مقالات عامة

ستّة خطوات لتربية هادفة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ستّة خطوات لتربية هادفة

الشيخ حسن أحمد الهادي

 

المقدِّمة:

يدفع النضوج العقليّ الشاب إلى التفكير بجدّيّة في العالم المحيط به؛ بقصد تحصيل المعرفة التي هو بأمسّ الحاجة إليها، ولا يكون تفكيره محصورًا بأمور الدنيا، بل يشمل المسائل الدينيّة التي تلحّ على عقله، وتطلب منه تفسيرًا واقعيًّا عن التوحيد والخالق، والغاية من خلق الإنسان، وأصل النشأة الإنسانيّة وكيفيّتها، وقضايا البعث والحساب والجنّة والنار، وغيرها من المسائل الدينيّة؛ ولهذا لا ينبغي للمربّين والمعلّمين أن يتركوا المراهق والشابّ وحيدًا في معالجة المسائل الفِكريّة والثقافيّة والدينيّة، التي تدور في عقله، وتتدخّل تدريجيًّا في تكوين شخصيّته ونظرته إلى القضايا الدينيّة، وكلّ ما يحيط به، وهذا يفرض ضرورة مساعدته في الوصول إلى الإجابات الوافية بأسلوب منطقيّ، والعمل على تأمين البيئة التي تساعده على تكوين جانب من شخصيّته، وتوجّهه نحو الأصلح. وفي ظلّ حساسيّة التربية وصعوبتها في هذه المرحلة المصيريّة من عمر الشباب، يُنصح الأهل والمربّون، بسلوك الخطوات التربويّة الآتيّة:

 

الخطوة الأولى: معرفة قوى النفس

إنَّ تعريف المراهقين والشباب على قوى النفس التي تؤثّر في تربيتهم وتنعكس على سلوكهم أمرٌ ضروريّ، فقد خلق الله- تعالى- في الإنسان مجموعة من الغرائز والقوى التي تنسجم مع تكوينه، منها: القوة الشهويّة، والقوة الغضبيّة، والقوّة الوهميّة، وهي تؤثّر سلبًا أو إيجابًا في سلوكه، وفي علاقته بالله تعالى، فإن ابتعد عن الذنب بإرادته واختياره، وعن طريق تحكيمه لعقله وسيطرته على غرائزه، فإنّه يصل إلى درجة أعلى من الملائكة، وإن لم يعرف هذه القوى ولم يسعَ إلى توجيهها، فإنّها ستؤدّي به إلى الهلاك الحتميّ، والوقوع في المخالفات والسلوك السلبيّ فضلًا عن المعاصي.

 

الخطوة الثانية: المعارف العقديّة

المقصود هو معرفة الإنسان بمبدئه ومنتهاه، والتي تتضمّن معرفة الله ومعرفة النبيّ والمعاد. إنّ هذه المعارف تجيب عن أهمّ التساؤلات التي تدور في عقول الشباب. ومن الواضح أنّه لا يمكن العمل على بناء شخصيّة أخلاقيّة وتربويّة سليمة ومتوازنة دونها؛ لأنّ العقيدة الصحيحة تعزّز الإيمان بالله، والثقة به، والتوكّل عليه سبحانه وتعالى، وهذا يصون الشخصيّة من كلّ ألوان الانحراف والشبهات والتحدّيات التربويّة المعاصرة.

 

الخطوة الثالثة: المعارف الأخلاقيّة والفقهيّة

يتجلّى الجانب العمليّ للمعرفة العقديّة في سلوك الإنسان من خلال أمرين:

  • الأوّل: التعرّف على القيم الأخلاقيّة والمعارف التربويّة والعمل بها وتطبيقها؛ ما يؤدّي بالإنسان إلى تجنّب السلوكيّات التي تكون سببًا في ضياعه وانحرافه على المستوى الشخصيّ والروحيّ، وتدفعه إلى التحلّي بالسجايا والفضائل الأخلاقيّة الحسنة.
  • الثاني: معرفة الأحكام الفقهيّة العباديّة وغيرها، وتطبيقها في أعماله العباديّة وفي سلوكه الفرديّ والاجتماعيّ، فإنّ القيام بالفرائض والعبادات من قبيل الصلاة والصوم، يترك آثارًا إيجابيّة في تكوين الشخصيّة ويسهم في استقرارها النفسيّ. وإنّ الالتزام بالأحكام الفرديّة والاجتماعيّة يربّي الإنسان على احترام الآخرين وحفظ حقوقهم، ويُنتج سلوكًا إيجابيًّا مثمرًا؛ وما ذلك إلا لأنّه حكم من عند الله العالم وحده بطبيعة تكوين الإنسان وأسرار خلقته.
  •  
الخطوة الرابعة: تحفيز الأمل والطمأنينة في النفس

للأمل دور مهمّ في إدامة حركة الحياة، والتطوّر البشريّ في الأبعاد المادّيّة والمعنويّة، وإذا فُقد الأمل فإنّ الإنسان يعيش بين اليأس والاكتئاب والقلق، بل قد ينزوي ويبتعد عن عمله ويترك حياته الطبيعيّة؛ وذلك لأنّ الأمل يعطي الإنسان قوّة وثباتًا وعزيمة في مختلف الميادين والساحات،  وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «الأمل رَحْمَةٌ لأمتي وَلَوْلا الأمل مَا رَضِعَتْ وَالِدَةٌ وَلَدَهَا وَلاَ غَرَسَ غَارِسٌ شَجَرَهَا»[1].  ونقرأ هذا المعنى في ما ورد عن المسيح(ع)، فإنّه كان جالسًا يومًا في مكان، وشاهد شيخًا كبيرًا يحرث الأرض بمسحاته، ويثير الأرض، فقال عيسى(ع): "اللهم انزع منه الأمل"، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة، فقال عيسى(ع): اللهم أردد إليه الأمل، فقام فجعل يعمل. فسأل عيسى(ع) الرجل عن ذلك فقال: "بينما أنا أعمل قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير؟ فألقيت المسحاة واضطجعت، ثم قالت لي والله، لا بدّ لك من عيش ما بقيت، فقمت إلى مسحاتي[2].

إنَّ نفس هذا الأمل الّذي يُعدّ رمز حركة الإنسان، وسعيه في حياته الدنيويّة والماء الّذي يسقي أرض حياته الميتة ويُنعش إحساسه وعواطفه بغدٍ أفضل، إذا تجاوز عن حدّه المرسوم أصبح على شكل سيل مدمّر يأتي على الأخضر واليابس، ويُغرق الإنسان في وحل حبّ الدنيا، والظلم والجريمة والإثم. روي عن النبي الأكرم(ص) أنّه قال يومًا لأصحابه: «أكلّكم يُحِبُّ أن يَدْخُلَ الجَنّةَ؟ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: قَصِّرُوا مِنَ الأمَلِ وَاجْعَلُوا آجَالَكُمْ بَيْنَ أبصاركم وَاسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»[3].

 

الخطوة الخامسة: الابتعاد عن جلساء السوء

إنَّ من الأمور الخطيرة التي توقع الإنسان في المعصية جلساء السوء؛ لأنّهم يزينّون له المعاصي ويجعلونه مثلهم، فالإنسان يتأثّر بمن يصاحب، والصديق يترك تأثيراته السلبيّة والإيجابيّة بشكل لا شعوريّ على صديقه، ما يجعل الصداقة ذات تأثير قويّ بمصير الإنسان في كثيرٍ من الحالات. ولمصاحبة ومجالسة أصحاب السوء مضار كثيرة نذكر منها:

- إنّه قد يشكّك بعقائدك الحقّة، ويصرفك عنها إلى العقائد المنحرفة.

- يدعو جليسه إلى مماثلته في الوقوع في المحرّمات.

- إنّ المرء بطبعه يتأثّر بأخلاق جليسه وسلوكه وعاداته.

- إنّ مجالستهم فيها هدر ومضيعة للوقت.

 

الخطوة السادسة: مخالفة الأهواء والمحاسبة، والنقد الذاتيّ

لكلّ إنسان أهواؤه -قلَّت أو كثرت- وهي تتعلّق بالشهوات والمال والأكل والشرب والجاه والمركز والتحكّم والسيطرة على الآخرين... والمهمّة الملِحّة هنا هي إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك، والتحكّم فيها، وعدم السماح لها بالسيطرة على النفس، وهذا ما ينتج من مجموعة عوامل من أهمّها مخالفة الهوى. قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٤٠﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} (سورة النازعات، الآيتان 40-41).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 


[1] المجلسيّ، محمد باقر: بحار الأنوار، ط3، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1402هـ، ج 74، ص 173.

[2] المجلسيّ، المصدر نفسه، ج14، ص329.

[3] الكاشانيّ، محسن: المحجّة البيضاء، ط2، دفتر انتشارات إسلامي، قم، (لا ت)، ج 8، ص246.

أضيف بتاريخ: 13/03/2024