكُ ذَنْباً خَشْيَةً أَوْ حَيَاءً"[1].

 

فالإمام عليّ(ع) قد حدّد ثماني فوائد يحصل عليها من يتردّد إلى المسجد، ولم يحصر دور المسجد في أداء الصلاة فقط كما تفعل باقي الأديان والمعابد، وحسبنا الإشارة إلى فائدتين عظيمتين ذكرهما الإمام(ع) في الحديث وهما:

  1. أن يسمعَ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى
  2. أن يسمعَ كَلِمَةً تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى

بتعبير آخر فإنّ المتردّد إلى المسجد يستفيد فيه سماع كلمة ترشده إلى الصواب، وكلمة تبعده عن هلاك، وهذا هو فحوى جهاد التبيين الذي طلبه الإمام الخامنئي(دام ظلّه) وأكّد عليه مرارًا، حيث أنّ التبيين هو إرشاد الناس والتوضيح لهم، واستنقاذهم من مكائد إبليس، وتضليل العدو.

 

كيف يستحصل المصلّي في المسجد على هذه الفوائد؟

إنّها مسؤوليّة إمام المسجد، وإمام الجمعة، ومن هذا المنطلق، يشير الإمام الخامنئي(دام ظلّه) إلى أهميّة منبر الجمعة كمنصّة بل مركز رئيسي للتبيين مشبّهًا له بمركز عمليّات الحرب العسكريّة، بحيث ينبغي أن يكون إمام الجمعة قائد هذا المقرّ والفاعل الأكبر المسؤول عن ترتيب كلّ القضايا فيه، وهذا يحمّل إمام الجمعة مسؤوليّة كبيرة في اختيار العناوين والموضوعات ذات الربط بالشأن العام اليومي والمعاصر.

 

"نحن الآن وسط معركة كهذه وفي حالة جهاد من هذا النوع، إنهم يهاجمون إيمان أبناء شعبنا ويهاجمون بصيرة الناس، ويهاجمون تقوانا ويهاجمون أخلاقنا، وينشرون مختلف الفيروسات المعنوية الخطيرة في أوساطنا. حسنًا، ما الذي يجب علينا فعله؟ يجب علينا الدفاع، وهذا يحتاج إلى مركز عمليات ومقرّ، كما هي الحال في مقرات ساحة الحرب. وصلاة الجمعة تعتبر واحدًا من أهم هذه المقرات، هي مقرّ الإيمان؛ مقرّ التقوى. فلننظر إلى صلاة الجمعة بهذا المنظار. وأنتم قادة هذه المقرات، فإن لكلّ مقرٍّ من مقرات الحرب قائدًا، والقائد لمقر إمامة الجمعة هو إمام الجمعة بنفسه.

 

حسنًا، الهدف الأساس لهذا المقر هو التبيين، كما كان الهدف الرئيس لأنبياء الله هو التبيين؛ بيان الحقيقة.

 

إن صلاة الجمعة كما هو ظاهر من اسمها، مكانٌ للتجمّع ومحلٌّ للاجتماع، وهي تشكّل فرصة كبيرة للتبيين"[2].

 

كما أنّنا لا نبالغ إن قلنا أنّ اقتصار أداء أئمّة المساجد والجمعة على أداء الصلاة فقط، إنّما هو تفريغ للمسجد من دوره الريادي والحضاري الذي وضعه الإسلام وحدّده له، بل إنّ اللازم في هذا الصدد هو تصدّي أئمّة المساجد والجمعة للتبيين ورفع مستويات البصيرة لدى المؤمنين في كلّ المجالات والميادين، ينبغي أن لا تنقضي خطبة الجمعة قبل أن يستفيد المصلّون من كلمة هداية سياسيّة واقتصاديّة ودينيّة وإعلاميّة، كما ينبغي أن لا تنقضي كذلك خطبة الجمعة قبل أن يستفيد المصلّون من كلمة تدفع شبهة سياسيّة ودينيّة واقتصاديّة وإعلاميّة، فالإسلام دين شامل، والمسجد أحد مظاهر هذا الدين ويشابهه في الشمول لكافّة الميادين، وإلّا فإنّنا نكون أمام تصرّف علماني داخل المساجد كما وصفه الإمام الخامنئي(دام ظلّه)[3].

 

من جهة أخرى، لا بدّ أن يشعر المؤمنون وبالخصوص الشباب منهم، أنّ المسجد هو المكان الذي يثقون به ويثقون بمعطياته وتحليلاته، بعيدًا عن تضليل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنّ إمام المسجد وخطبة الجمعة هما طريق بيان الشبهات وتوضيح الحقّ من الباطل، فيكون المسجد وتوجيهات إمام المسجد منطلقًا للشباب المؤمن في اتخاذ المواقف الحكيمة والواعية في وجه المستكبرين والأعداء في الداخل والخارج، وبهذا يصبح المسجد محجًا دائمًا للشباب المؤمن والواعي الذي يقصد البحث عن الحقائق وتبيّن الشبهات في زمن تندر فيه مصادر الحقيقة.

 

والحمدلله ربِّ العالمين

 


[1] . الطوسي، محمد بن الحسن‏، تهذيب الأحكام، ج3، ص 249، حديث 1

[2] خلال لقاء الإمام الخامنئي مع أئمة الجمعة في مختلف أنحاء البلاد، 4/1/2016

[3] خلال لقاء الإمام الخامنئي مع أئمة الجماعة في مساجد محافظة طهران 21/8/2016

 

أضيف بتاريخ: 08/03/2024